"قدمت على كل خدمة خاصة باللاجئين من معونات أو منحة تعليم للأطفال أو بطاطين (معونة شتوية) إلى بطاقة كارفور (معونة تموينية) لكن النتيجة كانت الرفض لأني ‘لاجئ فلسطيني‘. حتى في ظل وباء كورونا وتكثيف المساعدات للاجئين المعوزين لم أُمنح وأسرتي أي دعم".
هذا ما قاله لرصيف22 شاكر عبده عن تعامل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) في مصر معه منذ وصوله وأسرته إلى البلاد قبل أكثر من 15 عاماً هرباً من غزة بسبب ظروف إنسانية قاهرة، أطلعنا رب الأسرة عليها وفضل عدم نشرها.
استبشر شاكر بسرعة قبول طلب لجوئه هو وأسرته فور التواصل مع مكتب المفوضية التابعة للأمم المتحدة بمصر، وظن أن إعادة توطينه واستقرار أسرته في بلد ثالث آمن سيكونان وشيكين. لكنه قضى سنوات طوالاً في طرق أبواب المفوضية والانتظار في طوابيرها دون معرفة مصيره ومصير أسرته أو الحصول على أي خدمة أو مساعدة، على حد زعمه.
ليس شاكر الوحيد الذي يشكو "سوء معاملة" المفوضية في مصر إذ قدّم خمسة لاجئين آخرين لرصيف22 الكثير من المزاعم حول انتهاكات تعرضوا لها أو كانوا شهوداً عليها داخل المفوضية أو في مؤسستين (إحداهما إغاثية والثانية قانونية) متعاونتين معها. كما أن غالبية التعليقات على منشورات الحساب الرسمي للمفوضية على فيسبوك سلبية تهاجم "عدم التزام" المنظمة بمهامها أو تعهداتها، وتغلب عليها لهجة الاستهجان والتكذيب، وفق ما لاحظنا.
كيف تعمل المفوضية؟
تواصل رصيف22 مع المتحدثة باسم المفوضية في مصر، رضوى شرف التي شرحت لنا طريقة عمل المنظمة، واعتذرت عن الرد على "مواقف ومشاكل فردية يتعرض لها بعض اللاجئين" حيث أن المفوضية "لا تملك المعلومات الكافية عن كل حالة ولا نعرف مدى صحة تلك الادعاءات".
وشددت على أن المفوضية "لا تشارك تفاصيل عن حالات فردية مع الإعلام حرصاً على سرية المعلومات"، منوهةً أنه لدى المفوضية "نظام إبلاغ عن أي إساءات أو أخطاء أو مشاكل يتعرض لها اللاجئون" و"نشجع بشدة اللاجئين ممن يتعرضون لأي من المشاكل أو الإساءات أو من لديهم شكوى أن يقوموا بالتبليغ فوراً وبشكل رسمي حتى تستطيع الجهات المعنية داخل المفوضية فحص شكواهم والوصول إلى حلول عملية".
وتمنّت على رصيف22 مشاركة الرابط الذي يوضح كيفية تقديم شكاوى للمفوضية (انقر عليه ليفتح لك) "لمساعدة كل مَن لديه شكوى من اللاجئين على أن يقدّمها للمفوضية بشكل رسمي، حتى تتمكن الجهات المعنية من فحص شكواه ومعرفة تفاصيلها وتقديم الحلول المناسبة لها بشكل فعال". ولكن عدة متحدثين ومتحدثات أكدوا لرصيف22 أنهم سبق وقدّموا بالفعل شكاوى، عبر صندوق الشكاوى الموجود في مكتب المفوضية و/ أو عبر البريد الإلكتروني المخصص للشكاوى و/ أو عن طريق البريد، ولكنهم لم يتلقوا أي ردّ.
وقد أوضحت لنا شرف أن الخدمات التي تقدمها المفوضية للاجئين وطالبي اللجوء "من جميع الجنسيات": التسجيل والتوثيق (منح بطاقتي لجوء صفراء ثم زرقاء)، والخدمات القانونية من خلال الشركاء القانونيين، والمساعدة المالية المحدودة للأكثر احتياجاً وفق دراسات تقوم بها المفوضية، والرعاية الصحية الأولية، ورعاية الطوارئ، والرعاية المتخصصة، ورعاية الأمراض المزمنة بالتعاون مع وزارة الصحة والشركاء المحليين.
وكذلك تقدّم المنحة التعليمية للأطفال في المدارس الحكومية، وخدمات مخصصة للذين عانوا من ظروف قاسية في بلادهم الأصلية أو خلال رحلتهم نحو بلد الاستضافة، من خدمات قانونية ودعم نفسي واجتماعي لضحايا العنف الجسدي والعنف القائم على النوع الاجتماعي والفئات المستضعفة كالأطفال غير المصحوبين بذويهم وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة وفئات أخرى من خلال شركائها المختصين.
عنصرية، وهوموفوبيا، وترانسفوبيا، وأحكام مسبقة، وانعدام شفافية… لاجئون يروون لرصيف22 حوادث "سوء معاملة" و"تحايل" تعرضوا لها داخل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر واثنتين من المنظمات المحلية المتعاونة معها، والمفوضية ترفض الرد على "مواقف ومشاكل فردية"
ونوهت بتوفير خدمات موسمية مثل معونة فصل الشتاء، وهي مساهمة تقدم مرة واحدة سنوياً للاجئين الأكثر احتياجاً. كما نبهت شرف إلى أن المفوضية في مصر تشرف على أحد "أكبر برامج إعادة التوطين"، مشيرةً إلى أنه خلال العامين الأخيرين "تم تقديم ما مجموعه 2.478 لاجئاً للنظر في إعادة توطينهم في عام 2020. بينما في عام 2019، تم تقديم 4،617 لاجئاً لإعادة التوطين في 12 دولة، وغادر 3،995 لاجئاً إلى بلدان إعادة التوطين".
وأشارت إلى أنه "تتم مراجعة وضع اللاجئين من وقت لآخر لتجديد الملفات أو غلقها إن كان هناك سبب لذلك"، و"تختلف المدة المحتملة لإعادة التوطين وفق كل حالة على حدة ولكل دولة تستقبل اللاجئين شروطها وإجراءاتها الخاصة التي تقوم هي بتحديدها وتحديد فئات اللاجئين والأعداد التي ستقوم بقبولها". ومن الأسباب التي قد تؤدي إلى غلق ملف اللاجئ "رغبة الشخص في العودة إلى بلده على سبيل المثال".
باستثناء الفلسطينيين؟
في حين أن ملف شاكر وأسرته عبر الموقع الرسمي للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر يُظهر أنه "مكتمل"، أي مؤهل لإعادة التوطين، حسبما شاهدنا، ردت شرف، على استفسار رصيف22 عن اللاجئين الفلسطينيين بأن "منظمة الأونروا هي الجهة المسؤولة عن شؤون الفلسطينيين وأوضاعهم، والمنوط بها إصدار تصريحات صحافية بهذا الشأن"، وذلك في رسالتين منفصلتين عبر البريد الإلكتروني.
مع العلم أنه أطلعنا على بطاقة لجوئه الزرقاء الصادرة من المكتب أيضاً، أكد لنا شاكر أن جميع الإجراءات والمقابلات التي تمت معه ومع أسرته كانت داخل مقر مكتب المفوضية، وليس له علاقة بمكتب الأونروا إذ لا تمارس الهيئة الأممية أي نشاط إغاثي في مصر ولا تقدم خدمات للفلسطينيين. كما ورد عن الأمم المتحدة أن المفوضية مخولة مساعدة اللاجئين الفلسطينيين خارج نطاق عمل الأونروا مثل مصر.
وحين وصل شاكر وأسرته مصر لم تكن الحرب قد اندلعت في سوريا أو اليمن ولم يكن هناك ما يمنع تسجيل اللاجئين الفلسطينيين.
وكانت أزمات الأسرة الفلسطينية قد بدأت بفشلها في الحصول على "الإقامة" التي هي ضرورية للتنقلات أو الانتظام في أي عمل وإيداع الأطفال مدارس حكومية مجانية. وفيما منح الإقامة هو شأن السلطات المصرية قال لنا شاكر إن المفوضية رغم إدراكها الأبعاد الإنسانية لمأساته لم تضغط لصالحه أي توجه مناشدة غير رسمية للحكومة المصرية.
وأوضح: "كل مكان أذهب للعمل فيه يشعر صاحب العمل بالقلق لأنه ليس لدي تصريح الإقامة، وأتعرض باستمرار لمواقف سيئة عند نقاط التفتيش الأمنية لنفس السبب، ناهيكِ باستغلال ظروفي وتشغيلي ساعات أكثر براتب أقل. وفي أوقات كثيرة لا أستطيع الحصول على عمل". قال أيضاً إنه لا يستطيع تغيير منطقة سكنه بسبب الإقامة لا سيّما بعد أن بات الجميع في المنطقة على معرفة جيدة به لحسن سلوك الأسرة وتجنبها المشاكل.
نظراً لعدم امتلاكه وثيقة إقامة من السلطات المصرية، قد يُطالب شاكر بدفع غرامة باهظة إذا أوقفته السلطات في أي وقت.
واتهم اللاجئ الفلسطيني المفوضية بـ"التحايل عليه" و"مماطلته" و"التراجع عن وعودها" وإخباره بأمور ثم إنكارها و"ترشيح ملف لجوء أسرته للتوطين قبل سنوات طويلة دون علمه". كما قال إن مكتب المفوضية في مصر يرفض التدخل لدى السلطات المصرية لتوفيق أوضاعه ومنحه إقامة مؤقتة "لأنه لاجئ فلسطيني".
وروى لنا كيف أن مسؤولة في مكتب المفوضية حاولت "خداعه" قبل خمس سنوات حين ذهب لتجديد بطاقات اللجوء الخاصة بهم، إذ إن بطاقة اللجوء الزرقاء تُجدد كل ثلاث سنوات، لكن الموظفة أخذت بطاقات اللجوء المنتهية بدون وجه حق وأخبرت الأسرة أنه لا يمكن تجديد بطاقات اللجوء للفلسطينيين بناءً على تعليمات من الحكومة المصرية. رغم ذلك، يُصر شاكر على أن أزمته ليست مع الحكومة المصرية ويعتقد أن المفوضية "تتلاعب" به و"تتذرع" بهذا الادعاء فقط.
خرج شاكر من الورطة بتدخل مباشر لصالحه من أحد المديرين في مكتب ومن إحدى المنظمات الإغاثية الدولية العاملة في مصر إشفاقاً عليه وعلى وضع أسرته وعلى حقه القانوني كلاجئ. وجرى إصدار بطاقات اللجوء الجديدة للأسرة كاملة حينذاك.
بعد فترة قصيرة، تلقى شاكر اتصالاً من المفوضية يطلب منه الحضور وأسرته لإجراء مقابلة إعادة توطين. خرج من المقابلة مع وعد بأن الرد سيصله خلال شهرين إلى أربعة أشهر. ولم يتلق أي رد إلى الآن عقب مرور نحو أربع سنوات.
ورفضت المفوضية في ردها على رصيف22 تحديد مدى زمني معين لإعادة توطين حالات اللجوء المستوفية للشروط، مشددةً على أن "كل حالة تختلف عن الأخرى".
فقد شاكر أي ثقة في المؤسسة الدولية التي من المفترض أن تحترم حقوق الإنسان، وخصوصاً حق أطفاله في التعليم. وهو يقول إن سنوات طويلة من "عدم شفافية" المنظمة الدولية معه، دفعته إلى توثيق كافة الإجراءات السلبية من مكتب المفوضية بمصر، بما في ذلك المكالمات التي تحمل الوعود المتضاربة، لتقديمها في حال قيام مكتب المفوضية بأي إجراء غير إنساني بحقه وحق أسرته.
"كله بالحب" و"الواسطة"
مرت أشهر منذ وصل وائل علي، أحد أفراد مجتمع الميم اليمني واللاجئ حديثاً إلى مصر، وتم تسجيله ومنحه "الكارد الأصفر". تعرض خلالها للسرقة مرتين ولاحتيالٍ مرة ثالثة من صاحب عقار نزل فيه بعض الوقت. حين ضاقت به السبل، تواصل مع المفوضية لمساعدته ليس مادياً بل في الوصول إلى سكن آمن حيث أنه أيضاً مهدد بالقتل من قبل عائلته التي يعيش أفراد منها في مصر.
كان وائل صريحاً حين أخبر مسؤولي المنظمة آنذاك أنه يمتلك المال للدفع لقاء سكنه لكنه يحتاج التوجيه خشية التعرض للنصب مجدداً. عقب اجتماع لبحث أمر مساعدته، اعتذر مسؤول المفوضية بداعي أنه "لا يستحق المساعدة".
"لما دخلت للموظفة، سألتني كالمعتاد لماذا أنتِ هنا، فقلت أنا ‘ليزبيان‘، نهرتني بشدة قائلةً: ‘ليزبيان إيه!‘ ورمت الورق في وجهي وطلبت أن أخرج من المكتب. لم أفهم ماذا قصدت لكنني شعرت بالخوف من المكان الذي أتيت إليه طالبةً الأمان للأسف"
لجأ حينها - على حد قوله- إلى صديق يعمل كخبير حقوقي مستقل مع المنظمة، وكان التحرك سريعاً. قال لرصيف22: "حالما اتصل بي (الصديق الخبير)، وجدتهم يتصلون من المنظمة ويسألون ماذا أريد ويطلبون أن أذهب لمقابلة إعادة التوطين".
مع وائل، قدِم صديق من مجتمع الميم أيضاً ويواجه ظروفاً مماثلة تقريباً. مرا بنفس الخطوات سوياً وكان وائل يصطحبه معه في كل مرة لمقابلة إعادة التوطين. لكن وائل فقط تلقى اتصالاً بنتيجة المقابلة وهو يعتقد أن ذلك نظراً لـ"الواسطة" من صديقه الخبير.
قال لرصيف22: "يقولون إنهم يقدمون خدمات جمّة: صحة ومسكن وتعليم وتغذية وتأهيل نفسي… ما شفت منهم شيء. أبسط وأهم شيء كنت أحتاجه منهم هو حمايتي وقت الخطر. صُدمت أني حين طلبت ذلك قالوا بكل وقاحة ‘مش هنقدر نحميك. اللي نقدر نعمله إذا انمسكت تترحل هنمنع دا‘ لكن تتشرد تقتل مش ح يحموك".
وأضاف: "حين كان معي مال لم أسألهم المساعدة. وحين احتجت مرة واحدة (خلال عامين) أخبروني أن معونةً مادية (600 جنيه مصري/ 38 دولاراً أمريكياً) بانتظاري في أي مكتب بريد"، متسائلاً "تعمل إيه؟ كنت أتوقع أني سأعيش عيشة بسيطة كريمة بمساعدة المفوضية".
"عنصرية"، و"هوموفوبيا" و"ترانسفوبيا"
شكا وائل أنه لدى تواصله مع مؤسسة قانونية من شركاء المفوضية المحليين تعرض لـ"هوموفوبيا صارخة"، شارحاً "اتصل بي شخص يفترض أنه محامٍ. سألني اسمك كذا، قلت نعم. قال: ‘أنت شاذ جنسياً‘، قلت نعم. قال: آه آه آه، شاذ يعني مجتمع ميم".
نظراً للتهديد المستمر من قبل ذويه بقتله، يشك وائل في كل شخص يهاتفه ويطلب الدليل على هويته، أكثر من أي شخص عادي. تابع: "سألته مراراً ما اسمك؟ ما الذي يثبت أنك محام تابع للمفوضية. لكنه تكلم بوقاحة وصرخ علي باستمرار وكان يتركني على الخط أكثر من 10 دقائق ويتحدث قليلاً ويعود إلي. حين طلبت منه إنهاء الانتظار، صرخ بقوة: ‘مش أنا المتصل؟ مش دا من رصيدي؟ تسكت خالص‘. ما كان مني إلا أن سكتت بالفعل".
في نهاية المكالمة، وبعدما حصل على كل معلومة طلبها، أخبر المحامي وائل: "حالياً، مش هنقدر نساعدك. لكن هوصلك بالأخصائية (الاجتماعية) تشوف هنقدر نعملك إيه". لم تكن مكالمة الأخصائية أفضل بأي حال، بحسب وائل الذي قال: "بدت ودودة أكثر وأخبرتني اسمها فشعرت بارتياح ثم صعقني أول أسئلتها: ‘أنت جاي مصر عشان تتحوّل جنسياً؟‘. لفّت بي الدنيا حينها، ليس فقط لفظاعة الكلمة وأنها ترانسفوبيك (رهاب التحول الجنسي)، وإنما لأنها أعادت أمام نظري كل شريط حياتي… كل ما عانيته".
وتابع: "المؤلم أكثر أنها قالت لي في النهاية ‘لن نستطيع مساعدتك‘. لماذا اتصلتم إذاً؟".
قبل ثلاث سنوات، هربت حنين وريهام، وهما لاجئتان مثليتان يمنيتان، إلى مصر من السعودية حيث ولدتا وعاشتا جل حياتهما. حين وصل أفراد من أسرتيهما إلى القاهرة للعثور عليهما، اتجهتا إلى المفوضية. "حسبنا أن المنظمة ستوفر لنا الحماية الفورية كون التهديد المسلط علينا خطيراً. تفاجأنا بأننا واقفتان في طابور عند الباب عاجزتين عن الدخول حتى"، قالت حنين لرصيف22.
لم تسفر الزيارة الأولى إلا عن ملء استمارة مع الرحيل على وعد بالتواصل القريب. ما حدث بعد ذلك خيب آمالهما على حد قول ريهام. ذكرت لرصيف22: "على البوابة الخارجية تتهلل أساريرك حين تقرأ: ‘حيث مكان لا تجد فيه عنصرية‘. أول ما دخلنا، سألتني الموظفة ما قصتك، فقلت لها أنا (اسمها) ملحدة. تطلعت إلي وبدا أن كلامي لم يعجبها وردت: ‘خلاص خلاص استني دورك‘".
حين حان دورهما للمرحلة التالية، نودي عليهما برقم الملف. كانت حنين قد ملأت استمارة واحدة لها ولشريكتها، ظنت ذلك أمراً عادياً باعتبارهما "عائلة". سألت الموظفة المسؤولة عن تسجيل بياناتهما: أنتم عيلة؟ فردت حنين: نعم، هذه شريكتي. لترد الموظفة: "ألا تعرفين ما معنى العائلة؟ أنتِ متعلمة إيه؟". قالت حنين لنا: "كان مفترضاً أن أشعر بأريحية تامة وأنا أتحدث عن مثليتي وعن شريكتي… افترضت سلفاً أن ذلك محترم في هذا المكان تحديداً… عوضاً عن ذلك شعرت بالخوف من موقفها واضطرت شريكتي للخروج من المكتب وتقديم طلب منفصل".
تتدخل ريهام هنا وتشرح أن ما حدث معها كان أسوأ. قالت: "لما أتى دوري ودخلت للموظفة، سألتني كالمعتاد لماذا أنتِ هنا، فقلت أنا ‘ليزبيان‘، نهرتني بشدة قائلةً: ‘ليزبيان إيه!‘ ورمت الورق في وجهي وطلبت أن أخرج من المكتب. لم أفهم ماذا قصدت لكنني شعرت بالخوف من المكان الذي أتيت إليه طالبةً الأمان، للأسف".
بسبب ما قال إنه "نظرة غير مريحة لأفراد مجتمع الميم داخل مبنى المفوضية" قدّم حازم عابد، لاجئ سوداني مثلي الجنس، طلب لجوئه كملحد دون أن يشير إلى مثليته بأي شكل.
علاوةً على ما سبق، قال أربعة من مصادرنا إنهم تعرضوا أو شهدوا على مواقف "عنصرية" داخل المفوضية ومؤسسة إغاثة دينية وأخرى قانونية تابعتين لها. قال أحدهم: "موظفون وحراس هناك يتعاملون مع الناس (اللاجئين) وكأنهم ‘قطيع‘ لا كرامة لهم ولا احترام لمعاناتهم في تناقض صارخ مع معايير حقوق الإنسان... يطالبون بالالتزام بكل ما لا يفعلونه".
أما "العنصرية تجاه السود فمقيتة. رجال الأمن يتعاملون بقبح شديد مع طالبي اللجوء السود وكأنهم ليسوا بشراً. يتضح ذلك من النظرات والتعامل؛ يقولولهم متلمسنيش أبعدوا أطفالكم"، أضاف.
"لا احترام للآدمية أو التروما"
واتهم حازم فريق عمل المنظمة بعدم الاحترافية والتخلي عن المعاملة الإنسانية خلال مقابلات ما قبل التسجيل التي وصفها بأنها "تحقيق". أوضح: "لمّا كنت أحكي عما تعرضت له من اضطهاد واغتصاب في طفولتي، كنت منهاراً وأشعر بنفس الألم الذي شعرت به أول مرة. لم يبد أي منهم تعاطفاً بل طلبوا تفاصيل أكثر. كل همهم التحقق مما تقول ولا اعتبار لمعاناتك".
وأضاف: "لا يوجد أي احترافية في التعامل مع الحالات الخطرة ولا احترام للآدمية أو التروما، لا خط ساخناً ولا بارداً… لا يردون وإن ردوا فلا إنقاذ ولا تفاعل حتى".
وروى لنا: "اتصلت مرتين بهم معبراً عن تفكيري في الانتحار. قالت الموظفة ‘مش عارفة أقولك إيه بس حاول تندمج معنا في الأنشطة وتشغل وقتك‘". قال أيضاً إنه حين قصّ للموظفة بالمفوضية تعرضه لحادثتي تحرش جنسي في المترو ومن أحد جيرانه، كان ردها: "حاول ما تطلع من البيت".
وشكا وائل من أنه خلال مقابلات التسجيل "كنت أتصور أنهم يظهرون تعاوناً أو تعاطفاً مع مقدمي طلبات اللجوء خصوصاً حين يروون مآسي حياتهم. حين كنت أروي أسباب هروبي ولجوئي كنت بحالة نفسية مزرية، لم أكن أستطيع التنفس بانتظام. لم يقل لي أحد يكفي الآن أو استرح قليلاً… لا، ستكمل وإلا فلن يقبل طلبك".
"موظفون وحراس هناك يتعاملون مع الناس (اللاجئين) وكأنهم ‘قطيع‘ لا كرامة لهم ولا احترام لمعاناتهم في تناقض صارخ مع معايير حقوق الإنسان". عدا أن "العنصرية تجاه السود مقيتة"
روت حنين موقفاً مشابهاً تقريباً. قالت: "تعرضنا للتهديد بضع مرات خلال فترة وجودنا في مصر اضطررنا على إثرها لتغيير سكننا خمس مرات. اتصلنا مراراً دون جدوى، وحين ردوا (مرة واحدة) كانت الإجابة ‘بائسة‘. قالت الموظفة: ‘حد جاكم؟ حد قال هيقتلكم؟‘. تشعرين من الرد أنهم سينتظرون قتلك ليتحركوا لدفنك".
وقالت ريهام إنها تعرضت لتحقيق "مهين" و"استنزفت نفسياً" بسبب أن أشقاءها الذين هربت منهم بالأساس ينتمون إلى جماعات إرهابية. وتابعت: "قالوا إن قضيتك مضمونة ووضعك يستحق أولوية إعادة التوطين وستسافرين إلى فرنسا. ثم عاودوا الاتصال واعتذروا عن عدم استكمال الخطوة لأن ‘إخواني إرهابيون‘. قلت لهم ‘إخواني إرهابيين وأنا خايفة منهم. عايزني أبقى مهددة؟‘".
ثم أردفت مستنكرةً: "صارت المفوضية تشكك فيّ أنا… أنا الليزبيان الملحدة الهاربة من بطش إخواني. المفوضية مش عارفة تحميني وسيباني لمصيري".
وقدم ثلاثة من مصادرنا ادعاءات بحدوث تحرشات جنسية وجسدية للاجئين داخل المفوضية بمصر دون تقديم أي أدلة على هذه المزاعم.
"لا شفافية"
خلال تدريب تأهيلي خاص باللاجئين لتمكينهم من الحصول على فرص عمل نظمته هيئة إغاثة دينية بالقاهرة لصالح المفوضية، قال وائل إن جميع اللاجئين الذين صادفهم وتحدث إليهم لا يعلمون مصيرهم ولا يستطيعون أن يعرفوا متى قد يعاد توطينهم، زاعماً أن المدربة في هذا الحدث هي نفسها لاجئة ولم تحظ بفرصة إعادة التوطين رغم أن ملفها مكتمل وهي في مصر منذ نحو 15 سنة.
وأضاف: "لا توجد شفافية. لا يخبرون الناس عن وضعهم أو متى قد يسافرون أو كم من الوقت قد ينتظرون. حتى المدربة وصفت المفوضية علناً أمامنا بأنها ‘منظمة منمّقة للإتجار بالبشر‘ يعني منظمة إتجار بس ملبسينها كرافتة وبدلة رسمية. بيختاروا اللي عايزين يمشوه ويسفروه بس".
وقال اثنان من مصادرنا إن حراساً لأمن المنظمة يشكلون "عصابة" مع "وكلاء" و"يستغلون" اللاجئين ومقدمي طلبات اللجوء إذ لا يُسمح بمرور أو الرد على اتصال إلا لمن "يدفع".
وقال ثلاثة مصادر إن تجديد بطاقات اللجوء - يتم كل ثلاث سنوات- يتأخر أشهر وربما سنة. بدون بطاقة سارية، فإن اللاجئ مهدد بالقبض عليه وترحيله، ولا يمكنه استلام أية حوالات أو التعامل مع أي مصلحة رسمية.
وأخبرنا اثنان من مصادرنا على الأقل أنهما أرسلا مراراً شكاوى عبر البريد الإلكتروني إلى المنظمة الأم في جنيف بانتهاكات مزعومة في المفوضية بمصر ولم يحصلا على رد.
رعب…
قال حازم إن موظفة المفوضية التي تتواصل معه هددته مرتين بإغلاق ملفه وسحب وثيقة لجوئه، متهمةً إياه بأنه "ليس متعاوناً" و"لا يرغب في مساعدة نفسه" بذريعة أنه لم يذهب لدورة تدريبية وظيفية تابعة للمفوضية حيث كان شقيقه داخل مصر وأبلغها أنه يخشى الظهور في الأماكن العامة، والثانية لعدم ذهابه لأحد الأطباء النفسيين المتعاونين مع المنظمة برغم أنه أخبرها بمحاولته التواصل معه مراراً ولم يتلق رداً ولم تقدّر الموظفة ذلك.
شاركنا حازم صورةً لعبارة قال إنه التقطها من على سور المفوضية وقد ورد فيها: "حسناً، UNHCR أسوأ من سجن حكومة بلدي".
تراجع اثنان من اللاجئين عقب تحدثهما مع رصيف22 وطلبا عدم نشر شهادتيهما تخوفاً من كشف هويتيهما وتعرضهما لأي ضرر من قبل مسؤولي المنظمة. وأصر من وافقوا على نشر شهادتهم على طمس أية بيانات شخصية قد تكشف ملفاتهم لدى المفوضية، ولهذا فإن جميع الأسماء الواردة أعلاه مستعارة.
"حين كنت أروي أسباب هروبي ولجوئي كنت بحالة نفسية مزرية، لم أكن أستطيع التنفس بانتظام. لم يقل لي أحد يكفي الآن أو استرح قليلاً… لا، ستكمل وإلا فلن يقبل طلبك".
ومن تعليقات فيسبوك التي توافق ادعاءات مصادرنا، قال أحدهم في منشور تهنئة لمناسبة عيد الأم: "طبعاً حضراتكم حاسين بالأمهات عشان هيك قطعتوا المساعدات المالية عن الناس المستحقة وتركتوا المساعدات شغالة لأصحاب المحلات والمعامل". وتعليقاً على منشور حول تنظيم يوم رياضي للاجئين وأبنائهم، كتبت إحداهن: "والله أولادنا لح يطقو من حبس في بيت وفعاليات لجماعات وأقارب يلي ماسكين منظمات".
في ردها على ما يثيره لاجئون حول تقاعس المفوضية ومماطلتها في الوعود، أخبرتنا شرف: "ندرك تماماً ما يمر به اللاجئون من ظروف قاسية خاصة بعد انتشار جائحة كوفيد-19، ولكن المفوضية تبذل قصارى جهدها لخدمة اللاجئين وطالبي اللجوء في مصر، كما عملت على استخدام وسائل بديلة للاستمرار في خدمة اللاجئين بعد الجائحة"، لافتةً إلى أن "المفوضية اضطرت لتقليص هذه البرامج بسبب نقص الموارد".
وشددت: "كل من يتم التواصل معهم بخصوص استحقاقهم خدمات معينة يتم تقديمها لهم. ولكن التمويل المحدود للمفوضية يشكل تحدياً صعباً لتوفير خدمات الوقاية والاستجابة الكافية، وتقوم المفوضية بتقديم عدد من الخدمات، أولاها تسجيل وتحديد وضع اللاجئ، لأن ذلك يحميه من الترحيل".
وتجدر الإشارة إلى أن جميع الأشخاص الذين تحدثنا إليهم نفوا أن يكونوا قد تعرضوا لأي مضايقات من السلطات المصرية. في حين أبلغتنا المفوضية: "تعمل الحكومة المصرية بتفانٍ لضمان حماية اللاجئين على أراضيها، فتبذل الجهات المعنية قصارى جهدها لتوفير الدعم للاجئين وطالبي اللجوء من جميع الجنسيات في مصر" لا سيّما في مجالي الرعاية الصحية والتعليم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...