يشير الخبر إلى أن "مدينة كميل شمعون الرياضية" في بيروت، تستعدّ لإيواء آلاف النازحين الذين تركوا منازلهم في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، بسبب الحرب، بعد استحداث مرافق وتجهيزات داخلها، مع استمرار موجة النزوح وإعلان وزارة التربية عن إطلاق العام الدراسي برغم الاعتراضات، ما يعني أنّ عدداً كبيراً من المدارس التي استقبلت النازحين في الأسابيع الماضية، سيتم إخلاؤها منهم، وتوجيههم نحو المدينة الرياضية.
تضمّ المدينة الرياضية في بيروت أقساماً ومنشآت رياضية عدة، أبرزها ملعب كرة القدم الذي تتسّع مدرّجاته لأكثر من 55 ألف متفرج، وقد أُعيد بناؤه وتطويره بعد الحرب الأهلية، واستضاف عدداً من المحافل الكروية المهمة، أبرزها حفلا افتتاح ونهائي كأس آسيا الذي استضافه لبنان في العام 2000.
عندما استضاف لبنان البطولة الكروية الأهمّ في آسيا مطلع الألفية، كانت ثلاث دول عربية فقط قد سبقته إلى هذا الإنجاز، هي الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر، وقد لاقت النسخة يومها نجاحاً تنظيمياً وجماهيرياً لافتاً، فشكّلت دليلاً على قدرة اللبنانيين على نفض غبار الحرب عنهم والوقوف من جديد.
تبدو الصورة اليوم مختلفةً تماماً، فملعب المدينة الرياضية لم يستضِف مباريات كرة قدم رسميةً منذ سنوات عدة، بسبب الأضرار التي لحقت بأرضيته، نتيجة الإهمال المتلاحق، فتحوّل إلى ما يشبه حقلاً للزراعة، فيما قامت الجماهير بتكسير الكراسي البلاستيكية على المدرجات أكثر من مرة.
عندما استضاف لبنان البطولة الكروية الأهمّ في آسيا مطلع الألفية، كانت ثلاث دول عربية فقط قد سبقته إلى هذا الإنجاز، هي الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر، وقد لاقت النسخة يومها نجاحاً تنظيمياً وجماهيرياً لافتاً، فشكّلت دليلاً على قدرة اللبنانيين على نفض غبار الحرب عنهم والوقوف من جديد. الصورة مختلفة تماماً الآن
ويمكن لمشهدية استقبال المدينة الرياضية للنازحين لليوم، إعطاء صورة مصغرة عن الواقع المرير الذي يعيشه لبنان اليوم: غياب الملاجئ ومراكز الإيواء المعدّة سلفاً، واللجوء في كلّ مرة إلى الحلول الارتجالية في بلد يعيش على خط النار، ويعيش أهله مأساة النزوح بالإضافة إلى تدمير بيوتهم وقراهم ومؤسساتهم التجارية مرّةً بعد مرّة. كما أن الحال الذي وصلت إليه المدينة الرياضية، التحفة المعمارية المزدانة عند مدخل بيروت الجنوبي، يعبّر بدوره عن تردّي الواقع السياسي والاجتماعي، وهو انعكاس لتراجع كرة القدم في لبنان بشكل كبير، خاصةً بالمقارنة مع الدول المجاورة.
دمّرتها إسرائيل وأعيد بناؤها بعد الحرب الأهلية
افتُتحت المدينة الرياضية في بيروت للمرة الأولى في عام 1957، في عهد الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون، فحملت اسمه، وقد تعرّضت للضرر أكثر من مرة خلال الحرب الأهلية بسبب موقعها الإستراتيجي على خطوط التماس، فهي محاذية لمخيمَي صبرا وشاتيلا اللذين يقطنهما آلاف اللاجئين الفلسطينيين، وتفصل بين أحياء وشوارع تسيطر عليها قوى متحاربة، وقد قام الجيش الإسرائيلي بتدميرها بالكامل في العام 1982.
بالتزامن مع كتابة هذه الكلمات، تُقام مباريات المرحلة الحاسمة من تصفيات مونديال 2026 لقارة آسيا. منتخب لبنان فشل في التأهل إلى هذه المرحلة برغم أن القانون الجديد الذي رفع عدد المنتخبات المشاركة في العرس الكروي العالمي القادم، عززّ من فرص المنتخبات لبلوغ هذه المرحلة على الأقل، وليست الحرب وحدها السبب في هذا الإخفاق، فمنتخب فلسطين الذي يعيش لاعبوه أسوأ الظروف الممكنة، نجح في التأهل إلى التصفيات النهائية، وللمفارقة فقد بلغ هذا الدور على حساب منتخب لبنان تحديداً.
يشارك 18 منتخباً في تصفيات آسيا المؤهلة إلى كأس العالم. لو كنّا في ظروف طبيعية، ربما كانت المدينة الرياضية في بيروت تستضيف مباريات منتخب لبنان اليوم في التصفيات نفسها، ولكن هذا الأمر لا يحدث لأن لبنان لم يتأهل إلى هذا الدور، ولأنّ لبنان عالق في آتون حرب اليوم، والمدينة الرياضية تحوّلت إلى مركز إيواء، ولأن ملعب كرة القدم في المدينة الرياضية بالأساس لم يعدّ صالحاً لاحتضان المباريات.
يمكن لمشهدية استقبال المدينة الرياضية للنازحين لليوم، إعطاء صورة مصغرة عن الواقع المرير الذي يعيشه لبنان اليوم: غياب الملاجئ ومراكز الإيواء المعدّة سلفاً، واللجوء في كلّ مرة إلى الحلول الارتجالية في بلد يعيش على خط النار، ويعيش أهله مأساة النزوح بالإضافة إلى تدمير بيوتهم وقراهم ومؤسساتهم التجارية مرّةً بعد مرّة
الحرب تدمّر الذاكرة الكروية
لاحظتُ حماسةً واسعةً لدى الجماهير العربية على وسائل التواصل لمباريات التصفيات الحالية. لم أتابع سوى عدد قليل من مباريات كرة القدم منذ توسّع الحرب الإسرائيلية على لبنان، حتى أن خوارزميات التطبيقات لم تعد تُظهر لي الكثير من أخبار الرياضة خلال هذه الفترة، وحلّت مكانها أخبار القصف والدمار والتهجير وإنذارات الإخلاء.
في المجموعة الثانية من التصفيات الآسيوية، تتنافس خمسة منتخبات عربية مع كوريا الجنوبية على بطاقتين مؤهلتين مباشرةً إلى المونديال. مباراة الأردن مع العراق حظيت بالاهتمام الأكبر، خاصةً بعد مباراتهما في ثمن نهائي كأس آسيا السابق، وما رافقها من مشادّات داخل الملعب وخارجه.
الأردن لديه فرصة جدّية اليوم لتحقيق حلم المشاركة في كأس العالم للمرة الأولى، فيما يبحث العراق عن مشاركته الثانية بعد نسخة 1986. سلطنة عمان التي لم تشارك هي الأخرى في كأس العالم من قبل، تقاتل بدورها لأجل حظوظها، بينما تكمل الكويت وفلسطين فرق المجموعة. السعودية والإمارات والبحرين وقطر تشارك أيضاً في التصفيات، وحلم التواجد في المحفل الكروي الأكبر. الجماهير في هذه البلدان العربية تنتظر بلهفة مباريات منتخباتها، فيما يبدو لبنان خارج الصورة تماماً.
لطالما دغدغت فكرة تواجد لبنان في كأس العالم أحلامنا ومخيلتنا؛ أن يُعزف نشيدنا الوطني، ويظهر علم بلادنا في حفل الاختتام الضخم الذي يشاهده مئات الملايين حول العالم، شعور لا يمكن وصفه. أذكر في هذا المجال جولتين من التصفيات ترسّختا في ذهني وفي أذهان الكثير من أترابي:
المرة الأولى كانت في تصفيات مونديال 2002، بجيل لبنان الذهبي، مع وجود رضا عنتر وموسى حجيج ووارطان وغيرهم من النجوم. كان لبنان بحاجة للفوز في المباراة الأخيرة لبلوغ المرحلة النهائية للتصفيات، لكنه تعادل مع تايلاند في المباراة الحاسمة برغم تقديم مستوى كبير.
المرة الثانية كانت في تصفيات مونديال 2014. يومها وصل لبنان إلى المرحلة النهائية من التصفيات بعدما تخطّى الدورين الأولين. في الدور الثاني حقّق لبنان انتصارات تاريخيةً على كوريا الجنوبية والإمارات والكويت على أرضها، وهزم إيران في المرحلة الثالثة الحاسمة.
تصفيات 2014 يذكرها اللبنانيون بشكل خاص، حيث ظهرت فضيحة قيام لاعبين من المنتخب ببيع المباريات، ما أدى إلى خسارة فرصة تأهل كانت تلوح في الأفق، وبالأخص في المباراة ضد قطر التي استضافها لبنان وخسرها بهدف نظيف، مع ما رافقها من أحداث مشبوهة وتراخٍ من بعض اللاعبين وإهدائهم هدف الفوز للضيوف، ما أدى إلى إيقافهم عن اللعب لاحقاً.
يشارك 18 منتخباً في تصفيات آسيا المؤهلة إلى كأس العالم. لو كنّا في ظروف طبيعية، ربما كانت المدينة الرياضية في بيروت تستضيف مباريات منتخب لبنان اليوم في التصفيات نفسها، ولكن هذا الأمر لا يحدث لأن لبنان لم يتأهل إلى هذا الدور، ولأنّ لبنان عالق في آتون حرب اليوم، والمدينة الرياضية تحوّلت إلى مركز إيواء
المباراة ضد قطر استضافها ملعب المدينة الرياضية في بيروت، أي الملعب الذي أصبح غير صالح لإقامة المباريات قبل أن يتحول إلى مركز إيواء، وقد امتلأت المدرجات يومها بعشرات آلاف المشجعين في مشهد احتفالي كبير. ربما كانت هذه آخر مباراة للمنتخب يشاهدها اللبنانيون من مدرجات الملعب بهذا الزخم الجماهيري وبهذه الحماسة.
صحيح أن منتخب لبنان لم يتأهل يوماً إلى كأس العالم لكرة القدم، لكن اللبنانيين اعتادوا متابعة المونديال باهتمام وشغف كبيرين. اليوم يخبرني الكثير من الأصدقاء أن الحرب أفقدتهم الحماسة لمتابعة مباريات كرة القدم الأوروبية وتصفيات كأس العالم. يشير سلمان، وهو متابع شغوف للكرة، إلى أن الحرب لم تجعله فقط يتوقف عن مشاهدة المباريات، بل هي قضت على جزء كبير من ذاكرته الكروية، فالمقهى الذي شاهد فيه مباريات مونديال 2022 في منطقة صفير في الضاحية الجنوبية تهدّم بالكامل، كذلك المقهى الذي كان يتابع فيه مباريات كرة القدم في قريته الجنوبية. لا يعرف سلمان ما إذا كان سيعود إلى قريته مرّةً أخرى، ويشاهد أطفاله يركلون الكرة في أزقّتها وساحاتها مع رفاقهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 4 ساعاتحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...