في عام 2018، عندما شنّت تركيا مع فصائلها الإسلاميّة عمليتها العسكريّة لاحتلال مدينة عفرين، ولاحقاً في عام 2019، عندما شنّت عمليتها العسكريّة لاحتلال سري كانييه وتل أبيض، ندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالهجوم التركيّ، وعرض تقديم المساعدات للأكراد؛ في الأثناء، كانت وسائل الإعلام الإسرائيليّة تحتفي بقوّة دبابات (إم 60- آ 1) وغيرها من الأسلحة التي طوّرتها إسرائيل ويستخدمها الجيش التركيّ في عمليته العسكريّة ضدّ الأكراد، في تلك العمليّة، وغيرها من العمليات العسكريّة العديدة الّتي نفذها الجيش التركي ضدّهم في سوريا وتركيا والعراق بأسلحة إسرائيليّة.
لم يتوقف الدعم الإسرائيليّ السخي لـتركيا في حرب الإبادة ضدّ أهالي عفرين في سوريا عند هذا الحدّ؛ منشورات لجمعيّة فلسطينيّة أثبتت توّرط بنك "هبوعليم"، وهو ثاني أكبر بنك في إسرائيل، بدعم بناء المجمعات الاستيطانيّة بمدينة عفرين منذ عام 2018، وهو أيضاً ذاته البنك الذي ساهم في بناء مستوطنات بفلسطين. في الجانب الآخر، أكّد القنصل الفلسطيني في إقليم كردستان العراق، أنّ بناء مستوطنات في عفرين بدعم من جمعيات إسلاميّة لا يمثّل فلسطين، وأعرب عن استنكار الخارجية الفلسطينية أي أعمال استيطان في عفرين.
في عام 2018، رفض الكنيست الاعتراف بالجرائم الّتي ارتكبها تنظيم داعش بحقّ الأيزيديين عام 2014، في سنجار، على أنها "إبادة جماعيّة"، وفي أثناء استفتاء استقلال إقليم كردستان عام 2017، أعلنت إسرائيل في بادئ الأمر "دعمها" لعمليّة الاستفتاء وحقّ الأكراد في الحصول على وطن قومي، سرعان ما تراجعت عن ذلك، ونفى نتنياهو الاتهامات التي وجهها أردوغان لإسرائيل بدعم الاستفتاء، محاولةً للتماهي مع الموقف التركي المعارض بقوّة للاستفتاء.
لم يتوقف الدعم الإسرائيليّ السخي لـتركيا في حرب الإبادة ضدّ أهالي عفرين في سوريا. منشورات فلسطينيّة أثبتت تورّط بنك "هبوعليم"، ثاني أكبر بنك في إسرائيل، بدعم بناء المجمعات الاستيطانيّة بمدينة عفرين منذ عام 2018، وهو أيضاً ذاته البنك الذي ساهم في بناء مستوطنات بفلسطين
مناسبة هذه الأمثلة الثلاثة، هو الجدل الحاصل بعد دعوة وزير الخارجيّة الإسرائيلي الجديد، جدعون ساعر، إلى ما وصفه بـ "تعزيز العلاقات مع الأقليات في الشرق الأوسط خصوصاً الأكراد"، ووصفهم بأنهم "حليف طبيعي لإسرائيل" ويتعرّضون للقمع من قبل تركيا وإيران.
والحالّ أنّ السؤال الأبرز الّذي يمكن طرحه إزاء هذه التصريحات هو: لماذا يمكن أن يتحوّل تصريح "اعتيادي ومكرّر" لمسؤول إسرائيلي عن الأكراد إلى مادّة نقاشيّة في الأوساط العربيّة، في حين أن تصريحات مماثلة سبق أن طرحت نحو العرب والترك والفرس لم تُحدث الأصداء ذاتها؟ ولماذا تفرض مثل هذه "الذميّة السياسيّة" من هذه الأوساط على الأكراد دون غيرهم؟
في ستينيّات القرن الماضي، وصَف المغالون في القوميّة العربيّة والبعثيون، "كردستان العراق" بأنها "إسرائيل ثانية"، مع أنّ ما يجمع الأكراد بالفلسطينيين أعمق بكثير؛ شعبان كفاحهما قائم على رفض إخراجهم من التّاريخ. للمفارقة، أنّ البعثيّين حين سقطوا في العراق، حمل "حزب الدعوة" الشيعيّ وصف "إسرائيل ثانية" ووضعها على كردستان، وحين بدأ سقوط البعثيين في سوريا، وضع "معارضو البعث" هذه اللصقة على كردستان؛ وحين حرّكت تركيا دبّاباتها باتجاه المدن الكردية في سوريا، حرّكتها لأنها "لا تريد إسرائيل ثانية"، في الوقت ذاته، كانت تركيا أوّل بلد إسلامي يعترف بدولة إسرائيل، بعد عام فقط من إعلانها على أشلاء الفلسطينيين.
فرض الذميّة السياسيّة على الأكراد، للتقليل من شأنهم السياسيّ والإنسانيّ، ينطلق أساساً من محاولة يمينيّة عربيّة، وتركيّة وإيرانيّة، تسعى للتعريف بالأكراد بوصفهم أناساً طارئين على الجغرافية السياسيّة الّتي يقيمون فيها اليوم، ويكافحون للحصول على مكتسباتهم المسلوبة ضمنها. لذا، فمن نافل القول أن تكون كردستان في ذاكرة هؤلاء القوميين "إسرائيل ثانية"، ذلك أنّ هذا الاتهام ينطلق من فرضيّة أنّ لا وجود كرديّ في المنطقة، وهو مستحدث كما وجود الإسرائيليين، وخلال ذلك يسعى الأكراد للحصول على جغرافية ليست لهم، لتأسيس وطن طارئ ضمن الأراضي العربية التركية الفارسيّة/ الإسلاميّة، مع أنّ واقع الأمر هو أنّ الأكراد سكان أصليّون في هذه الجغرافيّة وليسوا طارئين عليها، والأقرب في المعنى السياسيّ والممارساتي لأن تكون "إسرائيليّات ثانية وثالثة ورابعة" هي الأنظمة السياسيّة في تلك الدول الّتي يقطنها الأكراد؛ فالإبادة العرقيّة، وبناء المستوطنات، والتهجير، والتغيير الديموغرافي، والقتل على الهويّة وغيرها من الممارسات الإسرائيليّة بحقّ الفلسطينيين منذ أربعينيات القرن الماضي، كانت قد بدأت فيها تركيا وإيران والعراق قبل هذا التاريخ بسنوات، ولحقت بهم سوريا بعد ذلك في العهد الأسدي، وما قبله.
لا يمكن فصل الموقف الكردي من القضيّة الفلسطينيّة عن موقف البلدان الّتي يعيشون فيها اليوم؛ فهم مثلهم مثل العراقيين والسوريين والإيرانيين والأتراك، منقسمون بين داعمين للقضيّة الفلسطينيّة وراغبين بالتطبيع مع إسرائيل، إلّا أنّ الذميّة السياسيّة المفروضة عليهم، والتي تقلّل من شأنهم، تلاحقهم في التوقيع على صكّ أنهم ليسوا "إسرائيل ثانية"، حتى إذا أعلنوا أنهم فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم.
وفي مطلق الأحوال، التصريحات الإسرائيليّة الأخيرة تجاه الأكراد، ليست إلا جزءاً من الرسائل السياسيّة المشتركة بين إسرائيل وتركيا، والّتي تقول فيها إسرائيل وضوحاً، إنّ ما ترغب فيه تركيا في عودة أو استعادة قوّة العلاقات مع الولايات المتحدة بعد تعيين ترامب، لا يتم تمريره دون الخوض في تفاوض واتفاق معها، والّتي تشمل التخلّي عن موقفها تجاه حركة حماس.
فرض الذميّة السياسيّة على الأكراد، للتقليل من شأنهم السياسي والإنساني، ينطلق أساساً من محاولة يمينيّة عربيّة، وتركيّة وإيرانيّة، تسعى للتعريف بالأكراد بوصفهم أناساً طارئين على الجغرافية السياسيّة الّتي يقيمون فيها اليوم
مثال قريب من ذلك، كان موجوداً في عام 2010، عندما صعّدت تركيا من خطابها الداعم لحركة حماس، لاستمالة الشارع التركيّ الدينيّ في فترة الانتخابات، ردّ نتنياهو بإعلان موقفه الداعم للأكراد، وفي الأمرين، لا ترى تركيا القضيّة الفلسطينيّة إلّا مادة للاستهلاك المحلي وفرض هيمنتها على المنطقة، في حين ترى إسرائيل أنها بتصريحاتها تجاه الأكراد إنما تحاول مجاراة أنقرة.
في السياق ذاته، جدير بالذكر أنّ ما يشاع عن علاقة إسرائيليّة ودعم الأكراد، سواء في كردستان العراق أو لـ "قوات سوريا الديمقراطيّة" في سوريا ولـ "حزب المساواة وديمقراطيّة الشعوب" في تركيا، يبقى كلام في الهواء، غير مستند لأي أدلّة أو وثائق. في حين أنّ العلاقة التاريخيّة بين الحركتين التحرّريتين، الكرديّة والفلسطينيّة، تبرز بصورة واضحة المعالم، وهو ما يذكر على لسان مسؤولي الجانبين؛ أثناء هجمات الإبادة المشتركة والاغتيالات السياسية التي كانت العراق تنفذها بحقّ الأكراد في كردستان العراق، بدعم وإسناد سوري وتركي وإيراني، كان الزعيم الكردي مسعود بارزاني، يتحرّك بجواز سفر دبلوماسيّ فلسطيني، فضلاً عن التعاون العسكريّ الكرديّ، خاصةً الجماعات اليساريّة منها، مع حركة التحرّر الفلسطينيّة، ومشاركتهم في القتال ضدّ الإسرائيليين، من بينها العمليات العسكريّة المشتركة في لبنان الّتي شارك فيها حزب العمال الكردستاني إلى جانب الفلسطينيين، لا سيما في قلعة شقيف إبان اجتياح لبنان عام 1982.
ولأنّ الغاية الأساسيّة تكمن في شيطنة القوميّة الكرديّة في أعين جيرانهم؛ فحدث العثور على رسم للعلم الكرديّ على جدران إحدى مباني غزّة المدمرة، أثناء حرب الإبادة الإسرائيليّة الأخيرة على الفلسطينيين، دون التأكّد ممن قام برسمه، أو الأسباب الكامنة خلف ذلك، يتحوّل إلى حدث كبير. والحال: أمكَن لعلم كردي أن يتحوّل لمادة اتهاميّة ضدّ الأكراد، في حين أنّ تقارير وسائل الإعلام التركيّة التي تحدّثت عن وجود أكثر من 10 آلاف جندي من حملة الجنسيّة التركيّة في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، بينهم مسؤولون بارزون، ومشاركة 4 آلاف جندي منهم في الحرب على غزة، لم يصبح مادة إعلامية.
في السياق ذاته، لم تتحوّل العلاقات الإيجابيّة العلنيّة للمعارضة الإيرانيّة مع الإسرائيليين، إلى "وصمة عار" بحقّ بقيّة الإيرانيين، لأنّ الطرف المستهدف من هذه العلاقة هو الحكم الشيعيّ في إيران، ولعلّ مردّ اتهام الأكراد بوجود علاقة تربطهم مع إسرائيل، هو مبرّر حرمانهم من حقوقهم وقتلهم وتهجيرهم، وهو شيء شبيه بصناعة الوصول إلى ما يعادل المبرّر الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين.
ليست إسرائيل "الحليف الطبيعي" للأكراد وهي تدعم قتلهم وتستغلّ قضيتهم لمصالحها الاستراتيجيّة، وليست تركيا وإيران وسوريا "حلفاء طبيعيين" للفلسطينيين وهم يساهمون في قتلهم ويستغلون قضيتهم والإبادة الّتي يتعرّضون لها في غزّة لمصالحهم، وفي كلتا الحالتين، الحليف الطبيعي هو "العدو الطبيعيِ"، إلّا أنه يسلك مساراً مختلفاً في العداء المباشر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 15 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع