حذّرت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني المصرية مع بداية العام الدراسي الجاري 2024 -2025 من تحصيل أي مبالغ مالية تحت أي مسمى من الطلاب أو أولياء أمورهم، وتحت المساءلة القانونية لمن لا يلتزم, وهو القرار نفسه الذي يصدر كل عام ولا يُنفذ على أرض الواقع. فيقع على أهالي الطلاب في المدارس الحكومية عبء توفير مبالغ مالية إضافية لتسجيل أبنائهم في المدارس تحت مسمى مشاركة اجتماعية، وإن تطلب الأمر منهم الاستدانة .
صيانة الحمامات مسؤولية أولياء الأمر
تقول رحمة سعيد لرصيف22 إنها تجدّد سنويًا مع بعض أولياء الأمور حمامات المدرسة التي يدرس فيها أبناؤها، تقول: "المدرسة لا تقوم بأي أعمال صيانة ولا يوجد فيها مسؤولون عن نظافة الفصول والحمامات ، لذا أشتري أنا وأولياء الأمور الأدوات التي تحتاجها الحمامات والتي تظل موجودة حتى آخر يوم في الامتحانات ومع بداية أول يوم في العام الدراسي الجديد تختفي ونضطر لشرائها مرة أخرى".
حذّرت "وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني" في مصر مع بداية العام الدراسي الجاري 2024 -2025 من تحصيل أي مبالغ مالية تحت أي مسمى من الطلاب أو أولياء أمورهم، وتحت المساءلة القانونية لمن لا يلتزم، ومع ذلك لم تتوقف شكاوى الأهل
المدرسة لم تكتف بإشراك رحمة في صيانة دورات المياه سنويًا ولكنها طلبت تبرعًا آخر مقابل نقل ابنها الصغير إلى المدرسة نفسها ليكون مع أخته، وهو ما يكفله لها القانون، تقول: "عندما أردت نقل ابني الصغير ليدرس في حضانة المدرسة مع أخته أكدت لي المديرة أحقيتها في ذلك وفق القانون المنظم لعملية انتقال الطلاب بين المدارس ولكنها طلبت تبرعًا للمدرسة بشراء مقعد أو دفع حساب عمال الصيانة. ودفعت في النهاية 500 وهو ما استطعت توفيره، لكن الطلاب الذي يكون تحويلهم صعبًا أو ليس له مبرر واضح تطلب المدرسة مبالغ أكبر من أولياء أمورهم تصل إلى 2000 جنيه (حوالي 37 دولارًا)".
شكاوى من دون حل
لجأت رحمة وبعض أولياء أمور الطلاب في مدرسة "خالد أبو إسماعيل تجريبي حكومي لغات" في الإسكندرية إلى "إدارة الإسكندرية غرب للتعليم" التي تتبع لها المدرسة، وذلك لتقديم شكوى من تجديدهم السنوي للحمامات وعدم وجود عمال تنظيف، لكن الرد كان دائمًا التسويف، ومن دون حل حقيقي".
ويشرح خبير المركز القومي للبحوث التربوية في القاهرة كمال مغيث في حديثه لرصيف22 عن عدم قدرة الوزارة على حماية أولياء الأمور من استغلال المدارس، يقول: "قرار وزير التعليم بمنع جمع التبرعات للمدارس مجرد كلام مرسل، لكن الواقع أن الوزارة ليس لها سلطة، والأهالي مضطرون، فإذا افترضنا أنهم تقدموا بشكوى فلن يتم النظر إليها، وقد يتسبب الأمر برفض ورق الطالب مما يتسبب بمعضلة أكبر".
مقاعد وتكييف
ترفض المدارس بشكل قاطع قبول أوراق الطلاب إذا لم يسدد الأهالي التبرعات المطلوبة منهم، وإن كانت حالتهم المادية لا تسمح بالدفع، هذا ما تقوله ثناء محمود (اسم مستعار) لرصيف22، وهي معلمة في إحدى المدارس الحكومية في منطقة حلوان في محافظة القاهرة. وتضيف: "يضطر بعض الأهالي إلى الاستدانة لسد حاجة المدرسة من التبرعات، وهذا حال المدارس الحكومية منذ سنوات طويلة، وتختلف الطلبات من مدرسة إلى أخرى، فأحيانًا تكون التبرعات نقدية، وأحيانًا بشراء احتياجات للمدرسة من مقعد أو مروحة. في السنوات الماضية كانت هناك مدارس داخل حلوان تطلب من أولياء الأمور شراء تكييف حينما كان سعره أرخص من الوقت الحالي مقابل قبول أوراق أطفالهم".
كما تروي تجربتها مع المدرسة الحكومية التي تعمل فيها، تقول: "أنا معلمة في مدرسة في حلوان، وقدمت طلب لنقل ابنتي معي إلى المدرسة نفسها توفيرًا لنفقات التنقل، فطلبوا مني التبرع للمدرسة بسلات للقمامة، وحدثت هذه الواقعة قبل 13 عام".
وعن تبرير المدرسة لطلب هذه التبرعات رغم مخالفتها للقرار الوزاري ترى أن "المدرسة تعدّ ذلك التبرع مشاركة مجتمعية للتجديد والإصلاح، نتيجة عدم وجود ميزانية للمدارس، خاصة بعد أن أصبحت مصاريف الكتب لا تحصلها المدرسة ويتم دفعها في البريد المصري".
المدارس تسمّي التبرع الإجباري مشاركة مجتمعية للتجديد والإصلاح، نتيجة عدم وجود ميزانية للمدارس، خاصة بعد أن أصبحت مصاريف الكتب تُدفع في البريد المصري.
ويقول مغيث: "عندما يوصف إجبار الأهالي على التبرع للمدرسة بـ(المشاركة المجتمعية) فهذا تشريع لاستغلالهم وابتزازهم، وهي ليست مشاركة وإنما أموال تم اقتطاعها بالضغط والتهديد".
ويوضح: "الأهالي مضطرون للاستجابة لطلبات المدارس وإن كانت غير قانونية، فلا يوجد من يحمى أولياء الأمور من المدرسة، التي قد تلجأ إلى إجبار ولي الأمر على كتابة تعهد بأن هذه التبرعات اختيارية وليست بالإجبار، فيكون من الصعب إثبات المخالفة القانونية للمدرسة".
التبرع لـ"تحيا مصر"
التبرع لصندوق "تحيا مصر" شرط أساسي لقبول الطلاب في مدرسة المرج التجريبية الواقعة في محافظة القاهرة وفق حياة مصطفى (اسم مستعار)، التي يدرس أبناؤها الثلاثة في المدرسة، تقول لرصيف22: "لا تقبل المدرسة دفع المصروفات إلا بعد إرفاق إيصال سداد تبرع تحيا مصر مع الأوراق".
وتختلف قيمة التبرع للصندوق حسب المرحلة الدراسية، إذ تسدد حياة لابنها في المرحلة الثانوية المبلغ الأكبر، بينما تصل تكلفة سداد التبرع لأبنائها الثلاثة حوالي 1600 جنيه وهو مبلغ فوق طاقتها كما تصف.
تقول: "طلبت من المدرسة تخفيض مبلغ التبرع لأني أدفع لثلاثة أبناء، ولكنهم رفضوا مبررين ذلك بأنه يمكن تخفيض مصاريف المدرسة لكن التبرع إجباري".
وتتابع: "لكي أخفض مصاريف المدرسة لا بد من إجراء ما يسمى بحث اجتماعي، إذ يأتي موظفان إلى المنزل للتأكد من خلوه من جميع الأجهزة الكهربائية الحديثه، ومنها الثلاجة كشرط أساسي لإثبات فقري وحاجتي لخفض المصاريف لكن دون تقليل قيمة التبرع".
الوزارة تنفي الإجبار بالتبرعات
في المقابل، كانت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني المصرية قد نفت في عام 2020 إجبار المدارس الحكومية أولياء الأمور على دفع تبرعات لصندوق "تحيا مصر"، مُؤكدةً أن لا صحة لإجبار أولياء الأمور على دفع تبرعات إلى الصندوق أو إلى أي جهة أخرى، وأنه لم يتم إصدار أي قرارات أو توجيهات للمدارس بهذا الشأن.
رحمة: "المدرسة لا تقوم بأي أعمال صيانة ولا يوجد فيها مسؤولون عن نظافة الفصول والحمامات، لذا نشتري كأولياء أمور الأدوات التي تحتاجها الحمامات والتي تظل موجودة حتى آخر يوم في الامتحانات، ومع بداية أول يوم في العام الدراسي الجديد تختفي ونضطر لشرائها مرة أخرى"
ويرى مغيث أن إجبار الأهالي على التبرع للمدارس تحت مسمى المشاركة المجتمعية"استغلال واضح للفقراء والإتاوة"، يقول: "التعليم الحكومي لا يخلو من فوضى عارمة، والوزارة فتحت الباب لاستغلال أولياء الأمور من خلال فصول التقوية، وللفوضى المالية من خلال نظام التطوع، فالوزارة نفسها هي التي فتحت باب استغلال أولياء الأمور، ولا تستطيع حمايتهم من طلبات المدارس".
وفي المقابل، ليس وضع طلاب المدارس الخاصة في مصر مختلفًا عن الحكومية، يقول مغيث: "لا تطلب المدارس الخاصة تبرعات مثل الحكومية نتيجة اختلاف نوعية الطلاب في كل مدرسة، فحرية اختيار أولياء الأمور للمدراس الخاصة التي يلتحق بها أبناؤهم تجعلهم غير مضطرين لقبول دفع تبرعات، على عكس المدارس الحكومية التي يُجبر الطالب على الالتحاق بها وفق محيطه الجغرافي مما يفتح باب استغلاله مقابل تغيير المدرسة، بالإضافة إلى أن آلية عمل المدارس الخاصة واضحة، فالمدرسة تضع المصروفات التي ترغب فيها وترفعها كيفما شاءت، وبالتالي فهي ليست في حاجة إلى تبرعات".
وهو ما تؤكده ياسمين محمود، وهي المسؤولة عن إدارة 70 مجموعة لأمهات طلاب في مدارس الدقي والمهندسين الخاصة في محافظة الجيزة، تقول لرصيف22: "أغلب المدارس الخاصة في منطقة الدقي والمهندسين لا تطلب تبرعات، ولكن المعروف عن مدارس الراهبات أنها تطلب تبرعات كبيرة تصل إلى 10 آلاف جنيه (حوالي 200 دولار) مقابل الموافقة على التحاق الطلاب بها، وهو شرط للقبول، ومن المعروف أيضًا أن مجموعة مدارس مصر للغات في منطقة الرماية في محافظة الجيزة تطلب أيضًا تبرعات بمبالغ كبيرة، وصلت في السنوات الماضية إلى 10 آلاف جنيه تحت مسمى سهم للطفل في المدرسة وبعد تخرجه تعود قيمته للأهالي".
ويختم مغيث: "الدولة هي المسؤولة عن هذا العبث في التعليم الحكومي والحل الوحيد في ضبط العملية التعليمية وتحسين رواتب المعلمين والعودة إلى تطبيق الدستور الذي يكفل تعليم مجاني للمصريين، والذي خالفته الدولة بدفع الطلاب مصروفات سنوية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...