شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
الانقلاب الناعم في إسرائيل... قائد الجيش ورئيس الحكومة وجهاً لوجه

الانقلاب الناعم في إسرائيل... قائد الجيش ورئيس الحكومة وجهاً لوجه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الثلاثاء 12 نوفمبر 202412:03 م

أن يقيل الرئيس وزير دفاعه في منتصف الحرب، فذلك قرار استثنائي غير معتاد، ولا يحدث إلا إذا كنا إزاء إخفاق رهيب في إدارة المعركة، أو خلاف جذري يجعل التنسيق بينهما مستحيلاً، وحيث إننا لسنا إزاء إخفاق في حرب إسرائيل على غزة ولبنان، فالسؤال هنا: لماذا أقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزير الدفاع يوآف غالانت؟ وما تداعيات ذلك القرار على حرب غزة/لبنان؟

هل يخشى نتنياهو غالانت؟

فور إعلان نتنياهو الإطاحة بـ غالانت وعزله من منصبه، غرّد الأخير على موقع إكس قائلاً: "إن أمن دولة إسرائيل كان وسيظل دائماً مهمة حياتي"، وفي اليوم التالي أصدر بياناً كشف فيه عن ثلاثة أسباب وصفها بأنها وراء الإطاحة به وهي:

1- قضية التجنيد.

2- إعادة المختطفين بأسرع ما يمكن.

3- إصراره على وجوب تشكيل هيئة تحقيق رسمية.

فيما يخص السبب الأول (قضية التجنيد)، هناك خلاف حقيقي وعميق بين الرجلين حول إشكالية تجنيد الحريديم (مجموعة من الذكور المتدينين، لا يدخلون الجيش ولا يتم تجنيدهم)، وذلك منذ عام 1948، حينما قرّر بن جوريون تفريغ 400 طالب لدراسة اليهودية وتعاليمها، للحفاظ على هوية إسرائيل كدولة دينية يهودية خالصة.

لكن مع مرور الزمن، زاد عدد "الحريديم" حتى بلغوا 13% من تعداد السكان، وهنا مكمن الخلاف بين نتنياهو وغالانت، حيث يرى وزير الدفاع أنه من العبث عدم تجنيد 13% من الشعب، في وقت تحتاج فيه إسرائيل إلى كل جندي، لكن نتنياهو، ولأسباب سياسية تتعلق باحتياجه للأحزاب الدينية، يرفض تنفيذ ذلك القرار.

أما السبب الثاني، فهو بشأن أولوية استرجاع المختطفين ومسار الحرب، فغالانت يرى أن إعادة المختطفين أولوية قصوى، تستوجب التفاوض مع حماس والوصول لصيغة وسط، خاصة أن حرب غزة قد استنفدت أغراضها، ولا جديد يمكن تحقيقه، في حين يطالب نتنياهو باستمرار الحرب على حماس، أياً كان الثمن الذي ستدفعه إسرائيل.

لكن هل معنى ذلك أنه يمكن وصف غالانت بأنه من الحمائم، في حين نتنياهو من الصقور؟ الإجابة لا، فالخلاف بينهما في حرب غزة تكتيكي/سياسي، لكن على الجانب الآخر، فيما يخصّ لبنان بل وإيران، فغالانت من أنصار التصعيد والضرب إلى ما لا نهاية، بل إنه يكيل الاتهامات لنتنياهو بأنه جبان.

الكراهية بين غالانت ونتنياهو تكمن في خوف الأخير من الأول، الذي نجح في حصد شعبية كبيرة على حساب نتنياهو مرّتين، الأولى في أحداث السابع من أكتوبر التي وقف فيها غالانت يعترف بالتقصير ويتحمّل المسؤولية ويعد بالردّ المناسب، والثانية اكتساب غالانت شعبية كبيرة جرّاء موقفه من الأزمة المعروفة بـ "إصلاحات القضاء"

الخوف والمعارضة

لكن ما لم يذكره غالانت في بيانه، هو حقيقة البغضاء بينهما، والتي تكمن في خوف نتنياهو من غالانت الذي صار يمثل المعارضة الحقيقية له، حيث نجح في حصد شعبية كبيرة وسجّل نقاطاً في الشارع على حساب نتنياهو مرّتين، الأولى في أحداث السابع من أكتوبر التي وقف فيها غالانت يعترف بالتقصير ويتحمّل المسؤولية ويعد بالردّ المناسب، في حين توارى نتنياهو ولم يتحمل مسؤوليته عن الحدث.

الثانية (وهي الأهم) هي أن خوف نتنياهو الأكبر يعود إلى اكتساب غالانت شعبية كبيرة جراء موقفه من الأزمة المعروفة بـ "إصلاحات القضاء"، والتي يمكن إيجازها باختصار في أن حكومة نتنياهو قدمت مشروع قانون حينها، يعرف بقانون "إصلاح القضاء"، والذي يحد من صلاحيات السلطة القضائية ويمنحها للسلطة التنفيذية، والتي رأتها المعارضة خطوة من نتنياهو، المقصود بها حماية نفسه من شبح العزل من منصبه، إثر اتهامه في قضايا فساد مالي.

حينها انحاز غالانت للمعارضة ووقف ضد ذلك القانون، وانتصر لاستقلال القضاء، فاحتفى به الشارع، وعملياً أصبح هو المعارض القوي والحقيقي لنتنياهو، ويسعى الأخير للخلاص منه.

أزمة التسريبات

في منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، انتشرت أخبار في وسائل الإعلام الإسرائيلية، مفادها بأن هناك ست رهائن إسرائيليين لدى حماس، لقوا مصرعهم خلال العمليات العسكرية في غزة، وإثر تلك الأخبار، تعالت الأصوات في المجتمع الإسرائيلي - بقيادة أهل الرهائن - بالمطالبة بالوصول إلى اتفاق تسوية مع حماس، وتحولت الاحتجاجات إلى مظاهرات، وأخذت في استقطاب أصوات عدة داخل إسرائيل.

وفي وسط تلك الاحتجاجات المتصاعدة، نشرت صحيفة "بيلد" الألمانية، وصحيفة "جويش كرونيكل" البريطانية، تسريبات عن وثيقة سرية تعود إلى يحيى السنوار، قائد حماس، يتحدّث فيها بوضوح عن نقل الأسرى الإسرائيليين إلى إيران، كاشفاً أنه لا نية لإيقاف التصعيد أو العمليات ضد إسرائيل.

وأثر تلك التسريبات التي سرعان ما تم نقلها في وسائل الإعلام الإسرائيلية، تلاشت الأصوات والاحتجاجات الداعمة لموقف غالانت المطالبة بحتمية الوصول إلى اتفاق مع حماس بخصوص الرهائن، وهيمنت أصوات طبول الحرب من جديد على المشهد منفردة داعمة لموقف نتنياهو.

لكن ما كشفته التسريبات الأخيرة، والتي تمّ فك حظر النشر عنها، هو أن تلك المعلومات، أو لنقل محتوى هذه الوثيقة، سُرب إلى الجريدتين الألمانية والبريطانية على يد "إيلي فيلدشتاين"، المتحدث باسم الشؤون العسكرية في مكتب نتنياهو، ومع ثلاثة آخرين لم تسمهم الصحافة، لكنها أشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي يجري تحقيقات موسعة في الأمر، بالطبع طالت الاتهامات نتنياهو الذي توجّهت له تهمة الإضرار بأهداف الحرب، وهي تهمة كبرى لا تقل عواقبها عن الاتهام بالخيانة العظمى للبلاد.

التهم الرسمية الموجّهة للمتحدث العسكري في مكتب نتنياهو ومن معه، تتمحور حول نقطتين:

الأولى، الالتفاف حول قرار المدعي العام، بعدم نشر الوثائق السرية في الصحافة الإسرائيلية، عبر تسريبها إلى وسائل إعلام أجنبية.

الثانية، (وهي التهمة الأخطر) هي تزييف الحقائق والتلاعب بالوثائق لتضليل الرأي العام الإسرائيلي، حيث إن الوثيقة التي سربها إيلي فيلدشتاين للإعلام والمنسوبة إلى السنوار، تقول "إنه عازم على الاستمرار في الحرب، وأنه سينقل الأسرى الإسرائيليين إلى طهران".

في حقيقة الأمر، لا تعود الوثيقة إلى السنوار ولا إلى قيادي من حماس، وإنما مصدرها شخص عادي وعضو غير فعال أو مؤثر في الحركة، أي إن مكتب نتنياهو خدع الإسرائيليين، وأوهمهم بأمر غير حقيقي، واستغلّ ذلك في دعم قراراته في الحرب، وهذه تهمة كبيرة إذا تصاعد الموقف، قد تقوده إلى مصير غائم، ليس فقط سياسياً، بل قد تحوله إلى متهم بتهمة عسكرية مآلها السجن!

من جانبه، تنصّل نتنياهو من مسؤوليته عن الأمر برمته، زاعماً أن "فريق" مكتبه لم يسرّب أي شيء، وهذه حقيقة أريد بها الباطل، فإدارياً "إيلي فيلدشتاين" المتحدث باسم الشؤون العسكرية في مكتب نتنياهو، ليس موظفاً رسمياً في المكتب، وإنما هو على درجة "مستشار"، وعليه، فنظرياً هو بالفعل ليس من أعضاء مكتب نتنياهو كما قال الرجل، لكن عملياً من العبث أن نقول إنه تحرّك من نفسه، وأقدم على خطوة كتلك دون أوامر مباشرة من نتنياهو.

المفارقة هنا أن "إيلي فيلدشتاين" لم يتم تعيينه بشكل رسمي في مكتب نتنياهو، لأن جهاز "الشاباك" (جهاز استخباراتي مسؤول عن محاربة حركات المقاومة الفلسطينية) رفض تعيينه، وقال إنه لا يرقى لمستوى تولّي ذلك المنصب الرفيع، فتحايل نتنياهو على ذلك القرار بتعيينه بدرجة "مستشار" وليس "موظف"، لكن في النهاية هو رجله وموضع ثقته، ولذا فتملّص نتنياهو من مسؤولية ما فعله الرجل؛ أمر لا يعدو كونه محض عبث وإمعاناً في التضليل.

التهم الرسمية الموجّهة للمتحدث العسكري في مكتب نتنياهو ومن معه، تتمحور حول نقطتين: الأولى، الالتفاف حول قرار المدعي العام، بعدم نشر الوثائق السرية في الصحافة الإسرائيلية، عبر تسريبها إلى وسائل إعلام أجنبية والثانية، هي تزييف الحقائق والتلاعب بالوثائق لتضليل الرأي العام الإسرائيلي

التوقيتات وقلب المناضد المتبادل

في صراع نتنياهو‑غالانت، لعبت التوقيتات دوراً حاسماً، فمن جانبه سدّد غالانت ضربة أولى لنتنياهو، وتوقيت تفجير الفضيحة وإعلانها لا يمكن أن يكون صدفة، حيث يخبرنا التوقيت بوضوح أنها نقلة مباغتة من قائد الجيش والشاباك ضد نتنياهو، ففي خضم أزمتهما معاً، وتلويح نتنياهو الدائم برغبته في إقالتهم، اتخذ جيش الرجلين - أو هكذا يبدو - نقلة نوعية تجاه نتنياهو، عبر تفجير تلك الفضيحة، واتهام نتنياهو بالإضرار بأهداف الحرب، التي لو تصاعدت كرة ثلجها ستقود لعزله، بل وربما محاكمته.

ما يعزّز ذلك التصوّر أو التفسير لما يحدث، هو توقيت الإعلان عن القضية، والذي تم يوم الجمعة مساءً، في وقت توقفت فيه قناة 14 التلفزيونية، الذراع الإعلامية عن البث، (القناة 14 بصفتها قناة تتبنى النهج الديني، فإنها تغلق من مساء يوم الجمعة، حتى مساء يوم السبت لأسباب دينية)، فاختيار ذلك التوقيت لا يمكن أن يكون مصادفة، بل تم بعناية لاستغلال أن ذراع نتنياهو الإعلامي لا تعمل، والاستحواذ على المشهد دون وجود رد من جانبه.

على الجانب الآخر، استخدم نتنياهو سلاح التوقيت للإطاحة بغالانت، واختار لحظة انشغل بها الرأي العام الإسرائيلي بخبر فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية، ومن الصعب إيلاء اهتمام بشيء آخر، وأطاح بغالانت منافسه الأول.

السؤال هنا: ما تداعيات اختيار نتنياهو لـ "يسرائيل كاتس"، البالغ من العمر 70 عاماً، وزيراً للدفاع، خاصة أن ميزته الأولى أنه من أشد موالي نتنياهو، لكن خبرته العسكرية صفر، والمنصب المرموق الذي شغله مسبقاً كان وزارة الخارجية؟

رغم أن أولى تصريحات كاتس بعد تعيينه، تضمّنت تعهدات بتحقيق أهداف الحرب والنصر على "الأعداء"، فضلاً عن إعادة الرهائن، إلا أن افتقاره لأي خلفية عسكرية أثار مخاوف عدة في أوساط الجيش وخارجه، من حقيقة كونه الرجل المناسب لقيادة الجيش في لحظة فارقة من إسرائيل، المتورّطة في الحرب على جبهتين وتناوش الثالثة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image