تطورات متلاحقة جعلت المباراة بين أحد الأقطاب الثلاثة لكرة القدم الهولندية، ونادي "مكابي تل أبيب" الإسرائيلي المتواضع، محط اهتمام عابر للدول إثر الأحداث الأمنية التي رافقتها، بما في ذلك المناوشات بين جماهير الفريقين التي سبقت المباراة بيوم، ثم تحوّلت إلى اشتباكات وحوادث عنف متبادل بعدها.
قبل نشر هذا التقرير مباشرةً، ذكرت الشرطة الهولندية عبر حسابها في "إكس"، أنها لا تزال تحقق في الأحداث العنيفة التي رافقت المباراة، مردفةً: "نُقل خمسة جرحى إلى المستشفى، وتم اعتقال 62 شخصاً. الشرطة على علم بتقارير عن احتمال وجود رهائن واختفاءات، لكن ليس لديها حالياً تأكيد بحدوث ذلك بالفعل. ويجري التحقيق في هذا أيضاً. وتم الآن العثور على عدد من الأشخاص الذين تم الإبلاغ عن اختفائهم".
وكان مئات من مشجّعي الفريق الإسرائيلي، قد تجمّعوا في ساحة أمستردام، وسط العاصمة الهولندية، قبل ساعات طويلة من المباراة، وبالتزامن مع احتشاد العديد من المتظاهرين الهولنديين المؤيدين لفلسطين والمنددين بالإبادة الجماعية الإسرائيلية المتواصلة للشعب الفلسطيني في غزّة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. حدثت مناوشات محدودة بين الطرفين، أنهتها الشرطة بتوقيف نحو 10 أشخاص، وفق صحيفة "أن إل تايمز" الهولندية، التي تصدر بالإنكليزية، لم تكشف الشرطة عن هوية الموقوفين ولا لأي طرف ينتمون.
ونقلت الصحيفة عن مراسل وكالة الأنباء الهولندية، أن أعمال الشغب اندلعت عندما ردّد متظاهرون هتافات داعمةً للفلسطينيين، على غرار "فلسطين حرّة"، في وجه المشجعين الإسرائيليين الذين استفزّهم ذلك.
"نُقل خمسة جرحى إلى المستشفى وتم اعتقال 62 شخصاً. الشرطة تحقّق في احتمال وجود رهائن واختفاءات"... أعمال شغب واشتباكات شهدتها العاصمة الهولندية أمستردام قبل مباراة كرة قدم بين أياكس ومكابي تل أبيب، وبعدها. كيف بدأت الأحداث؟ وما دخل حرب الإبادة على غزّة فيها؟
ونجحت الشرطة في إنهاء التوتر بصرف المتعاطفين مع الفلسطينيين من المكان وتفتيش مشجّعي الفريق الإسرائيلي، بحثاً عن الألعاب النارية والأسلحة وأقنعة الوجه وغيرها من الأدوات المحظورة، والسماح لهم بدخول الملعب بعدما كانوا يتراصّون حول النصب التذكاري الوطني في أمستردام.
وبدا أن السلطات الهولندية كانت قد توقّعت هذه الاحتكاكات، وتحسّبت لها، حيث قرّرت رئيسة بلدية أمستردام، فيمكي هالسيما، الأربعاء، رفض إقامة مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين، تفادياً لأي تبعات أمنية نظراً إلى تواجد مشجعين إسرائيليين في محيط مكان المظاهرة، قرب ساحة يوهان كرويف.
كما أعلنت الشرطة بشكل استباقي، أجزاء عدة في وسط المدينة مناطق "خطرةً"، ما يمنح الشرطة الحق في تفتيش الأشخاص وتوقيفهم. وحثّت الشرطة المشجعين على التواجد في الملعب قبل وقت طويل من انطلاق المباراة، في التاسعة مساءً، بسبب تدابير أمنية إضافية.
وأوضحت هالسيما، أنه لم تكن هناك أسباب قانونية لمنع مشجعي الفريق الإسرائيلي من الحضور برغم تفهمها جيداً لما يثيره استمرار الحرب على غزّة في صدور المواطنين في العاصمة، مكتفيةً بدعوة جماهير "أياكس" إلى تفادي المواجهات، موضحةً أن الشرطة سوف تتدخل عند الضرورة.
اشتعال بعد المباراة
المباراة التي أقيمت ضمن مسابقة الدوري الأوروبي، مساء الخميس 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، في هولندا، تعمّقت جراح الإسرائيليين بعدها إثر الهزيمة في بخمسة أهداف دون ردّ.
وبعد المباراة، انفجر الوضع وخرج عن السيطرة حيث اندلعت اشتباكات وأعمال شغب وتخريب وعنف.
من جهتها، أقرّت الشرطة الهولندية بـ"وقوع حوادث عنف عدة استهدفت أنصار مكابي، وفي أماكن عدة في المدينة"، بينها "الهجوم والإساءة والرشق بالألعاب النارية"، ما اضطر الشرطة إلى "التدخل مرات عدة لحماية المشجعين الإسرائيليين ومرافقتهم إلى الفنادق".
في الليلة التي سبقت المباراة، تعمّد مشجّعو مكابي الإسرائيلي، إنزال الأعلام الفلسطينية من على منازل الهولنديين الداعمين للشعب الفلسطيني، كما هتفوا قبل المباراة هتافات عنيفةً وتحريضيةً وعنصريةً ضد فلسطين والعرب… كيف انفجر الوضع وأصبحت مباراة بين أياكس ومنافس إسرائيلي متواضع، محط اهتمام واسع؟
وبينما شدّدت الشرطة على أنها على اتصال مع الحكومة الهولندية والسفارة الإسرائيلية والجالية اليهودية في أمستردام، من بين جهات معنية أخرى، قالت إن التصرفات العنيفة تجاه "أنصار إسرائيل تتجاوز كل الحدود، ولا يمكن الدفاع عنها بأي شكل من الأشكال"، واصفةً إياها بـ"معاداة السامية".
وختمت بيانها: "يجب أن يشعر كل من الزوّار الإسرائيليين والجالية اليهودية بالأمان في أمستردام. ستتواجد قوات إضافية من الشرطة في المكان خلال الأيام المقبلة لمراقبة الوضع والسيطرة عليه. بالإضافة إلى ذلك، يتم إيلاء اهتمام إضافي بالأمن الإضافي للمؤسسات والمواقع اليهودية".
الإسرائيليون "بدأوا" الاستفزاز والعنف؟
إلى ذلك، وثّقت عشرات منشورات السوشال ميديا، بما في ذلك منشورات إسرائيليين "يتباهون" بأفعالهم، كيف بدأ الإسرائيليون "الاستفزاز" و"العنف"، بدايةً من الليلة السابقة للمباراة حيث قاموا بإنزال الأعلام الفلسطينية التي يرفعها هولنديون على منازلهم تعبيراً عن دعمهم للقضية الفلسطينية، ورُصد بعض المشجعين الإسرائيليين وهم يحملون أسلحةً بيضاء ويرتكبون أعمالاً تخريبيةً ضد الممتلكات العامة والفردية.
من جهته، زعم الإعلام الإسرائيلي بأن "هولنديين من أصول عربية هاجموا إسرائيليين من مشجعي فريق مكابي تل أبيب لكرة القدم وصلوا لحضور المباراة"، بما في ذلك من "عنف وضرب وإلقاء كراسٍ ومحاولة دهس"، مبرزاً أن وزير الخارجية جدعون ساعر، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أجريا نقاشاً حول الأحداث وجرى التواصل مع السلطات الهولندية لمعالجة الأمور.
وذكر بيان لديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، أن نتنياهو أمر بإرسال طائرتين للمساعدة في "إنقاذ المواطنين". كما أفاد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، صباح الجمعة، عبر "إكس": "عاجل، في أعقاب أحداث العنف الصعبة والخطيرة ضد مواطنين إسرائيليين في أمستردام، وبتوجيهات من المستوى السياسي وبعد تقييم الوضع، يستعدّ جيش الدفاع بشكل فوري لإرسال بعثة إنقاذ بتنسيق مع الحكومة الهولندية. ستخرج البعثة على متن طائرات شحن وستضم طواقم طبيةً وطواقم إنقاذ. تقود قيادة الجبهة الداخلية عملية الإنقاذ بتعاون الأذرع والأفرع المختلفة في جيش الدفاع وقوات الأمن". وبعد نحو ثلاث ساعات، نشر المتحدث نفسه: "بناءً على تعليمات المستوى السياسي، تقرّر عدم إرسال بعثة من جيش الدفاع إلى أمستردام".
الإعلام الإسرائيلي يتّهم "هولنديين من أصول عربية بمهاجمة إسرائيليين من مشجعي فريق مكابي تل أبيب"، في العاصمة أمستردام، والجيش الإسرائيلي يُعلن إرسال "بعثة إنقاذ" لإعادة الجمهور، وسط تقارير عن "رهائن ومختطفين". ماذا حدث؟
كرة القدم الأوروبية وإيصال الصوت الفلسطيني
ليلة الأربعاء، وبالتزامن مع إنزال جمهور الفريق الإسرائيلي الأعلام الفلسطينية واللافتات الداعمة للفلسطينيين في شوارع أمستردام، كان جمهور فريق باريس سان جيرمان الفرنسي، يرفع لافتةً عملاقةً دُوّن عليها: "فلسطين حرّة"، قبيل انطلاق مباراة ناديه مع "أتلتيكو مدريد" الإسباني، في إطار منافسات دوري أبطال أوروبا، وهي اللافتة التي أثارت حفيظة وزارة الداخلية الفرنسية لا سيّما أن ذلك يأتي قبل ثمانية أيام فقط من مباراة فرنسا أمام إسرائيل في دوري الأمم في باريس.
ظهر على اللافتة أيضاً طفل صغير يرتدي علم لبنان، في إشارة إلى العدوان الإسرائيلي المتصاعد على لبنان منذ 23 أيلول/ سبتمبر 2024، والذي راح ضحيته العديد من الأطفال والمدنيين.
ورفع الجمهور أيضاً لافتتين أخريين دُوّن عليهما: "الحرب على أرض الملعب، لكنّ السلام في العالم"، و"هل حياة طفل في غزّة أقلّ أهميةً من حياة أي طفل آخر؟".
ويُعدّ جمهور نادي "سيلتيك" الإسكتلندي، أحد أعرق الأندية الأوروبية في دعم القضية الفلسطينية حيث أُجبر على دفع غرامة قيمتها 17،500 يورو (18،812 دولاراً)، العام الماضي، بسبب قيام مشجّعيه بالتلويح بأعلام فلسطينية خلال إحدى مباريات دوري أبطال أوروبا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Nahidh Al-Rawi -
منذ 10 ساعاتتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
Tester WhiteBeard -
منذ 12 ساعةkxtyqh
بلال -
منذ 22 ساعةحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ 5 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.