إلى جانب الحزن
والعجز عن تلقي الألم
بوجه بشوش وذهن مرتب
كنت أضع يدي على صدرك
لأصدق أن ثمة قلب يغفو، يقسو
وينتفض
تحت كفي
قبل أن أتمكن من محو شوكة
وكلمات قاسية
تجرحني هناك.
كنتَ أمنحك ابتسامة بعد أخرى
وأسحب حياتك
مثل ليل طويل يتبعني في صمت.
السفر نحو الغروب
لا أفتقد حنينكَ لأن تصعد حبواً على جسدي، ولا ثقل خطواتك الجافة على نهديّ، كبقع أسفلت تركتها البلدية لنا في طريق مقفر. واهناً كنتَ، وبعيداً، تلاحق حصّتنا الزهيدة من الأنفاس في طوابير الخبز المدعم، ولا تكترث للنار حين تضبط إيقاعها الراقص على جلدي، وتغافلني وحدي في قميصي النايلون، والكهرباء في نعاسها الأبدي، كما تخطط تماماً جداول الحكومة.
وضعت رائحة عرقكَ أمامي، كعطر يغلّف آلام العوز. تركت قلبي يشتهي ما هو لي. لم أجعلك تمتحن خواء الأسواق في فاكهة غالية، وخارج الموسم؛ فأفسد ذائقة صغارك في رحمي، وشمت جسد أبنائك بكل ما هو ثمين، ملفت وطيب، ثم وزعت عليهم أسمالنا الباقية التي تكشف عيوب الموضة، وترضي غرور جارتنا في التنزّه بعيداً عن صوتكَ، وهو يسترسل في رسم حدود الجوع على جدران البيت.
وضعت رائحة عرقكَ أمامي، كعطر يغلّف آلام العوز. تركت قلبي يشتهي ما هو لي. لم أجعلك تمتحن خواء الأسواق في فاكهة غالية، وخارج الموسم؛ فأفسد ذائقة صغارك في رحمي... مجاز
ماذا بعد الصحراء؟
كفت المصانع عن الضجيج، زرع الرجال الممرّ إلى المطار برؤوس الموتى والمناجل والفؤوس، وتركنا الحقول تعج بالفئران والجراد، مهّدنا للأشجار طريقاً تلسع الشمس ظهره بالسياط، وليلاً يخلو من نسمة تحتفظ بحكايات الجدات وأرشيف الحب. تركنا الأشجار تنعي مواتها على الخرائط الرمادية في الطرق الجديدة؛ لنشبه مدن الصحارى التي هجرنا إليها خلف رغد العيش، فيقتات المسخ داخلنا على الأتربة والغبار. وأنتَ هناك، تحتفظ بصورتي يعلوها السخام في طيات شالكَ، تعاقر خوفكَ على الأرصفة مع مطرقتك، والحياة تمر في عدوها السريع، لا تقف لتنظر إليك ولا تعطينا كسرة خبز أو مقداراً شحيحاً من الأمل.
حكاية البكارة
تبدأ الشمس أسطورتها عنا، حين يصلها بريدكَ السري، بأنني صادفت وردة في طريقها إلى القبر. أخبرتها عن الحياة التي تختنق بين شقوق التجاعيد والمرض الذي يتمشى في شراييني، بثيابه الباهتة وجوعه المشتت. أخبرتها عن آخر أيام الطمث التي تركت جسدي؛ كنتَ قلت لي إن الأحمر لا ينقطع، والوردة التي أدخلتها في رحمي عندما أدركت اليأس لم تكن إلا هدنة رطبة وستعيد لدمي الحياة.
يا إلهي لقد رأيت الكثير... ماذا بعد؟
كاذب أنتَ؛
اعتدت الهرب
حين تدركني الرغبة
في ملاطفة أحزانك
بعود بخور
وبعض التراتيل على عروس ورقية
مثلي هي
لم تنج من وخز الإبر
أو الاحتراق وحيدة
بين أسماء عديدة
لقتلة اعتباريين.
طقوس الميلاد
مقلق هو الغد، كصراخ رضيع يتعاطى الهواء لأول مرة، وينتظره سجناً آخر. كان عليَّ أن أحذرك، أمي كانت تستغيث أيضاً حين يلاحقنا الليل، رأت رأسي في ضخامة قنديل وفمي هاوية؛ لم تعرف إلى الآن كم هو مظلم هذا الرحم الذي تركتني فيه.
ولدتُ مثلها في ليلة باردة، لا يحمل لها قلبي حطباً ولا أغطية كافية، ليلة كقصة رعب تتلى على طفلة مذعورة تحتضن دميتها، عاشت صبية ملقاة على كف القدر، عارية ومهجورة، تطالع النجوم وتلعب بالنرد، والأطفال حولها يبتسمون كأنهم وجدوا تفاحة ناضجة سقطت من فخ الحكمة، بين أيديهم المتسخة بالأحلام.
كل ما يسقط عنها، أغان صاخبة وعناوين ساذجة لشوارع هزمتها رائحة العدس والفول، الفقر الذي يعرقل قدمينا كان ابناً باراً للتجربة والمسافة، ابناً يقتفي آثار أجداده كما يليق بضائع بين غرقى على شواطئ بلدة، تراهن على حاجة دولفين لابتسامة لا على مستقبل طفل فقد أبويه.
عاشت صبية ملقاة على كف القدر، عارية ومهجورة، تطالع النجوم وتلعب بالنرد، والأطفال حولها يبتسمون كأنهم وجدوا تفاحة ناضجة سقطت من فخ الحكمة، بين أيديهم المتسخة بالأحلام... مجاز
الزواج قبل أن تعتاد الوحدة
وفي ليلة باردة أخرى، لا يحمل لها الحب أضحية مناسبة، ولا قرابين تستتر في أحضان عجائز، يبحثن عن حوض عريض في جسد البنات لتربى فيها الأسماك والزهرات والفقر الذي يعتصر البطون، لا عن ضحكة مليحة ترفرف فوق مساحيق التجميل، أخفت أمي وجهها بملابسنا الرثة ولم تزين السماء. أمي التي رأت فيك رجلاً سوف يتودد إلى بيتنا بنجمة، سوف ينتشل أحدى بناتها من الوحدة في الفقر.
كان اسمكَ يكفي لأمرّر لأحفادي خبرة سيئة عن الجوع والفقر
نغرق في كرسي العرس
بينما تتباعد مسافات الحزن
فلا بكاء اليوم ولا خوف...
يتمرغ الوقت بين يد القدر
قارب أليف،
وصفحاتنا الفارغة كلها ضفاف؛
نبحر،
إلى الساعة الآنية،
وكل كلماتنا تشتت لأمواج،
ها نحن نقترب من النهاية
دون وصفة تعيد إلينا بثور الشباب.
البيت
كنت سأعطيك سيجارة أخرى، لتتجوّل معي في سيرتي، لكنك قد تحتاج أيضاً سترة واقية ولقاحاً فعالاً ضد فيروسات الفقر وأمراض سوء التغذية، وهدنة طويلة؛ لتغطى روحك بالوهج اللحظي لعاطفة الأزواج.
رخام قديم، واطئ لمدخل عقار يترنح منذ الزلزال، ورصيف متقيح يزدحم بالمارة، وجه فتاة مخضب بالوجع ورائحة عطنة تتسرب من صحون فارغة وطريق طويل إلى السرير... وأنا وأنت في أولى قبلات الزفاف.
"دارنا"... كتبتها هكذا في مواثيق الحظ، ورميت ظلي على الطريق يقاسى شظايا البرد وسرت وحدي أحمل أحلامي إلى البيت والمزارات ورأس الحسين.
هاك... رجل من الحزن والعتمة والوجع، يلقى بحزمة من حطب أيامه الأخضر في فم مدفأة الوقت؛ لتنعم صغيرته الباكية بالدفء في فساتين الفتارين على الجهة المقابلة من الشارع.
كنت سأعطيك سيجارة أخرى، لتتجوّل معي في سيرتي، لكنك قد تحتاج أيضاً سترة واقية ولقاحاً فعّالاً ضد فيروسات الفقر وأمراض سوء التغذية، وهدنة طويلة؛ لتغطى روحك بالوهج اللحظي لعاطفة الأزواج... مجاز
والبيت مرة أخرى
ذكريات، ملطخة بالوحل كنت أركض فيها مثل عصفور مبلل بالعواصف وخربشات الأغصان، تحيط بي الجدران كسجن، والأحلام بعيدة، سماء تليق بأغنية عن الحرية، تستطيع يوماً ما الطيران وحدها.
مفاوضات تحت قبة الجوع:
يبدو أننا نعيش رغم كل شيء؛ تخيّل الأوبئة أيضاً لا تميت!
- الخراب يعزف وحده في المدن المجاورة.
- القروي الحقيقي لا ينام بجوعه في الشارع.
- ماذا نفعل وقد أفلس الموت؟
- نهبوا جثثنا مسبقاً من الحب والأمل والقلق من الغد.
- ابتسم ببراءة في حدود الفاصل.
- يا إلهي لقد رأيت الكثير... ماذا بعد؟
- السطر الأخير في ذمة ممول متعثر ومقاول غفوته أزلية.
- لست واثقاً أبداً من البداية العفوية لكل ندوبي.
- كسرة الشمس هي القطعة الثمينة في عيني، تخيل!
- لا أريد أن أشارككَ خوفي، وطعامي كان يكفينا تقريباً.
- كان اسمكَ يكفي لأمرر لأحفادي خبرة سيئة عن الجوع والفقر.
- الأنهار لا تجف؛ صدقني أحدهم ألقى فيه وجهه ولم يعجبه.
- النيل وارد السماء؛ ليس عليه ضريبة جمركية.
- من حسن حظه أنه أفلت بشيء مجاني في نهاية خدمته.
- أحبكَ... ولدي ليل طويل أنت أجمل ما فيه.
- أحبكِ ولكن... المرض الذي يشاركني رفاتي، يمشي معي حتى في الليل، كيف أعود إليه بدون قلب وعظام.
لنفترض أن الحياة تبتسم
يبدو أننا نعيش رغم كل شيء؛ تخيل الأوبئة أيضاً لا تميت! كنت أخبرتني أن الرصاص لا يفنى ولن يتركنا الفقر هكذا ببساطة. زحفنا على الطين، لوثنا ملامحنا بالفقر والطفيليات، اتبعنا طريق جوجل وكل خبراتنا التاريخية في غسيل الأيدي من الحزن والأمراض، وتلمسنا الضوء في مغارات حجرات الشات، وحين نظرنا إلى العدو، إلى المرآة، إلى فخاخ الأطفال التي تعثرنا بها؛ رأيت شبيهك يحرّضني على القفز خارج جسدي، وشبيهة لي تقرص أنفكَ وتقول لك: هكذا يكون الموت الجديد.
بعض الناس يحملون بيوتهم فوق ظهورهم حين يرحلون. كنتُ أدفنك في قلبي، وأنتَ تسحبني إليك، نبدو من بعيد للمارة؛ إبرة تعانق ورقة شجر تسبحُ باتجاه الظل في طبق ماء، تشد أطرافَه جميعَها الشمس.
مُطلِّعاً على أحلامي كنتَ
وأنا أستحوذ عليكَ،
وثمة تائه آخر يتطفل على قلبي،
يسطو على أسماء أولادكَ
ويسحب سريري إلى السماء.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...