لم تترك إسرائيل وسيلةً إلا واتبعتها من أجل تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، باعتبارهم "جوهر القضية الفلسطينية"، ومحور بقائها، ونقطة اشتعال الانتفاضات بين الحين والآخر، ومن ثم فإن إجهاض هذا الملف كفيل بتحقيق ما ترنو له من السيطرة على باقي الأراضي الفلسطينية وإحداث تغيّرات ديمغرافية تصب في صالح تكريس هيمنتها.
آخر هذه الوسائل تتمثّل في إقرار الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون يحظر عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في إسرائيل، بأغلبية 92 صوتاً مقابل 10 أصوات معارضة، وهو ما أدانته الوكالة ووصفته بـ"الشائن"، فيما قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن تطبيق مشروع القانون "قد تكون له عواقب مدمِّرة على اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو أمر غير مقبول".
لا يمكن فصل هذا الإجراء عن سلسلة طويلة من مشاريع عديدة سعت السلطات الإسرائيلية إلى تنفيذها منذ قيام إسرائيل، بهدف تهجير اللاجئين وتوطينهم في دول أخرى، وهو ما نتناوله في هذا التقرير.
باكورة مشاريع التهجير
تعود مشكلة اللاجئين بجذورها إلى حرب أيار/ مايو 1948، عندما ارتكبت المنظمات الصهيونية المسلحة على غرار البالماخ والأرغون (نواة جيش الدفاع الإسرائيلي) مجازر بحق الفلاحين الفلسطينيين بهدف إثارة الرعب في قلوبهم وطردهم من قُراهم، لإفساح المجال أمام المهاجرين اليهود الجُدد القادمين إلى فلسطين وإحلالهم محل أهل البلاد الأصليين، حسبما يذكر الدكتور إبراهيم الجندي في كتابه "اللاجئون الفلسطينيون بين العودة والتوطين".
بالمغريات المادية والاقتصادية تارة، والترويع والمجازر والطرد تارات… لم تترك إسرائيل وسيلةً إلا واتبعتها من أجل تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، باعتبارهم "جوهر القضية الفلسطينية"، ومحور بقائها، ونقطة اشتعال الانتفاضات بين الحين والآخر، ما يعني أن إجهاض هذا الملف كفيل بتحقيق أهدافها الاستعمارية والاستيطانية. تسلسل تاريخي لأخطر هذه المشاريع وصولاً إلى حظر الأونروا
ظهر الموقف الإسرائيلي المتشدد والمتصلب إزاء عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم مبكراً، وتمثّل في عدم الإذعان لتنفيذ ما جاء في القرار 194 للجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1948، والقاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وتعويض من لا يريد العودة منهم عن ممتلكاته.
ولهذا اجتمع زعماء المستوطنات ومسؤولي الاستيطان في إسرائيل للدعوة إلى المحافظة على المكاسب السياسية والعسكرية التي تحققت في الحرب وانتهاز الفرصة لمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين، ونادوا بإنشاء منظمة تعمل على ترحيل ما بقي من العرب من ديارهم، وعدم السماح لهم بالعودة إليها، وتوطينهم في البلاد العربية التي هاجروا إليها، والعمل على تدمير منازلهم المهجورة، ومصادرة ممتلكاتهم، وسن تشريعات تقيّد وتمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين.
وفي أواخر عام 1948، قام أول رئيس وزراء لإسرائيل، دافيد بن غوريون بتعيين لجنة خاصة لبحث "تبادل السكان"، وذلك لإعداد مشروع تقوم بتقديمه إليه حول إمكانية نشر إمكانية إسكان ما سُمي بـ"عرب أرض إسرائيل" في البلاد العربية المجاورة. أوضح بن غوريون أمام لجنة التوفيق الدولية أن حكومة إسرائيل ترى أن الحل الصحيح للجزء الأكبر من مسألة اللاجئين في إعادة توطينهم بالدول العربية، بحسب الجندي.
مشروع الـ100 ألف لاجئ
ومنذ ذلك الوقت، توالى طرح المشاريع الإسرائيلية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين خارج ديارهم، ومنها مشروع الـ100 ألف لاجئ الذي حظي باهتمام بالغ لدى الدبلوماسيين والسياسيين في واشنطن وتل أبيب ولندن، ويتلخّص في نقل السيادة على قطاع غزة، الذي كان يرابط فيه الجيش المصري منذ أيار/ مايو 1948، إلى السيادة الإسرائيلية مع كل ما فيه من سكان محليين ولاجئين، بحسب ما يذكر عدنان عبد الرحمن أبو عامر، في كتابه "الموقف الإسرائيلي من قضية اللاجئين... الرؤية التاريخية والسلوك السياسي".
وبحسب أبو عامر، فإن تطبيق هذا المشروع كان سيمنح إسرائيل ثروة إستراتيجية كبيرة نظراً لموقع غزة، وفي نفس الوقت يمكّنها من الادعاء بأنها ساهمت بنصيبها في عودة اللاجئين، لكن المشروع توقّف بسبب الرفض المصري له، ثم ما لبث الإسرائيليون أن رفضوه بدعوى أنهم اكتشفوا أن عدد السكان الحقيقي في القطاع 211 ألف لاجئ و65 ألف مواطن أصلي، ما يجعل استيعاب هذا العدد الكبير من الفلسطينيين أمراً يفوق طاقتهم.
ونتيجة لذلك، لم تثمر الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة ولجنة التوفيق سوى عن مشروع جمع "شمل العائلات"، والذي أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه شاريت عنه في 15 حزيران/ يونيو 1949 أمام الكنيست، والقاضي بتمكين العرب الذين يعيشون في إسرائيل من استعادة نسائهم وأولادهم الصغار دون سن 15 عاماً، وكذلك البنات غير المتزوجات.
أسهب الإسرائيليون في الترويج للمشروع، وصوّروه على أنه يسهم في تخفيف معاناة عدد كبير من العائلات الفلسطينية، إلا أن الحقيقة أنه لم يخفف سوى عن حفنة صغيرة من العائلات، إذ أنه حتى 20 أيلول/ سبتمبر 1951 عاد 1965 لاجئاً فلسطينياً فقط بالاستفادة من القانون.
ترحيل اللاجئين إلى الأرجنتين وليبيا
ومن المشاريع الأخرى التي طرحتها إسرائيل لتصفية قضية اللاجئين ما يعرف بـ"عملية يوحنان" عام 1950، والتي وضعها مدير دائرة استيطان الأراضي في الصندوق القومي اليهودي، يوسف فايتس، وهدفت لترحيل إرادي للأقلية العربية في إسرائيل، من خلال ترحيل أكثر من 20 عائلة عربية مسيحية من قرى الجليل إلى الأرجنتين.
لاقت الخطة دعم بن غوريون ومعظم الوزراء، وراسل فايتس بشأنها السفير الإسرائيلي في الأرجنتين يعكوف تسور، لكن الخطة فشلت لأن الفلسطينيين الذين عبروا بداية عن رغبتهم في الترحيل فقدوا اهتمامهم بها أوائل عام 1953، بحسب أبو عامر.
وبعد فشل هذه الخطة، سعى فايتس خلال الفترة بين (1953-1958) إلى تنفيذ خطة بديلة تقوم على توطين ما أسماهم "عرب إسرائيل" واللاجئين الفلسطينيين في بلدان عربية مجاورة في الأراضي الليبية، بعد شراء أراضٍ واسعة لصالح الإسرائيليين من خلال المستوطنين الإيطاليين الراغبين في ترك ليبيا، وكذلك إجراء تبادل لأملاك العرب في إسرائيل مع أملاك اليهود المقيمين في ليبيا وناهز عددهم قرابة 3500 شخص سيتم تشجيعهم على الهجرة لإسرائيل.
يذكر أبو عامر في مؤلّفه أن إسرائيل فكّرت في هذه الخطة استغلالاً للوجود البريطاني والأمريكي في ليبيا، وبالفعل صادقت الحكومة الإسرائيلية عليها في 13 أيار/ مايو 1954، واستمر العمل على تنفيذها بشكل سري لمدة أربع سنوات، إلا أنها فشلت في النهاية بسبب التطورات السياسية في المنطقة خلال الفترة بين (1954-1958)، وتسريب تفاصيل الخطة للصحافة، ثم ملاحقة أذرع إسرائيل في ليبيا من قبل رجال المفتي محمد أمين الحسيني.
استغلال "العدوان الثلاثي" لطرد اللاجئين إلى الأردن
ومن الخطط التي وُضعت لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين عملية "حفر فيرت"، وهدفت لاستغلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 لطرد الفلسطينيين من المثلث الصغير إلى الأردن، وذلك حال قيام حرب محتملة معه. لتنفيذ الخطة، ارتُكبت مجزرة كفر قاسم في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1956، وراح ضحيتها 49 فلسطينياً. وبحسب أبو عامر، أُلغيت هذه الخطة عدم اتساع الحرب لتشمل الأردن.
ورغم فشل هذه الخطة، نجحت الحكومة الإسرائيلية في استغلال أجواء الحرب وطردت نحو 2000 إلى 5000 فلسطيني معظمهم من قريتي كراد الغنامة وكراد البقارة الواقعتين جنوب بحيرة الحولة إلى سوريا.
وتضم قائمة مشاريع تصفية قضية اللاجئين ما سُمي بـ"خطة لجنة دانين"، وتُنسب إلى عزرا دانين رئيس اللجنة الرسمية لإعادة توطين لاجئي قطاع غزة، وهي لجنة سرية شكّلها بن غوريون في كانون الأول/ ديسمبر 1956 لدراسة مقترحات توطين مئات آلاف اللاجئين من القطاع في أماكن أخرى، بعد اجتياحه من قبل إسرائيل في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1956 خلال العدوان الثلاثي، وقد أفصحت اللجنة عن إمكانية ضم القطاع إلى إسرائيل.
وأمام تكدس اللاجئين في القطاع، سعت اللجنة لإعادة توطين مئات الآلاف من اللاجئين في أماكن أخرى كالعريش في مصر وبلاد عربية أخرى ودول أوروبية، وذلك من خلال اللجنة الحكومية المشتركة للهجرة الأوروبية. وبحسب أبو عامر، لم تدخل الخطة حيز التنفيذ بسبب انسحاب إسرائيل من القطاع في آذار/ مارس 1975 نتيجة ضغوط دولية، لا سيّما الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة.
وفي 17 أيار/ مايو 1965، تقدّم رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول إلى الكنيست بمشروع لتحقيق تسوية بين العرب وإسرائيل، وتحدّث عن توجيه جزء من الموارد الضخمة للمنطقة باتجاه إعادة توطين اللاجئين ودمجهم في بيئتهم الوطنية الطبيعية، قاصداً الدول العربية، مؤكداً استعداد إسرائيل للمساهمة المالية مع الدول الكبرى في هذه العملية.
أحدثت "نكسة 1967" تغييراً في الموقف الإسرائيلي من قضية اللاجئين الفلسطينيين، فلم يعد الهدف من طرح حلول لهذه القضية الوصول إلى سلام، بل ظهر مفهوم "ضمان أمن إسرائيل"، خاصة أن مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية المحتلة وغزة تتمركز فيها المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي
"النكسة" واختلاف مضمون المشاريع الإسرائيلية
بعد حرب عام 1967، التي تُعرف بـ"النكسة"، اختلف مضمون المشاريع الإسرائيلية لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. وتشرح بدرية صالح عبد الإله، في دراستها "الموقف الإسرائيلي من قضية اللاجئين الفلسطينيين"، أن إسرائيل احتلت كل فلسطين، فضلاً عن الجولان وسيناء، ولما كانت الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها إسرائيل تحوي عدداً من اللاجئين فقد ترتب عليها مواجهة هذه المشكلة مباشرة، حيث رأت إسرائيل نفسها مسيطرة على آلاف اللاجئين، وهو ما يمثل مشكلة ديمغرافية وفق المنظور الإستراتيجي.
وبمعنى آخر، أحدثت نتائج الحرب تغييراً في الموقف الإسرائيلي من قضية اللاجئين الفلسطينيين، ومن ثم لم يعد الهدف من طرح الحلول لهذه القضية الوصول إلى سلام، بل ظهر مفهوم "ضمان أمن إسرائيل"، خاصة أن مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية المحتلة وغزة تتمركز فيها المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهكذا حدث تحول في طرح مشاريع حل القضية.
وأول من طرح هذه المسألة وفق هذا التحول على الصعيد الرسمي نائب رئيس الوزراء ووزير الهجرة والاستيعاب يغئال ألون، والذي قدم مشروعاً متكاملاً للتسوية مع الأردن في عام 1968، تضمن توطين اللاجئين من قطاع غزة إلى جانب اللاجئين من الضفة الغربية في الضفة الغربية نفسها مع تكثيف الزراعة والتنمية الصناعية الملائمة، وكذلك توطين جزء من اللاجئين في شبه جزيرة سيناء، تمهيداً لتفريغ قطاع غزة وضمه إلى إسرائيل دون لاجئين، تذكر عبد الإله.
كما طرح وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه دايان في عام 1968 مشروعاً غير متكامل يتضمن اتخاذ إجراءات أمنية لتحقيق ثلاث نتائج، أولاها تصفية المخيمات بذريعة تخفيف الكثافة السكانية فيها، خاصة مخيمات قطاع غزة بشكل تدريجي، وثانيتها توزيع اللاجئين على قرى جديدة عن طريق الإغراء بالمساكن الأفضل والخدمات العامة وأماكن التشغيل، وثالثتها تجريد اللاجئين من صفة لاجئ بعد نزوحهم من المخيمات وإسكانهم وتشغيلهم، وهذا الأمر يُسقط مشكلة اللاجئين في تصوّر الرأي العام العالمي.
وإبان حرب 1967، شكّلت إسرائيل لجنة لحل مشكلات اللاجئين دُعيت باسم "جماعة رحوبوت"، وقدمت مشروعاً حمل عنوان "اللاجئون الفلسطينيون والتطوير للمناطق المحتلة"، ويهدف إلى توفير حوافز ومغريات للعمال من لاجئي قطاع غزة لجذبهم إلى الضفة الغربية، وذلك لإخلاء أربعة إلى خمسة آلاف عائلة سنوياً، ومن ثم حل مشكلة اللاجئين في غضون ثمانية أعوام.
مشروع "فايتس" لتوطين اللاجئين في العريش والضفة
ومنذ عام 1963، قدّم رعنان فايتس، وهو مهندس زراعي وعضو مجلس أمناء معهد التخنيون في حيفا، ورئيس قسم الاستيطان في الوكالة اليهودية، عدداً من المشاريع التي تنص على نقل فائض مياه الليطاني عن طريق الأنابيب ودمجها في مشروع المياه الإسرائيلي من أجل تطوير الأقاليم العربية المحتلة، وإنشاء مشروعات زراعية وصناعية فيها، وكذلك إنشاء منطقة تجارية حرة في غزة، وبذلك يمكن استيعاب مليون لاجئ، بما فيهم 400 ألف من خارج المناطق المحتلة.
وبعد حرب 1967 طرأت تغيّرات على هذه المشاريع ونُشرت خطوطها العريضة في عام 1969، وتضمن توطين 50 ألف لاجئ في منطقتي العريش والضفة الغربية على أساس %10 في الزراعة، والباقي في الحرف الصناعية والخدمات العامة، مع دفع تعويضات للاجئين الذين سيكونون في حاجة إلى المال لشراء مساكن جديدة. وتلفت عبد الإله أن المشروع أكد أن التوطين سيكون على أساس تجمعات صغيرة، وربما متوسطة، على أن لا تأخذ طابع المخيمات.
وفي أوائل سبعينيات القرن الماضي، قدم العضو السابق في الكنيست عن حزب العمال الموحد (مبام)، دوف زاكين، مشروعه لحل مشكلة اللاجئين، واشتمل على إفراغ المخيمات تدريجياً عن طريق منح حوافز اقتصادية، أهمها تقديم مساكن بسعر رمزي في مناطق قريبة من أماكن التشغيل الجديدة التي سيتم إنشاؤها، وألا تحمل هذه التجمعات طابع المخيمات.
ويعد مشروع عضو الكنيست الإسرائيلي مردخاي بن بورات من أخطر المشاريع الإسرائيلية التي طُرحت من أجل تصفية مخيمات الضفة وغزة، حيث عُرض في عام 1982 على الحكومة الإسرائيلية، ويتضمن إعادة إسكان اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في الضفة والقطاع، وإفراغ 28 مخيماً من هاتين المنطقتين اللتين تضمان نحو 250 ألف لاجئ. وبحسب عبد الإله، قرّرت الحكومة الإسرائيلية حينها رصد مبلغ 1.5 مليار دولار لتنفيذ المشروع.
بيد أن المشروع لم ير النور، بسبب تورط إسرائيل في حرب لبنان عام 1982، وخشيتها من قيام هبّة شعبية بين سكان المخيمات لمحاربة المشروع المشار إليه فيما هي مشغولة بالحرب.
مشروعات مرحلة تسوية القضية الفلسطينية
وفي بداية عقد التسعينيات، بدأ ما يُعرف باسم "مرحلة تسوية القضية الفلسطينية" بمؤتمر مدريد في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 1991، واشترط الإسرائيليون للدخول في مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود والتخلّي عن العنف، في مقابل اعتراف إسرائيل بحق منظمة التحرير في تمثيل الشعب الفلسطيني، ولم تثر قضية اللاجئين في المؤتمر إذ تم استبعادها بشكل نهائي، وعُدت مسألة تفاوضية خاضعة للمساومات السياسية، وفق عبد الإله.
وأُرجِئت كل الاتفاقيات التي وُقعت بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني خلال تلك الفترة حول قضية اللاجئين والنازحين إلى مرحلة المفاوضات النهائية، والتي عُقدت في 20 كانون الثاني/ يناير 2001 بعدما مرت بعدد من المحطات التفاوضية.
وبحسب عبد الإله، لم يتم التوصل إلى اتفاق حول هذه القضية، حيث تمسك الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بالدعوة لإيجاد حل قانوني يقوم على توطين وإعادة تهجير اللاجئين وإسقاط حقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، ويقوم على مبدأ "تبادل الأراضي"، والذي ينطوي على نزعة عنصرية تقوم على أساس التخلّص من الفلسطينيين داخل إسرائيل بذريعة الحفاظ على نقاء ويهودية إسرائيل.
وبمعنى آخر، فإن الموقف الإسرائيلي لم يحمل خلال هذه الفترة موقفاً جديداً بقدر ما كان يعيد التأكيد على شروط إسرائيل في الوصول إلى حل أو شطب قضية اللاجئين وإغلاق ملفها وإخراجها بشكل مسبق من العملية التفاوضية، كي لا تشكل استحقاقاً سياسياً يفرض عليها تنازلات للجانب الفلسطيني.
وفي ظل هذه المتغيّرات الجديدة طُرح عدد من المشاريع لتصفية قضية اللاجئين، منها مشروع تقدمت به دونا آزرت، وهي محامية يهودية ناشطة في تهجير اليهود الروس لإسرائيل، والتي اقترحت عام 1997 تهجير خمسة ملايين و257 ألف فلسطيني وإعادة توزيعهم على دول منطقة الشرق العربي وبعض دول المغرب كحل نهائي للصراع العربي الإسرائيلي، حسبما ينقل وليد المدلل في دراسته "الموقف الإسرائيلي من حق عودة اللاجئين الفلسطينيين".
مشروع عضو الكنيست الإسرائيلي مردخاي بن بورات من أخطر المشاريع الإسرائيلية التي طُرحت من أجل تصفية مخيمات الضفة وغزة، وقد عُرض على الحكومة عام 1982، وتضمّن إعادة إسكان اللاجئين الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وإفراغ 28 مخيماً تضم نحو 250 ألف لاجئ، بميزانية 1.5 مليار دولار
وبين عامي 2000 و2005، عُقد مؤتمر هرتسيليا خمس مرات، وحضره كبار مفكري وقادة الإسرائيليين بهدف تقديم الاستشارات لواضعي سياسة إسرائيل، وخرج بعدة مشاريع ورؤى لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، منها توصية بتبادل الأراضي بين الكتل الاستيطانية والكتل السكانية المحاذية للخط الأخضر، وتوزيع السكان اليهود في مناطق مستعصية من الناحية الديمغرافية، ويُقصد بها الجليل ومرج ابن عامر والنقب، بحسب المدلل.
وحث مؤتمر هرتسيليا الثاني كل اليهود على الهجرة إلى إسرائيل، والبحث في كيفية التخلص من العرب الذين اُعتبروا "خطراً ديمغرافياً" على إسرائيل، باعتبار أن عدد الفلسطينيين في إسرائيل سيفوق عدد اليهود في عام 2025، وهذا سيؤثر على يهودية الدولة، ومن ثم فإن خيار تهجير العرب هو "الخيار الرسمي والأخلاقي"، وخرج هذا المؤتمر بما يعرف بـ"وثيقة هرتسيليا"، وتتلخّص في ترحيل بعض الفلسطينيين، أو تبادل الأراضي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
وفي مؤتمر هرتسيليا 2004، اقترح الوزير آنذاك أفيغدور ليبرمان خطة لتبادل الأراضي، والفصل بين السكان، مؤكداً أن الوجود العربي في إسرائيل هو أحد أخطر المشاكل التي تواجهها إسرائيل وتفوق خطورته مشكلة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
وفي مؤتمر هرتسيليا الخامس، طرح رئيس قسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي غيورا آيلاند رؤيته للتسوية النهائية، وتقضي بتبادل الأراضي إقليمياً بين إسرائيل والأردن لإعادة الجولان إلى سوريا، وبين مصر وإسرائيل لزيادة مساحة قطاع غزة بمساحة 600 كيلو مترمربع ويصبح 963 كيلومترا مربعاً، تُحل فيه المشكلة السكانية حيث تنخفض نسبة الكثافة السكانية من 1200 نسمة في الكيلومتر المربع إلى نحو 400 فقط، واستعادة %89 من مساحة الضفة.
أخيراً، تُعد موافقة الكنيست على تمرير قانون يحظر عمل الأونروا في إسرائيل والقدس الشرقية المحتلة، خطوة جديدة ضمن الممارسات الإسرائيلية الهادفة إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي القضية الفلسطينية. الأيام القادمة كفيلة بالإجابة، إن كانت هذه الخطوة سيكتب لها النجاح أم ستفشل مثل سابقاتها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 ساعاتتم
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.