شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
مصادرة أرض مقر

مصادرة أرض مقر "الأونروا" في القدس والاستيطان فوقها… شكل جديد لمعاقبة الفلسطينيين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!
Read in English:

Confiscating the UNRWA headquarters land in Jerusalem and settling on it: Israel’s new form of Palestinian punishment

منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، تتصاعد هجمة إسرائيل الرسمية على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، حتى غدت هجمة "مقوننة"، تُعزى أسبابها لما تمثله الوكالة من رمزية دولية ودلالة تاريخية على نكبة اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة.

وربما بلغت هذه الهجمة ذروتها حين اتهمت إسرائيل موظفين من الوكالة في قطاع غزة بالمشاركة في هجمات السابع من أكتوبر. فوصلت تفاصيل الاتهامات وردود "الأونروا" إلى مستويات عبثية.

ذلك حين كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن اتهامات إسرائيل لموظف خطط مع ابنه اختطاف امرأة إسرائيلية، ولعاملة اجتماعية بالمساعدة في جلب جثة جندي إسرائيل إلى القطاع، وغيرها من الاتهامات التي قالت "الأونروا" إن اثنين من أصحابها توفيا قبل توجيه التهم إليهما!

 أعلنت سلطة أراضي إسرائيل قبل أيام عن مصادرة الأرض المقام عليها مقر الأونروا في حي الشيخ جراح بمدينة القدس، وهو يعتبر المقر الرئيس للوكالة في فلسطين

وعلى الرغم من تراجع العديد من الدول عن موقفها المبكر في التماهي مع الموقف الإسرائيلي وتجميد دعمها للأونروا، وعدم إغلاق هذا الملف بتثبيت التهم، لم تكتفِ إسرائيل باستهداف الوكالة في غزة، من خلال قتل موظفيها وتفجير مقراتها، آخرها استهداف مقر الوكالة في مخيم جباليا أمس الأربعاء.

بل أعلنت سلطة أراضي إسرائيل قبل أيام عن مصادرة الأرض المقام عليها مقر الأونروا في حي الشيخ جراح بمدينة القدس، وهو يعتبر المقر الرئيس للوكالة في فلسطين. إذ يشمل هذا الإعلان تحويل الموقع إلى بؤرة استيطانية تضم 1440 وحدة سكنية، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية.

وتجيء هذه الخطة تزامناً، وربما تتويجاً لسلسلة من مشاريع القوانين التي قُدمت في الكنيست، وآخرها ما أقرته الهيئة العامة للكنيست في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 2024، والذي يقضي بإلغاء الاتفاق بين إسرائيل والوكالة، وهو يعود للعام 1967.

رمزية الأونروا في مدينة كالقدس

تقدّم الأونروا، التي تأسست عام 1949، خدماتها لنحو أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني من مقرها الرئيسي في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة. ولا شك أن موقعها الحساس، الذي يعتبره الإسرائيليون جزءاً من عاصمة إسرائيل الكاملة، يجعلها في مواجهة دائمة.

ففي 30 أيار/ مايو 2024، طلبت الحكومة الإسرائيلية من الأونروا إخلاء مقرها ودفع ملايين الشواكل كإيجار متأخر عن السنوات التي استخدمت فيها الوكالة العقار.

وقد تزامنت هذه الخطوة الرسمية باحتجاج شعبي قاده يمينيون إسرائيليون في الأشهر الماضية، حين تظاهروا أمام مقر الوكالة في القدس مطالبين بإغلاقه.

ويقول الباحث المقدسي ديمتري دلياني لرصيف22: "الأونروا ليست مجرد مؤسسة إغاثة دولية، بل هي رمز حيّ وشاهد ملموس على حق العودة الفلسطيني الذي تسعى دولة إسرائيل لمحوه".

ويتابع: "إن وجودها يمثل تذكيراً يومياً للعالم بأن قضية اللاجئين الفلسطينيين لم تُحل بعد، واعترافاً بمسؤولية العالم التاريخية والقانونية تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وهي تجسد الالتزام الدولي بحق العودة والتعويض الذي تحاول إسرائيل طمسه عبر مشاريعها القمعية والاستعمارية".

وقد تجاوز دور الأونروا المسؤولية المتجسدة المستوى الخدماتي الذي تقدّم من خلاله الوكالة الطحين والخبز والتعليم، بل صار جزءاً عضوياً من حياة اللاجئين الفلسطينيين وجسماً جامعاً لشتاتهم في فلسطين والشتات.

إسرائيل تعاقب الأونروا بالقوانين

وكان أعضاء كنيست إسرائيليون قدموا مقترحات قوانين عديدة تصنف الأونروا منظمة إرهابية وتصادر جميع ممتلكاتها وعقاراتها في إسرائيل والقطاع والضفة، وتمنع نشاطها وتجرد موظفيها من الامتيازات القانونية الممنوحة لموظفي الأمم المتحدة، وتحول أموالها لصندوق تعريض المتضررين من عمليات فلسطينية.

وفي 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، أي تزامناً مع الإعلان عن مصادرة أرض مقر الأونروا في القدس، صادقت لجنة الشؤون والخارجية والأمن على مشروع قانون يقضي بإلغاء اتفاق العام 1967 بين الوكالة والحكومة الإسرائيلية حول نشاط الأونروا في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويحظر مشروع القانون على ممثلي الحكومة الإسرائيلية التعامل مع الأونروا أو إجراء أي اتصال معها، وبالتالي منع وزارتي الداخلية والخارجية في إسرائيل منح أية تراخيص عمل أو تأشيرات دخول لموظفي الأونروا.


مقر "الأونروا" في حي الشيخ جراح في القدس

كما يمنع الجمارك الإسرائيلية من منح الإعفاءات الضريبية والجمركية للبضائع التي تستوردها الأونروا إلى الأراضي الفلسطينية، وخاصة المساعدات الإنسانية.

يقول سامي مشعشع، الناطق الرسمي باسم الأونروا سابقاً، لرصيف22: "إن تصنيف الأونروا كمنظمة إرهابية من قبل إسرائيل يأتي ضمن خطة معدة قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. لقد بدأت الخطة عام 2018 حين أوقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب التمويل عن وكالة الأونروا، وهذا أعطى الضوء الأخضر لحكومة إسرائيل للبدء بإجراءات عقابية ضد الأونروا".

"ثم تبعت قرار ترمب خطوات تشريعية قانونية وإجراءات إعلامية من قبل وزارة التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلية، تهدف إلى شيطنة الوكالة واتهام موظفيها بأنهم يعملون مع فصائل فلسطينية ويحرضون على الكراهية والعنف"، يضيف.

الأونروا ليست مجرد مؤسسة إغاثة دولية، بل هي رمز حيّ وشاهد ملموس على حق العودة الفلسطيني الذي تسعى دولة إسرائيل لمحوه

ويرى مشعشع أن "طرح مشاريع القوانين في الكنيست جاء كأحد تجليات محاربة الوكالة، وتم التصويت عليها بالإجماع في لجنة الخارجية والأمن. وبعد عطلة الكنيست، سيتم التصويت على مشاريع القوانين بالقراءة الثانية ثم الثالة، حين تلتئم في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2024.

ويؤكد دلياني على أن "إقرار الكنيست، بالقراءة الأولى، لمشروع القانون يشكل تطوراً هاماً، وأن تلك القوانين سوف تُلغي، في حالة إقرارها بالقراءة الثالثة، اتفاقية تبادل رسائل كوماي- ميشيلمور لعام 1967، بين الأونروا وإسرائيل، والتي كانت تضمن تسهيل مهام الأونروا في الضفة الغربية وقطاع غزة، بما في ذلك حماية موظفيها ومنشآتها، وضمان حرية حركة مركباتها وموظفيها عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك إعفائها من الضريبة".

ويردف: "سوف نشهد تصعيداً في الهجمات الإسرائيلية ضد الأونروا ومؤسساتها، وقد تتوسع لتشمل إجراءات غير قانونية مثل المصادرة الفعلية ممتلكات الأونروا. وتدلل هذه العقوبات على رسالة واضحة للعالم تقول إن إسرائيل تسعى لطمس أي دليل على حق العودة الفلسطيني، وتحاول إعادة كتابة التاريخ من جديد عبر محو الشاهد الأبرز على جرائم التطهير العرقي والتهجير القسري التي ارتكبتها عام 1948، وإنهاء أي مسار قانوني أو سياسي يدعم حقوق اللاجئين الفلسطينيين".

كيف ستُترجم القوانين والقرارات على الأرض؟

يعتقد مشعشع أن تنفيذ القانون الذي مرّ بالقراءة الأولى، سيتم أولاً عبر إلغاء صفة المخيم عن مخيم شعفاط وهو المخيم الوحيد ضمن حدود القدس، وطرد الوكالة من مقرها الرئيس في الشيخ جراح.

ويضيف: "ستتسارع الإجراءات في سبيل إلغاء عمل الوكالة في مناطق "جيم" و"باء" في الضفة الغربية (أي المناطق التي تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية تامة)، وتقييد عملها في مناطق "ألف" التي تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. علماً بأن معظم مخيمات اللاجئين تقع في مناطق "باء" و"جيم"، وبالتالي سيصبح عمل الوكالة في فلسطين شبه غائب، وسيكون لهذا تداعيات خدماتية وسياسة وقانونية كبيرة جداً".

بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست"، فإن دائرة أراضي إسرائيل مسؤولة عن مصادرة الأرض المقام عليها مقر "الأونروا" في مدينة القدس، وتحويل الموقع إلى بؤرة استيطانية تضم 1,440 وحدة سكنية.

من جانبه، حذر رئيس "الأونروا" فيليب لازاريني مجلس الأمن قائلاً: "إن الإسرائيليين يعملون على تدمير الوكالة كهدف من أهداف الحرب، مشيراً إلى مقتل 226 موظفًا من "الأونروا" خلال عام.

وأضاف لازاريني "إذا تم تبني مشاريع القوانين، فإن العواقب ستكون وخيمة من الناحية العملية، وقد تتفكك الاستجابة الإنسانية بأكملها في غزة، والتي تعتمد على البنية التحتية للأونروا".

موقف الأحزاب الإسرائيلية من الأونروا

يسيطر نوع من شبه الإجماع داخل الكنيست الإسرائيلي حول الإجراءات التي تتخذها الحكومة اتجاه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا، إذ تتفق أحزاب الائتلاف والمعارضة على معاقبة الأونروا وإقرار إجراءات عقابية بحقها.

فقد تم سابقاً إقرار مشروع قانون بالقراءة الأولى في الكنيست الإسرائيلي في 22 أيار/ مايو 2024، يضم أربعة قوانين تم تقديمها من قبل نواب من الائتلاف والمعارضة، يعتبر الأونروا منظمة إرهابية. وجرت المبادرة لطرح مشروع القانون من قبل أحزاب "الليكود"، و"إسرائيل بيتنا"، و"المعسكر الرسمي"، و"يوجد مستقبل". في حين عارضته الأحزاب العربية في الكنيست فقط.

يعلق دلياني: "لا يوجد اختلاف ما بين أحزاب الائتلاف الحاكم في إسرائيل وبين المعارضة فيما يتعلق بالعدوان على المؤسسات الفلسطينية والدولية. قد تختلف الأساليب، لكن الهدف يبقى واحداً، وهو إلغاء وجودنا كشعب وتصفية حقوقنا التاريخية".

إن تصنيف الأونروا كمنظمة إرهابية من قبل إسرائيل يأتي ضمن خطة معدة قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. لقد بدأت الخطة عام 2018 حين أوقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب التمويل عن وكالة الأونروا، وهذا أعطى الضوء الأخضر لحكومة إسرائيل

ويرى أن "هذا التوافق بين الأحزاب يعكس مدى التعمق في سياسات الإقصاء والإبادة التي تتبعها إسرائيل، حتى التيارات المعارضة التي قد تبدو في ظاهرها منتقدة لبعض السياسات، لكنها تظل جزءاً من الهيكل الاستعماري الذي يسعى إلى تهجير الفلسطينيين ومحو وجودهم من هذه الأرض".

الآثار والتبعات القانونية

وتشكل الإجراءات ومشاريع القوانين انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي، خاصة لميثاق الأمم المتحدة، كالمادة الرقم (2) من الميثاق، والتي تنص على أن "يقدّم جميع الأعضاء كل ما في وسعهم من عون إلى "الأمم المتحدة" في أي عمل تتخذه وفق هذا الميثاق".

كذلك، تشكل القوانين انتهاكاً لقرارات الجمعية العامة، لا سيما قرار الرقم (302) المؤرخ في 8/12/1949، والخاص بإنشاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وقرار الجمعية العامة الرقم (194) المؤرخ في 11/12/1948، والقاضي بحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين.

فضلاً عن انتهاك اتفاقية سلامة موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها بموجب قرار الجمعية العامة رقم (59/49)، إذ نصت المادة رقم (7) منها على أنه "لا يجوز جعل موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها ومعداتهم وأماكن عملهم هدفاً للاعتداء، وأن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لضمان سلامة وأمن موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها".

يؤكد مشعشع أن ليس ثمة حق لأي دولة عضو في الأمم المتحدة أن تقرر لهذه المؤسسة الأممية أو تلك بأنها مؤسسة إرهابية. لكن أحد دروس "طوفان الأقصى" هو أن القانون الدولي غائب، يطبق في الغرب فحسب، فيما يسود قانون الغاب الشرق الأوسط. وبالتالي، سواء أدانت الجمعية العمومية قرار حكومة إسرائيل أم لا، وسواء شجب الأمين العام هذا القرار أم لا، فإن هذا لن يغير في شيء ما دامت إسرائيل تحقق ما تريد على أرض الواقع".

ويرى أن "جميع هذه القوانين تطمع بإنهاء حق العودة وكي الوعي الفلسطيني وترجمة الرؤية الإسرائيلية التي بدأت تُنفذ بشكل علني بعد السابع من أكتوبر، والتي تنسف فكرة العودة أو الدولة، هادفةً إلى إخضاع أي نظام حوكمة فلسطيني تحت السيطرة الإسرائيلية: نظام أقل من الحكم ذاتي وقريب من حكم البلديات والمخاتير والعشائر".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image