شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"كأنّ الصاروخ يسقط داخل قلبي"... عن الحروب واضطراب ما بعد الصدمة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الأحد 10 نوفمبر 202409:16 ص

الألم النفسي يحيط بالبشرية من كل جانب، فمن لم يذق ويلات الحروب في بلده، لا شكّ أنه عاش في نارها وعاين جراحها على وسائل التواصل الاجتماعي، فالعالم الفسيح المليء بالأماكن الآمنة قد يبدأ اشتعاله في لحظة، وأثر نيران الحرب يمتد حتى بعد إخمادها.

للحرب تأثير كارثي على صحة المجتمع، فالصراع يتسبب في خسائر بشرية ومعاناة أكثر من أي مرض ملحوظ، كما أن الناس تعاني من أضرار فيسيولوجية وسلوكية طويلة الأمد، حتى بعد طيّ صفحة الحروب، وقد تختبر ما يسمّى "اضطراب ما بعد الصدمة".

تكاليف الصراعات

في الحقيقة، هناك حالياً نحو 29 صراعاً مسلحاً في جميع أنحاء العالم، واللافت أن التكاليف على الصحة النفسية كبيرة.

فقد تبيّن من خلال المراجعات المنهجية التي أُجريت على اللاجئين وطالبي اللجوء والأشخاص الذين يعيشون في مناطق الحرب، أن الأفراد المعرضين للصراع المسلّح هم أكثر عرضةً بثلاث مرات للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، أو اضطرابات القلق، أو الاكتئاب الشديد، وهذه الصدمة تطال بشكل خاص الأطفال.

وقد أشارت الأبحاث إلى أن ما يصل إلى 227 مليون شخص بالغ من الناجين من الحرب، قد يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، وأن 199 مليون شخص يعانون من الاكتئاب الشديد، وأن 110 ملايين شخص يعانون من الأمرَين.

الألم النفسي يحيط بالبشرية من كل جانب، فمن لم يذق ويلات الحروب في بلده، لا شكّ أنه عاش في نارها وعاين جراحها على وسائل التواصل الاجتماعي، فالعالم الفسيح المليء بالأماكن الآمنة قد يبدأ اشتعاله في لحظة، وأثر نيران الحرب يمتد حتى بعد إخمادها

واللافت أن الحرب تقتل وتؤذي بأكثر من طريقة، إذ إن الفقر والجوع والإعاقة والكساد الاقتصادي والمشكلات النفسية ليست سوى أمثلة قليلة عمّا تخلّفه الحروب والصراعات.

بمعنى آخر، إن الحرب مرادفة للخسارة، وهي تجلب المعاناة للأفراد في أثناء حدوثها وبعد انتهائها بفترة طويلة، ويعاني الجنود الذين يقاتلون من أسوأ الإصابات، سواء بدنياً أو نفسياً، خاصةً بعد انتهاء الحروب، فهؤلاء عادةً ما يمرّون بمعاناة إلقاء اللوم على أنفسهم بسبب فقدانهم رفاقهم، ويكافحون من أجل الاستعداد للقتال والرغبة في الحياة.

الشعور بالعجز

يُنظر إلى الموت باعتباره تجربةً مؤلمةً، ويمكن أن تكون للحزن المرتبط بالموت آثار ضارة على الصحة النفسية، ويسبب تغييرات طويلة الأمد في العقل. كما أن الاكتئاب والقلق والغضب والعزلة هي جزء من المشكلات النفسية التي تتم ملاحظتها في أثناء الحروب وبعدها، بحيث يسيطر الخوف على الإنسان، وهو رد فعل بشري ناتج عن تهديد محسوس في أوقات الأزمات، يمكن أن يتسبب في تلف مناطق حرجة في الدماغ، ومن بين هذه المناطق "الحُصين"، وهو منطقة تأقلم أساسية ترسل إشارات إلى الجسم للاستجابة للتوتر الحاد.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن 10% من الأفراد الذين يتعرضون لتجارب مأساوية يصابون باضطرابات نفسية حادة، ويصاب 10% آخرون بسلوك يعيق قدرتهم على العمل بشكل فعال في النزاعات المسلحة. ومن الأمراض الشائعة الضيق والذعر والمشكلات النفسية المتعددة مثل الأرق.

 "برغم أنني ابتعدت عن الضرب والقتل، إلا أن أعراض الصدمة ما زالت تهيمن عليّ وعلى أطفالي بصورة كبيرة، إذ أستيقظ من النوم وأنا أصرخ وأجري للاطمئنان عليهم، والأمر يتطور حتى وصل إلى خوفي من أن يذهبوا إلى المدرسة"

خرجت الشابة الفلسطينية عالية (اسم مستعار)، من قطاع غزّة وذهبت إلى مصر وذلك بعد أن خسرت زوجها إثر بداية العدوان الإسرائيلي، غير أن ذلك لم يجنّبها تبعات الحرب.

تقول عالية (35 عاماً)، لرصيف22: "برغم أنني ابتعدت عن الضرب والقتل، إلا أن أعراض الصدمة ما زالت تهيمن عليّ وعلى أطفالي بصورة كبيرة، إذ أستيقظ من النوم وأنا أصرخ وأجري للاطمئنان عليهم، والأمر يتطور حتى وصل إلى خوفي من أن يذهبوا إلى المدرسة".

بدوره، يقول مصطفي حمدان (40 عاماً): "أصابني العجز وفقدان الثقة في الواقع بسبب المشاهد اللعينة التي نراها".

ويضيف لرصيف22: "في بداية الأمر، كنت أعاني من ضيق في التنفس وسرعة في ضربات القلب. فمع كل مجزرة في غزة، كنت أشعر بالخيبة وكأن الصاروخ يسقط داخل قلبي، وحالة الاحتقان في داخلي ازدادت أكثر مع العدوان الإسرائيلي على لبنان، وتالياً لجأت إلى طبيب نفسي أخبرني بأنني أعاني من كرب ما بعد الصدمة، وبالفعل بدأت بجلسات العلاج النفسي منذ أيام عدة".

من جانبه، يفسر الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، بعض الحالات النفسية الصامتة: "العالم العربي شهد مؤخراً الأحداث القاتلة التي حدثت مع الشعب الفلسطيني، والتي تتكرر مع لبنان من ضرب، سحل، حرق، تنكيل، تهجير، إيزاء، حرق أطفال وتجويع شعب بأكمله، وهي مشاهد عبثية وغير إنسانية على الإطلاق، تدمّر المشاعر الإنسانية لكل من يشاهدها وقطعاً سوف يصاب المرء بالاكتئاب بسبب شدة الحزن والشعور بالعجز تجاه ما يحدث".

ويضيف هندي، أن الكثير من الأفراد سيختبرون ما يسمّى كرب ما بعد الصدمة: "وهو عبارة عن التهديد المتوقع دائماً والشعور الدائم بالخطر كالموت والاعتداء وعدم الأمان نتيجةً لما يحدث، وهو ما يولّد في داخلنا اضطرابات وإحساساً دائماً بأن هناك شيئاً ما قد يحدث لنا"، مشيراً إلى أن هذا ليس خللاً في شخصية الإنسان، وإنما اضطرابات في الدماغ ينتج عنها تعطل المرء عن النشاطات الحياتية وقدرته على مواصلة العمل.

"اضطراب ما بعد الصدمة هو عبارة عن التهديد المتوقع دائماً والشعور الدائم بالخطر كالموت والاعتداء وعدم الأمان نتيجةً لما يحدث، وهو ما يولّد في داخلنا اضطرابات وإحساساً دائماً بأن هناك شيئاً ما قد يحدث لنا"

ويكشف هندي، أن أعراض كرب ما بعد الصدمة تتلخص في الأعراض الاقتحامية وهي عبارة عن غزو الأفكار وتكرارها في المخيلة لفترات طويلة حتى بعد انتهاء الحرب: "تستمر هذه الأفكار والمخاوف، وهو ما يؤثر على المزاج الشخصي، إلى جانب الشعور الدائم بالاكتئاب والذنب والحساسية المفرطة بسبب القهر والعجز عن منع ما يحدث، إلى جانب الأحلام المزعجة، وتقلبات مزاجية ونوبات غضب وأعراض جسدية كارتفاع ضغط الدم وزيادة ضربات القلب مع توتر في العضلات وانخفاض الشهية أو الإكثار من كمية الطعام التي يتناولها المرء".

أما عن العلاج فقد يكون من خلال العقاقير الطبية أو العلاج النفسي.

ويختم الدكتور وليد هندي، حديثه بتقديم نصيحة للأفراد في الوطن العربي الذين يشعرون بالذنب والعجز: "يمكن أن نحاول مساندة الأشقاء في فلسطين ولبنان من خلال إرسال التبرعات والابتعاد عن تفريغ القضية من مضمونها الإنساني ومحاولة التشتيت وتسييسها لعدم زيادة الكرب في دواخلنا".

باختصار، إن الحرب تساهم في حدوث موجة مؤلمة من الأعراض النفسية والجسدية الشديدة والطويلة الأمد، وبينما يؤثر الإجهاد على الجميع، فإن العواقب المؤلمة الشديدة للحرب يمكن أن تكون ساحقةً، وتحطّم الشخص نفسياً وتتركه عرضةً للخطر، وبمجرد أن يواجه المرء حالةً تهدد حياته، فإن آلية التكيّف لديه تفشل في أغلب الأحيان.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image