"ضربت إسرائيل أهدافاً عسكرية فقط. آمل أن تكون هذه هي النهاية"، هذا ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن معلّقاً على الضربات الإسرائيلية على إيران في وقت مبكر من يوم أمس 26 تشرين الأول/ أكتوبر، وذلك رداً على هجوم الأخيرة على إسرائيل مطلع الشهر الجاري.
كانت إدارة بايدن، وعلى عكس موقفها بضرورة تجنب رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني في نيسان/أبريل الماضي، قد أيّدت "رداً متناسباً"، مع ضرورة تجنّب استهداف المدنيين والمنشآت النفطية والنووية.
"يبدو أن هذا هو بالضبط ما حدث هذا المساء"، قال مسؤول كبير بإدارة بايدن. وبعد إشارته إلى ضرب إسرائيل "أهدافاً عسكرية متعددة في جميع أنحاء إيران وخارج المناطق المأهولة بالسكان"، قال المسؤول الأمريكي، "يجب أن تكون هذا نهاية للتبادل المباشر لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران".
بدوره، وبعد إعلانه اكتمال الرد الإسرائيلي على إيران، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، إن إسرائيل نفذت "ضربات دقيقة ومحددة" طالت أنظمة الدفاع الصاروخي و"القدرات الجوية" مع منشآت تصنيع الصواريخ التي استخدمتها إيران ضد إسرائيل.
"إسرائيل لديها الآن حرية عمل جوية أوسع في إيران"، قال هاغاري قبل أن يختم بالتهديد: "إذا ارتكب النظام في إيران خطأً ببدء جولة جديدة من التصعيد، فسنكون ملزمين بالرد".
نهاية حروب الظل
أصرّت إيران من جهتها بأن الضربات تسببت بـ"أضرار محدودة" فقط. مع ذلك، أبقت وزارة الخارجية على "شبهة" التصعيد، بإشارتها إلى أن إيران سترد على الهجوم. لكن رداً إيرانياً محتملاً سيخاطر باستجرار ردٍّ إسرائيلي، وردّ على الردّ، وصولاً لاندلاع صراع مفتوح ومباشر بين العدوين اللدودين، بعد عقود من حروب الظل بينهما.
على عكس موقفها بضرورة تجنب رد إسرائيلي على الهجوم الإيراني في نيسان/أبريل الماضي، أيّدت إدارة بايدن "رداً متناسباً"، مع ضرورة تجنّب استهداف المدنيين والمنشآت النفطية والنووية.
حيث كانت الهجمات بين الدولتين تتم عبر التخريب والتفجيرات والاغتيالات. لكن ومع اندلاع الحرب في غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، تلاشت الخطوط الحمراء بينهما شيئاً فشيئاً، وتحولت المواجهة إلى مباشرة ومفتوحة لبعض الوقت، من خلال هجومين إيرانيين على إسرائيل، ومثيلهما من قبل الأخيرة على إيران، آخرهما ضربات أمس الأول، والتي شكّلت نقطة فارقة في صراع الجانبين، نتيجة اعتراف تل أبيب ولأول مرة بمسؤوليتها عن الهجوم.
قبلها، كان هجوم نيسان/أبريل الماضي نقطة فارقة أخرى من قبل إيران، عبر استهداف إسرائيل مباشرة من الأراضي الإيرانية، بعد سنين طوال من تجنيب نفسها ذلك، عبر عقيدتي "الصبر الاستراتيجي"، و"الدفاع الأمامي/الهجومي"، بما يعني تولي وكلاء طهران الإقليميين مهمةَ الرد والدفاع عن إيران.
ومع اهتزاز هاتين العقيدتين، لا سيما بعد الحرب الإسرائيلية على درة تاج وكلاء إيران الإقليميين، "حزب الله" اللبناني، وتصفية أمينه العام وأغلب قياداته، باتت الدولتان على درجة أعلى من التسخين واحتمالية اندلاع الصراع بينهما، لا سيما في حال رد إيراني على الضربات الإسرائيلية الأخيرة.
لكن هذه الضربات تأتي في إطار ردع العدوان المستقبلي و"إظهار أننا لن نصمت"، حسب الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، يوئيل غوزانسكي. ومع ذلك، تم تنفيذها بطريقة من شأنها تقليل الإحراج لإيران.
بدورها، تقول مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تشاتام هاوس للأبحاث، سنام وكيل: "من خلال استهداف المواقع العسكرية والمنشآت الصاروخية وتجنب البنية التحتية النووية والطاقة، ترسل إسرائيل أيضاً رسائل مفادها أنها لا تسعى إلى مزيد من التصعيد في الوقت الحالي. هذه علامة على أن جهود الدبلوماسية والقنوات الخلفية لتخفيف الأضرار كانت ناجحة".
إيران من جانبها، قلّلت من شأن الضربات، بل وسخِرت منها في بعض الأحيان. مما يدعو للتكهن بذهاب رغبتها إلى تجنب الرد عليها، ووقف التصعيد في الوقت الحالي على الأقل، بانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأمريكية، على أمل فوز نائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس. وما بعد ذلك، تفاصيل يدركها الجانبان في ما يخص ضبط وإدارة خلافاتهما، مع مساعيهما لاتفاق يحل بعض القضايا الشائكة بينهما، وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني.
وللوصول إلى ذلك، ستستمر واشنطن بتقييد أي تصرف إسرائيلي قد يؤدي إلى حرب مع طهران، تجبر الولايات المتحدة الأمريكية على الانجرار إليها.
"ستقلل إيران من تأثير الضربات، التي هي في الواقع خطيرة للغاية"، حسب وكيل، مشيرةً إلى أن إيران "محاصرة بقيودها العسكرية والقيود الاقتصادية الناجمة عن العقوبات ونتائج الانتخابات الأمريكية"، مما قد يؤثر على مسار المزيد من التصعيد أو التواصل الدبلوماسي.
وكما طمست تل أبيب الأضرار الناجمة عن الضربات الإيرانية مطلع الشهر الجاري، يرجّح طمس طهران للأضرار التي طالتها جراء الضربة الإسرائيلية، رغم اعترافها بمقتل ضابطَي دفاع جوي يتبعان إلى جيش إيران النظامي.
"الناس في إيران يشعرون بالفخر بالقوة الدفاعية للبلاد وهم واثقون منها، ولم تحدث سوى أضرار محدودة. والآن أصبحت البلاد في حالة طبيعية"، تقول المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني.
يرى بعض المحللين بأن إسرائيل من خلال استهداف المواقع العسكرية والمنشآت الصاروخية وتجنب البنية التحتية النووية والطاقة، ترسل رسالة مفادها أنها لا تسعى إلى مزيد من التصعيد في الوقت الحالي. وهي علامة على أن جهود الدبلوماسية والقنوات الخلفية لتخفيف الأضرار كانت ناجحة
كذلك غابت اللهجة التصعيدية عن تصريحات وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، رغم نفيه لأي حدود أمام دفاع إيران عن مصالحها ووحدة أراضيها، أو حتى خلال إشارته إلى عمليتَي "الوعد الصادق" كتجسيد كامل لقوة إيران بالدفاع عن النفس، واعتقاده باستمرارها كقوة دافعة لسياسة إيران الخارجية.
إلى جانب غياب اللهجة التصعيدية لدى رئيس الدبلوماسية الإيرانية، غاب أيضاً أي تصريح أو بيان من قبل الحرس الثوري الإيراني، الجناح الأكثر تشدداً في إيران، والمعني الأول بأي رد قد يقرّره المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، بعد موازنة توصيات مجلس الأمن القومي.
وعليه، يبدو أن الطرفين ذاهبان إلى فترة من التهدئة التكتيكية بعد جولة التصعيد الأخيرة. مما يمنح إدارة بايدن فرصة تنفس الصعداء، بعد نجاحها في دفع أي صدام مباشر بين الجانبين إلى فترة لاحقة للانتخابات الرئاسية الأمريكية. بجانب تأييدها العلني ودعمها السياسي والعسكري لحرب إسرائيل في غزة ولبنان، بما جنّبها خسارة الأصوات الداعمة لإسرائيل، وهي أصوات قوية ومؤثرة في أي انتخابات أمريكية.
لكن هذا النجاح لإدارة بايدن مثير للريبة حيال فشلها في إيقاف الصراع الذي دخل عامه الثاني في غزة، وتوسّع مؤخراً في/إلى لبنان.
حقبة جديدة؟
خلال مكالمة مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت بعد الضربة الإسرائيلية، أكد وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن "التزام الولايات المتحدة الصارم بأمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن النفس".
كما شدّد الوزير على "تعزيز وضع القوة الأمريكية للدفاع عن الأفراد الأمريكيين وإسرائيل والشركاء في جميع أنحاء المنطقة في مواجهة تهديدات إيران والمنظمات الإرهابية المدعومة من إيران، وعلى تصميم واشنطن على منع أي جهة فاعلة من استغلال التوترات أو توسيع الصراع في المنطقة".
كان لافتاً غياب أي تصريح أو بيان من قبل الحرس الثوري، الجناح الأكثر تشدداً في إيران، والمعني الأول بأي رد قد يقرّره المرشد الأعلى للثورة الإيرانية.
بدوره، قال مسؤول أمريكي آخر، إن واشنطن "مستعدة تماماً للدفاع مرة أخرى ضد أي هجوم"، مشيراً إلى نشر الولايات المتحدة مؤخراً بطاريات الدفاع الصاروخي "ثاد" في إسرائيل.
وكانت واشنطن قد نشرت نظام الدفاع الصاروخي "ثاد" في إسرائيل، إلى جانب 100 جندي أمريكي مكلفين بتشغيله، مما عكس حالة تأهب قصوى، واستعداداً لتصعيد محتمل، في حال توجيه إيران ضرباتٍ انتقاميةً على إسرائيل، بعد تنفيذ الأخيرة لوعدها بالرد المتفق عليه مع واشنطن.
كل ذلك، يشير إلى اهتمام أمريكي بالغ بتجنيب الطرفين الصراعَ المباشر، من خلال تعقيد المشهد أمام طهران، بما فيه تعزيز قناعتها بأن أي صراع مفتوح مع تل أبيب سيضعها في مواجهة مباشرة مع واشنطن. وبجانب ذلك، مضاعفة دعمها لتل أبيب، مع تخفيف ضغوطها على الحكومة الإسرائيلية، إن كان هناك ضغوط حقيقة أصلاً، بما يعني ضوءاً أخضرَ لمواصلة حربها في غزة ولبنان، لا سيما في ظل ما بدا مؤخراً من إنجازات، عبر تحييد عدد من قيادات الصف الأول لدى كلّ من حماس وحزب الله. كل ذلك، مقابل التزام تل أبيب بسقف ضرباتها لإيران بما لا يؤدي إلى حرب مفتوحة.
يقول مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، علي فايز: "الرد الإسرائيلي يقع في مكان ما في المدى المتوسط لما كان يمكن أن تقوم به، أقوى بكثير من ردها على الهجوم الإيراني السابق في أبريل، لكنه لا يذهب إلى حد استهداف البنية التحتية الرئيسية أو المنشآت النووية".
ويضيف: "السؤال الآن ما إذا كانت طهران ستستوعب الضربة وتحاول رسم خط تحت هذا التبادل أو زيادة الرهان مرة أخرى بردّ مضاد"، مشيراً إلى خيارات عدة أمام إيران، لكن "لكل منها مخاطر كبيرة". "قد تشن ضربات ضد إسرائيل، وتواجه انتقاماً آخر، من المحتمل أن يكون أكبر. قد تحاول العمل بشكل غير مباشر من خلال وكلائها، لكن هؤلاء ضعفوا بشكل كبير خلال الفترة الماضية. يمكن أن ترد عندما تكون هناك مصالح أمريكية في أماكن أخرى من المنطقة، ضد القواعد الأمريكية، أو حلفاء واشنطن في الخليج، ولكن بعد ذلك لن تواجه إسرائيل فحسب، بل الولايات المتحدة أيضاً".
مع ذلك، ينوّه المجلس الأطلسي إلى أن الضربة الإسرائيلية تشكل حدثاً غير مسبوق؛ فمنذ الحرب الإيرانية-العراقية، لم تتعرض طهران لهجمات على أراضيها، وهو ما يضع القيادة الإيرانية في مأزق حقيقي. فبرغم رغبتهم بتجنب حرب إقليمية، لا سيما مع الوجود العسكري الواسع في المنطقة، ووضوح أن أي رد سيقربهم من الحرب، لكن هل بإمكانهم استيعاب هذا الهجوم دون انتقام وبالتالي التعرض لهجمات مستقبلية؟
من وجهة نظر طهران، الرد سيوازن معادلة الردع مع إسرائيل، لكنه قد يجرها إلى حرب كانت حذرة من دخولها سابقاً. وبجانب ذلك، ستضغط إدارة بايدن على إيران لعدم الرد، عبر التأكيد على "الطبيعة الدفاعية" للهجوم الإسرائيلي، لكن الأمر لن يكون سهلاً.
يضيف المجلس، ساعات مثيرة للاهتمام تنتظرنا، فقد دخلنا حقبة جديدة في العلاقات بين إسرائيل وإيران سيكون لها تأثير كبير على مستقبلهما. انكسر "حاجز الصمت" الإسرائيلي. وستوضح شدة الرد الإيراني وفتكه ما إذا كان "حاجز الخوف" الإيراني من حرب مفتوحة سينكسر أم لا؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...