شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أنا أيضاً مثل

أنا أيضاً مثل "أبو مازن"... لستُ شاعراً عظيماً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحقيقة

الأحد 27 أكتوبر 202411:26 ص

بشكل شبه يوميّ يدخل الجيش الإسرائيليّ إلى رام الله. الإبادة ليست بعيدةً عن بيتي، ويبدو أنني سأموتُ وتظلّ في نفسي تلك الحسرة لأنني لم أتعلّم فنّ التمثيل.، فأنا لا أعرف كيف يستطيع العقل إجراء تلك المحاكاة في الخروج التام من النفس، واستيعاب الجهاز العصبي لذاكرة وشخصية إنسان آخر.

أريد، تحديداً، أن أؤدي على الخشبة ذلك المشهد الذي يؤديه محمد سعد، "اللمبي"، من مسرحية يولوس قيصر لشيكسبير، مستدعياً المونولوغ الخاص بكاسيوس وهو يكشف لبروتوس، الأمين الصديق المقرب من قيصر، في حوار فرسان الإمبراطورية، عن موقفه الثائر على ألوهية البشر.

لقد حرصت على قراءة المسرحية بعد مشاهدة الأداء الساحر لهذه الشخصية العظيمة من "معتوه السينما العربية"، كيف انخفض صوته إلى مستوى الثقة، وأبرق عينيه إلى مستوى الحقد والطموح، كأنه وزّع مشاعر الشخصية على ملامحه وأعضائه.

بعد موت قيصر مباشرة ظهرت المواهب القيادية وظهر الانقسام السياسيّ في ثلاث خطبٍ متناقضةٍ من ثلاثة قادة متنازعين. كان الجمهور نفسه يصفق لها جميعاً لأنها ببساطة تُحكى بشكل جيد، لكنها قسّمت الإمبراطورية في النهاية، وبددت الملك.

أنا أيضاً مثل أبو مازن، لستُ شاعراً عظيماً، ولا مثقفاً موسوعياً، ولعله يواجهُ من مسؤوليات كبيرة أمام الفعل الذي يجب أن يقوم به، ما أواجهه أنا من مسؤولياتي الصغيرة أمام الكلمة التي يجب أن أكتبها

قيصر كان أزمتهم، وكان وحدتهم، كأن القائد العظيم يمسك شعبه من الوحدة الوطنية باعتبارها اليد التي توجعهم. الوحدة حرية وعبودية في نفس الوقت. ولا يمكنك أن توحّدَ شعباً أو أمّةً خلفك إذا لم تكن موهوماً بمسّ الألوهية، إذا لم تكن لك شخصية "سايكوباتية" مقتنعة بأن وعيها الشخصيّ هو وعي الكون، مثلما هما ترامب ونتنياهو، ومثلما كان جوزيف ستالين، وأدولف هتلر، وكان معاوية بن أبي سفيان، وهولاكو، وأبو العبّاس السفاح الذي أنشأ الدولة العباسية في بغداد.

هكذا تحضر إلى ذهني الدولة العباسية في رام الله. أبو مازن ليس "سايكوباتياً" ولا نرجسياً، ولم يجد أية متعةٍ في الخطابة واستعمال ملامح الوجه ونبرات الصوت لكي يظهر على منبر الزعامة مثل قمر في ليالي القصيدة، يحاول الابتعاد عن الأضواء قدر الإمكان، وهذه تعد فضائل له كإنسان، وأزمات له كرئيس للفلسطينيين.

هو شخص عقلاني في بلاد المجانين، وإنسان واقعي على أرض الأساطير. أتذكر جيداً حديث أهل قباطية، قضاء جنين، عشيّة استشهاد عبد الرزاق في الانتفاضة الثانية، وماذا قيل عن شجاعته وفروسيته وكيف كانت نهايته أسطورية بجسده المرصع بالرصاص وعلى صدره جثة المرأة التي حاولت إنقاذه. مثل هذه القصة في فلسطين تأخذ يومين ثمّ تنسى، لكن أصحاب عبد الرزاق ظلوا أكثر من شهر يسهرون عند قبره كل ليلة من ليالي الوداع.

أنا أيضاً مثل أبو مازن، لستُ شاعراً عظيماً، ولا مثقفاً موسوعياً، ولعله يواجهُ من مسؤوليات كبيرة أمام الفعل الذي يجب أن يقوم به، ما أواجهه أنا من مسؤولياتي الصغيرة أمام الكلمة التي يجب أن أكتبها.

لست من شعراء المقاومة، ولا أمتلك الموهبة الكافية لتصريف كل هذا الدم في عروق الأسطورة الوطنية، وقد أكون أيضاً خائفاً من دفع الثمن، فهو ليس قراراً شعرياً أن تسلّم نفسك لإدارة السجون الإسرائيلية خلال هذه الحرب، وتواجه تعليمات وزير الأمن القومي، بن غفير، من الضرب والتعذيب والتجويع والإهانات.

لا أريد أن أخسرَ بيتي ولا عائلتي ولا حكايتي الشخصية في الحرب الأزلية التي فجّرتها المقاومة بين الفرس والروم، وكأن الانقسام بين الغساسنة والمناذرة يريحني من إعادة طرح السؤال الدرويشي: "كيف أكتب فوق السحاب وصية أهلي؟ وأهلي يتركون الزمان كما يتركون معاطفهم في البيوت، وأهلي كلما شيدوا قلعة هدموها، لكي يرفعوا فوقها خيمةً للحنين إلى أول النخل".

في هذه الأثناء، تظهر أمامي مقابلة للدكتور عزمي بشارة، تأتي استعراضاً لكتابٍ أنجزه بعنوان "الطوفان" خلال عام الحرب أو عام الإبادة. يتحدث الكتاب عن السيناريوهات التي تنتظر المنطقة، وقد استعرض معه المحاوِر، أبرز محاور الكتاب. المهم أن المفكر العربي يؤكد في نهاية المقابلة التي استمعت إليها باهتمام، أن وضعنا الفلسطيني مؤسف بسبب غياب دور منظمة التحرير، وليس ضمن الخيارات الواقعية المتاحة ما يبعث على أمل جدي، ثم علّق الأمل، مثلنا، شمعة على حائط المستقبل ومضى.

خلال حديثه عن الشعب الفلسطيني، ضمّ نفسه إلى المجموع وقال "نحن الفلسطينيون"، مرة بضمير الجماعة المنفصل، ومرة أخرى بضمير متصل تقديره نحن. ولا أعرف إذا كانت الضمائر المتصلة والمنفصلة انزلقت من فم انتمائه للألم الشخصي، أم كان يعنيها لسبب سياسي ما. لكنه في النهاية ينزل عن أبراجه لكي يقف إلى جانبي، فلسطينياً حائراً في حفلة الذهول، وينضم إلى جماهير الشعوب العربية في انتظار القيامة.

قد أكون أيضاً خائفاً من دفع الثمن، فهو ليس قراراً شعرياً أن تسلّم نفسك لإدارة السجون الإسرائيلية خلال هذه الحرب، وتواجه تعليمات وزير الأمن القومي، بن غفير، من الضرب والتعذيب والتجويع والإهانات.

إذا كان هذا الشخص، الذي يمتلك فضائية قوية، ومركز أبحاث، بالإضافة إلى شهاداته العلمية وشهرته وخبرته السياسية والحزبية، وعلاقاته المتقدمة مع مواقع السلطة والمواقع الأكاديمية في أهم دول العالم، ويعمل ضمن نطاق موظفيه أبرز المثقفين والصحافيين والباحثين العرب، الشخص الذي لهيبته لا أتصوّر نفسي مرتاحاً في جلسة معه أو منطلقاً في الحديث، حيث سيكون كلامه على شكل إجابات، وكلامي على شكل أسئلة تعجبه، فبأيّ نرجسية سأكتب أنا؟ وبأيّ وجه سأستعدّ للانكشاف على العالم؟

لا أتذكر الآن إلا حديثاً نبوياً عن أهوال يوم القيامة يقول فيه النبي محمد ما معناه أن إذا اقتربت الساعة وكان في يد أحدكم غرسةٌ فليغرسْها، وأنا أراها قريبة بالنسبة لنا كفلسطينيين على الأقل، لكن كفّيّ فارغتان من الغرس، ومستعدتان للتصفيق ببلاهة للمهديّ المنتظر، أو لقيامة المسيح، أو لنبيّ هذا الزمان الجديد.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image