شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
عواقب

عواقب "مُعتِمة" للتغيّر المُناخي على الطاقة الكهربائية في الدول العربية… أيّها أكثر تضرراً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأحد 27 أكتوبر 202406:57 ص

تواصل تأثيرات التغيّرات المناخية في تشكيل دوائر مُناخية عنيفة في المنطقة العربية تتمثّل في مواسم الجفاف وندرة تساقط الأمطار، فضلاً عن الموجات الحارة القاسية.

أدت التغيّرات المناخية إلى ارتفاع درجات الحرارة لفترات زمنية طويلة لا سيّما في شمال أفريقيا، مما ضاعف من أزمة الطاقة في المنطقة بسبب الضغط وتزايد الطلب على الكهرباء لاستخدام أجهزة التبريدات خلال فصل الصيف، وبالتالي يتسبب ذلك في الضغط على شبكات الكهرباء ومن ثم الانقطاع المتكرر، بحسب ما يوضح المهندس البيئي التونسي والخبير في علوم المناخ حمدي حشاد.

ألواح الطاقة الشمسية

وشهدت السنوات العشر الأخيرة أعلى متوسط درجات حرارة يومية، بدايةً من 2015 إلى 2024، وفقاً لخدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ (C3S) التابعة للاتحاد الأوروبي، ويشير الخبراء بأصابع الاتهام إلى صناعة الوقود الأحفوري، التي تنبعث منها الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان عن طريق حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والغاز والنفط.

ويستنتج حشاد في حديثه لرصيف22 أنه بالتالي نصل إلى أزمة ضاغطة في الطاقة والكهرباء ناجمة عن دوائر التغيّرات المناخية التي تسبب تفاقم في العجز الاقتصادي بالدول المتأثرة؛ نتيجة الضغط على طلب توفير الكهرباء خاصةً والموارد الطاقية عامةً، لا سيّما في الدول التي تعتمد على استيراد تلك الموارد من الخارج.

السودان واليمن والعراق وسوريا والصومال وموريتانيا ومصر والأردن هي أكثر البلدان المتضررة من التغيّرات المناخية وتتفاقم لديهم أزمة إنتاج الطاقة وانقطاعات الكهرباء المتكررة بفعل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة. فهل من حلول جذرية لهذه الأزمة؟ 

تفاقم أزمة الكهرباء في المنطقة

ومؤخراً أعلنت شركة كهرباء لبنان، أن محطات توليد الطاقة التابعة لها استنفدت إمداداتها من الوقود وستتوقف عن إنتاج الكهرباء حتّى يتم تأمين المزيد من الإمدادات فيما تعتمد المنازل والشركات إلى حد كبير على الموّلدات والألواح الشمسية للحصول على الطاقة.

جميع الدول العربية تأثّرت بتداعيات التغيّرات المناخية لا سيّما في ما يخص مستويات إنتاج الطاقة وحجم استهلاكها، ولكن بدرجات مختلفة نوعاً ما، هكذا يوضح حشاد الذي يقول إن العراق هو الأكثر تأثراً إذ يشهد تحديات مُناخية كبيرة غير مسبوقة، وكذا اليمن والسودان وتونس ومصر، ما يؤدي إلى احتقان اقتصادي واجتماعي نتيجة ضعف القدرة على تلبية الاحتياجات الطاقية.

لا يستثني حشاد أي دولة من تبعات التغيّرات المناخية على إنتاج الطاقة وزيادة معدلات الطلب عليها. ويضيف: "غالباً معظم الدول تأثرت. ولكن العراق يواجه تحدّيات جمّة حيث فاقت درجات الحرارة فيها 50 درجة مئوية، وأيضاً مصر. أما في تونس، فهناك بوادر ارتفاع درجات الحرارة وتشهد بالفعل أزمة مياه كبيرة ترجع إلى تبخر الموارد المائية في السدود نتيجة موجات ارتفاع الحرارة".

يكشف المهندس المتخصص في تغيّر المناخ أن التوجّه نحو الطاقات البديلة المتجددة لمعالجة الأزمة في منطقتنا العربية بطئ للغاية ولا يلبي حجم الاحتياج للطاقة التي نواجهها في المرحلة الراهنة إذ أن المسح الجيولوجي لا يشمل كل المناطق في جميع الدول العربية لذا لا يوجد اكتشافات نفطية جديدة في الموارد الطاقية في المنطقة تستحق ما يقابلها من ارتفاع كبير في الطلب على الطاقة نتيجة الاحتياجات المتزايدة التي خلفتها ظاهرة التغيّرات المناخية، مختتماً "هناك صعوبة كبيرة في تلبية التطلعات والتحديات الطاقية الناجمة عن التغيّر المناخي".

ردع محاولات إنتاج المزيد من النفط

ولا يشك الخبير في الاقتصاد الدولي والمهتم بالشأن الطاقوي، الدكتور أحمد طرطار، أن التغيّر المناخي يؤثر على حجم إنتاج الطاقة الأحفورية بصورة مباشرة وغير مباشرة، وهو يدلل على ذلك بالإشارة إلى توصيات المنظمات الدولية التي قامت بها الأمم المتحدة مثل المؤتمرات المعنية بالبيئة والمُناخ في كل من مراكش، ريو دي جانيرو، شرم الشيخ والإمارات، خلال السنوات الأخيرة في محاولة للوصول إلى المُناخ الأخضر والبيئة النقية.

ويوضح طرطار لرصيف22 أنه بمقتضى المؤتمرات الدولية وما جرى الاتفاق عليه فسيتم فرض عقوبات على الدول التي تتضارب سياساتها ومصالحها مع الحفاظ على البيئة وتستمر في إنتاج الطاقة الأحفورية وتفعيل الانبعاثات الكربونية الكبيرة، مما يعني ردع محاولات إنتاج المزيد من النفط والوقود فإن تلك التوصيات حتماً ستؤدي إلى عملية كبح جماح وتقنين إنتاج هذه المنتجات.

حتى وإن لم ينخفض إنتاج الطاقة الأحفورية الآن بشكل فعلي، يرى الخبير الدولي أنه في غضون سنوات قليلة ستكون جميع دول العالم مُجبرة على خفض الإنتاج من الطاقات الملوّثة للبيئة، إذ يؤكد طرطار أن الأزمات الحالية التي تشهدها الدول في توفير الطاقة من بوادر عواقب تغيّر المناخ على الطاقة.

البحث ما يزال جارياً عن حلول بديلة للتخلي - ولو بشكل نسبي أو جزئي - عن الطاقة الأحفورية والتوجّه إلى منتجات الطاقة النظيفة، من أجل العيش الآمن للمواطن في طبيعة نقية من هذه الانبعاثات السامة، ويجرى العمل على ذلك من خلال التآزر الدولي وعملية التوافقات الثنائية بين الدول ما يؤدي إلى توصيل الطاقة الكهربائية وكذا الطاقات المتجددة، وفق طرطار.

ويذكر مثالاً لتلك التجارب دولة المغرب التي استفادت من تقنيات ألمانيا في الطاقة الشمسية من خلال ألواح إنتاج طاقة نظيفة متجددة، وفي الجزائر تم تشكيل خط أنابيب نقل بينها وبين الدول المجاورة لتبادل الطاقة المتجددة والشروع ولو على استحياء في بعض البلدان التي ليس لديها إمكانيات، إذ وصل عدد المحطات الكهربائية لتموين السيارات بالجزائر إلى 15 محطة كهربائية موزّعة على الولايات ويتم التوجه إلى الهيدروجين الأخضر بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي لتفعيله مطلع عام 2025.

يوضح حشاد أن العراق هو الأكثر تأثراً من حيث تداعيات التغيّرات المناخية على مستويات إنتاج الطاقة وحجم استهلاكها إذ يشهد تحديات مُناخية كبيرة غير مسبوقة، وكذا اليمن والسودان وتونس ومصر، ما يؤدي إلى احتقان اقتصادي واجتماعي نتيجة ضعف القدرة على تلبية الاحتياجات الطاقية

ألواح الطاقة الشمسية

تداعيات قاسية

وتأكيداً على آثار تغيّر المناخ بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، توقّعت دراسة نُشرت خلال عام 2019، أن تشهد المنطقة تغيرات مناخية مستقبلية تفوق الإمكانيات العالمية، وهكذا، تم تصنيف المنطقة كواحدة من "البؤر الساخنة" لتغير مناخ الأرض. سيكون للظروف المناخية القاسية عواقب وخيمة على أمن المياه والطاقة.

وأكد باحثو الدراسة أن الآثار الرئيسية لتغيّر المناخ تشهد زيادة كبيرة في درجات الحرارة في الصيف، الأمر الذي سيؤدي إلى عدد متزايد من موجات الحرارة، ومن المتوقع حدوث انخفاض عام في هطول الأمطار في العديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما سيؤدي إلى زيادة حالات الجفاف وزيادة عدد فترات الجفاف مما سيضغط على حجم إنتاج الطاقة ومستويات استخدام الكهرباء.

وتوصّل باحثو الدراسة إلى أن جزء كبير من سكان مجتمعات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتحملون تحديات اقتصادية كبيرة تتعلق بتوفر وتسعير المياه والطاقة، بشكل يفوق أكبر من أي منطقة أخرى في العالم.

بصمة تغيّر المناخ

التغيّرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة يفرضان تحديات كبيرة على حجم إنتاج ونقل الوقود والنفط، بحسب الباحث المشارك في مركز دراسات البيئة والتنمية بجامعة لندن، الدكتور أغلب العتيلي، الذي يستطرد بأن الأمر يتطلب تكيّفاً مستمراً في التكنولوجيا والإدارة لضمان استمرار الإمدادات بكفاءة وأمان.

يكشف العتيلي لرصيف22 أن أزمة ظاهرة تغيّر المناخ تكمن في التأثير على المعدات والآلات الكهربية بشكل سلبي يصل إلى ارتفاع درجات حرارة المعدات ومن ثم تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة المحولات والمولدات وخطوط نقل الكهرباء، مما يقلل من كفاءتها ويزيد من أخطارها.

ويبيّن أن محطات توليد الطاقة، سواء كانت تعتمد على الوقود الأحفوري أو النووي، تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه للتبريد، والمياه هي إحدى الموارد التي تندر جراء ارتفاع درجات الحرارة وما تسببه التغيّرات المناخية من الجفاف، مما يقلل من كفاءة التبريد ويجبر المحطات على تقليل الإنتاج. 

كذلك يؤثر الجفاف الناجم عن تغيّر المناخ على أنواع الطاقة المتجددة وأبرزها: الكهرومائية، فإن الجفاف يؤدي إلى انخفاض منسوب المياه في السدود والخزانات، مما يقلّل من القدرة على إنتاج وتوليد الطاقة الكهرومائية، وفق العتيلي.

كما تلحق الموجات الحارة العنيفة أعطالاً في المكونات الميكانيكية للمحطات الكهربائية والمعدات الأخرى، وفق باحث مركز البيئة والتنمية، مما يؤدي إلى انقطاع التيار، والذي يؤدي إلى تقليل الجهد أو قطع الكهرباء في بعض المناطق لتجنب زيادة الأحمال.

العملية تتأثر بأكملها، يؤكد العتيلي أن التغيّرات المناخية وعواقبها المتطرفة تؤدي إلى تراجع إنتاج الطاقة، فإن ارتفاع درجات الحرارة في مواقع الحفر وفي مناطق استخراج النفط يؤثر سلباً على كفاءة الآلات والمعدات، ويؤدي إلى توقف مؤقت أو انخفاض في معدلات الإنتاج.

كذا البنية التحتية لنقل النفط والوقود اللازمان لإنتاج الطاقة مثل الأنابيب، فبحسب الباحث فإن البنية التحتية كالأنابيب تتأثر بارتفاع درجات الحرارة، مما يزيد من احتمالية حدوث أعطال أو تسريبات وفقدان جزء من المنتج، مختتماً بأن السودان واليمن والعراق وسوريا والصومال وموريتانيا ومصر والأردن هي أكثر البلدان المتضررة من التغيّرات المناخية وتتفاقم لديهم أزمة إنتاج الطاقة وانقطاعات الكهرباء المتكررة.

"يجب أن تضع الدول خططاً مستقبلية طويلة الأمد لاستيعاب حاجة البلدان من الطاقة مع موجات الحر للسنوات القادمة، مما يعني الحاجة المُلحة إلى بناء محطات طاقة كهربائية تتناسب مع احتياجات كل بلد، الأمر الذي يستدعي التفكير من الآن في توفير طاقات تكفي 20 إلى 30 عاماً قادمة، لتأمين حاجة البلاد ومضاعفة الإنتاج"

خطط مستقبلية طويلة الأمد لحل الأزمة

بدوره، يعزو أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية في الجامعة العراقية، الدكتور عبد الرحمن المشهداني، التراجع والتأثير على الطاقة الكهربية إلى التوسع في استهلاك النفط والوقود الأحفوري من قبل المصانع والمعامل بالدول الصناعية الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، وهو ما ضاعف من التغيّرات المناخية في السنوات القليلة الماضية.

وهو ما يعتقد أن البلدان النفطية وغير النفطية أصبحت معه تواجه معضلة في أمر توفير الطاقة الكهربائية وعدم قدرتها لسد الحاجة والطلب. وبحسب ما يوضح المشهداني، فإنه في العراق وصلت درجات الحرارة خلال الأيام الماضية إلى أكثر من 50 و51 درجة مئوية ما جعل الطلب المحلي على الطاقة الكهربية يرتفع بشكل مفاجئ وغير مسبوق من 40 ألف ميغاواط إلى 48 ألف ميغاواط في موسم الذروة، وكذا الحال في مصر ودول الخليج.

"بالتالي، نجد أنفسنا في دائرة مغلقة من زيادة الطلب على النفط والوقود لتوفير الحاجة من الطاقة الكهربائية ما يؤدي إلى عواقب وخيمة على البيئة بسبب الملوثات الناتجة من حرق الطاقات الأحفورية ومن ثم يخلف تغيّرات مناخية قاسية تتمثل في موجات حارة غير مسبوقة، تطلب زيادة الطلب على الطاقة - وهي المعضلة التي تزداد تعقيداً بمرور السنوات"، وفق قول المشهداني لرصيف22.

وعليه، يتوقّع أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية أن الدول لن تستطيع تلبية هذا التزايد في الطلب على الطاقة خلال السنوات القادمة، ونحتاج إلى أن نخفض من استهلاك الوقود والنفط الذي يفاقم من الاحتباس الحراري ويزيد من ثقب الأوزون، ما يجعل الأمر يزداد سوءاً، ملفتاً إلى ضرورة توقف المجالات الإنتاجية من النفط لوقف الانبعاثات الضارة بالبيئة التي تؤدي إلى طقس متطرف خاصة مع توقعات بارتفاع الحرارة من درجة ونصف إلى درجتين مئوية كل عام.

ويختم المشهداني بأن على الدول أن تضع خططاً مستقبلية طويلة الأمد لاستيعاب حاجة البلدان من الطاقة مع موجات الحر للسنوات القادمة، مما يعني الحاجة المُلحة إلى بناء محطات طاقة كهربائية تتناسب مع احتياجات كل بلد، الأمر الذي يستدعي التفكير من الآن في توفير طاقات تكفي مدة تراوح بين 20 و 30 عاماً مقبلة لتأمين حاجة البلاد ومضاعفة الإنتاج.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image