شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
سرقة أراضي صور باهر في القدس... كيف تُطوّق المدينة الفلسطينية بالمستوطنات؟

سرقة أراضي صور باهر في القدس... كيف تُطوّق المدينة الفلسطينية بالمستوطنات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

عمليات هدم وتجريف واسعة تطال بلدة صور باهر جنوبي مدينة القدس، في محاولة إسرائيلية لإتمام السيطرة عليها ومنع استغلالها من قبل مالكيها الأصليين الفلسطينيين.

فعلى امتداد 20 دونماً، حطّمت الآليّات الإسرائيلية منشآت زراعيّة وتجاريّة وصناعيّة وأسيجة تابعة لأصحاب الأرضي الفلسطينيين، كلّفتهم خسائر قُدرت بنحو 533 ألف دولار.

محمد أبو طير هو أحد سكان صور باهر الذي تعرّض لخسائر كبيرة جرّاء الاستيلاء على ستّة دونمات يملكها في هذه الأراضي المتاخمة لجدار الفصل العنصريّ جنوب القدس.

"تتبع المنطقة التي تم تجريفها لواد الحمص التابعة لصور باهر، يطلق عليها “دير العامود” وهي جزء من الأراضي المصنّفة "ج" في الضفة الغربيّة، أي التي تسيطر إسرائيل عليها عسكرياً ومدنيّاً وفق اتفاقية أوسلو. لكن منذ بناء جدار الفصل العنصريّ عام 2003، ضمّت إسرائيل هذه الأرض للقدس"، يقول أبو طير لرصيف22. مضيفاً: "منذ لحظة الضمّ، أصدر الحاكم العسكريّ قراراً ينصّ على أنّ كلّ المناطق الواقعة في حدود الجدار أصبحت بحكم المصادرة (أي تعود ملكيّتها للفلسطينيين لكن لا يمكنهم استخدامها)، وذلك لضرورات أمنيّة، بحسب وصف الحاكم العسكريّ. نحن نتحدّث عن أراضٍ متاخمة للجدار بمسافة 250 متراً من الجانبين".

لكن يبدو أنّ أهالي صور باهر لم يستسلموا لهذا القرار بسهولة، فقد عملوا منذ مصادرة الأرض إلى فرض وجودهم الماديّ فيها، حتّى لا تصادرها إسرائيل بشكل فعليّ وتدّعي أنها أراض فارغة ومتروكة، تزامناً مع خوض مسار قضائيّ طويل للحفاظ على أملاكهم.

يرى أمير داوود، مدير عام التوثيق والنشر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أن الاستهداف الممنهج لبلدة صور باهر يسعى إلى حصار الوجود الفلسطيني في مناطق ضيّقة وفرض عملية تراجع بنياني إلى داخل المدينة، وبالتالي حصارها وتطوقيها.

"وحتى يتحقّق ذلك، ترسل السلطات الإسرائيلية إخطارات هدم بحجة البناء غير المرخص أو بحجة وجود أوامر عسكريّة"، يقول لرصيف22.

الخنادق التي حفرتها الآليّات الإسرائيلية حول منشآت الفلسطينيين

أراض قضمها جدار الفصل العنصريّ

ولم تكن عائلة أبو طير المتضرّرة الوحيدة من تجريف إسرائيل للأراضي ومحاولة الاستيلاء التام عليها، فقد خسرت خمس عائلات ما يعادل عشرين دونماً من أراضيها، منها عائلة حمادة.

فقد وضع صهيب حمادة فوق أرضه معدّات بناء وجرّافات ومخازن بهدف تجاريّ، إلا أن جرّافات السلطات الإسرائيلية دمّرت كلّ شيء، وخسر صهيب مبالغ طائلة تكلفة هذه المعدات وخمسة دونمات في دير العامود.

يبدو أنّ أهالي صور باهر لم يستسلموا لهذا القرار بسهولة، فقد عملوا منذ مصادرة الأرض إلى فرض وجودهم الماديّ فيها، حتّى لا تصادرها إسرائيل بشكل فعليّ وتدّعي أنها أراض فارغة ومتروكة

"لقد لجأنا منذ ثلاث سنوات إلى محام لاستصدار التصاريح اللازمة لاستغلال الأرض المتاخمة للجدار، بأهداف غير البناء الذي لا يُسمح لنا البتّة"، يقول صهيب.

ويردف: "قام المجلس المحلي لصور باهر بالتعاون مع عدد من المهندسين بتقديم وثائق الملكية والأوراق الثبوتية اللازمة بما فيها المخططات الهيكلية المقترحة لبناء منطقة صناعية. وتم تسليمها للإدارة المدنية الإسرائيلية بصفتها الجهة المسؤولة عن الأراضي المصنفة "ج". لكن الجهات الإسرائيليّة ظلّت تؤجل البت في القرار خلال السنوات الثلاث".

يقطن صور باهر نحو 25 ألف مقدسي ممن يحملون "هوية القدس" التي أعطيت لسكان المدينة لدى احتلالها عام 1967، فحوّلتهم إلى مقيمين وليس إلى مواطنين. يتمتعون بحرية الحركة والتنقل بين القدس والضفّة والداخل، لكن يبقى وجودهم رهن إعادة نظر السلطات الإسرائيلية التي يمكنها أن تسحب هويّاتهم متى شاءت.

وبحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، تقع 1009 دونمات من صور باهر في المنطقة التي صُنّفت بعد بناء جدار الفصل العنصريّ كمنطقة "ج". صحيح أن إسرائيل تسيطر عليها أمنياً ومدنياً، لكنها لا تُعتبر جزءاً من أراضيها، بل من الضفّة الغربيّة.

في ما عدا هذه الأراضي، تقع مجمل أراضي صور باهر في المناطق المصنّفة "أ" التابعة للسلطة الفلسطينيّة، بينما تقع أخرى في المناطق المصنّفة "ب" والتي تعدّ تحت سيطرة مدنيّة فلسطينيّة وأمنيّة إسرائيليّة.

تطويق القدس الفلسطينيّة

"تعتبر إسرائيل أراضي صور باهر ضمن حدود بلديّة القدس التي تمّ توسيعها عام 1967، أي أراض إسرائيلية تسيطر عليها بلديّة المدينة"، يقول خليل التفكجي الخبير في شؤون الاستيطان لرصيف22.

ويتابع: "تستغلّ إسرائيل التصنيفات الأمنية و"المناطق الخضراء" (التي وصمت فيها أراضي صور باهر) للسيطرة على أراضي الفلسطينيين وحرمانهم من البناء عليها، متذرعين بعدم قانونية البناء. في الوقت نفسه، تعتبر إسرائيل المناطق الخضراء أراضي تابعة للدولة، فتقوم بضمّها لخرائطها الهيكليّة المستقبليّة".

بكلمات أخرى، تحاول الإدارة المدنيّة، بحسب تفكجي، التدخل في قضايا التنظيم والبناء في مناطق القدس الفلسطينيّة، مستغلة تعطيل اتفاقية أوسلو، في محاولة الوصول إلى ما يسمى القدس في "المرحلة النهائية".

 تحاول الإدارة المدنيّة، بحسب تفكجي، التدخل في قضايا التنظيم والبناء في مناطق القدس الفلسطينيّة، مستغلة تعطيل اتفاقية أوسلو، في محاولة الوصول إلى ما يسمى القدس في "المرحلة النهائية

"فضلاً عن أن إسرائيل تستغل المرحلة الحالية وضبابيّتها في ترسيخ الاستيطان، من خلال الاستيلاء على أكبر مساحة من الأراضي لبناء مستوطنات جديدة أو توسيع الموجود منها، ولا سبيل لذلك إلا بالاستيلاء على أراضي الفلسطينيين ومحاصرتهم"، يقول تفكجي.

ويلفت النظر إلى مخطط جديد يُطلق عليه اسم "الشارع الأمريكي"؛ يبدأ الشارع من مستوطنة جبل أبوغنيم ويمر بشرق صور باهر حتى بلدة الطور، معتمداً على شبكة من الطرق والأنفاق والجسور التي تنشئها إسرائيل لربط التجمعات اليهودية ببعضها.

أراضي دير العامود بعد التجريف

"يريدون اقتلاعنا من أرضنا"

يصف محمد أبو طير مشهد تجريف أرضه: "لم يكن سائق الجرافة مجرد سائق يقوم بعمله، إنما شخص يقوم بالهدم بحقد ونقمة. لقد رأيت ذلك في عينيه وجسده. كأنه يقتلع الأرض ويقتلعنا معها. تأملت المشهد والألم يعتصرني".

ويتساءل: "هل كان من الممكن أن يضعوا يدهم على الأرض دون أن يقتلعوا أشجار الزيتون المزروعة؟ الحجج الأمنيّة واهية، هم فقط يريدون اقتلاعنا من أرضنا".

كان يخطط محمد لإنشاء مصنع لمواد البناء ما دام غير قادر على بناء وحدة سكنية فوقها بعد تصنيفها بـ"ج" اعتبار جزء منها أراض خضراء.

"قمت بتسييجها، ووضعت المعدات اللازمة، لكن قبل عام تقريباً وصلني إخطار بالهدم. أوكلت محامياً ليتابع القضيّة. لكنّ البتّ فيها تأخر بسبب الحرب على غزة. وقبل عشرة أيام من الهدم اتصلت السلطات بنا وطالبتنا بإزالة المعدات"، يقول محمد. مضيفاً: "وفعلنا ما طُلب منّا. وبعد أيّام اقتحمت قوّات كبيرة الأرض. ودمّرت كلّ شيء. اخترقت السياج وجرّفت الأرض وما عليها".

ورث محمد الأرض من أجداد أجداده، كما يقول، مؤكداً أن استهدافها يعني استهداف الرزق والاستقرار والبقاء. "هم يريدون لنا أن نرحل طواعية، إن لم نرحل قسراً. صحيح أننا، وحدنا، ندفع أثماناً باهظة لهذا البقاء، لكنّا لن نستسلم"، يؤكد.

لم يكن سائق الجرافة مجرد سائق يقوم بعمله، إنما شخص يقوم بالهدم بحقد ونقمة. لقد رأيت ذلك في عينيه وجسده. كأنه يقتلع الأرض ويقتلعنا معها

"نحن موجودون قبل احتلال القدس وقبل بناء جدار الفصل العنصريّ الذي قطع أراضينا إلى نصفين"، يقول صهيب حمادة.

ويتابع: "على الرغم من توجّهنا للإدارة المدنيّة وعملنا في الإطار القانونيّ، فقد تفاجأنا بحرس الحدود والقوّات الخاصّة وهم يحاصرون المنطقة، في حين لم يعطونا فسحة لإزالة المعدات التي تقدر بملايين الشواكل".

ويؤكد صهيب أنّ الآليات الإسرائيليّة قامت بحفر خنادق حول المعدات حتى لا يستطيع أصحابها نقلها مستقبلاً. إذ يخطط هؤلاء في الوقت الحالي إلى اللجوء مجدداً إلى المحاكم الإسرائيليّة، على الرغم من عدم ثقتهم بنزاهتها. لكنها الطريق الوحيدة أمامهم.

المنشآت التجارية والصناعية بعد الهدم

كيف تلتفّ إسرائيل على القانون؟

يرى أمير داوود من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أنه بالرغم من وقوع هذه الأرض تحت الاحتلال، فإنّ القانون الدوليّ يلقي على إسرائيل التزامات تجاه من تحتل أرضه.

"ومن هذه الالتزامات الدولية المنصوص عليها في الاتفاقيات، ألا يتم هدم أي منشآت قامت قبل الاحتلال، وأن تكون المصادرات لسنوات قليلة. لكن إسرائيل تتجاوز القانون الدولي دائماً وتلتف عليه"، يقول داوود.

ويتابع شارحاً: "تقوم إسرائيل بتمديد مستمر لمصادرة الأراضي دون إعطاء مهلة لأصحابها بغية استرجاعها، في حين تخلق لنفسها مبررات أمنية من أجل تمكين السيطرة على تلك الأراضي إما بهدف استغلالها لمشاريع خاصة أو ضمها للمستوطنات بهدف توسيعها مستقبلاً".

وما يجعل مخططات إسرائيل سهلة التنفيذ في منطقة دير العامود، بحسب التفكجي، هو حقيقة أن تلك الأراضي تتبع، بالنسبة للسلطات الإسرائيليّة، لما يسمى بالأراضي الخضراء، وتعدّها إسرائيل أراضي دولة، فتسيطر عليها بشكل غير معلن، ما يترك أصحابها في حالة غير متوقفة من الصراع على الحق.

وربما يزداد هذا الصراع حدّة "في ظل غياب تام لدور السلطة الفلسطينية في مواجهة عمليات التدمير والاستيلاء على الأراضي في القدس" كما يقول أبو طير.

الذي يشير إلى أن الأهالي لم يلجأوا إلى السلطة لأنهم يعلمون الجواب سلفاً. "فلا تأثير للسلطة في القدس ولا يمكنها أن تحدث أيّ تغيير على القرارات".

فيما يؤكد تفكجي أن دور السلطة لا يتجاوز اللجوء للمنظمات الدوليّة باعتبار أن أحياء القدس الشرقيّة لم تعد مناطق خاضعة لسيطرة الفلسطينيين منذ احتلال المدينة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image