شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
لماذا لا تستجيب السماء لدعاء الشيوخ على الأعداء؟

لماذا لا تستجيب السماء لدعاء الشيوخ على الأعداء؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحقوق الأساسية

السبت 19 أكتوبر 202411:06 ص

في كل خطبة جمعة، كنت أسمع شيخ الجامع يرفع يديه إلى السماء، وصوته الجهوري يملأ أرجاء المسجد بدعاء لا يتغيّر: "اللهم شتّت شملهم، اللهم يتّم أطفالهم"، وبرغم قسوة هذا الدعاء، كنت ومن حولي نؤمّن خلفه: "آمين". كانت تلك الكلمات ترتسم في ذاكرتي، وأنتظر بشغف أن أرى تأثير هذا الدعاء على أرض الواقع، لكن عاماً بعد عام، وشيخاً بعد شيخ، بقي الاحتلال الإسرائيلي مستمراً، ولم يتغير شيء.

مع توحّش جيش الاحتلال في غزة ولبنان، بدأت التساؤلات تتسلل إلى عقلي: هل نحارب خصماً سياسياً وعسكرياً بدعوات كلامية فقط؟ هل نفهم فكرة الدعاء بطريقة صحيحة، أم أن المشكلة تكمن في طريقة تعاملنا مع الواقع؟ ولماذا لا تستجيب السماء لتلك الملايين من الدعوات التي تملأ الأجواء؟

هل الدعاء وحده يكفي؟

يعتبر الدعاء في الإسلام وسيلة للتواصل المباشر مع الله، ولكنه ليس مجرّد كلمات تُلقى بانتظار نتائج فورية، كأن الله على الطرف الآخر من مكالمة هاتفية. الدعاء يرتبط بشروط، مثل الإخلاص واتخاذ الأسباب وامتلاك الحق. التاريخ الإسلامي يعجّ بقصص الصحابة والأنبياء الذين دعوا الله، لكنهم أيضاً عملوا بجد لتحقيق أهدافهم، فما الذي يجعلنا اليوم نعتقد أن الدعاء وحده كاف؟

المساجد في العالم العربي تمتلئ كل جمعة بأصوات الدعاء على إسرائيل، لكن هل الدعاء وحده يمكن أن يكون السلاح الفعّال لمواجهة الاحتلال؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب فحصاً أعمق للواقع.

المساجد في العالم العربي تمتلئ كل جمعة بأصوات الدعاء على إسرائيل، لكن هل الدعاء وحده يمكن أن يكون السلاح الفعّال لمواجهة الاحتلال؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب فحصاً أعمق للواقع

غالباً ما يكون الدعاء وسيلة للهروب من مواجهة الواقع أو الحل لمواجهة ما يحدث على الأرض من ظلم وإجحاف، لكن الدعاء بدون خطة عمل أو استراتيجيات سياسية واقتصادية قد يكون مجرّد تعبير عن العجز.

من السهل تكرار نفس الدعاء لعقود دون نتائج ملموسة، ولكن تكرار نفس الخطأ لا يولد سوى الإحباط. الحرب اليوم تُدار بأحدث الوسائل التكنولوجية، والدعم السياسي من القوى العالمية، وفي الوقت الذي نكتفي نحن بالدعاء في المساجد، إسرائيل تتوحّش كل يوم أكثر وتراكم آلتها الحربية وتقتل المدنيين، بينما من يبقى على قيد الحياة يعيش تحت القصف، ربما يكون السؤال الحقيقي الذي يجب أن نطرحه ليس "لماذا لا يستجيب الله لدعائنا؟" بل "هل نحن نفهم الدعاء بشكل صحيح؟"، الدعاء هو تعبير عن رغبة بإرجاع الحق، لكن دون إرادة جماعية وعمل حقيقي على الأرض، سيظل رغبة غير محققة وأملاً كاذباً.

تحولات الواقع وتجمّد الدعاء

في الوقت الذي يتغيّر فيه العالم بسرعة، من الناحية السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، تظل الدعوات على إسرائيل والأعداء الآخرين متكرّرة بنفس الطريقة، لكن الدعاء ليس معركة روحانية فقط تجاه الباطل ونصرة للحق؛ هو جزء من منظومة أكبر تشمل العمل الجماعي، التخطيط الاستراتيجي والقدرة على التأثير.

الدعاء مهم، لكنه ليس رغيفاً لجائع ولا غطاء لمتشرد ولا أملاً لمظلوم

من ناحية أخرى، قد يكون الدعاء تعبيراً عن العجز المجتمعي، المجتمعات التي تفتقر إلى الوسائل المادية والسياسية لتحسين أوضاعها تلجأ إلى السماء كملاذ أخير، لكن هذه الخطوة قد تعني تجاهل الأزمات الحقيقية التي تحتاج إلى مواجهة وتخطيط حقيقي.

الإسلام لم يدعُ فقط إلى الدعاء، بل إلى العمل الدؤوب. في القرآن، تقول الآية: "إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، وهذا بالضبط ما يجب فعله: التحرّك الفعلي لتغيير الواقع، وليس انتظار السماء لتفعل ذلك، فسنين من الرغبة بأمر ما لا تحققه ما لم تقم به بيدك وحدك.

الدعاء ليس سلاحاً بديلاً عن العمل، بل هو وسيلة لتعزيز القوة النفسية والروحية، معرفة الحق ونصرته، لكنه لن يؤتي ثماره ما لم يتم دعمه بإرادة جماعية وإصلاح داخلي، من الممكن أن يكون الوقت قد حان لتطوير فهمنا للدعاء ووضعه بمكانه الصحيح الذي يتعلّق بشؤون العبادة، أما ما يتعلّق بنصرنا على أعدائنا واسترجاعنا لحقوقنا وحماية إنسانيتنا المنتهكة، فالأمر يحتاج عملاً لا دعاء لن يستجاب له.

حان لتطوير فهمنا للدعاء ووضعه بمكانه الصحيح الذي يتعلّق بشؤون العبادة، أما ما يتعلّق بنصرنا على أعدائنا واسترجاعنا لحقوقنا وحماية إنسانيتنا المنتهكة، فالأمر يحتاج عملاً، لا دعاء لن يستجاب له

لماذا لا يُستجاب الدعاء أحياناً؟

"دعوت فلم يُستجب لي"، هذه الجملة ربما تتردّد في أذهان كثيرين عندما لا تتحقق نتائج دعائهم.

يمكن أن أختم بنظرة تأملية تطرح تساؤلاً مفتوحاً: "هل نحن نحارب في المكان الخطأ وضد العدو الخطأ؟"، أو ربما السؤال الحقيقي الذي يجب أن نطرحه ليس: "لماذا لا يستجيب الله لدعائنا؟"، بل "هل نحن نفهم جدوى الدعاء بشكل صحيح؟".

البشر الذين صرفوا حياتهم يدعون على إسرائيل، يسجدون ويصرخون ويؤمنون على دعاء بعضهم، لم يروا ثمرة دعائهم ولن يروه أبداً طالما سلاحهم الوحيد تلك الكلمات، بينما إسرائيل تصنع الأسلحة وتبني الاقتصاد وتحصّن جبهتها الداخلية بحقوق الفرد وبحماية مواطنيها واحترامهم. ألا يدعونا هذا للتفكير في استراتيجيات جديدة لمواجهة التحديات الحالية، ومن أهمّها  فكرة الحرية، الحرية التي تجعل المجتمع مبدعاً وقوياً ومتماسكاً، الحرية التي تجعلنا نتفوّق، على الأقل أخلاقياً، على عدوّنا، لا مجرّد مرددي كلمات جوفاء لا ندرك أصلاً معانيها.

الدعاء مهم، لكنه ليس رغيفاً لجائع ولا غطاء لمتشرد ولا أملاً لمظلوم. الدعاء يُعتبر جزءاً أساسياً من العقيدة الإسلامية، ولكنه ليس بديلاً عن العمل، العالم اليوم يواجه تحديات معقدة تتطلب أكثر من مجرّد دعوات، فالعالم لا يتغيّر بالكلمات وحدها، والضحايا ينتظرون منا أكثر من مجرّد رفع الأيدي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image