شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
هل يُعقل أن يترك أطفال التوحد بلا دعم خلال الحروب؟

هل يُعقل أن يترك أطفال التوحد بلا دعم خلال الحروب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والطفولة

الجمعة 25 أكتوبر 202401:08 م

"عندما نزحتُ مع عائلتي وطفلي المصاب بالتوحد من منزلي بسبب الحرب، شعرتُ بأنني أدخل معركةً جديدةً تتجاوز مأساة هذه الحرب. القصف أمام منزلنا تسبب بصدمة لابني بحيث امتنع عن تناول الطعام لأيام عدة. نعيش الآن في جامعة في منطقة السعديات، وبسبب وضع ابني استطاع المسؤولون فصلنا في غرفة مستقلة، لكنّ ذلك لا يغيّر الواقع، طفلي البالغ من العمر أحد عشر عاماً يواجه تحديات لا يستطيع التغلب عليها بسهولة"؛ هذا ما تقوله هناء (اسم مستعار)، لرصيف22.

نوبات صراخ وبكاء

تشرح هناء أن حالة ابنها تراجعت كثيراً بسبب النزوح: "كان ابني في مركز متخصص خارج بيروت حيث كنّا نقيم، عندما بدأت الحرب لم يستطع تقبّل الأمر وبدأ بنوبات البكاء ورفض كل شيء، ومع نزوحنا ازدادت المعاناة، حيث لا اهتمام ولا أنشطة تساعده على التأقلم. طلبتُ مساعدةً نفسيةً له لكن لم أجد استجابةً. كان يتلقّى جلسات متخصصةً ضمن المركز في النطق والحسي-حركي التي ساعدته على التقدم واستطاع أن يقول جملةً كاملةً. أما اليوم، فقد أصبح كل حديثه عن الحرب، القتل، الصواريخ، وإسرائيل، يدخل في نوبات صراخ وبكاء ويحمل حقيبته إذ يريد العودة إلى المنزل. خوفي اليوم من أن تستمر الحرب وتتراجع حالته إلى الأسوأ".

تواصل هناء حديثها: "أطفال التوحد لديهم روتين ثابت في اللعب والطعام، لكن ابني فقد هذا الروتين ولا قدرة لي على تجهيز الطعام الذي يحبّه، أحاول إرضاءه بما تيسّر ونعتمد على المعلّبات برغم أنه لا يحبها لكن ليست لدينا خيارات واسعة".

"عندما نزحتُ مع عائلتي وطفلي المصاب بالتوحد من منزلي بسبب الحرب، شعرتُ بأنني أدخل معركةً جديدةً تتجاوز مأساة هذه الحرب"

أما بخصوص التكيّف واللعب مع الأطفال، فتقول: "أحاول إدماجه معهم، لا يخلو الأمر من بعض المضايقات بسبب سلوكياته المختلفة، لكنني أحاول تدارك الأمر وحمايته".

وتختم بالقول: "ما أتمناه اليوم هو أن تنتهي الحرب ونعود إلى منزلنا وألا يصيب طفلي أي سوء، الوضع متعب لنا جميعاً ونحن نحاول جهدنا لمساعدته لكن لا أعرف كم من الوقت سيستطيع التحمل والتكيّف. أطفال التوحد مظلومون في هذه البلاد".

"لا أحد يهتمّ بأطفال التوحد"

تختلف قصص الأطفال من عائلة إلى أخرى، لكن هناك واقعاً واحداً: لا أحد يهتم بأطفال التوحد سواء في السلم أو في الحرب.

تقول باتريسيا، وهي أمّ لطفل مصاب بالتوحد يبلغ من العمر عشر سنوات: "كان طفلي يُتابَع في مركز مدعوم حيث يقدمون له جلسات متخصصةً في النطق والحسي-حركي والنفسي ضمن برنامج متكامل، وبدوري كنت أتابع معه جلسات خارج المركز، لكن هذا العام وبسبب الأوضاع الاقتصادية والحرب على لبنان، لم يستطع الدخول إلى المركز أو متابعة الجلسات".

وتضيف لرصيف22: "يعيش طفلي حالةً من القلق والخوف بسبب ما يسمعه في نشرات الأخبار عن الحرب، أحاول إبعاده عن هذه الأجواء لكنه يعلم بأمر الحرب ويردد كلمات ‘قوّص، دم ماما’. أحاول إخباره بما يجري بالقدر الذي يهدّئه كما أحاول تجنيبه مشاهدة الأخبار خلال اليوم واستبدالها ببرامج ترفيهية وتعليمية لكن عند نشرة المساء يعود الخوف مجدداً".

"ما أتمناه اليوم هو أن تنتهي الحرب ونعود إلى منزلنا وألا يصيب طفلي أي سوء، الوضع متعب لنا جميعاً ونحن نحاول جهدنا لمساعدته لكن لا أعرف كم من الوقت سيستطيع التحمل والتكيّف. أطفال التوحد مظلومون في هذه البلاد"

تتابع باتريسيا قدر الإمكان متابعة تعليم ابنها، غير أن الحرب الدائرة حالياً في لبنان لا تساعدها: "أحاول تدريسه في المنزل، اشتريت بعض الدفاتر والكتب وأتابع معه خلال اليوم، نخرج للتنزه قليلاً، نزور أقاربنا، لكن هذا لم يمنعه من الغضب والصراخ، طفلي مظلوم في هذه الحرب، لديه قدرات عالية ويستطيع التعلم، فهو يجيد السباحة ولديه موهبة موسيقية، لكن لم نجد له مدرسةً مناسبةً ولم يقبلوه بحجة أن عمره كبير، أحاول جهدي كي أساعده في المنزل واختراع ألعاب له يحبها كي يتكيّف مع التغيرات الحاصلة ولديّ أمل في أن تساعدنا الوزارة لإيجاد مدرسة دمج مناسبة".

تختم حديثها بالقول: "أولادنا نعمة ودورنا هو دعمهم ومساعدتهم ليعيشوا بشكل آمن وسليم".

التكاليف غير منطقية ولا دعم من الدولة

وقّع لبنان عام 2022 اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تنص على توفير أوضاع يسودها السلام والأمن القائم على الاحترام التام للمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة واحترام صكوك حقوق الإنسان السارية، وهي أمور لا غنى عنها لتوفير الحماية الكاملة للأشخاص ذوي الإعاقة، لا سيما في حالات النزاع المسلح والاحتلال الأجنبي، كما تعترف بما لإمكانية الوصول إلى البيئة المادية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وخدمات الصحة والتعليم والإعلام والاتصال من أهمية لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من التمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

لكن برغم توقيع لبنان على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوقين عام 2022، إلا أن الحال لم يتغيّر ولم تتكفل الدولة بتجهيز مراكز مجانية أو مدعومة لأطفال التوحد، وهو ما تؤكده نضال صادق، وهي معالجة نفسية، لرصيف22: "لا توجد خطة تدخّل واضحة من قِبل وزارة الشؤون الاجتماعية، خاصةً أننا في بداية النزوح، ولا وجود للجمعيات المتخصصة في الميدان للعمل معها. ما نركّز عليه اليوم هو الدعم النفسي والأنشطة المشتركة".

وتكمل صادق: "الوضع يصعب على أطفال التوحد في مراكز الإيواء، حيث يتغير روتين حياتهم ويفقدون خصوصياتهم وتتوقف جلسات العلاج، ما يؤثر على نفسيتهم، ويبدؤون بالبكاء والصراخ ولا يتواصلون مع الآخرين".

ناتاشا، وهي أم لطفلين مصابين بالتوحد، تتكفل بمصاريفهما على عاتقها الشخصي: "لدي طفلان الأول في السابعة من عمره، والصغير في سن الخامسة، في منطقتي لا توجد حرب وما زلت في بيتي في الدكوانة، لم أخبر أولادي عن الحرب لكن ابني الكبير عاد من المدرسة متوتراً بسبب ما سمعه من زملائه عن الحرب، أما طفلي الصغير فلا يعلم شيئاً عنها".

وتتابع: "ابني الكبير مسجل في مدرسة دامجة ترافقه معلمة خاصة ويتابع جلسات الحسي-حركي والنطق في المدرسة، أما ابني الصغير فهو مسجل في مركز متخصص، في العام الماضي وبسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة في لبنان، اضطر زوجي إلى السفر للعمل خارج البلاد في ظل عدم وجود أي دعم من الدولة والتكلفة المادية العالية التي نتكبدها شهرياً، وهي بحدود ثلاثة آلاف دولار، لكن خطتنا المستقبلية هي أن نستطيع السفر إلى بلد يحترم حقوقهم ويتابعهم بشكل إنساني ويخلق لهم بيئةً آمنةً".

بين غياب الدعم والتكاليف الباهظة، يعيش أطفال التوحد واقعا صعباً خاصةً في ظل الحروب والأزمات، وتعيش العديد من العائلات معاناةً كبيرةً لتوفير الحماية والرعاية لأطفالها، دون أي دعم من قبل الدولة أو تأمين الحقوق الطبيعية للعيش بكرامة

وتشير باتريسيا إلى أن هناك جهلاً يحيط بمرض التوحد: "لا يزال هناك جهل وغموض في موضوع التوحد، ونحن لم نكن متعمقين في تفاصيله برغم وجود حالات توحد لدى عائلتي وعائلة زوجي، لكن عندما تشخصا بالتوحد كانت مهمتنا معرفة جميع التفاصيل وكيفية التعامل معهما بشكل صحيح، المشكلة أننا كأهل ليس لدينا مركز موحد نستطيع أن نشارك فيه تجاربنا وخبراتنا حول التوحد".

وتتحدث باتريسيا عن تقاعس الدولة وأجهزتها في موضوع التوحد ومساندة الأهل: "اللافت عدم تواصل وزارة الشؤون معنا خلال الحرب أو معرفة أحوالنا أو دعمنا، وحتى قبل الحرب لم تكن هناك خيارات متاحة من الوزارة خاصةً أن ابني الصغير ما زال لا يستطيع استخدام الحمّام وهذا شكّل عائقاً على اختيارنا للمركز أو المدرسة، ما أجبرني على وضعه في مركز متخصص تكلفته عالية".

بين غياب الدعم والتكاليف الباهظة، يعيش أطفال التوحد واقعا صعباً خاصةً في ظل الحروب والأزمات، وتعيش العديد من العائلات معاناةً كبيرةً لتوفير الحماية والرعاية لأطفالها، دون أي دعم من قبل الدولة أو تأمين الحقوق الطبيعية للعيش بكرامة. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image