في القسم المخصص لأدوات الرسم داخل أحد متاجر إيرلندا، تقف إيمان رجب، وهي تواجه الشعور برفض قدراتها الفنية. لحظات مرّت كجلسة "سيكو دراما" مفاجئة رغماً عنها، ودون سابق استعداد، غير أن زوجها شجعها على شراء أدوات الرسم لإخراجها من أزمة الاكتئاب وفقدان الثقة بموهبتها التي استمرت طوال 7 سنوات.
تصف الفنانة التشكيلية المصرية، الفن بأنه لغتها القادرة على التعبير من خلالها والشفاء عبرها من الأزمات، كما أن تجربتها الشخصية كانت دافعاً حقيقياً لمساعدة غيرها من النساء للوصول إلى حالة السلام الداخلي والتعبير عن مشاعرهنّ دون خوف.
في هذا الحوار الذي أجراه رصيف22، مع إيمان رجب، نكتشف كيف حوّل الفن مسارها النفسي من الصدمة والاكتئاب إلى السلام والرغبة الوافرة في مساعدة الآخرين.
حدّثينا أكثر عن ممارستك للفن وتحوّل مسارك المهني إلى العلاج بالفن
أنا فنانة تشكيلية مُقيمة في إيرلندا منذ ما يقارب 17 عاماً. وُلدت في الإسكندرية وتخرجت من كلية الحقوق. عملت في المحاماة فترةً قصيرةً ثم تزوجت وانتقلت للعيش برفقة زوجي في إيرلندا.
تصف الفنانة التشكيلية المصرية، الفن بأنه لغتها القادرة على التعبير من خلالها والشفاء عبرها من الأزمات، كما أن تجربتها الشخصية كانت دافعاً حقيقياً لمساعدة غيرها من النساء للوصول إلى حالة السلام الداخلي والتعبير عن مشاعرهنّ دون خوف
بدأت رحلتي مع الفن منذ الطفولة، فوالدي كان رجلاً مُحبّاً للفن وشجعني على ممارسته، وكنت أشارك في الأنشطة كافة المتعلقة بالرسم في المراحل الدراسية الأولى، وقررت الالتحاق بكلية الفنون الجميلة. حينها كان اختبار القدرات يتم ضمن اختبارات المرحلة الثانوية غير أنني حصلت على تقييم غير جيّد، وكانت لحظةً صادمةً لشابّة يشهد الجميع على موهبتها، فاهتزّت ثقتي بموهبتي ولم أمسك في يدي فرشاةً ولم أرسم خطاً في لوحة طوال سبع سنوات.
كيف كانت العودة إلى الفن؟
في فترة الجامعة، كنت أنهي محاضراتي في كلية الحقوق، وأذهب على الفور لقضاء الوقت مع أصدقائي في كلية الفنون الجميلة، وكانوا جميعاً يتعجبون من عدم التحاقي بالكلية للدراسة فيها. وبعد التخرج، تزوجت وسافرت بصحبة زوجي، وكان من المفترض أن تقتصر الغربة على عام واحد نعود بعده إلى مصر لنستقر بين أهلنا وأصدقائنا، ولكن كانت صدمتي الثانية حين علمنا بضرورة البقاء لظروف عمل زوجي، فكنت أعيش لحظات الوحدة والاغتراب والاكتئاب حتى لحظة وقوفي أمام أدوات الرسم في المتجر وتشجيع زوجي لي، وذلك عام 2010. حينها بدأت أرسم وأُعلّق اللوحات في منزلي.
كيف انتقلتِ إلى المشاركة في معارض دولية؟
كلما شاهد الضيوف لوحاتي تعجبوا من إتقاني الرسم، وشجعوني على المشاركة في معارض محلية في البداية، ولقيت اهتماماً بلوحاتي في المعارض، فتحررت حينها من وصمة كبّلتني سنوات طويلةً وكادت تُنهي علاقتي بالرسم، وشعرت بأنه لا يمكن لأحد أن يُوقف نهر الموهبة الذي خلقه الله في داخلي، وبدأت أشارك في معارض دولية كمعرض دبلن، وهو أهم المعارض الدولية في أوروبا، ومعرض دبي لسنوات عدة، ومعرض آخر في اليابان.
متى قررتِ ممارسة العلاج بالفن؟
لم يكن قراري، ولكن المسألة نابعة من تجربتي الشخصية، وكان الرسم هو العامل الأساسي لمساعدتي على الخروج من أزمتي. وحين سردت قصتي ومدى تأثير الفن على تحسن حالتي النفسية أمام المسؤولين في إحدى منظمات العمل التطوعي، سألوني إن كان بإمكاني مساعدة النساء خاصةً اللواتي يعانين من الحروب، فبدأت بتنظيم ورش عدة باستخدام الألوان والخامات الفنية المختلفة.
كيف تخصصت في هذا المجال؟
كانت البداية في البحث عن أسباب اعتمادي على ألوان معيّنة في فترة من الفترات، وبحثت حول الارتباط بين الألوان وما أشعر به. استمر بحثي عن الإجابة 7 سنوات، حتى عثرت على بغيتي في "ماكس لوشر"، الذي ربط بين اللون والشعور، فدرست منهجه في سويسرا وحصلت على دورات كثيرة في العلوم الإنسانية والعلاج بالفن وغيرها في إيرلندا ومصر وكندا، لكن تجربتي الشخصية فضلاً عن دراستي للحقوق وتعلّمي لغة الصمّ والبكم، وتجويد القرآن، وخبرتي في الفن، شكلت الخلطة الخاصة بي، فتحول الأمر من عمل تطوعي إلى مجال تخصص وصارت تستعين بي مؤسسات كثيرة لمساعدة النساء.
كيف ساعدك الرسم شخصياً على تخطّي أزمات في حياتك؟
ساعدني الفن على الخروج من الاكتئاب والشعور القوي بالانعزال والوحدة دون اللجوء إلى الأدوية أو المهدئات، فكانت كل لوحة تدويناً وتحريراً لمشاعري وبصمتي الخاصة، باختصار هي رحلة داخل النفس تستحق الغوص فيها، تعرفت خلالها على نقاط القوة والضعف لديّ، وهو ما يحدث مع كل من أدعمهنّ باستخدام الفن.
ما هي التقنية التي تستخدمينها في تفريغ الضغط العصبي والأزمات؟
قال بيكاسو: "الألوان مثل الملامح تتبع تغيّرات المشاعر"، وتالياً من خلال استخدام الفن التشكيلي والألوان والرسم وكل الخامات المتاحة نخوض الرحلة للتعرف على أنفسنا والتنفيس عن مشاعرنا، فاستخدام الفن في حدّ ذاته يساعد على التعبير عن الذات والتفاعل الاجتماعي، ويلعب دوراً رئيساً في تحسين المزاج وتقليل التوتر وتعزيز التركيز وتقوية المهارات الإبداعية والثقة بالنفس ويحفّز عملية التفكير الإبداعي وتعزيز الخيال.
ما هي أصعب الحالات التي قابلتِها في رحلتك للعلاج بالرسم؟
هناك حالات كثيرة. يمكن تلخيص النقاط المشتركة في الأفكار السلبية والإحباط وكره الذات وكثرة المخاوف ونوبات الهلع.
في أثناء مشاركتي في معارض أوروبا، استوقفتني سيدة مُسنّة لتسألني عن موطني الأصلي، فأخبرتها بأنني من مصر، لتقول لي: "أنتِ جاية من مكان بعيد فيه شمس ودفء وحملتِ الشمس في قلبك وجيتي تنشريه هنا في إيرلندا وأشعرتيني بالدفء والفرح والبهجة".
هناك موقف آخر لسيدة جلست لفترة طويلة أمام إحدى اللوحات، وعندما ذهبت إليها بكت وأخبرتني بأنها فقدت زوجها قبل شهر، وشعرت بأن هذه اللوحة سوف تُعيد الضوء إلى المنزل بعدما ذهب برحيله.
كيف تسير الجلسات وهل يتم الحديث مع كل مشتركة قبل المشاركة في الرسم؟
الحديث مع المشارِكة في جلسة العلاج يكون بعد الانتهاء من الرسم وتمرينات عجلة المشاعر، فحينها يمكننا التشخيص من خلال تطبيق اختبار الألوان، واللافت أن البعض يبكي بمجرد وضع يدنا على لون ما دون حديث، فالتمارين قد تشعر المشتركة بالتحرر والتخلص من صدمة ما أو تروما.
"ساعدني الفن على الخروج من الاكتئاب والشعور القوي بالانعزال والوحدة دون اللجوء إلى الأدوية أو المهدئات، فكانت كل لوحة تدويناً وتحريراً لمشاعري وبصمتي الخاصة، باختصار هي رحلة داخل النفس تستحق الغوص فيها، تعرفت خلالها على نقاط القوة والضعف لديّ"
هل تكون لدى المشتركات تجارب سابقة في العلاج النفسي؟
كثيرات ممن شاركن في الجلسات سبق أن لجأن إلى العلاج النفسي لدى طبيب/ ة أو مُعالج/ ة نفسية، وأنا مؤمنة جدّاً بأن دوري مكمّل للعلاج النفسي، وكثيرات منهنّ استفدن من رحلة العلاج، لكن البعض منهنّ ذكرن أنهن لم يستفدن شيئاً إذ كنّ يدفعن مقابلاً مادياً لقاء فضفضة دون أي أنشطة أو نقاشات، وإحدى المشاركات أخبرتني بأنها عندما ذهبت إلى طبيب نفسي ثار عليها وصرخ في وجهها فأصيبت بصدمة لم تتجاوزها طوال سنوات إلا بالمشاركة في جلسات العلاج بالفن.
بماذا تنصحين من لم تخُض تجربة العلاج بالفن؟
إذا كانت بحاجة إلى التنفيس أو تحرير مشاعرها، أو في حال لم تكن قادرةً على التعبير عمّا تشعر به وصياغة مشاعرها، يجب ألا تتردد في تجربة العلاج بالفن لكونه أداةً بسيطةً وسليمةً وخاليةً من أي أعراض جانبية، المهم أن تختار جيداً المعالج الذي يساعدها على الاستفادة من التجربة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...