في خضم التوترات الإقليمية المتصاعدة في الشرق الأوسط، يُعدّ اغتيال الشخصيات العسكرية والدينية والسياسية من أخطر السياسات التي تعتمدها إسرائيل ضد خصومها. وضمن هذا السياق، نشرت القناة 14 الإسرائيلية، صورة المرجع الشيعي البارز علي السيستاني، ضمن قوائم الشخصيات المستهدفة القادمة، وأثار ذلك حفيظة كُثر بسبب محورية الدور الذي يلعبه السيستاني داخل المجتمع الشيعي، والسياسة العراقية بشكل عام.
ويأتي هذا التهديد في ظل تحولات دراماتيكية تشهدها الساحتان العراقية والعربية، ومخاوف من تأثيرات اندلاع الحرب بين طهران وتل أبيب على المنطقة، وسط تساؤلات عن أسباب احتمال عزم إسرائيل على استهداف السيستاني وصحة هذا الأمر.
من هو السيستاني؟
يتمتع السيستاني بأهمية كبيرة في المنطقة، فهو من أكثر الشخصيات الدينية المؤثرة فيها، ويتصل ملايين الشيعة حول العالم بمرجعيته الدينية، بالإضافة إلى محورية دوره في المشهد السياسي والاجتماعي العراقي.
والمرجع السيستاني، هو آية الله العظمى علي محمد باقر علي، وُلد في عام 1930 في مدينة مشهد في إيران، وينتمي إلى عائلة علمية هاشمية النسب، يرجع أصلها إلى مدينة أصفهان، ولكنها نُسبت إلى إقليم سيستان، بسبب تولّي أحد أجداده منصب شيخ الإسلام فيها، ويُعدّ كلٌ من أبيه وجدّه، من أعلام الفقه والتدريس البارزين في النجف.
يتمتع السيستاني بأهمية كبيرة في المنطقة، فهو من أكثر الشخصيات الدينية المؤثرة فيها، ويتصل ملايين الشيعة حول العالم بمرجعيته الدينية، بالإضافة إلى محورية دوره في المشهد السياسي والاجتماعي العراقي. فماذا لو اغتالته إسرائيل؟
أبدى السيستاني اهتمامه بالفقه الديني منذ صباه، ودرس على يد كبار العلماء في مدينة مشهد، مثل مهدي إسماعيل الغروي الأصفاني، وهاشم القزويني، وحسين الطباطبائي البروجردي.
وفي مطلع عام 1950، اتجه إلى مدينة النجف لاستكمال دراسته الدينية، فدرس على يد عدد من المراجع الدينية، مثل محسن الحكيم، وأبي القاسم الخوئي، وعلي الحلي.
في عام 1988، طلب منه المرجع الأعلى الخوئي، إمامة المصلّين في محرابه في جامع الخضراء، وعُدّ هذا الطلب مدخلاً لخلافة الخوئي في المرجعية، وهو ما حصل في عام 1992 حيث أصبح السيستاني مرجعاً أعلى للشيعة الاثني عشرية الأصولية في العالم.
وبرغم جنسيته الإيرانية، عُرف السيستاني بعدائه لمفهوم ولاية الفقية المعتمَد من قبل الحكومة الإيرانية، وينفي وجود نائب أو ممثل عن الإمام المهدي، كما ينفي ضرورة سيطرة رجال الدين على الحكومة، ويُعدّ أول مرجع شيعي يؤيد قيام الدولة المدنية، وبسبب هذا الاختلاف ناصبته إيران العداء.
بعد عام 2003، والاضطراب الذي تلى الاحتلال الأمريكي للعراق، ظهر السيستاني بموقف الداعي إلى السلم الأهلي ونبذ الطائفية، وحصد بذلك احترام الكثير من العراقيين، وتوسعت قاعدة مرجعيته بشكل لافت.
استغلّ السياسيون الشيعة هذا النفوذ من أجل توسيع قاعدتهم الجماهيرية، ووضعوا صوره على قوائمهم الانتخابية في عام 2004، دلالةً على تأييده إياها، ولكن وكلاءه أكدوا أن موقفه محايد تجاه جميع الكتل السياسية العراقية.
نفوذه القوي يحفز السياسيين والعسكريين من أجل نيل رضاه، ولكنه غالباً ما يرفض لقاء الكثير من الشخصيات الحزبية أو الحكومية، وهو رفض نابع من عدم رضاه عن أدائهم بحسب الاعتقاد الشائع.
بعد احتلال داعش لثلثي مساحة البلاد، في عام 2014، أصدر السيستاني فتوى الجهاد الكفائي، لتحرير المدن المحتلة، والتي أسست لتشكيل الحشد الشعبي.
وتحوم الكثير من الشائعات حول حالته الصحية بسبب اعتكافه في منزله وامتناعه عن الحديث إلى وسائل الإعلام في آن واحد، وبرغم ذلك فإن قوة تأثير مرجعيته لا تزال ساريةً.
ضمن قوائم الاغتيال الإسرائيلية
عرضت القناة 14 الإسرائيلية، صورة السيستاني بالإضافة إلى صورة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار، وقائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، وقائد جماعة الحوثيين، عبد الملك الحوثي، ونائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، ضمن تقرير تحليلي عن الأهداف الإسرائيلية القادمة.
أثار هذا العرض حفيظة المتابعين للشأن الإقليمي، فبرغم امتناع الجيش الإسرائيلي عن التعليق على هذا الخبر رسمياً، إلا أنه عُدّ تهديداً حقيقياً، بسبب قرب القناة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
نددت الحكومة العراقية بهذا العرض، وقالت في بيان لها: "نرفض مثل هذه الإساءات لمقام المرجعية ونؤكد ضرورة احترام المقدسات لكل الأديان والمذاهب إسلاميةً كانت أو غير إسلامية"، ودعا الأمين العام للأمم المتحدة والمحافل الأممية والدولية إلى رفض واستنكار كل ما يمسّ مشاعر المسلمين في العالم ومحاولات النيل من الشخصيات ذات التأثير والاحترام العالميين.
سيرة السيستاني الشخصية، ومدى تأثير سياسته الدينية، بالإضافة إلى ما تمثله مرجعيته، تدفع للتساؤل عن أسباب رغبة إسرائيل في اغتياله.
برغم جنسيته الإيرانية، عُرف السيستاني بعدائه لمفهوم ولاية الفقية المعتمَد من قبل الحكومة الإيرانية، وينفي وجود نائب أو ممثل عن الإمام المهدي، كما ينفي ضرورة سيطرة رجال الدين على الحكومة، ويُعدّ أول مرجع شيعي يؤيد قيام الدولة المدنية، وبسبب هذا الاختلاف ناصبته إيران العداء
إشغال الجبهة العراقية المحتملة
قالت الحكومة العراقية في بيانها إن رغبة إسرائيل في استهداف السيستاني، تثبت عزمها على خلق أزمات جديدة وتغذية الحروب في المنطقة.
يقول الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، محمد الدحام، إن "إسرائيل ترغب في جرّ العراق إلى الحرب الدائرة في المنطقة، عبر استفزاز مشاعر المسلمين عامة والشيعة على وجه الخصوص، نظراً إلى الأهمية التي يمثّلها السيستاني، واعتباره صمام الأمان للوضع العراقي".
ويتحدث الباحث في الشأن السياسي والأمني، غانم العابد، عن "رغبة إسرائيل في استفزاز مشاعر الكثير من العراقيين"، ولكنه يعتقد أن هذا الاستفزاز "يهدف إلى إشعال فتنة داخلية تبعدهم عن المواجهة المباشرة معها".
ويوضح لرصيف22، أن "إسرائيل تخوض حرباً على محاور عدة في سوريا ولبنان وفلسطين، ولا ترغب في فتح جبهة جديدة في العراق، ولذلك لجأت إلى نشر صورة السيستاني من أجل إثارة الانقسام الداخلي، حيث يرفض بعض العراقيين، الخوض في الصراع الجاري، باعتباره حرباً إيرانيةً إسرائيليةً، ولكن الإعلان عن اعتزامها اغتياله، سيخلق ردة فعل داخليةً بين المؤيدين للمواجهة والمعترضين عليها، وتالياً تعميق هوّة الانقسام العراقي بعيداً عن الدخول في هذه المواجهة".
ليس هذا فحسب، إذ إن "إسرائيل قد تسعى من خلال هذا التهديد إلى دفع مؤيدي السيستاني، إلى الانتفاض ضد العمليات التي تشنّها فصائل المقاومة الإسلامية ضد الكيان المحتل، من أجل إبعاد مرجعيتهم عن قوائم الاغتيال المحتملة"، يقول العابد.
تهديد زائف
وضع صورة المرجع الأعلى ضمن الشخصيات المستهدفة، ليس تهديداً حقيقياً، خاصةً أنها عُرضت ضمن برنامج تلفزيوني اعتيادي، وإن كان هذا البرنامج تابعاً لقناة مقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو لم يصدر عن جهات رسمية أو أمنية أو عسكرية، بحسب الباحث السياسي رعد هاشم.
ويعزز رأيه بأن السيستاني لم يدعُ إلى مواجهة إسرائيل، واكتفى بضرورة دعم اللجان الإغاثية الموجهة لنصرة الشعبين الفلسطيني واللبناني.
ويستدرك في تصريحه لرصيف22، أن "عرض صورة المرجع الأعلى ربما يكون رسالةً لمعرفة ردة فعل الجماعات الشيعية على هذا الفعل، وقد استغلته الأخيرة لغايات معينة، مثل التملق والتقرب منه، أو المزايدة على هذا التهديد من أجل إصدار فتوى جهادية جديدة".
فتوى كفائية جديدة
خلال الفترة الماضية، مارست بعض الجماعات المسلحة ضغوطها على وكلاء السيستاني، من أجل إصدار فتوى تدعو للجهاد ضد إسرائيل، على غرار تلك التي أصدرها في عام 2014، ضد تنظيم الدولة، وعُرفت بفتوى الجهاد الكفائي.
وبرغم عداء السيستاني لإسرائيل، إلا أنه امتنع عن الدعوة للجهاد ضدها، وهو امتناع قد ينبع من اعتبارات عدة منها أن الجهاد ضد إسرائيل لا يحتاج إلا دعوة بل هو أمر بديهي.
الفصائل المسلحة المنضوية ضمن محور "المقاومة الإسلامية في العراق"، لا تتبع مرجعية السيستاني، وتقلّد مرجعية ولاية الفقيه في طهران، ولكنها تعرف أن مفتاح تحشيد الشارع يبدأ من خطب الجمعة التي يلقيها وكلاؤه.
وعن ذلك يقول الباحث السياسي مجاهد الطائي، إن هذه الفصائل تمتلك بالفعل فتوى خاصةً من خامنئي، ولكن عزلتهم عن الشارع العراقي من جهة وعن الحكومة من جهة أخرى، تحتاج إلى كسرها عبر مثل هذه الفتوى، وتضعهم تالياً في خانة الساعين إلى الانتفاع من مرجعية السيستاني.
يقول الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، محمد الدحام، إن "إسرائيل ترغب في جرّ العراق إلى الحرب الدائرة في المنطقة، عبر استفزاز مشاعر المسلمين عامة والشيعة على وجه الخصوص، نظراً إلى الأهمية التي يمثّلها السيستاني، واعتباره صمام الأمان للوضع العراقي"
ووفقاً لهذه الديناميكيات، وجهت الفصائل المسلحة تركيزها إلى الإعلام وتضخيم الخبر من أجل الوصول الى طموحها في تحفيز الشارع أو المرجعية والحكومة في آن واحد، وتزيد من عزمها تلك الأنباء التي تشير إلى نية إسرائيل استهدافها داخل العراق.
وسبق أن أشارت وسائل إعلام إسرائيلية، إلى اعتزام تل أبيب الرد على هجمات الفصائل المسلحة العراقية ضد أراضيها، وعلى إثر هذا التهديد، أخلت الفصائل المسلحة معسكر صقر جنوبي غرب بغداد.
ولكن هل تستجيب المرجعية لهذه التهديدات؟ لا يعتقد الطائي أن تخوض المرجعية في أي تصعيد داخل الحدود العراقية أو خارجها، باستثناء دعمها للحملات الإغاثية في المنطقة.
أما سياسياً، فيصف الطائي في حديث إلى رصيف22، ما تقوم به الفصائل بأنه مجرد مزايدات وسعي إلى التقرب من السيستاني، بعد أن أغلق الأبواب في وجهها، بسبب تجاهلها وصاياه السابقة، خاصةً المتعلقة بالإصلاح ومكافحة الفساد.
ماذا يعني اغتيال السيستاني؟
رغبة إسرائيل في استهداف السيستاني، في حال تأكدت، قد تكون نابعةً من عزمها على زعزعة استقرار العراق، وهو ما يسعى إلى تعمميه نتنياهو بهدف ما يسميه "تغيير النظام القائم في المنطقة"، ولكن هل تتجرأ على تنفيذ مثل هذه العملية وفقاً للمعطيات الحالية؟
قد تعجز إسرائيل عن صدّ تداعيات اغتياله عالمياً وشيعياً، فالسيستاني ليس رئيس حزب أو قائداً لفصيل مسلح، بل يتصل بمرجعيته الروحية الملايين من الشيعة حول العالم.
يؤكد هاشم أن جميع الأجواء مفتوحة أمام إسرائيل، ولكنه يستبعد أن يكون السيستاني ضمن اهتماماتها الحالية، فهي "تدرك أن استهدافه لن يكون لصالحها أو لصالح الولايات المتحدة، فالأخيرة تضغط في اتجاه التهدئة في الوقت الحالي".
بالإضافة إلى ذلك كله، تُدرك إسرائيل أن اغتيال المرجع الأعلى سيؤدي إلى تداعيات خطيرة في المنطقة، إذ سيفتح المجال أمام بسط السيطرة الإيرانية على الحوزة الدينية، ويعني ذلك تصاعد نفوذها في المنطقة والعالم الشيعي تالياً.
كما أنها قد تعجز عن صدّ تداعيات اغتياله عالمياً وشيعياً، فالسيستاني ليس رئيس حزب أو قائداً لفصيل مسلح، بل يتصل بمرجعيته الروحية الملايين من الشيعة حول العالم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 4 ساعاتtester.whitebeard@gmail.com
Ahmad Tanany -
منذ 9 ساعاتتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
Ahmad Tanany -
منذ 9 ساعاتتلخيص دسم
Ahmad Tanany -
منذ 9 ساعاتتلخيص دسم
Husband let me know -
منذ يومهلا
Husband let me know -
منذ يومهلا