شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"أموت من خجلي كلما ذهبت للحمام"... أزمة النساء في المخيمات السورية مع المراحيض المشتركة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمشرّدون

السبت 12 أكتوبر 202401:41 م

"أمر مخجل ومحرج جداً أن أخرج من خيمتي لأذهب إلى المرحاض لقضاء الحاجة، والمرحاض أساساً مشترك، يزداد الإحراج في فصل الصيف، إذ يكون أغلب الرجال جالسين في الشارع، أشعر وكأن أنظارهم علي، وحتى اليوم لم أستطع التعود على ذلك لكن لا يوجد حل آخر".

بهذه الكلمات بدأت مها خليف (38 عاما) حديثها لرصيف22، وهي المهجرة مع أطفالها الخمسة الذين ترعاهم بعد وفاة والدهم، والقاطنة في مخيم "سيف الله" في ريف ادلب الشمالي.  

الحمامات المشتركة في المخيمات السورية

إحراج يومي للنساء 

في مخيمات "كويرس" و"الصناعة" و"القوس" و"الكازية" في ريف إدلب. ومخميات "كرم الزيتون" و"كفاف" و"كرم العنب" في ريف حلب، تعيش النساء في حالة من انعدام الخصوصية والإحراج اليومي، نتيجة لتشارك المراحيض مع الرجال، خاصة أن بعض المخيمات لا يوحد بها سوى كتلة أو كتلتين من المراحيض، والبعض الآخر يصنع تلك المراحيض من عوازل البلاستيك التي تكاد تنعدم الخصوصية فيها، وتحفر عند كل بناء من المراحيض حفرة تسمى بالعامية لدى الناس "جورة فنية" حيث يتم التصريف على تلك الحفرة. والمقصود بالكتلة هو بناء مؤلف من مرحاضين.

تتحدث أم عبدالله (45 عاماً) لرصيف22، وهي تعيش المرأة في مخيم "كويرس" شمال غربي ادلب، تقول: "شيء مخجل ومعيب أن تذهب المرأة إلى المرحاض وتصادف رجلاً، تشعر بأنها ستذوب من خجلها، ولكن ما الحل؟ لا يوجد حل". 

تقول مها: "أمر مخجل ومحرج جداً أن أخرج من خيمتي لأذهب إلى المرحاض لقضاء الحاجة، والمرحاض أساساً مشترك، يزداد الإحراج في فصل الصيف، إذ يكون أغلب الرجال جالسين في الشارع، أشعر وكأن أنظارهم عليّ، وحتى اليوم لم أستطع التعود على ذلك لكن لا يوجد حل آخر" 

وتتابع: "لا يوجد إلّا كتلة قريبة من خيمتي، هذه هي أكبر معاناة نواجهها، وكل شخص لديه شابة يخاف عليها من الذهاب بمفردها، بسبب كثرة الرجال والأطفال المُصطفين في طابور أمام هذه الكتلة ممن ينتظرون دورهم، لا تستطيع أية امرأة أو شابة الذهاب ليلاً إلى المرحاض بسبب خوفها إذا لم يرافقها أحد، ونحن كنساء تَعبنا، تَصوّر أنا إذا أردت الذّهاب إلى المرحاض أنتظر ليأتي أحد ويرافقني، بلغ منّا التعب أشدّه من هذا الأمر، بات الموت أرحم علينا من هذه المُعاناة".

أما في مخيم "كرم الزيتون" بريف حلب الشمالي، فقد عمل سكان المخيم على بناء المراحيض من قطع العوازل البلاستيكية والخيام وبعض الأقمشة، الأمر الذي يسبب حرجاً كبيراً للرجال أيضاً.

سلامة محمد هو مدير قطاع في المخيم يقول لرصيف22: "المراحيض في المخيم عبارة عن خيمة وهذا الشيء محرجٌ جداً، وخاصةً للنساء، فالأمر لا يمكن وصفه، عندما تشتد الرياح، نشعر بالخوف من الدخول إلى المرحاض تحسبا لاقتلاع الخيمة عن المرحاض الذي تكاد تنعدم فيه الخصوصية أساساً، وكل مرحاض يبعد عن الخيمة ما يقارب خمسة عشر متراً، وتتشارك كل ثلاث عوائل في مرحاض واحد".

ويتابع محمد: "المخيم يضم ما يقارب مئتي عائلة ويعاني من نقص الخدمات، فهو غير مخدم بشبكات صرف صحي أو شبكة لتصريف مياه الأمطار، إضافة إلى انتشار الأوساخ والنفايات داخل المخيم والتي تسبب الأوبئة والأمراض".

تبدأ المعاناة من نقص حاد في عدد المراحيض، التي هي بالأصل غير مؤهلة في تلك المخيمات التي ذكرت، ونقص كبير في مياه الغسيل والشرب التي بدأت تشكل أزمة وإحراجاً كبيراً على القاطنين في هذه المخيمات، إضافة إلى انتشار القمامة بشكل كبير داخل المخيمات، مع عجز السكان على ترحيلها أو وجود مشاريع من قبل المنظمات تساعد على نظافة المخيمات. 

مخيمات اللجوء السوري

" مثل الحمام المقطوعة ميتو"

قلة المياه في المخيمات تتسبب بكارثة إنسانية لهم، الأمر الذي دعا العوائل وربات المنازل إلى تقسيم أوقات استعمال المياه للغسيل والحمامات بما يتناسب مع قدرتهم المعيشية في ظل انتشار البطالة وعدم وجود فرص عمل، إضافة الى تخفيض كبير في الدعم المقدم لمخيمات شمال غربي سوريا. 

أحد سكان المخيم: "عندما تشتد الرياح، نشعر بالخوف من الدخول إلى المرحاض تحسبا لاقتلاع الخيمة عن المرحاض الذي تكاد تنعدم فيه الخصوصية أساساً". 

تقول سحر وهي من ساكنات المخيم وهو اسم مستعار لرصيف22: "اليوم مع انقطاع المياه في المخيم أصبحنا نطلب من الجيران قليلاً من المياه عند نفاذها من الخزان الخاص بنا، كنا سابقاً نستحم مرتين في الأسبوع على الأقل، أما اليوم لا نعلم متى نحصل على كمية مياه كافية حتى نقوم بالغسيل والحمام، وأجواء الصيف تحتاج إلى حمامين في اليوم الواحد للمحافظة على النظافة الشخصية التي باتت شبه معدومة بالنسبة لنا، يوجد مثل في سوريا يقول: (متل الحمام المقطوعة ميتو)، مع الأسف هذا المثل أصبح حقيقة في مخيماتنا).

أما فتون الأحمد وهو أيضاً اسم مستعار لساكنة في مخيم "سيف الله" فتقول: "غسيل الثياب بات صعباً، وكل عائلة لديها أطفال يحتاجون لغسيل ثيابهم يومياً، ناهيك بأمور الجلي والطبخ التي جعلتنا نقتصد بشكل كبير جداً، لا يوجد كلمات تصف الواقع، فلك أن تتخيل أن برميلاً واحداً من المياه هو ما تستخدمه عائلة كبيرة للاستحمام وغسيل الثياب والجلي وأمور المطبخ".

تراكم النفايات… والكلاب الضالة

نتج عن انتشار النفايات وتراكمها في الحاويات ضمن المخيمات انتشار العديد من أنواع الحشرات الضارة والكلاب الشاردة التي أصبحت تتجول بين الخيام ليلاً، مما زاد من خوف النساء.

عن هذا الأمر تتابع مها حديثها بالقول إن "فقدان المياه في المخيم سبب لي عدة مشاكل أهمها انعدام النظافة وقلة غسيل الثياب وشبه انقطاع في الاستحمام لأطفالي، فمنذ ما يقارب ثمانية أشهر لم يتم تخديم المخيم من أي منظمة سواء في تقديم المياه أو ترحيل القمامة أو حتى بناء كتل للمراحيض، وفي مخيمنا ستة مراحيض لنحو ثمانين عائلة، ولسوء حظي تبعد أقرب كتلة عن خيمتي حوالي مئة متر، وهذا الأمر محرج ومخيف أيضاً لي لعدم شعوري بالأمان ليلاً، مما يدفعني لاصطحاب إحدى جاراتي عند ذهابي أنا أو طفلي إلى الحمام في ساعات الليل، وإذا لم أجد إحدى جاراتي أضطر للانتظار حتى الصباح، ويعود السبب لتشارك المراحيض مع الرجال، وانتشار الكلاب الشاردة التي تأتي على حاويات القمامة الممتلئة والمتراكمة داخل المخيم".

يقول الناشط وعضو فريق سفراء الخير العامل في ريف إدلب محمود الإبراهيم: "عملنا في مخيمات الشمال السوري جعلنا على تماس مباشر مع الأهالي القاطنين فيها، أعداد العوائل داخل أغلب المخيمات كبيرة ولا تتناسب مع الخدمات المقدمة لهم، حيث تتشارك قرابة 70 عائلة في المخيم الواحد كتلة مرحاض واحدة، وهذا الموضوع لا يراعي أبداً الخصوصية وهو انتهاك لأبسط الحقوق للفئات العمرية المختلفة من النساء". 

بالإضافة إلى مشكلة المراحيض، هنالك مشكلة انتشار النفايات وتراكمها في الحاويات ضمن المخيمات، والتي نتج عنها انتشار العديد من أنواع الحشرات الضارة والكلاب الشاردة التي أصبحت تتجول بين الخيام ليلاً 

وحول انتشار النفايات يقول: "تتفاوت الآثار الكارثية، إذا صح التعبير، للمشكلة من مخيم إلى آخر، بحسب أعداد العوائل ولكن بالعموم انتشار القمامة في المخيمات، يشكل مشكلة كبيرة تؤثر سلباً على الصحة العامة لساكني الخيام، ويتسبب تراكمها بالكثير من المشاكل مثل جذب الحشرات الضارة وتلوث الهواء وانتشار الأمراض، وأحد أهم الأسباب لانتشار القمامة بالمخيمات هو عدم وجود مكب مخصص للنفايات، وعدم وجود نظام فعال لإدارة هذه النفايات، بالإضافة إلى نقص التمويل والدعم من المنظمات الإنسانية مما جعل هذه الخدمات تتراجع".

وبالإضافة إلى مشكلتي المراحيض وتدوير النفايات، يلفت الإبراهيم إلى مشكلة أخرى وهي النقص الحاد في المياه النظيفة، يقول: "هذه المشكلة شكلت تحدياً كبيراً حتى للفرق التطوعية، حاولنا بالإمكانيات المتاحة الاعتماد على داعم فردي لتغطية احتياج بسيط، وذلك بتوفير بعض صهاريج المياه لعدد محدود من المخيمات، وطبعاً أسباب المشكلة تعود لنقص في الدعم، واختلاف الأولوية عند بعض المنظمات الدولية، وتخبرنا أغلب المخيمات أغلبها بأنها لم تتلق دعماً منذ فترة طويلة". 

مخيمات اللجوء السوري

ضعف في الاستجابة الإنسانية

فريق منسقو استجابة سوريا قال في بيان مناشدة نشره عبر صفحته الرسمية على فيسبوك في 29 تموز 2024 حول استمرار انقطاع دعم المياه في مئات المخيمات المنتشرة في الشمال السوري: " يعاني أكثر من 991 مخيماً من انقطاع المياه بشكل كامل بينها 160 مخيماً ضمن ريف حلب الشرقي والشمالي، مع انتشار واضح للقمامة ضمن المخيمات بسبب توقف مشاريع المياه والاصحاح عن تلك المخيمات".

وكما نشر الفريق بيان إحصائيات آخر في الأول من أغسطس/ آب 2024 قال فيه: "نسبة الاستجابة الإنسانية ضمن المخيمات، %36 لقطاع الأمن الغذائي وسبل العيش، %22 لقطاع المياه والاصحاح، %30 لقطاع الصحة والتغذية، %30 لقطاع المواد الغير غذائية، %42 لقطاع المأوى، %29 لقطاع التعليم، %36 لقطاع الحماية".

وأضاف فريق الاستجابة ملاحظة: " ارتفاع نسبة العائلات التي تعتمد على المساعدات الإنسانية فقط الى %89 مع مخاوف من زيادة النسبة الحالية خلال الأشهر القادمة".

في ظل تفاقم الأزمات الإنسانية في شمال غربي سوريا، يواجه سكان المخيمات واقعاً مريراً خاصة مع اقتراب حلول فصل الشتاء الذي يجلب معه تحديات كبيرة تتمثل في توفير مواد التدفئة التي تعد أكبر هذه التحديات، وتصبح الحياة في هذه المخيمات عبارة عن معركة يومية للبقاء حيث يتعرض الأفراد وخصوصاً الأطفال وكبار السن لأمراض ناتجة عن تراكم النفايات، إضافة إلى نزلات البرد التي تنتظرهم مع حلول برد الشتاء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

لعلّ تعريفنا شعوباً ناطقةً بالعربية لم يعد يستقيم من دون الانتباه إلى أننا صرنا شعوباً متفلّتةً من الجغرافيا. الحروب الدائرة في منطقتنا والنزاعات الأهلية والقمع، حوّلتنا إلى مشردين، بين لاجئين ونازحين، وأي تفكير في مستقبلنا لم يعد ممكناً من دون متابعة تفاصيل حياة الجميع، أينما كانوا، وهو ما نحرص عليه في رصيف22. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image