شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
سوريون يهربون إلى المخيمات العشوائية... لماذا لا تبالي تركيا بخطورة

سوريون يهربون إلى المخيمات العشوائية... لماذا لا تبالي تركيا بخطورة "العودة الطوعية"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والفئات المهمشة

الجمعة 18 نوفمبر 202203:49 م

يستمر القصف شبه اليومي لمناطق شمال غرب سوريا، من قبل قوات النظام السوري المدعومة من القوات الروسية والإيرانية، فلا يكاد يمر يوم إلا وتشهد مناطق جنوب شرق إدلب استهدافاً جوياً أو صاروخياً لمناطق المدنيين.

في مطلع الشهر الحالي، وباستهداف مباشر من راجمات الصواريخ التابعة لقوات النظام، تم قصف مخيم مرام (كتل سكنية مجهزة من قبل منظمة مرام الإنسانية)، في منطقة كفر جالس غرب مدينة إدلب، نتج عنه سقوط 9 قتلى وقرابة 70 جريحاً بحسب إدارة الدفاع المدني السوري، مع استمرار القصف شبه اليومي لمساكن المدنيين في مناطق جنوب إدلب وشرقها وغربها وشمال غرب مدينة حلب.

وتتكرر عمليات القصف التي تتناوب عليها قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على مخيم كويت الرحمة، الذي يحتوي على بيوت سكنية بديلة من الخيم المهترئة في المخيمات العشوائية، حيث سقط عدد من الضحايا في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، ما تسبب في مقتل شخص وجرح عدد من قاطني المخيم الذي تسكنه 300 عائلة مهجرة من مختلف المحافظات السورية، الأمر الذي دفع بغالبية سكانه للعودة إلى المخيمات العشوائية للحفاظ على أرواحهم.

تتكرر عمليات القصف التي تتناوب عليها قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على مخيم كويت الرحمة، الذي يحتوي على بيوت سكنية بديلة

بيوت غير آمنة

فرضت عمليات القصف المتكرر على السكان، سيناريو يتمحور حول البيوت السكنية التي بنتها تركيا للّاجئين في الشمال، غير الآمنة والمعرّضة للقصف في أي وقت، وهي نفسها البيوت التي تقوم تركيا بترحيل السوريين إليها بشكل شبه يومي، وقد قُتل أشخاص تم ترحيلهم إلى مخيم مرام في كفر جالس، وتالياً يسود اعتقاد عام بأن العودة ليست آمنةً بالمطلق، وإنما هي عودة إلى طريق الموت الذي هرب منه السوريون في السنوات الماضية.

توازياً مع ذلك، تستمر الحكومة التركية في عمليات بناء الكتل السكنية، وافتتح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، 600 وحدة سكنية للنازحين في مخيمات مشهد روحين شمال إدلب على الحدود السورية-التركية، ووعد في كلمة له في أثناء افتتاح المجمع السكني، بمساعدة السوريين وبأن 100 ألف منزل على الأقل ستكون جاهزةً بحلول نهاية العام في شمال غرب سوريا.

ووفقاً لدراسات إحصائية لقسم وحدة إدارة المعلومات في وحدة تنسيق الدعم ومنظمات أخرى، فقد وصل عدد الكتل التي تم بناؤها في شمال غرب سوريا، إلى 110 آلاف منزل، تغطي ثلث العائلات القاطنة في منطقة المخيمات البالغ عددها 320 ألف عائلة، مع بقاء 200 ألف عائلة تقطن في تلك المخيمات، وتتوزع بالمجمل في منطقة مشهد روحين ومحيط أطمة وعقربات وسرمدا وكللي والشيخ بحر وكفرجالس ودركوش وحارم في شمال إدلب وغربها، وفي ريف عفرين وأعزاز وقباسين والباب والراعي وصوران وأخترين وجرابلس والغندورة في شمال حلب وشرقها.

تعمل المنظمات التركية على تنفيذ مشاريع الكتل السكنية، وتشاركها منظمات إنسانية عدة وجمعيات خيرية أبرزها جمعية "دنيز فناري" التركية، وجمعية "الإغاثة 48" الفلسطينية، ومنظمة بنيان، واتحاد الجمعيات التي تقدر البشرية التركي (İDDEF)، وجمعية صدقة تاش، وجمعية الفلاح الخيرية، وجمعية الأيادي البيضاء، وفريق ملهم التطوعي، ومجموعة هذه حياتي التطوعية، ومؤسسة سكن، ومنظمة أنصر، ومنظمة البنيان المرصوص، ومنظمة قطر الخيرية، ومنظمة عطاء، والهلال الأحمر التركي، والهلال الأحمر القطري، وهيئة الإغاثة التركية IHH.

تتبع هذه القرى السكنية للمدن والمناطق القريبة منها، وتنطبق عليها التقسيمات الإدارية ومناطق السيطرة العسكرية والأمنية، ففي إدلب تتبع لحكومة الإنقاذ التابعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، وفي شمال حلب للمجالس المحلية القريبة إليها، والتي تتبع بشكل مباشر للولايات التركية ويسيطر على المنطقة الجيش الوطني، ولا تتمتع بحماية أمنية خاصة من قبل الفصائل أو السلطات الأمنية المتواجدة في كل منطقة.

بدأت الحكومة التركية بطرح ما يُسمى العودة الطوعية إلى المناطق الآمنة، وفي الحقيقة هي ليست آمنةً والدليل أن هناك شاباً قُتل في مجزرة مخيم مرام، بعد ترحيله من تركيا، وما يحصل هو نوع من التنازلات من الحكومة لأحزاب المعارضة

كما أن الأشخاص الذين يتم ترحيلهم من تركيا إلى شمال سوريا، يملكون في الغالب أوراقاً قانونيةً، وتقوم السلطات التركية بإدخالهم عن طريق معبر باب السلامة شمال حلب أو باب الهوى شمال إدلب، من دون توجيههم بشكل مباشر إلى الكتل السكنية التي تقوم ببنائها، فيذهبون إلى حيث يتواجد أقاربهم.

كل هذا يحدث في ظل استمرار روسيا في مسلسل القصف شبه اليومي للمناطق السكنية والمخيمات شمال غرب سوريا، ويقول المحلل السياسي جمال قارصلي، لرصيف22، إن "هدف روسيا هو إرسال رسائل إلى الخارج مفادها أنها ما زالت فاعلاً أساسياً في سوريا، ولكن الحقيقة أن روسيا ضعفت كثيراً بعد نقل أغلب قواتها إلى أوكرانيا، وسياسة القصف وتدمير البنية التحتية هي سياسة روسية معروفة منذ بداية تدخلها في سوريا، وتالياً هي تريد إبقاء الأمور على ما هي عليه الآن".

الصمت التركي

لم يتخذ الجانب التركي أي موقف حازم كردٍّ على المجزرة التي حصلت في مخيم مرام في كفر جالس، وحسب قارصلي، وهو عضو سابق في حزب الأخضر الألماني، "لطالما فتح الأتراك قنوات تواصل مع النظام، خصوصاً بعد يوم من مجزرة مدينة الباب شرق حلب، مطلع العام الحالي، في رسالة إلى المعارضة التركية عن تقاربها مع النظام قبل الانتخابات، وكذلك إرضاءً لإيران وروسيا بعد مؤتمر طهران الأخير واجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي".

في المقابل، هو يعتقد أن "النظام يرفض التقارب وأي تفاهمات، لأن أي حلّ سياسي سيؤدي إلى زوال النظام حتى لو حدث استقرار في سوريا، لذا فهو يطيل أمد الأزمة ولا يريد إيجاد أي حل".

يقول المحلل السياسي عبد الكريم العمر، لرصيف22: "الكل باتوا يعرفون أن حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان مقبلان على انتخابات رئاسية مطلع العام المقبل، وهناك ضغط من المعارضة التركية بضرورة عودة اللاجئين والتطبيع مع النظام السوري، لذلك بدأت الحكومة التركية بطرح ما يُسمى العودة الطوعية إلى المناطق الآمنة، وفي الحقيقة هي ليست آمنةً والدليل أن هناك شاباً قُتل في مجزرة مخيم مرام قبل عشرة أيام، بعد ترحيله من تركيا، وكذلك بسبب القصف الجوي والصاروخي المستمر، وتالياً ما يحصل هو نوع من التنازلات من الحكومة التركية لأحزاب المعارضة".

ويضيف: "الموقف التركي، ومنذ اتفاقية آذار/ مارس 2020، القاضية بوقف إطلاق النار، سلبي تجاه عمليات القصف من قبل الروس والإيرانيين والنظام، وهمّ تركيا الوحيد هو نجاح حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2023".

فرضت عمليات القصف المتكرر على السكان، سيناريو يتمحور حول البيوت السكنية التي بنتها تركيا للّاجئين في الشمال، غير الآمنة والمعرّضة للقصف في أي وقت

من جهته، يعتقد المحلل السياسي عمر كوش، أن "هدف النظام من عمليات قصف المخيمات توازياً مع التقارب بينه وبين تركيا، توجيه رسالة إلى تركيا مفادها أن النظام لا ينحو نحو الطرق الدبلوماسية حتى ولو حصل تقارب"، مشيراً في حديثه لرصيف22، إلى أن "القيادة التركية يجب أن تعي أن تقاربها مع النظام لن يجلب لها أي فائدة، فهو لم يقدّم لها شيئاً في شأن تأمين حدوده الجنوبية مع الأكراد".

برأي قارصلي، "على السوريين أن يعوا تماماً بأن تركيا تعمل لمصلحتها وأن أردوغان رئيس لتركيا وليس لسوريا، والشعب السوري عندما يعوّل بشكل كامل على الجانب التركي فهو مخطئ، كما أن هناك ضغوطاً وتفاهمات دوليةً، وعلى السوري أن يستعيد قراره بنفسه، فتركيا وصلت إلى أقصى ما تستطيع أن تقدمه للشعب السوري في ظل وجود قوى إقليمية ودولية مؤثرة في الملف".

ويضيف: "للأسف، السوريون رهنوا قرارهم للقوى الخارجية، فلا تستطيع القيادة العسكرية والسياسية أن تفعل شيئاً، ومن الطبيعي أن تتصاعد الاحتجاجات لدى الناس للمطالبة بأن تسير الأمور وفق مصلحة الثورة السورية".

العملية السياسية

في ظل احتدام الصراع بين روسيا وأوكرانيا، والجو العالمي المصاحب لما يحصل في أوروبا، لا يزال مسار العملية السياسية متوقفاً في سوريا، إذ يقول قارصلي إنه "إذا لم يكن هناك ضغط من الجانب الأمريكي فلا حل سياسياً في سوريا، والأخيرة لم تعطِ قرارها إلى الآن، وربما هو مرهون بما يحصل في أوكرانيا وداخل البيت الروسي وفي إيران أيضاً، إذ إن الاحتجاجات الشعبية قد تغيّر الكثير من الأمور، لا سيما في ما يخص التقارب الأخير الذي كان بين واشنطن وطهران".

يشير قارصلي، أيضاً، إلى كلام المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، بأن كل الأطراف موافقة على القرار 2254، إلا أن "النظام يخاف من تطبيق هذا القرار، فهو يعلم أنه نهايته، وتالياً يعمل كي لا تسير الأمور إلى الأمام".

لا تُعدّ أي منطقة في سوريا مكاناً آمناً للعودة حتى اليوم، لكن اللافت اليوم هو نزوح من يقطن الوحدات السكنية التي بنتها تركيا إلى مخيمات عشوائية هرباً من القصف المستمر

أما الكوش، فيرى أن "بيدرسون لم يقم بأي عملية سياسية في سوريا، ولم يتقدم خطوةً واحدةً أمام تعنت النظام، ولم يتمكن حتى من إقناع النظام بعقد جولة جديدة للّجنة الدستورية، وعليه ليست لديه أي ورقة، بل فقط يستغل الوقت ليحاول أن يظهر أن هناك مساعٍ سياسيةً لإيجاد حل في سوريا".

"الواقع الإنساني والاقتصادي في شمال غرب سوريا في حالة تدهور، خاصةً بعد انحسار مشاريع سبل العيش بسبب قلّة التمويل خلال الفترة الماضية، نتيجة الحرب الأوكرانية والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا بشكل كامل، والتي أدت بشكل مباشر إلى ارتفاع الأسعار التي أصبحت أعلى من مستوى دخل الفرد، بحسب فرحان عسكر، مدير منظمة دارنا الإنسانية، العاملة في شمال غرب سوريا.

يضيف: "لا تُعدّ أي منطقة في سوريا مكاناً آمناً للعودة حتى اليوم، فاستهداف المدنيين بشكل مباشر هو الأمر الذي يهدد حياة كل القاطنيين في شمال غربها، خاصةً أن الاستهدافات تأتي بشكل مباشر للمخيمات أو المناطق المحيطة بها، ويرى الكثير من النازحين أن التجمعات الصغيرة العشوائية هي أقل عرضةً للخطر وستسبب أزمةً أخرى بعد ضعف التمويل، بسبب انتقالهم إلى مناطق أخرى غير مشمولة بالخدمات وتحتاج إلى إيصال الخدمات إليها، وهذا أمر صعب في الفترة الحالية".

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يقطن في بقعة تصل إلى 20 ألف كم مربع في شمال غرب سوريا، 4.55 مليون نسمة بينهم 2.8 ملايين نسمة من النازحين، ويوجد 1،420 مخيماً يقطن فيها 1.84 مليون نسمة، بينها مخيمات عشوائية لا يصلها أي نوع من المساعدات الإنسانية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

الإعلام بوق السلطة

تهدف وسائل الإعلام المُحتَكرة من قبل الأحزاب السّياسيّة والميليشيات إلى مصادرة الإرادة الشعبيّة، والتعتيم على الحقوق، والاعتداء على الحريات، ونشر الفتنة وبثّ خطاب الكراهيّة.

حتى لا يكون اللاجئون/ ات، وأصحاب الهمم، والأقليات الدينية، ومجتمع الميم-عين وغيرهم/ نّ من مهمّشي المجتمع كبش فداء، ساهم/ ي معنا في إنتاج صحافةٍ أكثر استقلاليةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image