شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
مع بلوغ الصيف ذروته... أزمة مياه تعصف بقاطني المخيمات شمال سوريا

مع بلوغ الصيف ذروته... أزمة مياه تعصف بقاطني المخيمات شمال سوريا

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الاثنين 31 يوليو 202301:05 م

يشتكي زياد أبو أحمد (40 عاماً) من قلة المياه التي توزّع عليه في مخيم تل فخار بمنطقة الدانا في ريف إدلب شمال سوريا، أمام درجات الحرارة العالية التي تحوّل خيمته إلى غرفة ملتهبة تشوي أسرته المكونة من 13 فرداً.

يقول أبو أحمد لرصيف22 إن المياه التي تقدمها المنظمات للمخيم الذي يحوي 150 عائلة غير كافية، وخاصة في هذا الجو الحار ووصول درجة الحرارة لأكثر من 40 درجة داخل الخيم التي لا ترد حرارة الشمس مهما ابتكرتَ من وسائل.

ويضيف: "أقف عاجزاً أمام منظر أطفالي، أبلّل رؤوسهم بالماء كل ساعة، والحاجة أكبر للاستحمام منها لتبريد الجسم، إلا أن كمية المياه قليلة"، متسائلاً: "هل نستخدم المياه للشرب أم للاستحمام أم للاستعمال المنزلي؟".

أقف عاجزاً أمام منظر أطفالي، أبلّل رؤوسهم بالماء كل ساعة، والحاجة الأكبر هي للاستحمام.

وتقدّم المنظمات عادة 35 ليتراً للفرد الواحد يومياً للشرب والاستعمال، وهي غير كافية حسب استطلاع أجراه رصيف22 على عدد من قاطني المخيمات، علماً أن الكمية الأصلية المخصصة هي 25 ليتراً، لكن زادت المنظمات 10 ليترات أخرى بعد انتشار جائحة كوفيد ومرض الكوليرا.

ولمعالجة هذه المشكلة، يشير أبو أحمد إلى أن الأهالي قدموا عدة اعتراضات وحاولوا إقناع المنظمات الداعمة بزيادة الكمية إلى الضعف لكن دون مجيب، لا سيما أن سعر الصهريج (وهو خزان متنقل يحوي 25 برميلاً) يساوي اليوم 10 دولارات إذا أراد الأهالي شراءه على نفقتهم الخاصة، وهو صعب جداً في ظل الوضع المعيشي المتردي.

أزمة قديمة جديدة

تعد أزمة المياه قديمة متجددة، إذ تلقي بظلالها على قاطني المخيمات والأحياء السكنية مع كل صيف شمال غرب سوريا الذي يضم 1873 مخيماً منظّماً وعشوائياً ومركز إيواء، يقطنها أكثر من مليوني نسمة، بينهم أكثر من 600 ألف امرأة، وأكثر من 880 ألف طفل.

وحسب تقرير فريق "منسقو استجابة سوريا" وهو فريق إحصائي عامل شمال غربي سوريا، فإن هناك 2.8 مليون نسمة محرومون من الحصول على المياه النظيفة أو الصالحة للشرب، وخاصة مع التخفيضات المستمرة ضمن قطاع المياه من قبل المنظمات داخل مخيمات النازحين، إضافة إلى ما تعانيه عشرات القرى والبلدات من توقف إمداد المياه إليها.

مع بلوغ الصيف ذروته... أزمة مياه تعصف بقاطني المخيمات شمال سوريا

كما لفت تقرير الفريق لانخفاض دعم المخيمات لأقل من الربع، وعجز المنظمات الإنسانية عن تقديم الدعم لإصلاح الأضرار داخل المخيمات، إضافة إلى ارتفاع معدل الولادات ولجوء أعداد جديدة من السكان إلى المخيمات للتخلص من الأعباء المادية، وتسجيل حركة نزوح بالآلاف عقب الزلزال الذي ضرب المنطقة في شباط/ فبراير الفائت وتشييد مخيمات ومراكز إيواء جديدة.

بالمقابل فإن بيانات البنك الدولي تشير إلى أن الخسائر في قطاع المياه هي الأعلى في سوريا، إذ بلغت 121 مليون دولار، كما أدى النزاع المسلح إلى حصول حوالى ثلثي السوريين على المياه من مصادر تتراوح درجة خطورتها بين المتوسطة والعالية، فيما انخفض معدل توفر المياه من 75 إلى 25 ليتراً لكل شخص يومياً.

ارتفاع الحرارة وانقطاع الكهرباء

تعاني الكثير من الأحياء من انقطاع التيار الكهربائي لساعات، فيما تعيش أغلب الأسر بدون كهرباء والتي تعد أهم مقومات تخفيف درجات الحرارة ضمن المخيمات التي باتت تحوي كتلاً إسمنتية مسقوفة بالعوازل البدائية والأقمشة، أو الخيام القماشية المهترئة الخالية من أي عوازل حرارية، ما يؤثر بشكل كبير على الأطفال بشكل خاص، فبات الأهالي يلجؤون لتبليلهم بالمياه بأوقات متقاربة، ومنعهم من مغادرة الخيمة واللعب تحت أشعة الشمس، أو سكب المياه في أرضية الخيمة وجعلهم يلعبون داخلها حتى انقضاء ساعات الذروة.

في مخيم "ضياء2 حاس" غرب سرمدا في ريف إدلب، تعيش قرابة 600 عائلة ضمن خيام وغرف إسمنتية. تدعم المخيم منظمة IYD التركية بما يخص المياه ونقل النفايات، لكن كمية المياه المقدمة غير كافية حسب حديث مدير المخيم عماد الحوشي، مضيفاً أن منطقة المخيم رملية، فيدخل الغبار طيلة اليوم إلى البيوت والخيام ما يعني استهلاك كميات مياه أكبر، ومن لم يتأذى بالحرارة العالية داخل الخيام والبيوت فهو حتماً عرضة للغبار والأمراض.

مع بلوغ الصيف ذروته... أزمة مياه تعصف بقاطني المخيمات شمال سوريا

أما بشير الناصر، أحد المهجرين المقيمين في ناحية المعبطلي في ريف عفرين، فقد تضاعفت مأساته كما حال الكثير بسبب انقطاع التيار الكهربائي في فترة الظهيرة، وتأذي طفله المعوّق كثيراً مع شعوره بضيق التنفس. "لا أملك وسيلة سوى تبليل قماشة ووضعها على جسد طفلي، ورش جدران الغرفة بالمياه، حتى لو جربنا الاستحمام فالمياه تغلي في الخزان، وهواء المروحة ساخن"، يقول لرصيف22.

وأرهقت تعبئة المياه على نفقته الشخصية كاهله، إذ أن المياه لا تصل البلدة إلا كل 15 يوماً ولمدة 3 ساعات فقط، وهي مدة غير كافية لتعبئة خزان يحوي 5 براميل نظراً لأن تدفق المياه ضعيف جداً.

هناك بعض المخيمات غير مغطاة بالمياه الصالحة للشرب بسبب عدم قدرة المنظمات عموماً على استيعاب كل المخيمات المنظّمة والعشوائية، ويعود ذلك العجز لقلة الدعم وعدم وجود آبار ضمن المخيمات، فضلاً عن أن الاستجرار عبر صهاريج من آبار بعيدة غير آمن ومكلف للغاية

واعتبر مركز التنبؤ في مديرية الأرصاد الجوية أن هذا الصيف الأقسى في سوريا على مدار التاريخ، وصلت درجات الحرارة في بعض المناطق إلى 42 درجة، فيما سجلت الحرارة المحسوسة 45 درجة وقد ترتفع بحسب نسبة الرطوبة.

من جهته قدم فريق "الدفاع المدني" العامل شمال سوريا جملة من النصائح مع دخول موجة الحر، منها: شرب كميات وافرة من المياه والسوائل، وعدم التعرض لأشعة الشمس بشكل مباشر ولأوقات طويلة لا سيما في أوقات الذروة، وخاصة للأطفال وكبار السن لتجنب ضربة الشمس، وارتداء الملابس القطنية الخفيفة والفضفاضة والقبعات، وتجنب المأكولات الدسمة وغير الطازجة، لأنها تسبب مشاكل صحية وتفسد سريعاً بسبب الحرارة.

مع بلوغ الصيف ذروته... أزمة مياه تعصف بقاطني المخيمات شمال سوريا

تمويل المياه

كانت منظمة "أطباء بلا حدود" قد حذّرت في تقرير نشرته في الشهر الفائت، من أن أزمة المياه والصرف الصحي شمالي سوريا تنذر بكارثة صحية، مشيرة إلى أن نقص المياه النظيفة واستخدام مصادر المياه الملوثة يزيد من مخاطر الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا والتهاب الكبد والجرب. وقالت إن قطاع المياه والصرف الصحي في سوريا لم يؤمن سوى نحو 8% من التمويل اللازم للعام 2023.

وما زاد الطين بلة هو الجفاف الناجم عن عوامل عدة منها تغير المناخ، مع ما تعانيه البلاد أصلاً من انخفاض توافر مياه الشرب بنسبة 40 في المائة في غضون عقد من الزمان، ما يعني زيادة الاعتماد على المياه الجوفية والتي يتوقع أن تواجه مشكلة كبيرة جداً خلال السنوات القادمة.

وحسب تقرير صادر عن "مركز عمران للدراسات" حول التعافي الاقتصادي المبكر في شمال غرب سوريا خلال النصف الأول من عام 2022، فقد بلغ العدد الإجمالي لمشاريع المياه 837 مشروعاً، خلال الفترة بين 2018 والنصف الأول من عام 2022، ورغم أهمية هذه المشاريع إلا أنها عاجزة تماماً عن تغطية مراكز المدن وأطراف القرى حيث المخيمات.

تعاني الكثير من الأحياء من انقطاع التيار الكهربائي لساعات، فيما تعيش أغلب الأسر بدون كهرباء والتي تعد أهم مقومات تخفيف درجات الحرارة ضمن المخيمات التي باتت تحوي كتلاً إسمنتية مسقوفة بالعوازل البدائية والأقمشة، أو الخيام القماشية المهترئة الخالية من أي عوازل حرارية

في حديث لرصيف22 يقول أحمد درويش، منسق مشروع المياه والإصحاح بمنظمة "Syria Relief" العاملة في الشمال السوري، إن هناك بعض المخيمات غير مغطاة بالمياه الصالحة للشرب بسبب عدم قدرة المنظمات عموماً على استيعاب كل المخيمات المنظّمة والعشوائية، ويعود ذلك العجز لقلة الدعم وعدم وجود آبار ضمن المخيمات، فضلاً عن أن الاستجرار عبر صهاريج من آبار بعيدة غير آمن ومكلف للغاية، فمن الممكن أن يصل سعر المتر المكعب الواحد إلى أكثر من دولارين.

وتخدّم المنظمة قرابة 170 مخيماً وأكثر من 200 ألف مستفيد في مناطق إدلب وريف حلب الغربي وعفرين واعزاز، بمشاريع المياه والضخ عبر الشبكات أو الصهاريج وترحيل النفايات الصلبة والبشرية.

ولفت درويش إلى أن استهلاك الفرد يصل ما بين 15-35 ليتر يومياً كحد أقصى، ولكن هذا الرقم غير كاف، رغم وجود توجهات لزيادة حصة الفرد إلا أن ذلك مرتبط بقدرة المشروع وميزانيته المرصودة، فهناك مشاريع استوعبت إضافة 5 أو 10 ليترات يومياً.

مع بلوغ الصيف ذروته... أزمة مياه تعصف بقاطني المخيمات شمال سوريا

يشير درويش إلى أن هناك توجهاً لإنشاء مشاريع طاقة شمسية في المخيمات المنظّمة لضخ مياه الشرب من الآبار الموجودة ضمنها، ما يؤدي لاستدامة إيصال المياه إلى المستفيدين في المخيمات أو حتى الأحياء السكنية، وبكلف تشغيلية أقل، مع ضمان وصول مياه معقمة ونظيفة.

وتعمل المنظمة على تنفيذ ثلاثة مشاريع توزعت في بنش، ومخيمات مشهد روحين التي تضم قرابة 5000 عائلة في ريف إدلب، وآخر في عفرين في ريف حلب الشمالي، وتصل كلفة المشروع ما بين 50 و 100 ألف دولار للبئر الواحدة، وهي كلفة مستردة خلال سنة أو سنتين فضلاً عن تأمين مصدر مائي دائم، حسب تأكيد درويش.

الاحتياجات الكبيرة تفوق قدرة المنظمات على سدها.

مع ذلك، ينوّه المتحدث بأن الاحتياجات الكبيرة تفوق قدرة المنظمات على سدها، وغالباً ما نرى منظمات وهي تغادر بعض المخيمات كل نهاية شهر، وهو أمر تكرر بعد زلزال شباط/ فبراير، إذ ازداد عدد المخيمات المخدّمة، إلا أن مشاريع تخديمها كانت مشاريع طوارئ تتراوح مدتها بين ثلاثة وستة أشهر فقط.

يبدو أن الشمال السوري وفي ظل حرمانه من أدنى احتياجات قاطنيه اليومية والبسيطة، متجه إلى واقع أشد قسوة مما هو عليه حالياً، وخاصة أن ملف المساعدات الإنسانية أصبح محط تجاذبات سياسية دون النظر إلى حياة المدنيين واحتياجاتهم، مع غياب دور الجهات الرسمية في المنطقة وضعف استجاباتها، وانحسار الدعم عن كثير من المنظمات الإنسانية.

مع بلوغ الصيف ذروته... أزمة مياه تعصف بقاطني المخيمات شمال سوريا

تصوير: أحمد رياض جاموس


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image