شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
علاقتي

علاقتي "التوكسيك" بالسيد حسن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن وحرية التعبير

الاثنين 7 أكتوبر 202411:21 ص
Read in English:

My toxic relationship with Sayyed Hassan

كتبت في أكثر من مكان وزمان بأني لا أنتمي إلى لبنان ولا لأي بلد. لا أقول ذلك بنبرة متعالية ولا لأني "مواطنة عالمية" وما شابه من هراء أممي. لا أعرف ما هو السبب المباشر. ربما أسباب عديدة منها أني اضطررت أن أكون في الخارج وأعيش وحيدة لأكثر من عشرين سنة. ومن السبب؟ لبنان؟

ممم لبنان؟ ما هو لبنان؟ من هو لبنان؟ عاقل غير عاقل؟ ومن العاقل في هذا البلد المجنون؟ من صنع هذه الخلطة العجيبة من اللا شيء وكل شيء؟

مقدمة سخيفة جداً لمواطنة لبنانية على هامش الـ "لبنان"، وتأتي هنا "ال التعريف" لوضع إصبع الاتهام في وجه وطن متنمّر. نعم، فالوطن مجموعة مواطنين صفتهم الأصلية هي التنمّر على غيرهم من شعوب العالم العربي، فاللبناني أكثر ذكاء وجمالاً ونباهة ورشاقة وثقافة من باقي الشعوب: "قلهم إنك لبناني... بيكفي إنك لبناني... لبنيني لبنينييي...".

هكذا يسخر من لهجتنا البعض كي يصورنا بأننا شعب مائع... في المقابل يجتمع الرأي العام عند الرجال العرب عن هذه اللهجة الناعمة بأنها توقف أعضاء كثيرة في جسمهم ليس منها عقلهم مثلاً.

"لبناااان يا قطعة سما''... أغنية تحمل الكثير من النرجسية والمغالاة، خصوصاً حين أنظر إلى السماء اليوم من نافذة الحمّام. المكان الأكثر أمناً.

لنعد إلى أسباب كرهي للبنان: الخذلان. الكل خذلني: الحكومة، سائقو التكاسي، محاسبو المولات، المقاومة وحبيبي.

ما يريحني بأني قرأت الكثير من ردّات الفعل من لبنانيين شعروا بما شعرت به. كان لديهم الكثير من الانتقادات والكره تجاهك وبف! طار كل هذا الحقد عندما اغتالوك يا حبيبي... حبيبي؟ علاقة "توكسيك" علاقتي بنصرالله

شعرت بالغدر من الجميع. تفتّت صورتهم سنة بعد سنة كقطع بازل عتيقة، نجدها فنتكاسل أن نعيدها إلى مكانها، وتكون النتيجة صورة مفتتة ومنقوصة. سأضع الحكومة والسائقين والمحاسبين وحبيبي جانباً. سيد المقاومة يدغدغني أن أتكلم عنه. سأوشوش في أذنك كلمة يا سيد حسن: عارضتك وشتمتك مراراً. كرهتك على ما فعلته في سوريا. صعقت بأنك لم تهتم بالوضع الاقتصادي في لبنان. إذن قضيتك ليست إنسانية كما اعتقدت. في الـ 2006 عشقتك بطلاً أممياً. هل الأبطال يدفعهم الدين والأجندات الخارجية؟ هههه كلمة "أجندات خارجية" كليشيه تافه، كتفاهة ما أشعر به تجاهك. مزيج من الغضب والحزن، والكثير من الحب عندما لم تعد موجوداً. كان يجب أن تموت لأحبّك.

ما يريحني بأني قرأت الكثير من ردّات الفعل من لبنانيين شعروا بما شعرت به. كان لديهم الكثير من الانتقادات والكره تجاهك وبف! طار كل هذا الحقد عندما اغتالوك يا حبيبي... حبيبي؟ علاقة توكسيك علاقتي بنصرالله.

بكيت. بكينا على رحيلك، وصار لبنان "قطعة سما" متجهّمة، وأمسيت لبنانية شوفينية، أكره كل من يتكلم عن بلدي. ليس لحضورك الطاغي ولا لأيديولوجيتك ولا لأي شيء مما كنت تقوله أو تفعله، بل لأني أدركت قسوة الموت وتفاهة أن تكون مستباحاً من عدو قذر. في هذه الأيام الماضية، منذ اندلاع الهجوم علينا، وأنا أشعر بحاجة ملحّة إلى حضن جميع اللبنانيين، وأن أقول لهم: أحبكم.

أسمع ضحكات الشامتين والمتنمّرين على هذه الكلمات الوطنية البائسة. لا يهمني. هذه الحرب أصلحت علاقتي بوطني. أخفيت حبّك في قلبي لسنوات خوفاً أن أبدو ضعيفة أو شبه الباقين، ثم تفجّر الحب كغيمة لدرجة البكاء.

 أدركت قسوة الموت وتفاهة أن تكون مستباحاً من عدو قذر. في هذه الأيام الماضية، منذ اندلاع الهجوم علينا، وأنا أشعر بحاجة ملحّة إلى حضن جميع اللبنانيين، وأن أقول لهم: أحبكم

أنظر من نافذة بيتي الواقع في منطقة "سنّية"، وأرى قبالتي امرأة جنوبية، تلبس الحجاب الأسود وتنظف الزجاج وتبتسم. التراب يتطاير من بين يديها المتعبتين. كم هي جميلة هذه المرأة. أجمل النساء هن الجنوبيات... أفكّر. أرسل لها قبلة عبر الهواء. لا تراها. لا تراني.

أبكي بحرقة لأني كنت قاسية، لأني صرفت وقتاً في الكراهية ولم أصرفه في الحب، لأني تذمّرت كل هذه السنين ولم أتوقع أن أخسر كل شيء دفعة واحدة. أبكي بحرقة على ما حل بوطني... وطني... وطني.

قلة الحيلة تكسرني. ما حصل في غزة يتكرّر هنا: قال لي سائق التاكسي. لبنان غزّة أخرى، نفس السيناريو. لم أردّ. نظرت من الشباك إلى البعيد، حيث النيران تلتهم جسد السماء، السماء نفسها التي ترفع لها الأنخاب والصلوات.

هل نعاقب على جرم اقترفناه؟ سؤال غبي آخر يدور في ذهني. ينظر إليّ الأطفال تحت الجسور وعلى إشارات المرور. أطفال وحيدون، مذهولون. لا يبكون. يتفرّجون على ألوان السماء المضيئة بالقنابل. لا يعرفون البكاء أو لا يجيدونه. أطفال لبنان مذهولون. أطفال لبنان مشردون. سأنزل من السيارة وأضمّهم. سأكون سماءهم. كفى هراء يا نسرين، منذ متى أصبحت حالمة؟

سأرجع إلى غرفتي وأجرّب البكاء حتى النوم. أرجوكم لا توقظوني. فأنا حزينة، حزينة جداً.

فتحت التلفاز. أرسل لي المقاومون في مارون الراس قبلة، اخترقت الزجاج وقلبي.

ماتت إنسانيتكم وعاش لبنان.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

نرفض تحويلنا إلى كائنات خائفة يسهل حكمها. لذلك كنّا وسنبقى موقعاً يرفع الصوت ضد كل قمع لحرية التعبير ويحتضن كل الأفكار "الممنوعة" و"المحرّمة". لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا!/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image