شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مذكراتي عن الحرب...

مذكراتي عن الحرب... "كلما تغطّ الشمس، بخاف"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحقيقة

الجمعة 4 أكتوبر 202410:51 ص
Read in English:

My memoirs during war: “Every time the sun goes down, I am afraid”

عندما تغيب الشمس عن بيروت، يبدأ الخوف بالتسلّل. كل ليلة، وكأنها ساعة تضبط حياتنا، أتهيّأ لأصوات أصبحت رفيقة ليالينا: قنابل تمزق ضواحي بيروت الجنوبية، على بعد أميال من حيث أجلس. مع كل انفجار، أرسل رسائلي للأصدقاء، وهم يبادلونني مخاوفهم وتمنياتهم. هذا هو شريان حياتنا الجديد، هذا الخيط الرفيع من الكلمات الذي يبقينا مرتبطين في عالم يتداعى.

كتبت لي صديقة: "الطفل يركل. كأنه يشعر أن شيئاً ما ليس على ما يرام. لا أدري إن كان يركل من الخوف أم أنني وحدي من أشعر به. كيف أجلبه إلى هذا العالم؟ هل سيكون له مستقبل؟". تنتظر ولادة طفلها وهي لا تعرف ما الذي ينتظره. ذلك المستقبل الذي كان مليئاً بالإمكانات والأحلام، أصبح مجرّد ضباب من الشكوك.

مع كل انفجار، أرسل رسائلي للأصدقاء، وهم يبادلونني مخاوفهم وتمنياتهم. هذا هو شريان حياتنا الجديد، هذا الخيط الرفيع من الكلمات الذي يبقينا مرتبطين في عالم يتداعى

أما صديقة أخرى فقد أرسلت لي بعد منتصف الليل، انعكس قلقها على الشاشة: "استيقظت مرة أخرى غارقة في العرق. الكوابيس... تبدو واقعية. أسمع القنابل حتى وأنا نائمة. لا أستطيع التخلص منها."

بالنسبة لها، لم يعد هناك فرق بين الواقع والحلم. لقد اخترقت الحرب اللاوعي، حتى نومنا أصبح ساحة معركة، حتى أحلامنا أضحت مليئة بالغبار.

صديقتي التي هربت من حرب أخرى، على أمل العثور على السلام هنا، كتبت لي: "لا أصدق أن هذا يحدث مجدّداً. كنت أعتقد أنني هربت. لكنه نفس السيناريو في مكان مختلف. لا أعتقد أنني سأجد مكاناً أنتمي إليه أبداً."

كلماتها تحمل ثقل النزوح، شخص يبحث باستمرار عن الأمان والوطن، لكنه لا يجد أياً منهما. هربت من حرب لتواجه أخرى.

شوارع بيروت تروي قصة لا تستطيع الكلمات وصفها. المنازل لم تعد منازل، بل تحولت إلى ركام يحوي ذكريات وأحلاماً وحيوات كاملة. ولكن ليس فقط الدمار المادي هو الذي يثقل كاهلنا. كل نافذة مكسورة، كل مبنى منهار، كل سيارة محطمة، تحمل قصصاً لمن عاشوا هناك. تُمحى حياة بأكملها في لحظة، ولا يبقى سوى الغبار والغياب.

نحن نعيش على الشظايا، شظايا من ذواتنا، نخيطها ببعضها البعض عبر رسائل منتصف الليل والمخاوف المشتركة. لا شيء برّاق في النجاة. إنه أمر فوضوي، مؤلم، مليء بالشكوك. لكن في تلك اللحظات القصيرة التي نتبادل فيها الرسائل، نتمسّك بالأمل الضعيف في أن يكون الغد خالياً من الانفجارات، ومن التدمير، ومن الفقد.

العار يتسلّل إليّ وأنا أكتب هذه الكلمات. عار لأنني أخشى على حياتي بينما هناك مئات مدفونون تحت أنقاض آلة القتل الإسرائيلية. حياتهم، وموتهم، متشابكة مع نجاتي

أنا لست قوية. أنا خائفة. لا بل مرعوبة. الليلة الماضية، جهّزت حقيبتي بما أراه ضرورياً: الأدوية، أوراق التأمين، جواز سفر لا قيمة له، ومذكراتي التي تسجّل كل المخاوف العابرة. تركت النوافذ مفتوحة، منتظرة الانفجار القادم، مدركة أن إغلاقها لن يمنع الزجاج من التهشّم فوقنا. أبقيت التلفاز مضاء، فائض من الأخبار طوال الليل، تروي واقعاً أعيشه ولكنني لا أستطيع فهمه تماماً، واليوم، أشعر بالتعب في جسدي من التوتّر، من الاستعداد المستمر للصدمة.

العار يتسلّل إليّ وأنا أكتب هذه الكلمات. عار لأنني أخشى على حياتي بينما هناك مئات مدفونون تحت أنقاض آلة القتل الإسرائيلية. حياتهم، وموتهم، متشابكة مع نجاتي. أجلس هنا، مرعوبة ولكن على قيد الحياة، بينما آخرون ما عادوا بيننا.

هذا هو واقعنا. نعيش في الـ "ما بين بين"، بين الماضي والمستقبل، بين الحياة والموت، بين الخوف والعار. قد تنهار بيروت، لكنها ما زالت قائمة. ونحن ما زلنا هنا، رغم أن أحداً منا لا يعلم إلى متى. كل ليلة، نتبادل الرسائل. نتشارك المخاوف، ننتظر الغد، على أمل أن يكون ألطف من اليوم.

هذه هي مذكراتي عن الحرب. ليست قصة عن الصمود، بل عن الخوف، وعن التمسّك بالأمل في وقت يبدو فيه كل شيء على وشك الانهيار.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image