شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
بعد السابع من أكتوبر… كيف نرمم فشلنا السياسي الكبير؟

بعد السابع من أكتوبر… كيف نرمم فشلنا السياسي الكبير؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحقيقة

الاثنين 30 سبتمبر 202401:51 م

لا يكاد يخلو مقال أو دراسة أو بيان حزبي أو صحافي أو حقوقي في فلسطين في السنوات العشرين الأخيرة من دعوة صريحة وعلنية وسريعة لعقد المصالحة الفلسطينية.

فالزمن الفلسطيني السياسي توقف فعلياً عند لحظة الانقلاب الذي قامت به حماس ضد السلطة الفلسطينية في قطاع غزة في حزيران/ يونيو 2007.

وما بعد هذا التاريخ، تشرذم النظام السياسي حتى تحول إلى إدارات منفصلة جغرافياً وقانونياً ودستورياً.

تم عزل غزة عن جسدها الفلسطيني، وبدأ مسلسل تفتيت أراضي الضفة الغربية بالاستيطان وابتلاع الأراضي وتقويض شرعية السلطة الفلسطينية، وحتى إماتتها سياسياً.

وعلى الرغم من أن تفسير المفسر، والخوض في جدال الانقلاب وأوسلو والمقاومة ليس هو الذي يستوجب القول، إلا أن شيئاً واحداً صار واضحاً للجميع بعد كارثة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وهو أننا كفلسطينين وقعنا ضحايا سوء التقدير. وليست هذه دعوة للتحامل على فعل حماس، بل لأن فعل حماس كان نتاجاً لمسيرة طويلة من سوء التقدير.

فشل اختراع البديل السياسي

سوء التقدير هو الذي دفع حماس للانقلاب على المشروع الوطني بالسلاح والعنف، لا بالنقاش والحوار الوطني والخصومة السياسية في إطار الديمقراطية.

سوء التقدير هو الذي دفعها، منذ أن استولت على قطاع غزة، لتحطيم كل التجربة الفلسطينية السياسية، بما فيها من إنجازات وتعثرات.

هو الذي دفعها إلى تبني منهج الإزاحة واختراع البديل السياسي حين عملت على القضاء على منظمة التحرير لتحل محلها. وقد اعترف بفشل تكوين هذا البديل خالد مشعل في مؤتمر وثيقة حماس الجديدة.

لماذا استمرت حماس منذ لحظة تأسيسها بتشويه كل فعل سياسي فلسطيني مستند إلى العملية السياسية؟ ما المختلف في هذه الرسالة الموجهة من حماس إلى الأمم المتحدة عما تطالب به منظمة التحرير الفلسطينية؟

سوء التقدير هذا تجسّد في الاستمرار بالنهج نفسه الذي جربته حماس في أكثر من مواجهة عسكرية مع الاحتلال. ولم تنجز أي مكتسب يغير من واقع الغزيين في قطاع غزة إلى الأفضل، ويفك الحصار، أو يحقق شيئاً على المستوى السياسي.

كانت المصالحة الفلسطينية تبدو مستحيلة، لأن فتح وحماس أصرتا على برامج منفردة. فتح ملتزمة اتفاقية أوسلو على الرغم من تغيّر الوقائع على الأرض وإهمال الاحتلال تنفيذ بنودها. أما برنامج حماس فقائم على المواجهة العسكرية دون إنجازات سياسية.

هذا هو الواقع الذي أفرزته تجربة حماس في غزة منذ أن استولت على حكم القطاع حتى السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

نلاحظه حين تحولت بيئة قطاع غزة إلى بيئة طاردة لشبابها وبناتها، وازدادت نسبة الفقر أضعافاً مضاعفة، ووصلت البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، وصارت أكثر من نصف عائلات قطاع غزة تعتمد على المساعدات الغذائية والإعانات الشهرية، وظل الحصار مستمراً يحبس أنفاس الغزيين ويفصلهم عن عجلة الزمن.

ورغم ذلك، لم تر حماس في كل هذا فشلاً، أو شعرت أن تجربتها تستدعي المراجعة والمحاسبة والتقييم، بل أصرت، حتى بداية الحرب على غزة، على الاستمرار في نقد مشروع السلطة والتسوية السياسية السلمية- كمحاولة للتهرب من المسؤولية. وهو المشروع الذي لم يُكلّف الشعب الفلسطيني عشرات الآلاف من الشهداء في معارك خاسرة.

ما الذي لم يمكن تحقيقه في المصالحة؟

وبنظرة سريعة لاتفاقيات المصالحة الفلسطينية، التي لم تنفذ منذ اتفاق مكة حتى إعلان بكين، ستجد أن بنود المصالحة بين الطرفين المتخاصمين لا تقول شيئاً فريداً ولا تقدم شيئاً ساحراً أو قادماً من الفضاء.

فالبنود تتلخص في الآتي: أن يكون قرار الحرب والسلم موحداً، وأن يُعاد تطوير منظمة التحرير الفلسطينية، وأن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية ثم إجراء انتخابات ديمقراطية، وأن تستلم السلطة الفلسطينية إدارة شؤون الغزيين والمعابر والمسائل الأمنية. ما الذي لم يكن ممكناً تحقيقه في هذه البنود؟

لماذا يمكن أصلاً أن يرفض مواطن فلسطيني هذه البنود باعتبارها تحقق مصلحة الفلسطينيين وتنهي الانقسام وتعيد الاعتبار للنظام السياسي الفلسطيني، وتركز على إستراتيجيتهم في إقامة الدولة وبناء المؤسسات ومواجهة مخططات الاحتلال وتفعيل القوى السياسية والاجتماعية ومكونات القوة البشرية الفلسطينية، بدلاً من الارتهان لقوى إقليمية خارجية؟

وإن كان الوقت متأخراً للمصالحة الفلسطينية ومحاولة ترميم هذا التشرذم في المسألة الفلسطينية على المستوى السياسي، فإنها تظل الخيار الوحيد أمامنا

إن الإجابة عن هذا السؤال تبدو بديهية جداً. والعارف في الشأن الفلسطيني سيجد الإجابة سريعاً بالنظر إلى مقياس فشل المشروعين ونجاحهما، وأي منهما حقق للفلسطيني قدرته على البقاء على أرضه، وأي منهما كان قادراً على جلب مكتسبات سياسية واقتصادية واجتماعية للفلسطينيين، وأي منهما حول حياة الفلسطينيين إلى خراب.

هذا ليس مدحاً في اتفاقية أوسلو، إنما محاولة لشرح مشكلتنا من منظور سياسي يكون منسجماً مع الظروف السياسية والإقليمية والدولية، والمنجزات التي نستطيع أن نحققها، اعتماداً على فن الممكن، وليس اعتماداً على الانتحار الجماعي، ولا بمحاولة التلاعب بالمشاعر الوطنية ودفعها نحو الخراب.

كيف نرمم فشلنا السياسي؟

نقرأ الرسالة التي أرسلتها حركة حماس إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 أيلول/ سبتمبر 2024، جاء فيها أن رؤيتها تتمثل في وقف اطلاق النار، وكسر الحصار، وإعادة الإعمار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وانخراط في عملية سياسية شاملة، لإقامة الدولة الفلسطينية.

إذاً لماذا كان السابع من أكتوبر؟ ولماذا استمرت حماس منذ لحظة تأسيسها بتشويه كل فعل سياسي فلسطيني مستند إلى العملية السياسية؟ ما المختلف في هذه الرسالة الموجهة من حماس إلى الأمم المتحدة عما تطالب به منظمة التحرير الفلسطينية؟ ما الجديد؟

ولنفترض أن هذه العملية السياسية الشاملة التي تطالب بها حماس قد لاقت مكاناً في الضغط الدولي على الاحتلال الإسرائيلي، هل ستعترف حماس بأن مشروع منظمة التحرير السياسي السلمي كان صائباً أم أنها ستستمر أيضاً في إذكاء الانقسام والارتهان لدول الإقليم؟

هل نستخلص العبر مما حدث في هذه الإبادة المدمرة؟ ونعيد بناء رواية جديدة لنرمم هذا الفشل السياسي الكبير؟ أم أننا سنستمر في مسلسل جلسات المصالحة

حتى هذه اللحظة، وبعد كارثة السابع من أكتوبر، الناجمة عن سوء التقدير والانتحار الجماعي والفشل السياسي، لا تزال حماس مستمرة في النظر إلى الواقع بعين لا ترى الكارثة، أو بشكل أدق لا ترى ما يحدث في غزة.

لا ترى كيف تغيّرت الوقائع على الأرض، ولا ترى أن تأثير السابع من أكتوبر على القضية الفلسطينية سيكون شديداً على سؤال البقاء، خاصة بعد تصريحات رئيس الوزراء المُعين حديثاً محمد مصطفى، وهو يقول إن الفصائل الفلسطينية ستجتمع في القاهرة قريباً لترتيب سيطرة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة إدارياً.

رغم أن هذه الخطوة، إن صحت، تظل متأخرة وغير مؤثرة، لأن إدارة غزة ليست هي المعضلة الفلسطينية، المعضلة هي في الوسائل والخيارات والمشروع الوطني والإستراتيجية الوطنية.

هل نستخلص العبر مما حدث في هذه الإبادة المدمرة؟ ونعيد بناء رواية جديدة لنرمم هذا الفشل السياسي الكبير؟ أم أننا سنستمر في مسلسل جلسات المصالحة وإعلانات حكومات الوحدة الوطنية التي لم تنفذ يوماً منذ أن بدأ الانقسام؟

وعلى الرغم من أن السلطة الفلسطينية، منذ أن بدأت حرب الإبادة المتوحشة، لم تقدم مبادرة سياسية لتجاوز الأزمة وحقن الدماء الفلسطينية- بل راحت تحمل، مُحقّةً، حماس المسؤولية عما حصل- إلا أن ذلك لم يكن المطلوب من السلطة ومنظمة التحرير. ما كان مطلوباً هو أخذ المبادرة ومحاولة وقف إسرائيل عن تدمير كل ما ترغب في تدميره.

وإن كان الوقت متأخراً للمصالحة الفلسطينية ومحاولة ترميم هذا التشرذم في المسألة الفلسطينية على المستوى السياسي، فإنها تظل الخيار الوحيد أمامنا كي نحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه، وتعزيز البقاء الفلسطيني على الأرض، وإعادة الإعمار، ومحاولة تفويت الفرصة على الاحتلال بقضم ما يرغب في قضمه من الأرض، ومنعه من فعل القتل والسحق والمحو.

كي نحاول بناء حكومة فلسطينية تمثل الجميع تقوم على المساواة واحترام الإنسان وتلبي تطلعاته، وتحترم خياراته، لا أن تأخذه كبش فداء في مسارات نابعة من سوء التقدير والانتهازية الحزبية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image