عادةً، يدرس طلاب المدارس في مصر في كتب مدرسية مساعدة بعيداً عن الكتب المدرسية التي تصدر عن وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني. في هذه الأيام، ومع العودة إلى المدارس في مصر، يُعاني كثير من أولياء الأمور من غلاء الكتب المدرسية المساعِدة؛ فقد ارتفعت أسعارها ارتفاعاً جنونياً، بالإضافة إلى صعوبة الحصول عليها أحياناً.
ويبدأ طلاب المدارس في مصر دروسهم الخصوصية قبل بداية العام الدراسي الفعلي في المدارس، وكذلك تبدأ الشركات المنتجة للكتب الدراسية الخارجية بتوزيع هذه الكتب قبل بداية العام الدراسي. ولكن هذا العام حدث ما لم يكن في صالح هذه الشركات؛ فبعد أن طبعوا الكتب في بداية الموسم، كما هو الحال في كل عام، صدرت قرارات من وزارة التربية والتعليم تتضمن تغييرات جوهريةً في المناهج الدراسية، خصوصاً مناهج المرحلة الثانوية، حيث أُضيفت تحديثات إلى منهجَي الصف الأول والثاني، وأُلغيت مواد من الصف الثالث.
ووفقاً لما صرّح به وزير التعليم، فإنَّ هذه التغييرات تستهدف تخفيف العبء عن الطلاب وأسرهم، دون التأثير على جودة التعليم وتعزيز الهوية الوطنية من خلال دراسة تاريخ مصر وتنمية المهارات المطلوبة في سوق العمل. وفي ما يتعلق بمشكلة الكتب الخارجية، نتساءل: ما سبب وجود هذه الكتب الخارجية؟ ولماذا لا يدرس الطلّاب في الكتاب المدرسي وانتهى الأمر؟ هل هناك تَعَمُّد لجعل الكتاب المدرسي رديئاً حتى يتم استبداله بالكتاب الخارجي المساعِد، وتحصيل مكاسب مادية من وراء ذلك؟
تلاعُب في المناهج المدرسية لصالح الكتب الخارجية
وكانت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في مصر، قد أصدرت قراراً بمنع طباعة الكتب الخارجية، وبرغم ذلك فإنَّ سوقها ما زالت رائجةً والطلاب يعتمدون عليها. يقول محمد عبد العزيز، أستاذ العلوم والتربية في جامعة عين شمس، لرصيف22: "الكتاب الخارجي مرضٌ شاركت فيه وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، بسبب ما تنتجه من كتب مدرسية تتّصف بالضعف والخلل". ويتساءل: "لماذا تسكت الوزارة عن مافيا الكتب الخارجية برغم تصريحات الوزارة المستمرة بأنها لا تعطي تصريحاً بذلك؟".
عادةً، يدرس طلاب المدارس في مصر في كتب مدرسية مساعدة بعيداً عن الكتب المدرسية التي تصدر عن وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني
ويشير عبد العزيز، إلى أنَّ وليّ الأمر والتلميذ هما الضحية في نهاية المطاف، ويؤكد على أنه "من المفترض أن يغني الكتاب المدرسي الذي تنفق عليه الدولة من المالية العامة، ومن حصيلة الضرائب، عن أي مصدر آخر، ويخرج وفق المعايير السليمة من أجل تعليم أفضل، إلا أنَّ هذا الكتاب المدرسي يخرج مكتظاً بالمعلومات التي تفوق المرحلة العمرية للتلميذ، وفيه أخطاء فنية في معالجة الموضوعات".
ويضرب محمد عبد العزيز، مثالاً يتعلق بمناهج العلوم في المرحلة الإعدادية لهذا العام. يقول: "بحكم أنني كنت عضواً ومنسّقاً عامَّاً للجنة وضع مناهج المرحلة الإعدادية، وبناءً على قرار وزاري كُلَّفتُ من خلاله بتطوير مناهج العلوم في المرحلة الإعدادية، وخلال عام كامل بُذل فيه مجهود وعُقدت مؤتمرات حضرها وزير التعليم السابق رضا حجازي، الذي أثنى على الجهد والمنهج المقترح ووثيقة المنهج التي اعتُمدت وسُلَّمت لمركز تطوير المناهج، وكان المنهج موضوعاً وفق معايير دولية من شأنها أن تطوّر تدريس العلوم في المرحلة الإعدادية، إلا أنني فوجئت بتسليم تأليف الكتاب لدار نشر تقوم في الأصل بإصدار كتب خارجية، وعندما عُرض الكتاب عليَّ للمراجعة، ووجدت المنهج مخالفاً لوثيقة المنهج التي سُلِّمت لمركز تطوير المناهج، اعترضت على كل ما جاء في الكتاب وعلى المعالجة الفنية وعلى الأخطاء العلمية ومخالفة بنود ومعايير الوثيقة، والغريب في الأمر أنني علمت بأنهم سيقومون بأنفسهم بتأليف كتب المرحلة كاملةً، وبالرغم من هذا كله، أصدر رئيس الإدارة المركزية للمنهج، أمراً بطبع الكتب برغم عدم موافقتي".
ما سبب وجود هذه الكتب الخارجية؟ ولماذا لا يدرس الطلّاب في الكتاب المدرسي وانتهى الأمر؟ هل هناك تَعَمُّد لجعل الكتاب المدرسي رديئاً حتى يتم استبداله بالكتاب الخارجي المساعِد، وتحصيل مكاسب مادية من وراء ذلك؟
وفي سياق متصل، يقول محمد عبد الوهاب الدولاتي، خبير المناهج والمستشار التعليمي في محافظة الفيوم وأستاذ تكنولوجيا المعلومات والتعلم الإلكتروني في جامعة طيبة في المدينة المنورة، لرصيف22: "دور النشر والشركات التعليمية ومافيا الكتب الخصوصية، يساعدها بعض المعلمين والمسؤولين داخل ديوان وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، الذين لا تهمهم سوى مصالحهم الذاتية والمادية، تقوم بالتسويق لهذه الكتب وتستخدم أساليب خادعةً ووعوداً برَّاقةً بأنها تحسّن أداء الطلبة الأكاديمي، وتالياً تساعدهم على الحصول على درجات تمكّنهم من دخول الكليات التي يريدونها".
وفي السياق نفسه، يؤكد حسن شحاتة، أستاذ المناهج التربوية وعضو المجالس القومية المتخصصة، لرصيف22، أنَّ مافيا الكتب الخارجية هي عبارة عن نظام تعليم بير السلم لا يخضع لرقابة ولا لمراجعة من وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، ولا يخضع للرقابة الإدارية على أسعار هذه الكتب الخارجية المُبالغ في أسعارها".
ويتابع: "لا رقابة على المادة التعليمية المقدّمة، والكارثة هي أن مافيا الكتب الخارجية التي تجني ملايين الجنيهات لا تدفع حق الانتفاع من استغلال الكتاب المدرسي؛ فهذه الكتب الخارجية تقوم على تقديم إجابات لأسئلة الكتاب المدرسي".
"التعليم للامتحانات وليس للحياة"
أولياء الأمور لهم أيضاً دور في رواج هذه الكتب الخارجية. يقول حسن شحاتة: "المشكلة تكمُن في أنَّ شعار الآباء هو ‘التعليم للامتحانات وليس للحياة’، والكتب الخارجية تحقق هذا الهدف إذ تقدّم حلولاً وإجابات عن أسئلة الكتاب المقرر، وبهذا فإن هذه الكتب الخارجية هي حبوب لمنع التفكير وتكريس لثقافة الحفظ والاستظهار والتخزين لا لثقافة الإبداع والتفكير".
ويضيف: "توفر هذه الكتب الخارجية للمعلمين والآباء والطلاب الإجابات النموذجية للامتحانات، ما يُعزز ثقافة الحفظ والاسترجاع، وتعطي هذه الكتب الخارجية للطلاب شعوراً بالتفوق الوهمي الزائف القائم على الحفظ والاستظهار لا التفكير والابتكار، أما الكتب المدرسية فإنها تُناقش وتحاور الطلاب فتضع في نهاية كل درس أسئلةً تحضُّ الطالب على التفكير؛ ففي أثناء انشغاله بالحلّ والبحث عن الإجابة، يتعلم ويفكّر ويصل إلى الإجابة السليمة".
تنافُس وضغط نفسي ولهث وراء الدرجات
وحول الأسباب التي أدت إلى تفشّي الكتب الخارجية المساعدة، يقول محمد الدولاتي، وهو أستاذ وخبير في المناهج التعليمية: "تشكل ظاهرة اللجوء إلى الكتب الخارجية في مصر تحدّياً متعدد الأوجه، وله أسباب متشابكة متداخلة يمكن تلخيصها في النقاط التالية: أولاً ما يُسمى بالفجوة المعرفية التي من خلالها يشعر العديد من الآباء بأنَّ الكتب المدرسية لا تغطي كل الجوانب المطلوبة ولا توفر العمق الكافي في الموضوعات، ما يدفع الطلبة إلى البحث عن مصادر إضافية لتلبية احتياجاتهم".
ويضيف: "العنصر التالي حقيقةً هو التنافس الأكاديمي بين الطلاب على مقاعد الجامعات والكليات المرموقة ما يجعل أولياء الأمور يشعرون بالضغط النفسي لدفع أبنائهم إلى تحقيق نتائج أفضل، ما يضطرهم إلى اللجوء إلى أي مصادر متاحة لهم أياً كان نوعها، بما في ذلك الكتب والدروس الخصوصية".
يقول محمد الدولاتي، وهو أستاذ وخبير في المناهج التعليمية: "تشكل ظاهرة اللجوء إلى الكتب الخارجية في مصر تحدّياً متعدد الأوجه، وله أسباب متشابكة متداخلة"
ويؤكد أيضاً على أنَّ "الامتحانات تلعب دوراً حاسماً في توجيه قرارات أولياء الأمور والطلاب، فالنتيجة النهائية هي التي تجعل وليّ الأمر يلهث وراء الدروس الخصوصية والكتب الخارجية حتى يتجنب الاكتواء بنار الجامعات الخاصة، ما يدفعه إلى شرائها بأي ثمن لأنها توفر له نماذج أسئلة متشابهة مع أسئلة الاختبارات النهائية".
هجر المدارس والاختبارات وتدهور التعليم
تأتي ظاهرة هجر الكتب المدرسية واللجوء إلى كتب أخرى خارجية، في سياق تهميش بل هجر المدارس كمؤسسات قائمة على العملية التعليمية بشكل متكامل. وفي هذا الصدد، يؤكد محمد الدولاتي، على أنَّ "هجر الطلاب للمدارس بطريقة منظَّمة وعمدية هي أحد أسباب تدهور التعليم في مصر، كما أن عملية التقييم التي تعتمد على الاختبارات النهائية فقط من أهم الأسباب التي جعلت الطالب يهجر المدرسة، لذا يجب أن يجري تقييم الطالب بشكل مستمر طوال العام الدراسي، وأن يشمل هذا التقييم ملاحظات الأساتذة على أداء طلابهم داخل الصف ومشاركاتهم في الأنشطة وتقييمهم وتقديمهم للمشاريع العملية والتقييم النوعي الذي يركز على الجودة وإشراك الطالب في اتخاذ القرار وإعطائه الثقة بنفسه؛ إذا تحقق ذلك ستعود إلى المجتمع الثقة بنواتج تعلّمنا، والثقة بالكتاب المدرسي، والثقة بوزارة التربية والتعليم التي نحلم بأن تكون حجر الأساس لنهضتنا وتقدمنا".
فتح الآفاق للفهم والاستيعاب
في سبيل وضع حلّ لمشكلة الكتب الخارجية، يؤكد خبير التعليم محمد الدولاتي، على أنه "يجب على وزارة التربية والتعليم في مصر أن تأخذ في خطتها تحديث الكتب المدرسية بشكل مستمر، لتواكب التطورات التقنية المتسارعة، والتحديث هذا يجب أن يلبّي الكتاب المدرسي من خلاله الاحتياجات الفردية للطالب، وعدم التركيز على الامتحانات باعتبارها الوسيلة الوحيدة لعملية التقويم، ما يجعل الطلبة يتخلون عنه".
ويقترح أيضاً إجراء مراجعة شاملة للكتب المدرسية بشكل دوري، وكذلك تدريب المعلمين على استخدام طرائق وأساليب تدريس فعَّالة تساعد الطلاب على الفهم والاستيعاب، ويلفت النظر أيضاً إلى أنَّ المستحدثات التكنولوجية، والتطبيقات المتوافرة على الإنترنت، والفيديوهات التعليمية المختارة من قبل الخبراء، يجب أن تكون مُتَضَمَّنةً في الكتاب المدرسي عن طريق الروابط أو الباركود، كما يجب ربط الكتاب بمصادر التعلّم المجانية المتاحة على الإنترنت.
ويتساءل الدولاتي في النهاية: "لماذا لا يتضمن كتابنا المدرسي كل هذا حتى يغنينا عن الكتب الخارجية؟".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه