شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
جنيهاتي ليست للكتاب... التضخّم ينعش قرصنة الكتب في مصر

جنيهاتي ليست للكتاب... التضخّم ينعش قرصنة الكتب في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 21 يونيو 202205:12 م

يرتبط عمل رنا الجميعي بمداومتها على القراءة، التي هي إلى جانب كونها هواية، تشكل عماد مهنتها كصحافية مختصة في مجال الثقافة والأدب. أخيراً باتت هوايتها وقدرتها على ممارسة عملها مهددتين بسبب الغلاء الهائل الذي ضرب كل مناحي الحياة في مصر، بما فيها أسعار الكتب.

لرنا التزامات شهرية كأي شخص، ترتبط بإيجار المسكن وفواتير الخدمات من مياه وكهرباء وغاز واتصالات وفاتورة الانتقال إلى مقر عملها من خلال المواصلات الخاصة والعامة التي زادت أسعارها مع قفزات أسعار المحروقات وتحول الدولة إلى إدارة منظومة النقل العام على أساس ربحي، لا خدمي. يضاف إلى ذلك الفاتورة الضرورية للطعام، وهي فواتير عليها مراجعتها جميعها إن أردات أن تستمر في شراء الكتب والمجلات المتخصصة غير المتاحة على الإنترنت، إلا أن معظم تلك الفواتير خارج سيطرتها.

لرنا التزامات شهرية كأي شخص، ترتبط بإيجار المسكن وفواتير الخدمات والانتقال، إلى جانب الفاتورة الضرورية للطعام، وهي فواتير عليها مراجعتها جميعها إن أردات أن تستمر في شراء الكتب، إلا أن معظم تلك الفواتير خارج نطاق سيطرتها

"لم يعد الأمر كما كان عليه"، تقول رنا التي ظلت لسنوات تقاوم فكرة القراءة على الشاشات الإلكترونية لارتباطها بالكتاب الورقي. تضيف: "أسعار الكتب في ارتفاع مستمر، النسخة الأصلية لا تقل عن 70 جنيهاً وتصل إلى 300 جنيه، بالطبع هذا ضغط مادي بالإضافة لحالة الغلاء التي تضرب كافة أوجه الحياة. كنت معتادة أن اشتري شهرياً عدداً من الروايات والإصدارات العربية، لكن في ظل ارتفاع الاسعار وثبات الراتب بات من الصعب المداومة على شراء الكتب الأصلية أو المقلدة".

اتجهت رنا رغماً عنها إلى الكتب الإلكترونية في محاولة لضبط أوجه صرف راتبها الذي ينقسم إلى جزء خاص بإيجار الشقة السكنية لكونها مغتربة، فضلاً عن الجزء الثاني المرتبط بمعيشتها: "مبقتش اقدر اشتري 3-4 كتب بـ300 جنيه، ولم تعد 300 جنيه قادرة على شراء أكثر من كتابين في أفضل الأحوال، لكن بقيت عادي بقرأ إلكتروني".

الحل الذي لجأت إليه رنا الجميعي، يشاركها فيه الكثير من الباحثين والصحافيين وهواة القراءة، وإن كانوا يلجأون لحلول لا ترضى عنها دور النشر، وأبرزها قراءة الكتب المقرصنة المتاحة بصيغة PDF أو Epub  عبر المواقع المجانية وقنوات تليغرام. من هؤلاء الصحافي أحمد شعبان الذي يصفه أصدقاؤه بـ"قارئ نهم". يقول شعبان لرصيف22: "أنا مش من محبي القراءة بصيغة البي دي اف، أنا عاشق الورق وملمسه ورائحته، من أول ما بدأت قراءة واتعلقت بيها وأنا متعود على الورق، أمسك الكتاب بين إيديا وانغمس فيه. باشوف إن الورق ليه رونقه الخاص ومتعته اللي بيتميز بيها على عكس البي دي إف، لكن إذا أردت أن أقرأ الكتب التي ترضي ذائقتي فلا مفر من قراءة الكتب المقرصنة".

في الأشهر الأخيرة بدأت دور نشر في إتاحة الكتب عبر منصات القراءة الإلكترونية مقابل اشتراكات، إلا أن الكتب المتاحة تركز على كتابات "البيست سيلر" والنصوص الأدبية، مهملةً الدراسات والترجمات والكتابات الفكرية، ما يجعلها قاصرة عن إرضاء ذائقة كثيرين من هواة القراءة

في الأشهر الأخيرة انتبهت بعض دور النشر القليلة في مصر والعالم العربي إلى إتاحة الكتب عبر منصات القراءة الإلكترونية مقابل اشتراكات سنوية أو شهرية، إلا أن الكتب المتاحة عبر تلك المنصات مثل أبجد وستوري تيل "منصة عالمية"، لا تزال فقيرة في محتواها العربي وتركز على كتابات "البيست سيلر" والنصوص الأدبية بشكل خاص، مهملةً الدراسات والترجمات والكتابات الفكرية وغيرها من صنوف الكتابة والاطلاع، ما يجعلها قاصرة عن إرضاء ذائقة كثيرين من هواة القراءة، ومنهم شعبان، الذي يقول: "أنا فاهم إن حق الكُتّاب والناشرين بيضيع في حالة الكتب المقرصنة، وكنت أتمنى ملجأش للطريقة دي، لكن معنديش طريقة تانية أقدر أقرا بيها في ظل أسعار الكتب وتكاليف المعيشة الحالية".

تراجع مبيعات دور النشر

يقول شريف بكر عضو مجلس إدارة اتحاد الناشرين: "في مصر 1200 دار نشر مسجلة في اتحاد الناشرين، جميعها بلا استثناء تعاني جراء التضخم الذي ضرب كافة الصناعات، واضطر بعضها إلى تجميد نشاطه أو التوقف غير المعلن عن الإنتاج". ويرجع بكر ذلك الإنخفاض الكبير في المبيعات إلى جائحة كورونا في المقام الأول، ويقول إن خسائر دور النشر المصرية وصلت إلى نحو 70% من إجمالي إيرادتها المسجلة قبل الجائحة. وهو ما يتناقض مع الاتجاه الذي رُصد عالمياً بارتفاع مبيعات الكتب منذ بداية الجائحة، وتواصل هذا الاتجاه حتى الآن.

ويبرر بكر ارتفاع أسعار الكتب بقوله: "ارتفعت أسعار الورق وتكلفة شحنه واستيراده نتيجة أزمة سلاسل التوريد العالمية، ومن الطبيعي أن يتم تحميل زيادة التكلفة على القارئ". زيادة التكلفة التي يقابلها انخفاض في المبيعات أدت بحسب شريف بكر إلى "خسائر فادحة في الصناعة بشكل عام"، مبيناً أن التضخم الذي تمر به مصر حالياً جعل الركود عنواناً لصناعات عديدة، على رأسها صناعة النشر.

وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – الوكالة الرسمية للإحصاء في مصر- في التاسع من يونيو/ حزيران الجاري، عن ارتفاع التضخم في مصر للشهر الخامس على التوالي، ليصل إلى 15.3%. ووصف الجهاز هذا الارتفاع بأنه "قياسي"، فيما لم تتجاوز نسبة التضخم في الشهر نفسه من العام الماضي 4.9%.

المنافسة بين الإلكتروني والورقي

في تصريح سابق قال سعيد عبده مصطفى، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، إن صناعة النشر تعرضت لخسائر قدرت بنحو 25 مليون دولار خلال عام 2020، إذ تراجعت مبيعات الكتب بنحو 90% مقارنة بمبيعاتها قبل ظهور فيروس كورونا المستجد.

وأرجع ضعف المبيعات إلى إلغاء أو تأجيل المعارض خارج مصر وداخلها ضمن خطوات الدول لاحتواء انتشار الجائحة.

على المستوى الإقليمي، نشر اتحاد الناشرين العرب استبياناً شارك فيه 292 ناشراً من 16 دولة عربية، أظهرت نتائجه تراجع المبيعات في العالم العربي بنسبة 74% خلال النصف الأول من العام 2020، إلا أن هذه النسبة انخفضت (أي أن الأوضاع تحسنت) في الأشهر التالية، إلا أن الاستبيان نفسه أظهر أن 75% من المشاركين (الناشرين) أوقفوا التعامل مع المؤلفين، وهو ما أثر على حركة النشر من جانب، وحركة الإبداع الفكري والأدبي من جانب آخر.

دعم الدولة وتنوع القوالب

يصف محمد البرمي، وهو كاتب صدرت له روايتان، ارتفاع أسعار الكتب في الأشهر الأخيرة بـ"الحاد"، ما مهد الطريق إلى اتساع اعتماد هواة القراءة على الكتاب الإلكتروني، وضم فئات جديدة إلى طائفة "مستهلكي القرصنة". وعلى الرغم من رفض البرمي نفسه الاعتماد على الكتب المقرصنة، فإنه يضطر أحياناً إلى اللجوء إليها لأن "الميزانية الشهرية لشراء الكتب لم تعد تكفي لتغطية احتياج الشهر، لهذا ألجأ أحياناً للكتب المقرصنة المتاحة مجاناً أو بمقابل زهيد، كما ألجأ للمؤسسات الشرعية التي تنشر الكتب المجانية مثل "هنداوي" كي أشبع نهمي للقراءة. ولا توجد سبل أخرى كثيرة أمام محدودي الميزانية مثلي الذين لا يستطيعون الاستغناء عن القراءة".

لكن البرمي يدرك أن "اضطراره" إلى الكتب المقرصنة يضغط مالياً على دور النشر وقد يعيقها عن مواصلة نشاطها أو تخفيض معدلات النشر والاستغناء عن الموظفين، ويرى أن الحل "دعم الدولة للقراءة. حتى كتب الهيئة العامة للكتاب والمجلس الأعلى للثقافة والقومي للترجمة، باتت أسعارها خارج قدرة الناس على الشراء، رغم أنها تمول من ضرائبهم، وتقوم فلسفتها على إتاحة الكتاب بسعر التكلفة لا تحقيق الأرباح الهائلة من وراء النشر. على الدولة أن تعي أن الكتاب يستحق الدعم".

كما يطالب الدولة بدعم صناعة الكتب عبر تخفيض الجمارك والرسوم الخاصة بمستلزمات وآلات الطباعة والنشر، على أن تتدخل بآلية لدعم "دور النشر الجادة"، لضمان تنوير الاجيال الجديدة، وعلى دور النشر نفسها أن "تتنازل عن تحقيق أرباح هائلة من نسخ قليلة من الكتب، وتكف عن المبالغة في الأسعار إن أرادت زيادة المبيعات".

على العكس منه، يقيم أحمد فوزي حاجزاً أخلاقياً بينه وبين الكتب المقرصنة. يقول: "لا أقرأ الكتب الإلكترونية المقرصنة، ولدي مانع أخلاقي لا أتخطاه، لكن هناك بعض المكتبات مثل نور وعالم الكتاب التي تحصل على إجازة من الكاتب لطرح كتابه بصيغة الكترونية، وفي حال رفض الكاتب يُسحب الكتاب فوراً. لذا اعتمد على بعض المكتبات الإلكترونية المشهود لها بالنزاهة".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard