انصرفت مي عن القراءة الحرة وكتابتها، تحت ضغط متطلبات مرحلة الثانوية العامة، التي ستحدد مصيرها الأكاديمي، ومن ثم المهني.
مي هي فتاة محبة للقراءة، تكتب أحياناً، سواء مقالات تنشر على مواقع صحفية مختلفة أو روايات، وقد صدر لها أول أعمالها عام 2021، بعنوان: "لبلأ.. حكايات لا يبليها التكرار".
إثر ذلك الابتعاد، ساءت حالتها النفسية، حتى وجدت في قنوات البوكتيوب، متنفساً، كان بمثابة شعرة معاوية، التي قادتها إلى بوابة سحرية مفتوحة على الأدب، دون أن تؤثر على دراستها.
"تعرفت من قناة بوكتيوب على تطبيق (ستوري تيل)، التي قدمت وقتها العرض المجاني مدة شهر، لمن يرغب في التجريب". تقول مي، ومن ثمّ دفعها الفضول إلى استغلال العرض.
ولكن أسباباً أخرى كانت وراء انغماسها في ذلك العالم، فقد استطاعت سماع الكتب بشكل أسهل، أثناء سيرها في الشارع أو جلوسها في المواصلات، تقول: "وجدت في صوت الراوي للكتب ونساً لطيفاً، خاصة أن القائمين على المشروع يختارون راوياً مناسباً للعمل المقدم، فكنت أتأثر بتفاعلات الراوي مع الحكاية، وأبتسم أو أحزن مع القصة".
كيف بدأ الكتاب الصوتي؟
يقول مدير تطوير الأعمال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشركة "ستوري تل"، أحمد رويحل، إن ظهور عصر تطبيقات الهاتف المحمول، والتي يمكن من خلالها سماع الكتب، أحدث طفرة في مجال الكتب المسموعة، إذ ظهرت في البداية مبادرات فردية، مثل مبادرة "مسموع" في 2011، ثم تلتها التجربة المصرية الرائدة في وقتها، وهي "اقرأ لي".
لم تحدث تلك المحاولات أثراً كبيراً، بحسب رويحل، فتلك المبادرات كانت تفتقر إلى استثمار ضخم، ومن ثم لا بد من وجود من يؤمن بمدى تأثير المحتوى على حياة الإنسان، وأيضاً كونه استثماراً طويل الأمد، وتحقق ذلك في عام 2016، مع دخول شركة "كتاب صوتي" إلى السوق، بنية إنشاء أكبر منصة للكتب الصوتية في العالم العربي، بما يخدم 400 مليون عربي تقريباً.
كيف تصنع مكتبة صوتية؟
تقول مي قاسم، التي أصبحت الآن طالبة في السنة الرابعة بكلية الهندسة، إنها تحب سماع الروايات، كما تحب كتب السير الذاتية، مضيفة: "فاكرة تجربة سماعي لكتاب نجاة الصغيرة وقصة حياتها. كان شيئاً جميلاً ومسلياً جداً، جربت أسمع كتب التنمية الذاتية بس ماحستش إني مستمتعة زي الروايات والقصص الحقيقية".
ورغم عدم تقبل مي لكتب التنمية الذاتية، إلا أن دراسة أجراها د. مجدي عبد الجواد الجاكى، أستاذ المكتبات والمعلومات المساعد في قسم المكتبات والمعلومات بكلية الآداب، جامعة بنها، أكدت أنها الأكثر استماعاً في مصر، لا سيما كتب الدكتور الراحل إبراهيم الفقي، خبير التنمية البشرية.
ثمن كتاب ورقي واحد يمكّنك من سماع آلاف الكتب الصوتية، في عصر الأزمات الاقتصادية، والاستماع بحد ذاته خاصة إلى الروايات والسير الذاتية جميل، ومسلِّ... تقول الكاتبة مي، فهل تتفقون/ن معها؟
كما أشارت نتائج الدراسة التي أجريت على عينة عشوائية من 600 شخص، تتراوح أعمارهم بين 11 و75 عاماً، إلى أن "كلا الجنسين يستمعان للكتب الصوتية بارتفاع طفيف للإناث، وأن غير المتزوجين كانوا الأضعف، وأكثر المستمعين من الشباب، وأكثرهم كانت أعمارهم عشرين سنة، وأن أكثر المستمعين كانوا من ذوي المؤهلات الجامعية، كما كان أكثرهم من الموظفين، وكان سكان المدن 3 أضعاف نظرائهم من سكان القرى".
هذا التنوع في ذائقة المستمع العربي جعلنا نتساءل حول كيفية إنشاء المنصات لمكتبتها الصوتية، أو بالأحرى الكيفية التي يتم على أساسها اختيار الكتاب وتسجيله.
ظاهرة جماعية، الكتاب الصوتي
يرى حسام نادر، مسؤول التعاقدات لدى أحد تطبيقات الكتاب الصوتي، وجود اختلافات بين الناشر الورقي والصوتي، فالأول يختار من بين مؤلفين لديهم مسودات، يحصل عليها، ويساعدهم في تحريرها، ومراجعتها، حتى تنشر.
أما الناشر الصوتي، فوضعه مختلف، فهو يتواصل مع دور النشر مباشرة، ويطلع على ما لديهم، ثم ينتقي من بينها حسب احتياج المكتبة الصوتية.
يقول نادر إنهم في السنين الأولى من العمل على التطبيق، كان هدفهم الأساسي هو توفير مكتبة شاملة للكتب الصوتية العربية، بمعنى أن تضم مختلف الكتب، وبكل التصنيفات، سواء الأعمال الروائية، أو غيرها من كتب التاريخ والتنمية الذاتية، وكتب المال والأعمال، والسير الذاتية.
وتابع: "طبعاً نحن نختار من الكتب التي نفّذتها دور النشر الورقية بالفعل، وذلك لأننا نوقع العقود مع شركات، لأنهم في الغالب من يملكون الأوراق القانونية المطلوبة، والتي نادراً ما تكون موجودة لدى الكاتب بشكل منفرد، بالإضافة إلى أننا لا نبدأ من الصفر في صناعة الكتاب".
لا تتوقف عملية صناعة الكتاب الصوتي على الاختيار، فثمة مراحل أخرى، مثل اختيار الراوي، "حيث أننا نجرب أكثر من صوت للوصول إلى الراوي المناسب، ليبدأ بعدها مرحلة البروفات، ويكون بجواره أثناء التسجيل مراجع يصوب له الأخطاء اللغوية. وأيضاً مهندس الصوت".
سمات الكتابة الصوتية
ترى مي قاسم أن الكتب الصوتية أكثر توفيراً للمال، أي أن ثمن كتاب ورقي قد يمكّنك من امتلاك آلاف الكتب الصوتية، لكنها ترى أيضاً من عيوب الكتاب الصوتي، أنه يناسب عدداً معيناً من الصفحات، فسماع كتاب مدته 17 ساعة أمر شاق، لذا سعت بعض المنصات مؤخراً إلى إنتاج أعمال تكتب خصيصاً للنشر الصوتي، بمعايير تختلف عن الكتاب الورقي.
وتُحدَّد تلك الأعمال بُناءً على معطيات عدة، مثل الكلمات الأكثر بحثاً، أو تلبية لطلبات المستمعين.
تطلب الكتابة للنشر الصوتي معايير مختلفة في الكتابة، المتعلقة منها باللغة أو بطريقة السرد والانتقال بين الفقرات.
يقول مصطفى التلواني، المحرر الأدبي في شركة "كتاب صوتي"، إن الكتابة الصوتية تخاطب وتفتح بوابات خيال المستمع عن طريق الأذن أولاً، وأن مهمة الكاتب في النص الصوتي أكثر صعوبة ومشقة ومتعة من الكتابة المقروءة.
ويضيف التلواني أن كاتب النص الصوتي "مطالب بأن يسرق انتباه المستمع من أول دقيقة، لأن المستمع ملول، وغالباً مشتت بمليون حاجة بيعملها، وسهل جداً يقفل الأبليكيشن لو حس إنه مش مركز كفاية أو مش مستمتع باللي بيسمعه، على عكس القارئ العادي اللي ممكن يصبر عدد من الصفحات على الكتاب وتركيزه كله مشحوذ للكتاب اللي في إيده".
ويشير المحرر الأدبي إلى أن عملية "ضبط إيقاع النص" تتطلب إتقاناً، وتمكناً عالياً من الكاتب، بالإضافة إلى وعي، وحساسية مرهفة جداً بخصوص كل منطقة في النص، يقول: "يعرف متى يسرع من الإيقاع، ومتى يستخدم الوصف، ومتى يلجأ للغموض أو التشويق كما لو كان يكتب مسلسلاً مثلاً أو رواية صوتية".
بدأ مصطفى التلواني عمله كمحرر للكتب الصوتية منذ عام 2018، وخلال تلك الفترة عمل على عدد من المشاريع، أهمها بودكاست "الفيل"، الجزء الأول للتوعية بالصحة النفسية، و"طرف مجهول"، مسلسل جريمة اجتماعية، وغيرها من الحلقات الصوتية الوثائقية والسيرة الذاتية.
يشدد مصطفى على أن الكتابة الصوتية هي عمل جماعي أكثر منها فردي، "حيث يشترك فيها الكاتب والمحرر والقارئ اللي بيقدر عن طريق صوته يوصل النص بمعناه المقصود ومغزاه للمستمع، أو ممكن أداؤه يؤثر ويغير من معنى النص المقروء".
كورونا وتحديات الكتب
بسبب كورونا سابقاً، والحرب الروسية الأوكرانية حالياً في بدايات 2022، وتبعاتها على القدرة الشرائية، وسلاسل التوريد، واجهت صناعة الكتب الورقية صعوبات كثيرة، منها تعثر استيراد المواد الخام، وأيضا تعطل شبكة النقل بين الدول وبعضها، كما ساهم تخوف الناس من المستقبل في تراجع القوة الشرائية بالنسبة للكتاب الورقي.
تحديات الكتاب الورقي كانت بمثابة فرص نجاح لنظيره الصوتي، يقول أحمد رويحل، مدير تطوير الأعمال في الشرق الأوسط بـ"ستوري تل"، إن "الكتاب الصوتي بعد كورونا أصبح وسيطاً جديداً، لا يتطلب نزول الناس إلى المكتبات، بالإضافة إلى طريقة الدفع التي تناسبت مع تداعيات الوباء لا سيما بعد ظهور الدعوة إلى عدم التعامل النقدي حتى لا ينتشر الفيروس، وكان ذلك بالنسبة لي فرصة، لأن الشمول المالي الذي اتخذته مصر وأغلب دول العالم، سيساعد الناس على دفع الاشتراكات بسهولة".
"ظهور عصر تطبيقات الهاتف المحمول، والتي يمكن من خلالها سماع الكتب، أحدث طفرة في مجال الكتاب الصوتي، وبعد كورونا أصبح وسيطاً جديداً"، فهل باتت الكتب الورقية مهددة بالتراجع والنسيان؟
"كل تلك الأسباب ساعدت في نمو الكتاب الصوتي بشكل كبير، ليس في مصر فقط، بل في العالم. في فترة كورونا تخطت نسبة نمو الكتاب الصوتي 40%، وأصبحت نسبة استهلاك الكتاب الصوتي في المنطقة العربية 400%".
لكن، مثلما شكلت أزمة كورونا فرصة لنمو الكتاب الصوتي، ساقت أيضاً بعض التحديات؛ فالإغلاق العام طال استوديوهات التسجيل.
لعب الحظ دوراً كبيراً، بحسب رويحل، فقد كان لدى الشركات مخزوناً كبيراً من كتب مسجلة لم تطرح بعد، هي التي ساعدت في عبور الأزمة بأكبر قدر من النجاحات.
يقول رويحل إن كان المستقبل للكتاب الصوتي فإنه يظل منتجاً مكملاً للورقي، وليس بديلاً عنه.
"بالنظر إلى أرقام النمو للكتاب الصوتي والورقي الفترة الأخيرة عالمياً؛ سنجد أن هناك زيادة كبيرة في نسبة النمو الاقتصادي للكتاب الصوتي والإلكتروني، دون أن يؤثر ذلك على ثبات نمو الورقي".
ويضيف: "حتى لو كان نمو الكتاب الصوتي أعلى بكثير، لكنه لا يأخذ من حصة الكتاب الورقي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع