منذ بداية حكم الرئيس السيسي لمصر، في حزيران/ يونيو 2014، تركّز حديثه على النهضة الصناعية والاهتمام بالتصنيع، وهو ما طبّقه لفترة قصيرة أنشأ خلالها عدداً من المدن والمجمّعات الصناعية مثل مدينة الجلود بالروبيكي، ومدينة الأثاث بدمياط، ومجمع الصناعات الصغيرة بمدينة السادات في محافظة المنوفية، على الرغم من ضخامة تكلفتها.
لكن، بعد ذلك وخلال السنوات الأخيرة من حكم السيسي، تراجعت سياسات حكوماته المتعاقبة بشكل ملحوظ عن تنفيذ أو تشجيع أية مشاريع إنتاجية أو بناء مصانع وشركات، سواء تابعة للقطاع العام أو الخاص، وهو الأمر الذي يثير المخاوف، حول ندرة فرص العمل، وضعف قدرات التصدير، وبالتالي قلة مصادر العملات الأجنبية.
الأمر الذي يعقّد هذه الأزمة - أزمة فرص العمل - هو تطبيق مصر شروط صندوق النقد منذ عام 2016، ومن بين أبرزها بيع بعض الأصول العامة للمستثمرين الأجانب، أو طرح حصص من الشركات والمصانع الحكومية للبيع أو الشراكة، فأمست فرص ونتائج العمل قليلة وضعيفة، وزادت حالات تسريح العمالة. إذا ما أضفنا كل ما سبق إلى التقدّم التكنولوجي والتوسّع في استخدام الآلات في جميع خطوط الإنتاج، تتضح أبعاد أزمة التشغيل في بلد يتخطّى عدد سكانها الرسمي 106 مليون نسمة.
عمال يصرخون حين يطفح الكيل
أزمات عمال مصر أبعد من حكم السيسي، لكنها كانت تزداد وتتفاقم على مدار عقود دون حلول جذرية فوصلت إلى حالٍ مزرية. ويمكن القول إنها بدأت انطلاقاً من المحاولات الأولى لرفع الدعم عن بعض السلع الأساسية في عام 1976، دون النظر إلى تبعات ذلك على الطبقات الكادحة والعمال، الذين كانوا يحصلون على مرتبات بسيطة.
أدّى عدم الالتفات إلى معاناة هذه الطبقة آنذاك، وتبعات رفع الدعم على أسعار باقي السلع والخدمات والأوضاع الاجتماعية والمادية لمختلف الشرائح في تلك الفترة من الربع الأخير من القرن الماضي وما تلاها، إلى الإضرابات والتظاهرات الشعبية في ما يُعرف بـ"انتفاضة الخبز". ومنذ ذلك الحين، بات الإضراب والتظاهر الوسيلة الرئيسية لانتزاع العمال المصريين حقوقهم أو تسجيلهم اعتراضاتهم على الإجراءات والسياسات المجحفة بحقهم.
إضراب عمال وبريات سمنود وغزل المحلة وغيرهما… تتصاعد وتيرة الإضرابات العمالية في عهد الرئيس السيسي، وتتعامل معها السلطات بالتجاهل حيناً، وبالقمع والترهيب للعمال حيناً آخر لكنها لا تُقدم على حلول جذرية تضمن للعمال العيش الكريم وبيئة عمل مناسبة للإنتاج وتحقيق الأرباح
بوجه عام، يرتبط النضال العمالي في مصر بالصراع الطبقي ومن أبرز إفرازاته إنشاء النقابات العمالية للدفاع عن حقوق العمال، وكانت أولاها نقابة لفّافي السجائر العاملين في شركات الدخان عام 1899، والتي فرضها العمال إثر إضرابات متتالية اعتراضاً منهم على خفض أجورهم. وازدهر الحراك العمالي خلال الموجة الأولى للإضرابات الكبيرة التي شهدتها الفترة بين عامي 1908 و1911.
لكن عادةً ما يؤرّخ لإضرابات عمال مصر المؤثّرة على الأنظمة الحاكمة بإضراب عام 1976 ممثّلاً في إضراب سائقي النقل العام وتعطيل غالبية حافلات النقل في العاصمة القاهرة، تنديداً بمرتباتهم الضعيفة في مواجهة الغلاء الذي فرضته سياسة الانفتاح التي اتبعها الرئيس آنذاك محمد أنور السادات. ردد المضربون آنذاك هتافهم الشهير: "يا عمال النقل العام… إضرابكم خطوة لقدام". وبالفعل، مهّد الإضراب إلى قيام "انتفاضة الخبز" الشعبية الواسعة.
لاحقاً، وبعد مرور 10 سنوات، أضرب عمال السكة الحديد للأسباب نفسها ورفعوا المطالب نفسها في عام 1986. وتعاملت السلطات بعنف شديد مع الإضراب شبه الكلي وأوقفت جميع السائقين المعتصمين وقيادات نقابتهم وإحالة 37 منهم لاحقاً إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ قبل تبرئتهم في حكم تاريخي منصف للمطالب العمالية.
وعلى الرغم من أن قضايا العمال هي قضايا فئوية، أي عادةً لا تأخذ القدر الكافي من الاهتمام الشعبي والإعلامي وحتّى الرسمي، إلا أن الزخم أحياناً يجعلها قضايا رأي عام سيّما مع تمسّك العمال بتنفيذ مطالبهم وعدم القبول بالترضيات المؤقتة التي تقدم لهم لإنهاء الإضرابات، ومن أبرز الحِراكات العمالية إضراب عمال المحلة، وإضراب عمال الحديد والصلب، وإضراب عمال شبرا، وإضراب عمال كفر الدوار، وإضراب عمال الإسكندرية.
تصفية الحديد والصلب
وخلال السنوات العشر الأخيرة، حدث العديد من الأزمات، في شركات القطاع العام والخاص، يأتي في مقدمتها شركة الحديد والصلب بحلوان، التي تأسّست في عام 1954، للاستفادة من الحديد الخام، الذي يستخرج من أسوان.
على هذا المبدأ، اشتغل المصنع لقرابة سبعة عقود من الزمن، إلى أن جاء القرار بتصفيتها مطلع عام 2021، بعد موافقة الجمعية العمومية غير العادية للمصنع، على قرار التصفية، نتيجة "الخسائر المالية الضخمة" التي قدّرتها السلطات بنحو 8 مليارات جنيه (ما عادل 530 مليون دولار تقريباً بحسب سعر الصرف آنذاك)، بينما كانت مديونية الشركة قريبة من قيمة الخسارة المالية لها، ليصل إجمالي الديون والخسائر لـ16.5 مليار جنيه (أكثر من مليار دولار).
عقب إعلان قرار الجمعية العمومية للمصنع، أعرب العمال الذين بلغ عددهم 5100 عن احتجاجهم، ودخلوا في إضراب مفتوح واعتصام داخل الشركة، مطالبين بإسقاط قرار تصفية الشركة، وتجديدها عوضاً التصفية، وسط التضامن الكامل من اللجنة النقابية بالشركة مع العمال.
استمرت أزمة العمال ووصلة الاعتصامات، إلى تسعة أشهر، إلى أن جاء القرار بصرف تعويضات 450 ألف جنيه (كانت تعادل وقتها 30 ألف دولار) لكل عامل كحد أقصى إذ كان الدولار الواحد يساوي 15 جنيهاً، وهذا بالإضافة إلى مكافأة نهاية الخدمة التي وصلت إلى 50 ألف جنيه (ما عادل 3330 دولاراً) بالإضافة إلى مبلغ 900 جنيه (نحو 60 دولاراً) عن كل شهر متبقٍ على سن المعاش، بشرط ألا يقل إجمالي التعويضات 225 ألف جنيهاً (نحو 15 ألف دولار).
في هذا الإطار، يقول وزير القوى العاملة الأسبق والقيادي العمالي المخضرم، كمال أبو عيطة، لرصيف22، إن إضراب عمال الحديد والصلب بحلوان، كان ضد إجراءات التصفية، التي كانت تقوم بها الحكومة، لمصنع الحديد والصلب، حيث قام الأمن بـ"لعبة ذكية، وهي تشميع البوابات الحديدية، ودمجها ببعضها فور خروج العمال من فترة العمل، لمنع العمال من الدخول ولتنفيذ قرار التصفية عنوة".
ويشير أبو عيطة إلى أن غلق البوابات الحديدية وتشميعها، وما تلاهما من منع دخول العمال في فترات العمل الأخرى، جعل الحكومة تتمكّن من تصفية الحديد والصلب بحلوان.
والمأخذ على ذلك، أن قرار التصفية وتنفيذه، كان على عكس رغبة العمال الذين طالبوا بتجديد المصنع وإصلاح الماكينات لتعويض الخسائر وتحقيق أرباح، وعلى الرغم من عدم تنفيذ ذلك، انتهت الأزمة بعد قرابة العامين، بصرف التعويضات للعمال، وانتهى الأمر مع مطلع 2023.
غزل المحلة… مدرسة الإضرابات العمالية بمصر
حين تهدأ الأوضاع في شركة غزل مصر للغزل والنسيج في مدينة المحلة الكبرى، فترةً بلا زخم واعتصامات أو إضراب، لا يكون هذا معتاداً بل على الأغلب هو هدوء ما قبل العاصفة.
منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي،وحتّى عام 2006، لم يقم عمال "غزل المحلة" بإضرابات تُذكر إلى أن قاموا بإضراب عمالي ضخم استمر نصف عام، مطالبين بإقالة رئيس الشركة، وربط الأجر بإنتاج الشركة، وصرف أرباح للعمال.
بعدها، صمت العمال لقرابة العام، لينتفضوا مرة أخرى في 2008، حاملين مطالب عديدة ناتجة عن الغلاء المعيشي، بما في ذلك رفع الأجور والرواتب إلى 1200 جنيه (نحو 218 دولاراً، إذ كان حينها سعر الدولار خمسة جنيهات ونصف الجنيه)، لكن المطالب قوبلت بتجاهل الحكومة وإدارة الشركة، ما دفع العمال إلى تنظيم إضراب عمالي، مهّد بعدها لإضراب 6 نيسان/ أبريل الشهير، وسط حشد كثيف للأمن في مدينة المحلة الكبرى.
بعد انتهاء تلك الأزمة، بقي عمال شركة الغزل في فترة هدنة لأعوام، تخلّلتها اعتصامات بسيطة، حتّى كان الحدث الأبرز، الإضراب العمالي في 2017، للمطالبة بصرف العلاوة الاجتماعية، ورفع بدل الغذاء، للتساوي مع بقية شركات القطاع العام، الذين يحصلون على نفس تلك الحقوق.
وأخيراً، في شباط/ فبراير 2024، دخل العمال في إضراب جديد، نتيجة لعدم رفع الرواتب إلى 6000 جنيه (ما يعادل 120 دولار)، وهو الحد الأدنى للأجور. هذا الإضراب أشعله 3700 عامل وعاملة في شركة غزل المحلة، أثناء وجود محافظ الغربية بالشركة، إلى أن زاد عدد العمال المضربين، بعد دخول الفترة الثانية للعمل (بعد الظهر)، ثم مع دخول الفترة الثالثة (في العاشرة مساءً)، ووصل عدد المضربين عن العمل خلال أربعة أيام إلى أكثر من عشرة آلاف عامل/ة.
انتهى هذا الإضراب، بعد كثير من الضغوط على العمال، بموافقة جزئية على مطالبهم، تمثّلت في صرف بدل وجبة 210 جنيهات بدلاً من 900 جنيه، ورفع الأجور إلى 6000 جنيه (ما يعادل 120 دولار)، مع إحالة بقية المطالب إلى المفاوضات. علماً أنه جرى حبس اثنين من العمال الذين قادوا الإضراب ولم يُفرج عنهم إلا بعد شهر ونصف من إنهاء الإضراب.
وعن هذا، يوضح أبو عيطة أن "(مدينة) المحلة مدرسة من مدارس الإضراب، والعمال أضربوا عن العمل من قبل، مطالبين برفع الأجور إلى الحد الأدنى، ولم يتوقفوا عن الإضراب إلا بعد بدء تنفيذ مطالبهم، لتأتي مكاسب ذلك الإضراب بتنفيذ مطالب العمال".
وهو يذكر بمكاسب أخرى انتزعها عمال الشركة في عهد السيسي، قائلاً: "إضراب عام 2014 الذي جاء احتجاجاً على رفض إدارة الشركة صرف الأرباح للعمال، ولم يتم فضه سوى بزيارة رئيس الوزراء وقتها إبراهيم محلب، لإقناع العمال بالعودة إلى العمل مع صرف جزء من الأرباح لهم، لتحقق مكاسب أخرى بتنفيذ اغلب مطالب العمال، وذلك غير إضراب 2017 الذي نظمه العمال لبعض المطالب، ونجح هو الآخر برفع بدل الغذاء، وضم الحافز 200 جنيه للمرتب الأساسي مع صرفه".
"وبريات سمنود" وترهيب السلطة للعمال
صباح يوم 18 آب/ أغسطس 2024، بدأ عمال شركة "وبريات سمنود" في محافظة الغربية (شمال مصر)، إضراباً عن العمل، أسوة بما حدث في شركة غزل المحلة الموجودة بالمحافظة نفسها، وذلك بعد ثلاثة أشهر من المفاوضات غير المجدية مع إدارة الشركة، لتطبيق قرار رفع الحد الأدنى للأجور.
"التعامل مع العمال ومطالبهم، يجب أن تكون عن طريق النقابات، والنقابات الآن تعتبرها السلطة الحالية من الأعداء، وتتبع النقابات لابتزازها، أكثر من تتبع الإرهابيين، الأمن مؤخراً أصبح هو من يدير النقابات في مصر"... عن الحِراكات العمالية في مصر خلال سنوات حكم السيسي الـ10
رفضت الشركة رفع الأجور بذريعة أن الشركة لا تحقق أرباحاً بل وهناك الكثير من الخسائر، وهو الأمر الذي جعل العمل يصرّون على مطالبهم، إلى أن صدر قرار بالقبض على 10 عمال من المضربين عن العمل، على رأسهم رئيس نقابة الشركة هشام البنا الذي أوقف بالفعل مع سبعة من العمال، بينما لم يتمكّن الأمن من القبض على اثنين أخيرين، نظراً لوجودهم ضمن العمال المعتصمين داخل مقر الشركة، واحتمائهما وسط بزملائهم العمال.
بعد أحداث التوقيف هذا، زاد العمال على مطالبهم مطلباً جديداً، وهو الإفراج عن زملائهم المحبوسين بجانب رفع الأجور، لفك الإضراب، وهو الأمر الذي تحقق جزئياً حين أخلت النيابة سبيل سبعة من العمال، ثم بعدهم بأسبوع الإفراج عن النقابي البنا. كما تم التوصل إلى حل ودي، يتمثّل في صرف مرتب شهر أغسطس للعمال كاملاً، وإضافة مبلغ 200 جنيه حافزاً للمرتب، بجانب الحافز الأساسي المنفصل، ووضع آلية جديدة لتسيير العمل بالشركة، واحتساب الراتب على أساس الإنتاج وليس القيمة، وذلك بعد عقد جلسة، بين رئيس مجلس إدارة الشركة، والنائب عن دائرة المحلة الكبرى في البرلمان المصري، أحمد بلال البرلسي.
وهو الأمر الذي يراه وزير القوى العاملة الأسبق، أبو عيطة، "ما كان ليكون لولا تمسّك العمال بمطالبهم". يوضح أبو عيطة أن تعامل الأمن مع عمال "وبريات سمنود" بما في ذلك "الاحتكاكات والحبس هي طريقة إرهابية، ما يفترض القيام بها"، مردفاً بأن عملية التفاوض مع العمال، سواء من ناحية الأمن أو مجالس الإدارات المختلفة، يجب أن تتم عبر وسيط، يحدده في النقابات العمالية. ويتحسّر أبو عيطة على أنه "للأسف، الآن، لا توجد نقابات عمالية حقيقية، تمارس دورها المشروع في مصر، وإن وجدت تتعرض لمضايقات أمنية، ويتم تتبعها أكثر من الإرهابيين والمجرمين".
ويطالب أبو عيطة الأمن المصري برفع يديه عن التنظيمات النقابية لأنها "شأن خاص بالعاملين، ولا دخل للأجهزة الأمنية بها… الأمن مؤخراً أصبح هو من يدير النقابات في مصر، وهو من يملك القرار في من يحق له المشاركة والتنظيم من عدمه. مع العلم أنه توجد وزارة تشرف على العمل النقابي، لكن إشرافها معنوى لا دور له، يقتصر على مجرد المتابعة".
ويجدد أبو عيطة مستنكراً: "التعامل مع العمال ومطالبهم، يجب أن تكون عن طريق النقابات، والنقابات الآن تعتبرها السلطة الحالية من الأعداء، وتتبع النقابات لابتزازها، أكثر من تتبع الإرهابيين".
مطالب بسيطة ومشروعة
بعد مرحلة التجاهل، تعامل الأمن ومجلس إدارة مصنع وبريات سمنود بأسلوب الضغط والترهيب والتهديد العمال بالفصل، كما تعرضوا لتهديدات في حالة التحدث مع وسائل الإعلام أو كشفوا عما يتعرضون له من ضغوط.
وفي هذا الصدد، يقول أحد عمال وبريات سمنود المشاركين في الإضراب، من قسم المنسوجات إن إضراب العمال كان في الأساس من أجل رفع الأجور، لتتطابق مع الحد الأدنى بعد أن سأم العمال من الـ3500 جنيه (نحو 70 دولاراً) التي يحصلون عليها شهرياً في ظل ارتفاع الأسعار وكافة تكاليف المعيشة، لافتاً إلى أن المصنع لم يطبّق عليه حتّى الحد الأدنى السابق للرواتب والذي كان يبلغ 4000 جنيه.
ويضيف العامل الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته، خوفاً من تهديدات مجلس إدارة المصنع بفصل من يتحدث للإعلام، أنه مع طلبات العمال رفع الأجور بشكلٍ متواصل، لم تكن هناك استجابة من إدارة المصنع، علاوة على صرف المرتبات المتواضعة بشكلٍ متأخر، وأن العمال لم يكونوا يحصلون على مكافأة مالية في المناسبات والأعياد كبقية المصانع، وبذلك لم يكن أمامهم خيار متاح غير الإضراب.
وعن مطالب العمال، يوضح العامل في قسم المنسوجات: "مطالبنا تطبيق الحد الأدنى للأجور، الذي حدّدته وأعلنته الدولة، نتيجة الوضع الصعب بالنسبة لنا ولبقية الناس"، منوهاً إلى أنه بعد تنظيم الإضراب العمالي بالمصنع، قام الأمن بحبس عشر عمال، منهم ثلاث سيدات لا لشئ إلا لمطالب عادلة أقرتها الدولة.
وعن تعامل السلطات مع العمال ومطالبهم، يؤكد العامل أن "السلطات تريدنا أن نباشر عملنا، وتقوم بالضغط علينا، وذلك لا يأتي عادة إلا بنتائج عكسية، بجانب الضغط علينا من الإدارة، ونحن غاضبون وطلباتنا واضحة".
يفيد العامل أيضاً بأن راتب شهر آب/ أغسطس 2024، جرى صرفه في 17 أيلول/ سبتمبر الجاري، بنفس القيمة القديمة التي أضربوا احتجاجاً عليها، متابعاً بأن "مصير الإضراب مجهول، بجانب الضغط علينا في قسم المنسوجات لنعود للعمل، يرفض قسم الملابس، والذي يتكون أغلبه من السيدات، الضغوط حتّى بعد صرف الراتب".
إرهاب العمال... حل عقيم لوقف الإضرابات
على ذكر تعامل السلطة في مصر مع العمال ومطالبهم، وضغوطها لوقف إضرابات واعتصامات العمال، يشكّل الحبس الاحتياطي أبرز الوسائل الأمنية المتبعة راهناً لتسكيت المطالبين بحقوقهم، بمن فيهم فئة العمال.
في هذا السياق، يقول المحامي الحقوقي عمرو إمام، لرصيف22، إن أي تعامل أمني مع إضراب "وبريات سمنود"، أو الإضرابات العمالية عموماً، بقبضة من حديد، هو قمع بشكلٍ أو بآخر، ويأتي ضمن سياسة الدولة ومحاولاتها المتكررة لإرهاب أي صوت له علاقة بالتجمّعات العمالية.
ويضيف إمام: "أن يقوم العمال بالإضرابات هو حق قانوني، يكفله الدستور المصري، للعمال وغير العمال، مستشهداً بهتاف الإضراب مشروع مشروع، ضد الفقر وضد الجوع، الذي ردّده رموز العمل النقابي، أمام مسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية، أثناء الاحتجاجات على حكم المجلس العسكري".
كما يوضح المحامي الحقوقي أن "طريقة تنظيم إضراب لا يخالف القوانين، هو أمر بسيط، فالإضراب طالما لا يأخذ أي نوع من أنواع استخدام القوة، أو حتى التلويح باستخدام القوة، أمر يكفله القانون ويسمح به، لأنه ليس إلا مجرد أداة للتفاوض مع رأس المال، أو مجلس إدارة شركة أو مالكها".
ويستطرد بأن العمال يمكنهم المطالبة بحقوقهم، من خلال مخاطبة مكتب العمل، أو التحدث مع النقابات العمالية إن وجدت، للتفاوض مع إدارة العمل، أو إذا بلغ التصعيد أقصاه، يمكن كذلك تنظيم وقفة احتجاجية سلمية، أو إضراب عن العمل، وهو أمر يكفله القانون المصري.
وفي ما يخص فضّ الإضرابات بالقوة، واعتقال العمال المضربين عن العمل، كما جرى مع عدد من عمال "وبريات سمنود" وقبلها "غزل المحلة"، يؤكد إمام أنه "ليس بجديد على السلطة، قمع الإضرابات أو اعتقال القيادات العمالية، بل هو أمر يتكرر من الحكومات المتعاقبة منذ أيام إضراب الحديد والصلب بالتبين، في أواخر القرن الماضي، حيث كان إرهاب العمال وسيلة ناجحة، عملاً بمبدأ 'اضرب المربوط يخاف السايب' (وهو مثل شعبي يعني أن ترهيب البعض الضعيف يجعل البقية القوية ترتدع). فهذا طالما كان أداة يستخدمها النظام، وفكرة الاستغناء عنها بعيدة، لأن الدولة ضد أي تجمعات تحمل مطالب، وخصوصاً لو من جهة عمالية".
"عدم الاهتمام بالمصانع والشركات في القطاع العام وصناعات الغزل والنسيج، أمر ينعكس على العمال، ويوحي لهم بعدم الاستقرار والتهميش، وبالتالي يلجأون للإضراب عن العمل لانتزاع حقوقهم… لو كانت هناك نقابات فعّالة داخل المصانع والشركات، كانت لتتفاوض مع مجالس الإدارات دون الوصول إلى الإضراب، والذي ينبغي أن يكون الخطوة الأخيرة أمام العمال"
ويستنكر المحامي الحقوقي حبس أي شخص، لديه رأي يطالب به بطريقة سلمية ويؤكد أن ذلك هو "الإرهاب، بصرف النظر عن عمل الشخص المطالب برأيه"، مشدداً على أن ما يتعرض له العمال البسطاء هو "إرهاب غير أخلاقي، لأنهم لا يطالبون سوى بالحد الأدنى للأجور الذي أقره رئيس الجمهورية والدولة".
ترضية العمال وتطوير الصناعات… حلول اقتصادية ناجعة
وبينما يُجمع العمال والمعنيون بالشأن العمالي بأن القمع والترهيب ليسا الحل لإنهاء أزمات العمال التي تتفاقم بوتيرة سريعة خلال السنوات الأخيرة، يشير متخصصون في الاقتصاد إلى أن البحث عن حلول جذرية للأزمات المعيشية والاقتصادية وتعزيز الصناعة وقطاعات الإنتاج هي الأجدر لإنهاء هذه المشكلة حيث تضمن حقوق العمال، وتسيير عمل الشركات والمصانع وزيادة أرباحها، ومكافحة البطالة وقلة فرص العمل وما يترتب عليهما من أعباء اقتصادية، وكذلك دعم التصدير كمصدر مهم للعملة الصعبة، وأخيراً تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات.
وعن ذلك، تقول الخبيرة الاقتصادية ورئيسة مجلس أمناء مؤسسة النون، منى عزت، لرصيف22، إن صناعات الغزل والنسيج، هي صناعات قديمة وتاريخية، لها إسهام مؤثّر في قطاع التصدير وبالتالي تجلب لمصر عملة أجنبية وتحقق إنتاجاً ضخماً، وكان يجب على الحكومة تطويرها وتحسين ظروف العمل بها، سيّما وأنها تعهدت سابقاً تطوير صناعة الغزل والنسيج، لكن إلى الآن لم تتخذ أية قرارات بشأن تحسين أوضاع هذه الصناعة، وبالتالي يتضح أن الحكومة لا تهتم بتلك المصانع والشركات.
تضيف عزت: "عدم الاهتمام بالمصانع والشركات في القطاع العام وصناعات الغزل والنسيج، أمر ينعكس على العمال، ويوحي لهم بعدم الاستقرار والتهميش، وبالتالي يلجأون للإضراب عن العمل لانتزاع حقوقهم"، مستطردةً "لو كانت هناك نقابات فعّالة داخل المصانع والشركات، كانت لتتفاوض مع مجالس الإدارات دون الحاجة إلى الوصول إلى الإضراب، والذي ينبغي أن يكون الخطوة الأخيرة أمام العمال. لكن في مصر يبدأ العمال بالإضراب، لأنه لا يوجد قنوات مفتوحة للتواصل، أو آليات مؤسسية مشروعة للتواصل والتفاوض ونقل وجهة نظرهم للمسؤولين".
وتوضّح الخبيرة الاقتصادية: "ننادي بأهمية وجود نقابات طوال الوقت، واستقلاليتها في القدرة على تنظيم عمليات التفاوض، لتجنب حدوث الإضرابات العمالية. علماً أن مطالب العمال مشروعة، ويحق للعمال المطالبة بالحقوق المقررة رسمياً وأولها الحد الأدنى للأجور الذي حدّدته وأقرته الدولة".
وتختم عزت بأن "أوضاع عمال 'سمنود للوبريات' وغيرها من الشركات والمصانع التي لم تصل الرواتب فيها إلى الحد الأدنى تتحول من السيئ للأسوأ، وذلك بسبب الغلاء المعيشي، وخاصة مع موسم دخول المدارس، والذي يتطلب راتباً مناسباً لذا لا يُعقل أبداً أن تتعنت السلطات ضد العمال وتجعلهم غير قادرين على تلبية احتياجات بيوتهم الأساسية، لمجرد أنهم طالبوا بحقوقهم في الأجور التي وضعتها الدولة".
ختاماً، تبدو السلطات المصرية غير جادة في وعودها السابقة بتعزيز الصناعة والإنتاج إذ تحرص على إنهاء الإضرابات العمالية بكل وسيلة إلا تلك الوسائل الضرورية لتحسين أوضاع العمال وتوفير بيئة مناسبة لهم للإنتاج وليعيشوا حياة كريمة وفق الشروط والظروف التي وضعتها هي. كما أن سلاح الترهيب والمنع من التحدث إلى وسائل الإعلام ربما يخفي الكثير من التفاصيل عن معاناة العمال وما يتعرضون له من ضغوط وقمع، لكن في الوقت عينه لا يُنهي هذا الإضرابات بل يجعلها أقرب إلى نار تحت الرماد تتحين الفرصة لتشتعل مرة أخرى، ربما بقوة أكبر من ذي قبل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 8 ساعاتعن أي نظام تتكلم عن السيدة الكاتبة ، النظام الجديد موجود منذ سنوات ،وهذه الحروب هدفها تمكين هذا...
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 6 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...