شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
تتحول الحياة إلى

تتحول الحياة إلى "جحيم"... كيف تؤثر الخلافات الزوجية على الصحة النفسية والجسدية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات الشخصية

الثلاثاء 13 فبراير 202411:36 ص

لا تخلو الحياة الزوجية، خاصةً في أيامنا هذه، من المشكلات بين الشريكين، ففي النهاية هما بعقليات وطباع مختلفة ويعيشان في المكان نفسه، وتالياً فإن حدوث المشكلات بينهما أمر بديهي، لكن أحياناً تزيد حدّة تلك الخلافات وتتحول مؤسسة الزواج إلى مصدر للأمراض النفسية والجسدية.

ربما لا تعرف الأجساد البشرية الفروق الجندرية عندما يتعلق الأمر بالمرض، لكن هناك بعض الفروقات النفسية البيولوجية التي تجعل التعاسة والخلافات الزوجية أخطر على النساء من الرجال، وذلك بحسب الدراسة الميدانية للباحثة في جامعة بسكرة، والتي تفيد بأن الخلافات الزوجية لها الأثر الأكبر في تشكيل الأمراض النفسية خاصةً الاكتئاب والهوس والهستيريا وتوهم المرض.

وتكشف الدراسة أن التكوين النفسي والبيولوجي، بالإضافة إلى الجانب الاجتماعي، كلها عوامل تلعب دوراً كبيراً في إصابة النساء بالأمراض النفسية بنسبة أعلى من الرجال، وذلك بسبب طبيعة المرأة والتغييرات الهرمونية عندها.

الأمراض الجسدية الناتجة عن الخلافات الزوجية

في حديث خاص إلى رصيف22، يقول الدكتور أحمد محمد إبراهيم، استشاري الأمراض الباطنة والسكر والغدد الصماء في مستشفى معهد ناصر في القاهرة ونائب رئيس جمعية الدلتا للسكر والغدد الصماء: "توصلت آخر الأبحاث العلمية في جامعة أوهايو الأمريكية، إلى أن الأزواج الذين يقومون بانتقاد بعضهم البعض هم الأكثر عرضةً لمتلازمة تسرّب الأمعاء التي تفرز البكتيريا في الدم وتحفز الالتهابات وتسبب تدهور الصحة العقلية، كما أن الخلافات الزوجية قد تؤدي إلى التهابات في الجهاز الهضمي، وتؤدي أيضاً إلى بطء في التئام الجروح، وتزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب وأمراض القلب والسكر، وقد تسبب الالتهاب المفصلي الروماتيزمي والسرطان".

ربما لا تعرف الأجساد البشرية الفروق الجندرية عندما يتعلق الأمر بالمرض، لكن هناك بعض الفروقات النفسية البيولوجية التي تجعل التعاسة والخلافات الزوجية أخطر على النساء من الرجال

ما هي الأمراض الجسدية الناجمة عن الضغط النفسي والأكثر شيوعاً؟

متلازمة القولون العصبي: هو المرض الأشهر لدى الرجال والنساء المرتبط بالضغط النفسي.

وقد ذكر موقعMedical news today أن الضغط النفسي هو من أهم مسببات متلازمة القولون العصبي، فقد وجد الباحثون علاقةً بين الدماغ والأمعاء، مما يعني أن الشخص الذي يعاني من التوتر والقلق قد يؤدي به ذلك إلى الإصابة بالقولون العصبي أو تفاقمه إذا كان مصاباً به.

تعليقاً على هذه النقطة، يقول الدكتور حسام موافي، أستاذ طب الحالات الحرجة في القصر العيني، إن العقل هو ما يُشغّل القولون كما بقية أجهزة الجسم: "إذا اضطرب عمل العقل سيضطرب عمل بقية الأجهزة"، مشيراً إلى أن العديد من الدول لا تعالج مريض القولون العصبي لدى طبيب أمراض الجهاز الهضمي، بل لدى أخصائي/ ة أمراض نفسية.

الإصابة بأمراض المناعة: نشرت مجلةscientificamerican ، أن التوتر قد يصيب الإنسان بنحو 80 نوعاً من أمراض الجهاز المناعي.

استندت المجلة إلى دراسة نشرتها دورية mStems التي تصدر عن الجمعية الأمريكية لعلم الأحياء الدقيقة، تفيد بأن مجموعة فئران التجارب في الدراسة تعرضت لمجموعة مواقف مجهدة أدت إلى زيادة توترها، وتسببت في تغيرات في البكتيريا المعوية التي حفزت نشاط الخلايا المناعية وزادت من احتمال مهاجمة الجسم لنفسه، عبر الخلايا المناعية المُحفزة التي قامت بشن هجمات على الجسم.

وتحدث أمراض المناعة الذاتية نتيجة خلل في الجهاز المناعي يُفقده قدرته على تحديد الأجسام الغريبة وتمييزها عن الخلايا الجسدية، فيبدأ الجهاز المناعي بمهاجمة الجسم نفسه مُسبباً عدداً كبيراً من الأمراض، مثل الروماتويد، السكر من النوع الأول، الثعلبة والبهاق.

وفى حديث خاص إلى رصيف22، يكشف الدكتور عبد الله محسن، استشاري الروماتيزم والمناعة وعضو الكلية الملكية البريطانية، أن الحالة النفسية والضغط العصبي هما من أهم العوامل التي تساعد على الإصابة بالأمراض المناعية، خاصةً لمن لديهم استعداد وراثي لذلك، بل قد يؤدي إلى زيادة نشاط أمراض الروماتويد واضطراب الغدّة الدرقية المناعية، كما أن القلق قد يؤدي إلى اضطرابات في جهاز المناعة من خلال تغيّرات هرمونية وتأثيره على العديد من المواد الكيماوية التي تؤدي إلى حدوث التهاب في الجسم.

زيادة الوزن الناتج عن اضطرابات الأكل: بعض الأشخاص يكتسبون عادة الأكل بنهم، كلما واجهوا مشكلةً في الحياة سواء في العمل أو البيت، وذلك وفقاً لموقع Medical news today.

وأوضح الموقع أنه عندما يعاني الشخص من التوتر، يتفاعل جسده بإطلاق هرمونات الاستجابة "القتال أو الهروب"، وتعمل هذه الهرمونات على تحويل تدفق الدم بعيداً عن الجهاز الهضمي وتتجه إلى العضلات، ونتيجةً لذلك تتأخر عملية الهضم.

تكشف بسمة قُرني، وهي معلمة في منتصف الثلاثينات من العمر، أن ما يقال عن الأمراض النفسية والجسدية التي تنتج عن الخلافات الزوجية تعيشه منذ الأشهر الأولى من زواجها: "في السنة الأولى، بدأت أعاني من صداع رهيب بعد انتهاء كل مشاجرة بيني وبين زوجي، وبعدها بأشهر عدة، شخصّ الطبيب مرضي بالقولون العصبي، وأكد لي أن حالتي لن تصلح في علاجها الأدوية وحدها، إذ إن العامل النفسي أساسي في العلاج".

وتضيف بسمة: "من طباعي الأكل بنهم بعد كل مشاجرة، حتى لو لم أكن جائعةً، وبما أن المشاجرات لا تنتهي فنهمي في الأكل لا ينتهي، حتى بدأت أعاني من مشكلة زيادة الوزن، الذي بدأ يؤثر على مفاصل الركبتين، هذا بالإضافة إلى اكتشاف أني مصابة بارتفاع ضغط الدم الناتج أيضاً بحسب الطبيب عن الانفعال الزائد والعصبية، خلال الشهر الماضي".

وتختم بالقول لرصيف22: "أحياناً وبينما نحن نصرخ على بعضنا، أجد أنفي ينزف فجأةً، وكذلك ترتجف أعصابي ولا أستطيع السيطرة على جسمي".

ماذا عن الأمراض النفسية التي تنتج عن الخلافات الزوجية؟

في حديثه إلى رصيف22، يقول الدكتور عمار العطار، أخصائي الطب النفسي والإدمان، إن الخلافات الزوجية قد تسبب مجموعةً متنوعةً من الأمراض النفسية، من بينها الاكتئاب، القلق، اضطرابات النوم، ارتفاع مستويات التوتر والضغط النفسي: "تلك الخلافات قد تؤثر بشكل كبير على الصحة العقلية والعاطفية لكل من الشريكين"، على حدّ قوله.

ومن أشهر هذه الأمراض النفسية:

الاكتئاب والضعف الوظيفي: في دراسة نشرها موقع the National library of medicine بعنوان "الصراع الزوجي وأعراض الاكتئاب والإعاقة الوظيفية"، تبيّن أن الصراع الزوجي أدى بشكل مباشر إلى زيادة الاكتئاب والضعف الوظيفي.

الشعور بالوحدة: أظهرت دراسات استخدمت بيانات 250 زوجاً على مدار ما يقرب من 20 عاماً، أن الأزواج الذين يتشاجرون بانتظام في وقت مبكر من زواجهم من المرجح أن يستمروا في هذا النمط مع مرور الوقت. ووجد الباحثون أن تلك الخلافات التي حدثت في وقت مبكر من الزواج، يمكن أن يكون لها تأثير دائم على شعور الشركاء بالوحدة بعد أكثر من عقد من الزمن.

الإصابة بالاكتئاب والقلق: تحكي إسراء السيد، لرصيف22، أنها فقدت جنينها الأول بعد 40 يوماً من حملها، بسبب الانفعال الزائد في أثناء مشاجراتها مع زوجها، والتي انتهت بالطلاق بعد الإجهاض.

الخلافات الزوجية لها تأثير كبير على صحة المرء سواء من ناحية الإصابة بالأمراض الجسدية أو المرور بتجارب نفسية صعبة، والحل الأفضل يكون من خلال تعزيز طرائق التواصل بين الطرفين وإيجاد أرضية مشتركة بينهما وإلا سوف تنقلب حياتهما الزوجية إلى "جحيم"

لا تزال إسراء تعاني من مشكلة الأرق التي أصيبت بها منذ بداية المشكلات الزوجية وحتى بعد الطلاق: "أعاني من الأرق لثلاثة أو أربعة أيام متواصلة، ولا أنام إلا بأدوية منومة وصفتها الطبيبة، كذلك أُصبت بحالة نفسية تجعلني أشدّ شعري وأخربه بعد الانغماس لساعات طويلة في بكاء هستيري".

في دراسة أجرتها الباحثة ميجونج بارك والباحث يورجين أونوتزر، تبيّن أن هناك علاقةً وثيقةً بين الصراع الزوجي والإصابة بالاكتئاب على المدى الطويل.

في هذا الصدد، يقول الدكتور النفسي مايكل ريجير، في مقال له عن التأثيرات النفسية والجسدية للحياة الزوجية التعيسة: "اكتشف الباحثون أن أدمغتنا مجهزة للاعتماد على الشخص الذي نرتبط به لمساعدتنا في تنظيم عواطفنا. عندما تشعر بالخوف أو الحزن أو القلق، فأنت بحاجة إلى أن يتعاطف معك الشخص الذي تحبه، في ما تمر به. ستواجه مشكلات مع القلق والاكتئاب إذا قوبلت مشاعرك بالتحديق الفارغ أو الرفض أو حتى الغضب".

وعليه، يمكن القول إن الخلافات الزوجية لها تأثير كبير على صحة المرء سواء من ناحية الإصابة بالأمراض الجسدية أو المرور بتجارب نفسية صعبة، والحل الأفضل يكون من خلال تعزيز طرائق التواصل بين الطرفين وإيجاد أرضية مشتركة بينهما وإلا سوف تنقلب حياتهما الزوجية إلى "جحيم" حقيقي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard
Popup Image