انتشر مؤخراً في وسائل الإعلام الإيرانية، خبر حول خروج وبيع ثلاثين قطعة فنية من متحف الإمام علي، التابع لمنظمة الثقافة والفنون في بلدية طهران، حيث بيعت هذه اللوحات في دبي دون علم منظمة التراث الثقافي في إيران، ووفقاً لتقرير نُشر في صحيفة "سازَندِكی" (بالفارسية: سازَندگى) في 18 أيلول/سبتمبر العام الجاري، لقد مرّ حوالى ستة أشهر على اختفاء هذه القطع الفنية، ولا يزال الإعلام لم يتلقّ أي إجابة من عمدة طهران علي رضا زاكاني، حول هذا الموضوع، كما أنه لم تظهر أي معلومات عن اللوحات المفقودة.
وجاء في التقرير، أن في بداية هذا العام استلمت إدارة متحف الإمام علي طلب خروج هذه اللوحات، حيث مَنح أحد مسؤولي البلدية الإذنَ بخروج ثلاثين عملاً فنياً من المتحف، والمثير أنه لم يُتابع هذا المسؤول كيفية استعادة هذه الأعمال القيمة والثمينة.
حول هذا، أشار عضو مجلس مدينة طهران ناصر أماني، خلال اجتماع هذا المجلس، إلى المادة 8 من القانون رقم 80، الذي يحدد صلاحيات ومسؤوليات المجلس والبلدية، وينص على إشراف وإدارة وحماية ممتلكات البلدية. وتابع حديثه مشيراً إلى خروج هذه اللوحات من المتحف بموافقة البلدية، وطالب بالتحقيق في الموضوع وتقديم توضيحات من قبل بلدية طهران.
أثناء هذا الاجتماع، ذكر أماني قيمةَ هذه الأعمال، موضحاً أن قيمة إحدى هذه اللوحات تُقدر بحوالي 300 مليار ريال إيراني (أي أكثر من 500 ألف دولار).
بعد انتشار هذا التصريح ظهرت قائمة لهذه الأعمال وثمنها، إذ تصل قيمة بعضها إلى حوالى 18 ألف دولار، وتُعدّ لوحة للرسام الإيراني آيْدين آغْداشْلو، الأغلى حيث قُيّمت بـ18 ألف دولار، كما تم تقييم إحدى لوحات الرسام الإيراني هانيبال الخاص، بمبلغ 400 مليون ريال إيراني (حوالي 700 دولار).
نَشْر هذه القائمة جاء في سياق تصريحات عضو مجلس إدارة منظمة الثقافة والفنون ببلدية طهران سعيد صدرائيان، حيث قال إن قيمة هذه الأعمال لا تتجاوز في مجموعها 52 ألف دولار، وإن هذه الأعمال تم نقلها إلى خارج إيران للبيع، وذلك بهدف توفير دعم مالي لشراء أعمال فنية أكثر قيمة، لتحسين البنية التحتية للمتحف.
يمتلك متحف الإمام علي كنزاً تُقدّر قيمته بملايين الدولارات، لا سيما أنه يحتوي على أعمال استثنائية لن تتكرر في تاريخ إيران، بالإضافة إلى أنها لفنانين بارزين، مثل: النحات والرسام الإيراني بَرويز تَناوُلي، والشاعر والرسام الشهير الإيراني سُهراب سِبَهري
وبحسب الأخبار المنشورة على موقع World Art Dubai، تم بيع 14 عملاً من هذه الأعمال الثلاثين في الإمارات بأسعار أقل بكثير من قيمتها الحقيقية، وإحدى هذه اللوحات هي لوحة "الهدوء في الطبيعة" للرسام الإیرانی حسين محجوبی، إذ بيعت بمبلغ 20 ألف درهم، أي ما يعادل نحو 5500 دولار. مع ذلك، يمكن النظر إلى الأمر بشكل متفائل، حيث أن 16 عملاً فنياً من المجموعة، التي يمكن وصفها بأنها سُرقت من الأملاك العامة في طهران، لم يتم بيعها بعد، إن لم تكن طبعاً هذه اللوحات المفقودة قد تم بيعها سرّاً ودون إعلان رسمي وارد.
الاستعداد المحتمل لبيع كنوز المتحف
في عام 2022، تم تأسيس مؤسستين ثقافيتين وفنيتين في إيران، هما مؤسسة "نام" الثقافية ومؤسسة "ماهِستان" الثقافية، والغريب أن مدير كلتا المؤسستين، هو شخص واحد. لا تتوفر معلومات خاصة عن "ماهستان"، ولكن عند النظر في خلفية أنشطة مؤسسة "نام"، يمكن أن نفهم أن معظم نشاطات هذه المؤسسة تتعلق بتصميم "بازِلات" فنية من أعمال الفنانين الإيرانيين، كما تعمل على تطوير طرائق جديدة، لتعريف الناس بفن لوحات المقاهي القديمة والتقليدية.
لكن ما هو دور هاتين المؤسستين في قضية اختفاء لوحات متحف الإمام علي؟ وفقاً لتقرير صحيفة "سازَندكی" المذكور أعلاه، فإن مؤسسة "نام" استلمت هذه اللوحات من المتحف تحت ذريعة تنظيم معرض، ثم تم نقلها خارج البلاد باسم مؤسسة "ماهستان" بنفس الحجة. ولكن السؤال الأهم هو: من أين حصلت هذه المؤسسات على التراخيص لمثل هذه الأنشطة؟ وهل التراث الثقافي والفني لأي بلد هو ملك للحكومات أو للمؤسسات الخاصة المرتبطة بالحكومة؟ ولماذا لا تكون قوائم كنوز المتاحف متاحة للجمهور؟
يمتلك متحف الإمام علي كنزاً تُقدّر قيمته بملايين الدولارات، لا سيما أنه يحتوي على أعمال استثنائية لن تتكرر في تاريخ إيران، بالإضافة إلى أنها لفنانين بارزين، مثل: النحات والرسام الإيراني بَرويز تَناوُلي، والشاعر والرسام الشهير الإيراني سُهراب سِبَهري، ذلك بالإضافة إلى العديد من اللوحات الفريدة والقيمة التي تجسد الفن الإيراني.
مع الأخذ في الاعتبار أن الأرقام المعلنة لبيع هذه اللوحات في الإمارات كانت ضئيلة جداً بالنسبة لمؤسسة حكومية مثل البلدية، فمن الممكن أن يكون هذا التصرف مجرد تدريب على السطو على كنوز المتحف، ومن المحتمل أن يكون هذا الأمر تمهيداً لصفقات أكبر.
ردود الأفعال حول بيع اللوحات في دبي
بعد انتشار خبر هذه الصفقة، جاءت ردود فعل واسعة من قبل الناس والمسؤولين في إيران، وأبرزها كان التصريح الغريب لرئيس مجلس مدينة طهران، مهدي تشَمران، حيث قال إن بيع لوحات المتاحف للمعارض الأجنبية أمر طبيعي وشائع في جميع أنحاء العالم، وإن ضجة كبيرة لا داعي لها أثيرت حول هذا الموضوع، مؤكداً أن رئيس منظمة الثقافة والفنون التابعة للبلدية سيقدم توضيحات أمام مجلس المدينة.
وبعيداً عن هذا التصريح، يرى المنتقدون أن رؤساء المتاحف لا يملكون الحقَّ في بيع الأعمال المعروضة والموجودة في هذه المتاحف، حتى إذا كان هدفهم زيادة الموارد المالية، وبالتحديد في حالة بيع هذه الثلاثين لوحة، فإن المبالغ التي تم تداولها منخفضة جداً لدرجة أنها لا تساهم فعلياً في حل مشاكل بلدية طهران، التي تبلغ ميزانيتها السنوية أكثر من 2.5 بليون دولار.
اختفاء الأعمال الثقافية والتراثية من المتاحف الإيرانية ليس بالأمر الجديد، حيث في حدث مشابه لهذا الحدث، تم إخراج 48 سجادة ثمينة بشاحنة من قصر "سَعد آباد" في طهران ولم تُعَد أبداً
وأوضح ناصر أماني، أن المعلومات التي حصل عليها تشير إلى أن هذه اللوحات أُخذت كأمانة، لكن لم يتم إعادتها أبداً إلى المتحف. بعد هذه الضجة الإعلامية، أعلن نائب عمدة طهران أن اللوحات قد أُعيدت إلى المتحف، على الرغم من أن القضية كُشفت بعد بيع 14 لوحة من أصل 30. أما الـ16 لوحة المتبقية، فلم يتم إعادتها إلى المتحف رغم ادعاء نائب العمدة.
وفي سياق متصل، قال مدير المتاحف في إيران، هادي ميرزايي، إن البلدية ومسؤولي المتحف، لم يحصلوا على التصريحات اللازمة لنقل هذه الأعمال إلى الإمارات.
تاريخ اختفاء الأعمال الثقافية والفنية من المتاحف الإيرانية
اختفاء الأعمال الثقافية والتراثية من المتاحف الإيرانية ليس بالأمر الجديد، حيث في حدث مشابه لهذا الحدث، تم إخراج 48 سجادة ثمينة بشاحنة من قصر "سَعد آباد" في طهران ولم تُعَد أبداً. انتشرت أخبار هذه العملية في أيار/مايو 2020 عن طريق وكالة "فارْس" التابعة للحكومة الإيرانية، وأشارت بعض المصادر إلى أن هذا الخبر نُشر لأغراض انتخابية ولصرف الانتباه عن أمور تجري في تلك الفترة.
وحسب ما جاء في هذا الخبر، فإن هذه السجادات الثمينة، نقلت، في عام 2016، إلى منزل أحد كبار المسؤولين في الحكومة السابقة. وكما هو الحال في قضية اللوحات، ادعت منظمة التراث الثقافي أنها ليست على علم بهذه القضية، بينما تقول السلطة القضائية في إيران إنها ما زالت تحقق في الحادثة، ونجحت في استعادة ست سجادات من أصل 48.
وفي وقت سابق، تم التطرق إلى قضية اختفاء تيجان محمد رضا شاه البَهلَوي، آخر ملوك إيران وزوجته، من متحف المجوهرات الملكية، حيث كانت هذه التيجان معروضة في المتحف حتى قبل تفشي وباء كورونا، لكنها اختفت بعد إغلاق المتاحف بسبب الوباء. حينها زعمت الحكومة الإيرانية أن عائلة بَهلَوي قد نقلت هذه التيجان إلى خارج إيران في كانون الثاني/يناير 1979 (قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران بشهر)، وهو ما نفته آخر ملكات إيران، فرح بَهلوِي.
على الرغم من أن اختفاء التراث الثقافي وما ينتمي إلى الشعب وبيعه وتحويله إلى أصول شخصية ليس بأمر جديد على المواطن الإيراني، فلا يزال هناك أمل ضئيل في أن تعود اللوحات الـ16 المتبقية من أصل 30 لوحة إلى موطنها يوماً ما.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 5 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه