بعد ساعات من إعلان مجلس الحكومة المصغّر إضافة هدف جديد إلى أهداف الحرب، هو "إعادة سكان شمال إسرائيل إلى منازلهم"، انفجرت مئات من أجهزة "البيجر" التي يستخدمها أعضاء حزب الله في جميع أنحاء لبنان، يوم الثلاثاء 17 أيلول/ سبتمبر 2024.
واستمر الكابوس ليوم الأربعاء، حيث أشارت معلومات أولية إلى تسجيل إصابات في صفوف مواطنين لبنانيين بسبب تفجيرات شبيهة لليوم الذي سبقه، حيث أعلنت وزارة الصحة اللبنانية عن "سقوط 9 شهداء وأكثر من 300 جريح" جراء التفجيرات الجديدة لأجهزة الاتصال اللاسلكية التي حصلت بعد ظهر اليوم في الضاحية الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان.
ويعتبر هجوم اليوم هو الثاني من نوعه في غضون 24 ساعة بعد سلسلة الانفجارات التي تعرضت لها أجهزة "البيجر" التي يستخدمها عناصر حزب الله، ولتصل حصيلة القتلى إلى 37، وترتفع حصيلة الجرحى إلى أكثر من 2930، من بينهم 300 حالة حرجة.
ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدر أمني قوله إن "أجهزة الاتصالات التي انفجرت في أنحاء لبنان، هي أجهزة لاسلكية محمولة باليد وتختلف عن أجهزة البيجر التي انفجرت أمس". وبحسب "رويترز" أيضاً، فإن هذه الأجهزة تم شراؤها قبل خمسة أشهر أيضاً، في الوقت نفسه الذي تم فيه شراء أجهزة "البيجر".
وقال وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، في تعليقه على حصيلة اليوم الأول، إن 300 من المصابين في حالة حرجة، وإن الإصابات تتركز بشكل أساسي في الوجه واليدين والبطن، بينما لم تصدر تصريحات رسمية بعد عن تفجيرات اليوم الثلاثاء.
سيناريوهات التوتّر
وكانت الولايات المتحدة قد سارعت إلى نفي تورطها في الهجمات، إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، إن "الولايات المتحدة لم تكن متورطةً وليست على علم مسبق بهذا الحادث".
بعد ساعات من إعلان إسرائيل إضافة هدف جديد إلى أهداف الحرب، هو "إعادة سكان شمال إسرائيل إلى منازلهم"، انفجرت مئات من أجهزة "البيجر" التي يستخدمها أعضاء حزب الله في جميع أنحاء لبنان يوم أمس الإثنين، واستمر الكابوس اليوم الثلاثاء، مع تسجيل إصابات في صفوف مواطنين لبنانيين بسبب تفجيرات شبيهة، في أجهزة اللاسلكي هذه المرة
فبعد هجوم "البيجر"، الذي عدّه كثرٌ من المحللين الأول من نوعه في العالم، واختباراً لأخلاقيات الحروب القادمة وما إذا كان العالم سيقبل بأن تُستخدم "تقنيات السلم في الحرب"، وفي ظل التوترات المستمرة بين إسرائيل وحزب الله ومن خلفه إيران، وضعت الصحافة الأمريكية والإسرائيلية سيناريوهات محتملةً عدة للعلاقات المستقبلية بين الأطراف، وتتراوح بين التهدئة والمواجهة الشاملة.
الأخطر من بين الاستشرافات السياسية، هي القول بأن الهجوم بحد ذاته ليس إلا تمهيداً لما هو أكبر، على اعتبار أن الهدف الأكبر كان قطع التواصل بين أعضاء حزب الله في لبنان، وتعطيلهم جسدياً لتنفيذ مخطط أضخم.
والاستشراف الأبعد هو القول بأن "احتمالات السلام ترتفع كلما ارتفعت احتمالات ما قبل الحرب"، لكن التهدئة الشاملة لا تبدو مطروحةً حالياً في معظم التحليلات في الصحف الأمريكية والإسرائيلية، ما لم تكن استثناءً وتأتي في إطار وقف شامل لإطلاق النار، وهو ما يستبعده السياسيون ضمن المعطيات الحالية.
أما المرجّح عند الأغلبية، فهي حالة "اللاسلم واللاحرب"، التي سيعاني منها لبنان أكثر من إسرائيل بسبب الوضع الاقتصادي لكل منهما.
السيناريو الأسوأ… الحرب ستتوسع ولا عودة من هذه النقطة
كثيرون من يعتقدون بأن قطع الاتصالات بين أعضاء الحزب لا يمكن أن يكون هدفاً بحد ذاته، ومنهم الخبير الإستراتيجي العميد سمير راغب، في تصريحات خاصة لـ"العربية نت"، بأن هذه العملية هي تمهيد لضربة أوسع على الضاحية الجنوبية، وبأن نتنياهو يريد الاستعجال قبل نتائج الانتخابات الأمريكية.
الأخطر من بين الاستشرافات السياسية، القول بأن الهجوم بحد ذاته ليس إلا تمهيداً لما هو أكبر، على اعتبار أن الهدف الأكبر كان قطع التواصل بين أعضاء حزب الله في لبنان، وتعطيلهم جسدياً لتنفيذ مخطط أضخم.
من يعتقدون بهذا السيناريو، يحاججون بأن الضغط الداخلي في إسرائيل قد يدفع الحكومة إلى شنّ حرب شاملة ضد حزب الله لتدمير قدراته الإستراتيجية، خاصةً الصواريخ الدقيقة والبنى التحتية العسكرية في جنوب لبنان. هذا السيناريو ستكون له تداعيات خطيرة، إذ قد يؤدي إلى تدخل إيران بشكل مباشر، وربما مشاركة ميليشيات أخرى موالية لإيران من العراق واليمن، ما يزيد من احتمال تدخّل الولايات المتحدة بشكل أوسع.
بناءً على هذه التحليلات، يبدو أن خيار التهدئة لا يزال ممكناً، خاصةً مع وجود جهود دبلوماسية أمريكية لخفض التصعيد. ومع ذلك، فإن خطر التصعيد إلى حرب شاملة لا يزال قائماً في حال حدوث خطأ في الحسابات أو فشل الجهود الدبلوماسية.
بعض من يعتقدون أن خيار الحرب الشاملة هو الأوسع، يربطون هذا الاحتمال بعلاقة طردية مع احتمال نجاح الديمقراطيين في سباق الرئاسة الأمريكية المقبل، فعلى الأرجح سيحاول نتنياهو التسريع في جعل الحرب حقيقةً واقعةً كلما قلّت احتمالات فوز ترامب، كي لا يواجه عقبات "التراجع" في حال وصول كاميلا هاريس، إلى الحكم.
سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ترتبط بشكل وثيق بالسياسة الأمريكية، خاصةً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024. خلال زياراته الأخيرة إلى واشنطن، حاول نتنياهو توظيف العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة لتعزيز موقفه الداخلي والخارجي، والتركيز على "التهديدات المشتركة" مثل إيران وحماس.
من منظور السياسة الأمريكية، أصبح موقف نتنياهو قضيةً خلافيةً، حيث تشير التحليلات إلى أن إسرائيل، التي كانت في الماضي قضيةً موحدةً بين الديمقراطيين والجمهوريين، باتت موضوعاً للخلاف الحزبي، خاصةً مع صعود جيل جديد من الديمقراطيين الشباب الذين يتبنّون مواقف أقلّ دعماً لإسرائيل مقارنةً بجيل السياسيين الأكبر سنّاً. في الوقت ذاته، ينظر نتنياهو إلى احتمال عودة إدارة جمهورية بقيادة دونالد ترامب، أو أي مرشح يميني آخر، كفرصة لتخفيف الضغط الأمريكي على إسرائيل في قضايا مثل المستوطنات والملف الفلسطيني.
حزب الله الذي تلقّى ضربةً موجعةً في أعضائه وبعض أفراد عائلاتهم وفي قدرته على التواصل، قال في بيانه: "نحمّل العدوّ الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان الإجرامي"، مضيفاً أن إسرائيل "ستتلقى بالتأكيد عقابها العادل على هذا العدوان الآثم".
كثيرة هي التحليلات التي تشير إلى أن كلا الطرفين -حزب الله وإسرائيل- يحاولان تجنّب مواجهة شاملة بسبب الكلفة البشرية والاقتصادية العالية التي ستترتب عليها. وبرغم الاشتباكات المتكررة عبر الحدود والهجمات الصاروخية، يبدو أن هذه المناوشات تُستخدم كوسيلة لفرض النفوذ والتفاوض أكثر منها لإشعال حرب شاملة
وقد قُتلت ابنة أحد أعضاء حزب الله، البالغة من العمر 10 سنوات، في وادي البقاع شرقي لبنان، عندما انفجر جهاز "البيجر" الخاص بوالدها، وفقاً لعائلتها ومصدر مقرّب من المجموعة. كما كان نجل النائب في البرلمان اللبناني عن حزب الله علي عمار، من بين القتلى، وأصيب السفير الإيراني في بيروت في أحد الانفجارات، لكن إصاباته لم تكن خطيرةً، وفقًا لوسائل الإعلام الإيرانية.
لا حرب ولا سلم… أي لا اقتصاد ولا تنمية
قد تشهد المرحلة القادمة حملةً عسكريةً محدودةً تستهدف مواقع حزب الله بالقرب من الحدود اللبنانية، مع محاولة إسرائيل تجنّب استهداف المراكز السكانية الكبيرة في لبنان، وتالياً تفادي ردود فعل أكبر. ومن جهته قد يستمر حزب الله في إطلاق صواريخ متقطعة على إسرائيل، ولكن بوتيرة منخفضة، في انتظار وقف لإطلاق النار في غزة.
في هذا السيناريو، سيكون احتمال الحرب الشاملة أقلّ، لكنه واقع غير مستقر، ويعتمد على نجاح الجهود الدبلوماسية الدولية لخفض التصعيد. وفي ظل هذا السيناريو، وفي حال تبنّي التحليلات القائلة بأن الحزب غير معني فعلاً بالدخول في حرب أوسع، سيمارس حزب الله نوعاً من الضغوط على حماس -ربما من خلال إيران- للقبول بشروط وقف إطلاق النار.
وبحسب مواقع عدة، منها أكسيوس، فسياسة الولايات المتحدة الأمريكية أقرب إلى هذا السيناريو من السيناريوهين الآخرين، لا سيما في ظل عدم تحرير الرهائن، كورقة ضغط على حزب الله -حليف حماس- لكن من دون فاتورة حرب كبرى.
وقد حذّرت الولايات المتحدة، على لسان الرئيس جو بايدن، عقب التفجيرات، إسرائيل من شنّ حرب ضد لبنان، مؤكدةً أنها تدعم الوصول إلى "حل دبلوماسي" لإنهاء التصعيد على الحدود الشمالية لإسرائيل. كما حذّر المبعوث الأمريكي إلى لبنان أموس هوكستين، من الأمر نفسه بحسب ما ورد في "تايمز أوف إسرائيل".
كثيرة هي التحليلات التي تشير إلى أن كلا الطرفين -حزب الله وإسرائيل- يحاولان تجنّب مواجهة شاملة بسبب الكلفة البشرية والاقتصادية العالية التي ستترتب عليها. وبرغم الاشتباكات المتكررة عبر الحدود والهجمات الصاروخية، يبدو أن هذه المناوشات تُستخدم كوسيلة لفرض النفوذ والتفاوض أكثر منها لإشعال حرب شاملة.
فحزب الله لا يرغب في الدخول في حرب كاملة مع إسرائيل، خاصةً في ظل الأزمة الاقتصادية والسياسية التي يمرّ بها لبنان، والتي قد تزيدها الحرب سوءاً. في المقابل، إسرائيل أيضاً غير مستعدة لحرب طويلة على جبهتين، حيث تظلّ غزّة أولويةً بالنسبة لها في الوقت الراهن. ومع ذلك، فإن تزايد التصعيد واستخدام أسلحة متطورة قد يدفع بالأمور إلى حافة الهاوية.
لكن إذا اختار الطرفان هذا الاحتمال، فقد يؤدي أي خطأ في الحسابات العسكرية أو استهداف مدنيين على الجانبين إلى تصعيد غير مخطط له، حيث يرتفع مستوى العنف ويتسع نطاق الاشتباكات. الخوف هنا مبعثه أن قصفاً غير دقيق قد يؤدي إلى مقتل عدد كبير من المدنيين، ما يزيد من وتيرة الردود المتبادلة، ويضع كلا الطرفين أمام دوامة من الانتقام يصعب الخروج منها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.