قالوا قديماً إن الحكم على الشيء فرع من تصوّره، كما قيل إن من جهل شيئاً عاداه. تحفل التصورات السنّية/الشيعية بقدر كبير من المغالطات والمعلومات المغلوطة، التي تراكمت فوق بعضها بعضاً مع الزمن، لتصنع سوراً عالياً يفرّق في كثير من الأحيان بين أهل السنّة من جهة، والشيعة من جهة أخرى.
بطبيعة الحال، لا يمكن التقليل من البون الواسع بين المذهبين. يختلف المذهبان عن بعضهما بعضاً في العديد من التفاصيل العقائدية والفقهية والأصولية، الأمر الذي تسبب في وقوع العداء والتناحر بين الفريقين في فترات تاريخية متفاوتة. برغم ذلك، بالبحث الدقيق نجد أن القدر الأكبر من العداء نتج، في الأساس، عن التصورات المغلوطة المُتبادلة، والتي تضخمت عبر الزمن بسبب مشاعر الكراهية، والحقد، والتنافس.
في هذا السياق، يحق لنا أن نطرح السؤال الآتي: ماذا لو تمكننا من تصحيح بعض المعلومات المغلوطة، بهدف تقريب وجهات النظر بين الفريقين؟ ألا يفتح ذلك طريقاً للتفاهم وقبول الآخر؟
نناقش في هذا المقال عدداً من المسائل الجدلية الضاربة بجذورها في تاريخ الصراع السنّي-الشيعي، محاولين أن ننقل القضية من ميدان التكفير والتفسيق والتبديع الذي يجعل كل فريق يُخرج منافسه من الملّة، إلى مساحة رحبة من الخلاف السائغ الذي من الممكن أن يُفهم في ضوء الدعوة للاجتهاد.
تجسيم الله
تُعدّ قضية تجسيم الله، من بين المسائل التي يأخذها الشيعة على جماهير أهل السنّة والجماعة. يرفض الشيعة الروايات الداعية إلى تجسيم الذات الإلهية، ويؤكدون على تنزيهه عن جميع المخلوقات. في هذا السياق، كان من الطبيعي أن ينظر الشيعة باستنكار إلى العديد من الأقوال المنسوبة إلى علماء السنّة، والتي يُفهم منها تجسيد الله أو تشبيهه بصورة أو بأخرى؛ من تلك الأقوال، ما يُنسب إلى القاضي أبو يعلى الفرّاء في القرن الخامس الهجري، عندما قال في مسألة الصفات: "إذا ذُكر الله تعالى، وما ورد من هذه الظواهر في صفاته، ألزموني ما شئتم فإني ألتزمه إلا اللحية والعورة". من ذلك أيضاً، ما نُقل عن ابن تيمية الحرّاني، في القرن الثامن الهجري، من تصحيحه الحديث المنسوب إلى النبي، والذي جاء فيه: "رَأَيْتُ رَبِّي فِي المنام في صورة شاب مُوَقَّرٍ فِي خَضِرٍ، عليه نَعْلانِ من ذهب، وَعَلَى وجهه فراش مِنْ ذهب...".
يرفض الشيعة الروايات الداعية إلى تجسيم الذات الإلهية، ويؤكدون على تنزيهه عن جميع المخلوقات. في هذا السياق، كان من الطبيعي أن ينظر الشيعة باستنكار إلى العديد من الأقوال المنسوبة إلى علماء السنّة
في الحقيقة، لا يمكن تعميم تلك الأقوال لتلزم عموم أهل السنّة والجماعة. اقتصر التيار التشبيهي على الحنابلة وأهل الحديث دون غيرهم، بينما نادى الأشاعرة والماتريدية -وهم الأغلبية الغالبة من أهل السنّة والجماعة- بتنزيه الله بشكل مطلق. وفي ذلك المعنى يقول أبو جعفر الطحاوي في عقيدته: "إن ربنا جلّ وعلا موصوف بصفات الوحدانية منعوت بنعوت الفردانية ليس في معناه أحد من البرية، وتعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات".
كما قال الحافظ، ابن عساكر، في كتابه "تبيين كذب المفتري فيما نُسب إلى الأشعري"، موضحاً عقيدة الأشاعرة: "وينزّهونه -أي الأشاعرة- عن سمات النقص والآفات، فإذا وجدوا من يقول بالتجسيم أو التكييف من المجسمة والمشبهة ولقوا من يصفه بصفات المحدثات من القائلين بالحدود والجهة، فحينئذٍ يسلكون طريق التأويل، ويثبتون تنزيهه بأوضح الدليل، ويبالغون في إثبات التقديس له والتنزيه...".
نواصب... لا يحبّون آل البيت
أيضاً يتهم الشيعةُ أهلَ السنّة في الكثير من الأحيان بأنهم نواصب، معادون لأهل بيت النبي. في الحقيقة، يحمل هذا الاتهام مغالطةً واضحةً. يؤمن أهل السنّة بالمقام الرفيع لآل البيت، ويتقربون إلى الله بمحبتهم ومودتهم. وفي ذلك يقول أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجُرِّيُّ البغدادي المتوفى سنة 360هـ، في كتابه "الشريعة": "... واجبٌ على كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنةٍ مَحَبَّةُ أهلِ بَيتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ بنو هاشمٍ: عليّ بن أبي طالِبٍ ووَلَدُه وذُرِّيَّتُه، وفاطِمةُ ووَلَدُها وذُرِّيَّتُها، والحَسَنُ والحُسَين وأولادهما وذُرِّيَّتهما، وجَعفَرٌ الطَّيَّار ووَلَدُه وذُرِّيَّتُه، وحمزةُ ووَلَدُه، والعبَّاس ووَلَده وذُرِّيَّته رَضِيَ اللهُ عنهم؛ هؤلاء أهل بَيتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واجِبٌ على المُسلِمين محبَّتُهم وإكرامُهم، واحتِمالُهم وحُسنُ مُداراتِهم، والصَّبرُ عليهم، والدُّعاءُ لهم".
في السياق نفسه، اشتهر عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي، قصيدته التي قال فيها: "إن كانَ رَفضاً حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ/ فَليَشهَدِ الثَقَلانِ أَنّي رافِضي".
يمكن تحديد الخلاف بين التصوّرين الشيعي والسنّي لآل البيت، في مسألة الولاية. يؤمن الشيعة بأن ولاية آل البيت تقتضي القبول بإمامتهم وخلافتهم للنبي. على الجهة المقابلة، يرى أهل السنّة أن الولاية لآل البيت تقتصر على المودة والحب فحسب.
زواج المتعة
يمثّل الخلاف حول زواج المتعة أحد أهم المسائل الإشكالية العالقة في الصراع السنّي-الشيعي. يرفض أهل السنّة إباحة زواج المتعة، في الوقت الذي يبيحه الشيعة ويعدّونه زواجاً مكتمل الأركان. من ثم اعتاد العديد من أهل السنّة أن يصفوا الشيعة بأنهم "أولاد متعة"، تعريضاً بذلك النوع من الزواج، وإشارةً إلى تشابهه مع "الزنا" والعلاقات الجنسية المحرمة في الإسلام.
لو دققنا النظر في طبيعة الخلاف حول زواج المتعة، لوجدنا أنه يحمل الصفة الفقهية بامتياز. يتفق الفريقان -أهل السنّة والشيعة- أن ذلك النوع من الزواج كان قائماً ومعمولاً به لفترة طويلة في زمن النبي. ويظهر الخلاف بين الفريقين في مسألة نسخ الحكم بإجازة ذلك الزواج. في حين يؤكد أهل السنّة أن حكم المتعة قد نُسخ، وأنه قد تم تحريم هذا النوع من الزواج بعد غزوة خيبر في السنة السابعة من الهجرة، فإن الشيعة لم تثبت لديهم أخبار النسخ، وبقيت المتعة حلالاً عندهم. وهو ما يعني أن الخلاف بين الطرفين، هو خلاف فقهي حول مسألة نسخ الحكم ليس إلا.
من هنا، يجدر بأهل السنّة أن يفهموا أن هناك أركاناً وشروطاً وضوابط لزواج المتعة، وأنه لا يمكن أن يُقارَن بالزنا أو السفاح. الدليل على ذلك أن معظم المذاهب الفقهية السنّية لم تقل بتطبيق حد الزنا على الشخص الذي يتزوج زواج المتعة.
دخل السرداب ولم يخرج!
يعتقد الشيعة أن الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري وُلد في مدينة سامراء في ليلة النصف من شعبان في سنة 255هـ، وأنه اختفى عن الأنظار بعد وفاة والده بعدما دخل سرداباً في منزله هرباً من ملاحقة السلطات العباسية له. بحسب التقليد الشيعي المتوارث، فإن محمد بن الحسن العسكري هو نفسه المهدي المنتظر الذي بشّرت به الأحاديث النبوية. ويعتقد الشيعة الإمامية الاثنا عشرية أنه مختفٍ عن الأنظار بشكل كامل منذ سنة 329ه وحتى الآن، وأنه سيظهر في وقت غير معروف ليقود معسكر الخير والحق للانتصار على الظلم والشرور التي تملأ الدنيا.
يمثّل الخلاف حول زواج المتعة أحد أهم المسائل الإشكالية العالقة في الصراع السنّي-الشيعي. يرفض أهل السنّة إباحة زواج المتعة، في الوقت الذي يبيحه الشيعة ويعدّونه زواجاً مكتمل الأركان.
برغم أن أهل السنّة والجماعة يؤمنون بدورهم بفكرة المهدي المنتظر الذي سيظهر في آخر الزمان، إلا أنهم لا يعترفون بأن المهدي هو نفسه محمد بن الحسن العسكري. يتخذ أغلب أهل السنّة من فكرة المهدي الشيعي موضوعاً للسخرية والتعجب، خصوصاً مع طول فترة اختفاء المهدي والتي زادت عن 1100 سنة.
الباحث في أدبيات أهل السنّة والجماعة، سيجد أن مسألة طول عمر المهدي الشيعي لا يجب أن تُحاط بكل هذا القدر من الاستهجان. يؤمن أهل السنّة أيضاً بطول عمر العديد من الشخصيات؛ على سبيل المثال، جاء في حديث الجساسة -الوارد في صحيح مسلم- أن المسيح الدجال يعيش على جزيرة نائية منذ ما يزيد عن 1400 سنة. كما أن هناك العديد من الروايات التي تذكر أن كلّاً من الخضر، والنبي إيليا، والسامري يعيشون على الأرض منذ آلاف السنين.
النقطة الأخرى التي تثير تعجّب السنّة في موضوع المهدي، ما رُوي عن اختفاء محمد بن الحسن العسكري في سرداب تحت الأرض في مدينة سامراء. يستغرب أهل السنّة بقاء المهدي في هذا السرداب لقرون متتابعة، ويتخذون من ذلك مادةً للتندر، حتى اعتاد العديد منهم على تسمية المهدي بـ"المُسردب"، الأمر الذي يعدّه الشيعة تقليلاً من شأنهم.
في الحقيقة، لم يقل الشيعة بأن مهديّهم ظلّ في السرداب كل تلك المدة. ظهرت العديد من الآراء الشيعية التي حاولت أن تبيّن المكان الذي سكنه الإمام الثاني عشر منذ اختفائه؛ على سبيل المثال، وردت بعض الروايات التي ذكرت أن المهدي يعيش متخفياً في المدينة المنّورة. وقيل: إنّه يسكن في رضوى، وهو جبل بين مكّة والمدينة. كما ذكرت بعض المصادر المتأخرة، منها "بحار الأنوار" لمحمد باقر المجلسي، أن المهدي الغائب يعيش في جزيرة نائية في المغرب تُعرف باسم الجزيرة الخضراء. وقيل أيضاً إنه يتجوّل في شتى أنحاء الأرض دون أن يعرف الناس هويته الحقيقية.
بطبيعة الحال لا يمكن البتّ أو القطع في تلك المسألة لكونها من الغيبيات التي لا يمكن إثباتها أو نفيها. ما يهمنا هنا، أن يتفهم أهل السنّة أن اعتقاد الشيعة الاثني عشرية في المهدي يُماثل اعتقاد السنّة في العديد من الأمور والمسائل المتشابهة. فمن الجميل إن يتفهم كلّ من الطرفين الجانبَ الغيبي الذي يحيط بعقائد كلّ منهما، دون أن تُتخذ من تلك العقائد موادّ للسخرية أو التهكم.
تحريف القرآن
يُتهم الشيعة على نطاق واسع بأنهم يؤمنون بتحريف القرآن. في هذا السياق، يُستحضر اسم كتاب "فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب" للميرزا حسين النوري الطبرسي، وهو الكتاب الذي يشي عنوانه بمحتواه الذي يشير إلى تحريف كلام الله.
يتهم الشيعةُ أهلَ السنّة في الكثير من الأحيان بأنهم نواصب، معادون لأهل بيت النبي. في الحقيقة، يحمل هذا الاتهام مغالطةً واضحةً. يؤمن أهل السنّة بالمقام الرفيع لآل البيت، ويتقربون إلى الله بمحبتهم ومودتهم
في الحقيقة، يعتقد الشيعة -مثلهم مثل أهل السنّة والجماعة- بحفظ القرآن من التحريف والتبديل. وفي هذا المعنى، قال محمد رضا المظفر في كتابه "عقائد الإمامية"، إن القرآن الكريم "هو الوحي المنزل من الله تعالى على لسان نبيه الأكرم... لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف، وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل على النبي، ومن ادّعى فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه، وكلهم على غير هدى".
بالنسبة إلى كتاب النوري الطبرسي، فقد انتُقد على نطاق واسع من قِبل علماء الشيعة في عصره، وفي العصور التالية له. وألّف العديد من علماء الشيعة كتباً للردّ على ما ورد في هذا الكتاب، ليثبتوا حفظ القرآن من التغيير والتحريف. من تلك المؤلفات كتاب "كشف الارتياب عن تحريف الكتاب" لشيخ محمود المعرّب الطهراني، وكتاب "حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف" من تأليف السيد محمد حسين الشهرستاني، وكتاب "التنزيه في إثبات صيانة المصحف الشريف من النسخ والنقص والتحريف" للسيد هبة الدين الشهرستاني، وكتاب "البرهان على عدم تحريف القرآن" للميرزا مهدي البروجردي. كما قيل إن الميرزا النوري الطبرسي نفسه قد رجع عما أورده في كتابه، وأنه صنّف رسالةً ردّ فيها على الانتقادات التي وُجّهت إلى كتابه، وأكد فيها على حفظ القرآن من التبديل والتحريف.
يؤمنون بأن عليّاً كان المقصود بالرسالة
يُعدّ القول بأن جبريل قد أخطأ في الرسالة، وبأنه قد نزل على النبي محمد بالخطأ، بدلاً من ابن عمه عليّ بن أبي طالب، أحد أشهر الادعاءات المغلوطة الشائعة في الأوساط السنّية عن الشيعة الإمامية الاثني عشرية.
في الحقيقة، لا يؤمن الشيعة بهذا المعتقد على الإطلاق. يتفق الشيعة مع أهل السنّة وعموم المسلمين في أن محمّداً بن عبد الله هو المقصود بحمل رسالة الإسلام، وأنه النبي الخاتم الذي اختاره الله لحمل رسالته، ونشرها بين الناس.
في كتابه "الفرق بين الفرق، وبيان الفرقة الناجية منهم"، أوضح أبو منصور عبد القاهر البغدادي (ت 429هـ)، مصدر تلك المعلومات المغلوطة الشائعة. يتحدث البغدادي عن بعض الفرق الشيعية التي انقرضت في القرون الأولى من الإسلام، ومنها فرقة الغرابية، وهم "قوم زعموا أن الله أرسل جبريل إلى عليّ، فغلط في طريقه، فذهب إلى محمد؛ لأنه كان يشبهه، وقالوا: كان أشبه به من الغراب بالغراب، والذباب بالذباب".
من هنا، نستطيع أن نفهم مصدر تلك الفرية، برغم أن فرقة الغرابية انقرضت منذ قرون طويلة، إلا أن بعض مهاجمي الشيعة اعتادوا التشنيع على المذهب الإمامي من خلال نسبة أقوال الغرابية إليهم. ولم يكن من الغريب أن تنتشر تلك المعلومات المغلوطة في الأوساط السنّية العامية مع غياب التدقيق والتثبت، والتساهل في قبول جميع الاتهامات التي تطول الأعداء المذهبيين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه