قطعاً لتكهنات سابقة، أكّد يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مطلع أيلول/ سبتمبر الجاري، طلب تركيا العضوية الكاملة في مجموعة "بريكس (BRICS)"، التي تضمّ البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا ومصر وإيران والسعودية والإمارات العربية وإثيوبيا، كما أفاد بأن المنظمة ستبدأ مراجعة طلب أنقرة قبل قمّتها التي ستُعقد في قازان، بين 22 و24 تشرين الأول/ أكتوبر القادم.
ويأتي طلب أنقرة بعد سلسلة من الإحباطات في مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ونتيجة "انتقال مركز الثقل الجيو-سياسي بعيداً عن الاقتصادات المتقدمة"، وفقاً لمسؤولين أتراك. وتوفّر عضوية المجموعة مصدر تمويل جديداً محتملاً لتركيا، وفرصةً لزيادة وارداتها المرتفعة أصلاً من الصين وروسيا، ولزيادة صادراتها إلى هذه البلدان، مع "تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي"، حسب معهد كوينسي. ونقل المعهد عن وكالة "بلومبيرغ" قولها: "بريكس تروّج لنفسها كبديل للمؤسسات المهيمَن عليها غربياً، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث يمكن لأعضائها الحصول على تمويل بنك التنمية التابع للمنظمة، وكذلك توسيع علاقاتهم السياسية والتجارية".
تعدد الأقطاب... والأسواق
يضيف كوينسي، أنه برغم ادعاء أنقرة تمسكها بعضويتها ومسؤولياتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأن طلب عضوية بريكس استمرار رسمي لإستراتيجيتها متعددة الأقطاب للوصول إلى أسواق جديدة وتأمين طرق تجارية جديدة، إلا أن توجهها لا يستند فقط إلى إمكانية زيادة الفرص الاقتصادية، وقد يكون مناورةً تركيةً جديدةً تجاه إحباطها المستمر من محادثات عضوية الاتحاد الأوروبي الجارية منذ عام 2005.
قطعاً للتكهنات، أكّد يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي طلب تركيا العضوية الكاملة في مجموعة "بريكس" التي تضمّ البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا ومصر وإيران والسعودية والإمارات العربية وإثيوبيا، مفيداً بأن المنظمة ستراجع طلب أنقرة قبل قمّتها التي ستُعقد في قازان الشهر القادم
بناءً على ذلك، أعرب المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، عن قلق بروكسل من طلب تركيا الانضمام إلى بريكس، برغم حقّها في اختيار تحالفاتها الدولية. لكنها كمرشحة لعضوية الاتحاد، يتعيّن عليها احترام قيمه وتفضيلات سياسته الخارجية. يتوقع الاتحاد من المرشحين لعضويته مشاركة قيمه ومواءمة سياساتهم الخارجية معه بالكامل، قال ستانو.
بدوره، أعرب المبعوث الأمريكي والسفير المنتهية ولايته في أنقرة، جيف فليك، عن أمله في ألا تنضمّ تركيا إلى بريكس، مشيراً إلى أن هذه الخطوة ومثيلاتها لن تغيّر تحالف أنقرة مع الغرب، مع إشارته إلى عمل واشنطن وأنقرة على تخفيف اعتماد الأخيرة على روسيا في مجال الطاقة.
فيما أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سابقاً، إلى عدم اضطرار أنقرة إلى "الاختيار بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة شنغهاي للتعاون، على العكس، علينا تطوير علاقاتنا مع المنظمات على أساس المصالح المشتركة". وبرأيه، "يمكن لتركيا أن تصبح دولةً قويةً ومزدهرةً ومرموقةً وفعالةً إذا حسّنت علاقاتها مع الشرق والغرب في آن واحد، وأي طريقة أخرى ستضرّ بها".
ومجموعة بريكس، هي تحالف للحوار السياسي والتعاون الاقتصادي تأسس عام 2006، ويحمل اسمها الأحرف الأولى للدول المؤسسة، البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا التي انضمت لاحقاً عام 2010. وشهد التحالف توسعاً مطلع العام الحالي، بانضمام السعودية والإمارات العربية ومصر وإيران وإثيوبيا إليه. ومؤخراً، تقدمت كلّ من تركيا وأذربيجان وماليزيا وتايلاند بطلب رسمي للانضمام إلى المجموعة، التي يدعو أعضاؤها إلى تضخيم صوت الجنوب العالمي، وإلى نظام عالمي أكثر عدلاً وإصلاح المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
الغرب "حلفاء على الورق"
ينبع الاهتمام التركي بالانضمام إلى "بريكس"، من ضرورات إستراتيجية متعددة تتماشى مع أهدافها الأوسع، كالتنويع الاقتصادي والنفوذ الجيو-سياسي والمواءمة الإستراتيجية، حسب صحيفة ديلي صباح التركية، بما يعكس رغبة أنقرة في تعزيز دورها على الساحة العالمية وتأمين شراكات أكثر تنوعاً في المجالين الاقتصادي والسياسي. وهي إستراتيجية قد تحفّز نموها الاقتصادي واجتذاب الاستثمار الأجنبي، من خلال التعاون مع الاقتصادات الناشئة الكبرى الأخرى، وتالياً تخفيف حدّة التقلبات الاقتصادية الناجمة عن التأثيرات الغربية.
الولايات المتحدة أعربت عن أملها في ألا تنضمّ تركيا إلى بريكس، مع التأكيد أن هذه الخطوة لن تغيّر تحالف أنقرة مع الغرب، وأن واشنطن وأنقرة تعملان على تخفيف اعتماد الأخيرة على روسيا في مجال الطاقة.
بجانب ذلك، قد تلبّي العضوية تطلعات أنقرة الجيو-سياسية الإقليمية والعالمية، من خلال النظر إلى "بريكس" باعتبارها مناورةً دوليةً تكميليةً تتماشى مع هدفها في تعزيز نظام دولي أكثر استقراراً وشموليةً، وتشكيل الشؤون الدولية بشكل مشترك وتعزيز نظام عالمي متعدد الأقطاب. وتدعم عضوية "بريكس" هذا الهدف، عبر دمج تركيا في تحالف يسعى بنشاط إلى إصلاح الحوكمة العالمية، لا سيما في الوقت الذي بدأ فيه التشكيك بشكل متزايد في شرعية الأمم المتحدة والمؤسسات العالمية الأخرى. هذا إلى جانب أهداف أنقرة الأوسع في تعزيز دورها ونفوذها داخل مختلف المنظمات متعددة الأطراف.
وفي مكان آخر، أشارت "ديلي صباح"، إلى خدمة عضوية المجموعة كثقل إستراتيجي موازن لتحالفات أنقرة التقليدية مع القوى الغربية، ما يمكّنها من اتّباع سياسة خارجية أكثر استقلاليةً وحزماً، وهو ما يعزز قوة تركيا التفاوضية، وتالياً يعزز مكانتها العالمية، مشيرةً أيضاً إلى ملء "بريكس" فراغاً سياسياً للنظام العالمي الذي تشكّل بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة غربية. وهو نموذج متعثر، وتُظهر الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في غزة، بوضوح، انهيار آلياته وعدم استدامته.
في حديثه إلى رصيف22، يعرب الباحث في الشأن التركي، سعيد الحاج، وهو طبيب فلسطيني مقيم في أنقرة، عن اعتقاده بأن طلب أنقرة الانضمام إلى بريكس لا يشكل تحوّلاً كاملاً لتركيا نحو الشرق، وإنما هو امتداد لسياستها الخارجية بعد انتهاء الحرب الباردة، ثم بعد تأسيس العدالة والتنمية، وقد ازدادت تركيزاً ووضوحاً خلال السنوات الأخيرة، وتقوم على حرص أنقرة على تنويع محاور سياستها الخارجية، رافضةً منطق الحرب الباردة الذي يقضي بوجود محورين أو تحالفين في العالم، ينبغي أن تكون في أحدهما ضد الآخر، وهو ما بدا واضحاً في علاقاتها المتطورة مع روسيا، برغم تحفظات الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك بتمايز موقفها تجاه الحرب الروسية الأوكرانية عن شركائها في الناتو، برغم التزامها الكامل بالحلف. وفكرة "بريكس" تأتي في هذا السياق، وبعيداً عن رغبة التحول عن التحالف الغربي أو الكتلة الغربية.
وينبّه الحاج، إلى أن تفاقم خلافات أنقرة مع المحور الغربي عموماً، وانعدام فرص انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، مع بعض النداءات الخجولة ربما، لكن المتكررة، بإخراج تركيا من الناتو، وأنها ليست عضواً في الكتلة الغربية، إلى جانب توتر علاقاتها مع واشنطن، لا سيما مؤخراً على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزّة، كل ذلك يحفّز تركيا لتنويع محاور سياستها الخارجية، بحيث تكون أكثر توازناً وصموداً، أمام أي هزّات أو ضغوط خارجية، وتحديداً غربية.
"لا نرى بريكس كبديل لحلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن عملية الانضمام المتوقفة إلى الاتحاد الأوروبي تشجعنا على استكشاف منصات اقتصادية أخرى"، قال مسؤول تركي لموقع "ميدل إيست آي". وأضاف: "نودّ أن نكون جزءاً من كل منصّة متعددة الأطراف، حتى لو كانت هناك فرصة ضئيلة فقط لفائدتنا"، مشيراً إلى أن انجذاب أنقرة إلى المجموعة يحصل لأنها لا تتطلب التزامات أو اتفاقيات سياسية أو اقتصادية، منبّهاً إلى أن "حلفاء تركيا على الورق" غالباً ما يتجاهلون مخاوفها الأمنية وينكرون امتلاكها أسلحةً متطورةً.
يتماهى معه في الرأي، خبير الشؤون الروسية في جامعة نورث إيسترن الأمريكية، ليون روزمارين، بقوله: "من خلال بناء التعاون مع كل من الغرب والدول والهياكل الرئيسية الأخرى، تهدف تركيا إلى احتلال دور فريد لا يمكن لكل بلد تحقيقه". إلا أن "انضمام تركيا إلى المجموعة ليس بالضرورة خطوةً معاديةً للغرب لأن الهند والبرازيل كانتا في هذه المنظمة منذ البداية". مع ذلك، يشير الأكاديمي في جامعة الدفاع الوطني التركية، حياتي أونلو، إلى أن مشاركة القوى المتوسطة مثل تركيا، يمكن أن تعزز أهمية بريكس، حيث تسعى هذه الدول إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب لا تهيمن عليه القوى العظمى.
يجمع طلب تركيا الانضمام إلى "بريكس" خطوات إستراتيجيةً وتكتيكيةً معاً، حسب الصحافي والمحلل السياسي علي أسمر. فهو إستراتيجي، بالنظر إلى مساعي أنقرة لتنويع شراكاتها الاقتصادية والسياسية، بهدف تعزيز دورها وزيادة نفوذها العالمي، وتالياً يُعلي من مكانتها كقوة مؤثرة في النظام الدولي ويعزز قدراتها التفاوضية في قضايا السياسة العالمية.
وهو خطوة تكتيكية، لناحية ردّ فعل أنقرة على توتر علاقاتها مع الغرب، بعد سلسلة من الأزمات الدبلوماسية والاقتصادية. فمن خلاله، تُظهر أنقرة رغبتها في إيجاد بدائل دولية جديدة ودعم إستراتيجياتها في سياق ضغوط خارجية. هذا إلى جانب تعزيز علاقاتها الاقتصادية، عبر أمل أنقرة في تحسين فرص حصولها على تمويل واستثمارات من قبل الدول الأعضاء في المجموعة، التي تضمّ اقتصادات صاعدةً ذات إمكانات كبيرة.
يرى بعض المحللين أن طلب أنقرة الانضمام لبريكس لا يشكل تحوّلاً لتركيا نحو الشرق، وإنما هو امتداد لسياستها الخارجية، التي تقوم على حرصها على تنويع محاور سياستها الخارجية، رافضةً منطق الحرب الباردة الذي يقضي بوجود محورين أو تحالفين في العالم
وعبر الموازنة بين قوى الشرق والغرب، تسعى أنقرة إلى الحفاظ على استقلالها الإستراتيجي، وفقاً للمرصد المصري. لكن طلب انضمامها إلى بريكس قد يستفز بروكسل لإعادة النظر في إحياء مفاوضاتها الخاصة بعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. كذلك قد تزداد ضغوط دول الناتو عليها للاختيار بين التحالف الغربي وبريكس. وفي حال تراجعها عن طلب الانضمام إلى الأخير، ستثبت للشرق أنها حليف لا يمكن الوثوق بقراراته المتقلبة، مما يجعل الانضمام التركي إلى "بريكس" مسألةً معقدةً، ولكن إذا تم، فقد يثير تحديات جديدةً في العلاقات الدولية، خاصةً مع الغرب والناتو.
سياسة خارجية بزاوية 360 درجةً
أصبحت سياسة أنقرة الخارجية قضيةً داخليةً، وجزءاً من "سياسات الهوية"، بعد سنوات من احتكارها من قبل الجنرالات والدبلوماسيين المحترفين، حسب صحيفة الإيكونوميست، التي ذكرت أن تقريع أردوغان للغرب كانت له نتائج إيجابية لدى الناخبين المتدينين والقوميين واليساريين أيضاً. إلى جانب فكرة تحول تركيا لتكون قوةً عالميةً، حيث حققت تقدماً في إفريقيا وآسيا الوسطى خلال العقد الماضي. كما أن الشعور بـ"تركيا الجديدة" قويةً يمنحها فرصة تجاهل أو اختبار تحالفاتها القديمة، أو تشكيل تحالفات جديدة. وفي هذا السياق، يقول رئيس جهاز الاستخبارات التركية، إبراهيم قالين: "تحاول تركيا إدارة سياسة خارجية بزاوية 360 درجةً. ولا نريد تفضيل أي قضية أو فاعل أو منطقة أو بلد معين على آخر".
ووفقاً للصحيفة الأمريكية، لم تعد أنقرة ترى نفسها على أطراف أوروبا، أو جزءاً من منطقة واحدة للتأثير، بل ترى أنها دولة ذات مركز ثقل خاص بها، لذا تبحث عن تحالفات جديدة بمعزل عن الناتو، برغم منحه تركيا "أفضل بوليصة تأمين". ومع ذلك، رفضت أنقرة الانحياز إلى أي جانب في حرب الأوكرانية، على عكس بقية أعضاء الناتو، مشيرةً إلى العلاقة الجيدة والمستمرة بين تركيا وروسيا الآن بشكل أقوى من أي وقت مضى، وإلى اعتماد الأولى على الأخيرة في عائدات سياحية بمليارات الدولارات، وأكثر من 40% من وارداتها من الغاز.
سببان يقفان خلف التوجه التركي شرقاً، حسب الصحافي التركي علي أسمر؛ الأول اقتصادي والثاني جيو-سياسي، مشيراً لرصيف22، إلى بحث أنقرة عن الاستقرار الاقتصادي، عبر فرص اقتصادية جديدة في ظل التحديات الاقتصادية المحلية. ودول "بريكس" تقدّم أسواقاً جديدةً واستثمارات محتملةً تساعد تركيا في تحقيق نمو اقتصادي. وفي حيز التوازن الجيو-سياسي، تعمل أنقرة على تقليل تأثير الغرب عليها، وتعزيز علاقاتها مع القوى العالمية الناشئة. والتحول نحو الجنوب العالمي، يمكن أن يكون إستراتيجيةً لتعزيز توازن القوى وتعزيز استقلالها الإستراتيجي.
سببان يقفان خلف التوجه التركي شرقاً، الأول اقتصادي حيث تُقدّم بريكس الأسواق والاستثمارات الجديدة، والثاني جيو-سياسي، بهدف تعزيز تأثيرها الإقليمي كقوة عظمى.
إلى جانب ذلك، تسعى تركيا إلى تعزيز دورها كقوة إقليمية رائدة في الشرق الأوسط، لذا فإن تحسين العلاقات مع الدول العربية يساعدها في تحقيق أهدافها الجيو-سياسية، ويعزز تأثيرها الإقليمي. ويأتي تحسين علاقاتها مع الدول الإقليمية كضرورة حتمية في المرحلة الحالية التي تعاني فيها المنطقة من العديد من التحديات السياسة والاقتصادية والعسكرية، إلى جانب مساعدة تركيا في تأمين مصادر الطاقة وتعزيز استثماراتها في قطاع الطاقة. كما أن هناك اهتماماً بزيادة التعاون في مجالات التجارة والبنية التحتية، عبر تحسين علاقاتها مع الدول الخليجية والعربية عموماً.
ومؤخراً، طوت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى أنقرة، ومن قبلها زيارة أردوغان إلى القاهرة في شباط/ فبراير الماضي، عقداً من اضطراب العلاقة بين الفاعلتين الإقليميتين. خلالها، وفي لفتة نادراً ما يقوم بها، رحّب أردوغان بالسيسي على درج طائرته في مطار أنقرة، مؤكداً رغبة تركيا في التعاون مع مصر في مجال الغاز الطبيعي والطاقة النووية، ومشيراً إلى رغبة البلدين في تعزيز التجارة الثنائية ورفعها إلى 15 مليار دولار في السنوات المقبلة.
بدوره، أشار السيسي إلى أن الزيارتين "تعكسان الإرادة المشتركة لبدء حقبة جديدة من الصداقة والتعاون بين مصر وتركيا". وبجانب توقيع البلدين قرابة 20 اتفاقيةً في مختلف المجالات، ترأس الزعيمان الاجتماع الأول لمجلس التعاون الإستراتيجي المشترك، والذي أشار بيانه إلى "مراجعة جميع جوانب العلاقات التركية المصرية، مع مناقشة الخطوات المشتركة التي يمكن اتخاذها في الفترة المقبلة لمواصلة تطوير التعاون الثنائي".
لكن عودة العلاقات لا تعني زوال الخلافات بين البلدين، حسب الباحث المصري في العلاقة الدولية، رمضان الشافعي غيث، وإنما تعني الانتقال إلى مرحلة إدارة الخلافات بين الجانبين والتوافق على ما يمكن من قضايا تحقق مصالحهما. وهي إستراتيجية باتت تتبعها دول عدة في الإقليم مع تركيا وإيران على وجه التحديد، مشيراً إلى أن عودة العلاقات الخليجية التركية سابقاً، كانت بمثابة عودة إلى الوراء من الناحية الأيديولوجية، عبر تحييد ملف الإسلام السياسي بعض الشيء، مقابل تقدّم الملف الاقتصادي.
وخلال حديثه إلى رصيف22، نوّه الشافعي غيث، بعدم تأثر العلاقات التجارية المصرية التركية خلال عقد القطيعة بين البلدين، حيث بقيت التجارة والاستثمار ورقةً رابحةً بينهما. ومع عودة العلاقة بين الجانبين، قد تشهد بعض الملفات، كالملف الليبي، انفراجةً، لكن دون تطابق مواقفهما، خاصةً إذا ما ارتبط بتفاهمات في شرق المتوسط. إذ إن التفاهم بين البلدين قد ينسحب على ما هو أبعد من استيراد تركيا الغاز من مصر ورفع مستوى التجارة بين البلدين، لأن البلدين يشتركان في الاهتمام بملفات شرق المتوسط وليبيا وسوريا والصومال، غير العلاقات الثنائية المتنوعة. من جانب آخر، سيطرت الحرب على غزة، على زيارة الرئيس المصري إلى تركيا، حيث يعتقد الباحث المصري بتقارب الموقفين تجاه هذه القضية، ما قد يؤشر على إمكانية تنسيق أكبر في الفترة المقبلة مع تعثّر ملف مفاوضات وقف إطلاق النار.
وكانت أنقرة قد أعادت سابقاً تطوير علاقاتها المضطربة مع دول الخليج، بما أظهر، وفقاً لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، مجموعةً واسعةً من العلاقات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية والدفاعية. فعلاقة الجانبين جزء كبير من منطق أنقرة الإستراتيجي، التي ترتبط سياستها الإقليمية النشطة بقوة بالترتيبات الثنائية مع عواصم خليجية عدة. وقد تكاثرت هذه الترتيبات ونمت أهميتها كجزء من تحول ميزان القوى في المنطقة، كنتيجة مباشرة لتضاؤل الوجود الأمريكي وقلة الاعتماد على القيادة الشاملة لواشنطن، وهو تحوّل يحتمل تطوره إلى تحالف إستراتيجي، حسب ديلي صباح التركية.
منذ عام 2020، بدأت أنقرة عملياً بإعادة تطوير علاقاتها مع محيطها الإقليمي، تماشياً مع شعار رئيس الوزراء آنذاك ورئيس حزب العدالة والتنمية التركي، بن علي يلدرم، عام 2016: "تكثير الأصدقاء وتقليل الخصوم"، في طي لصفحة عقد من فتور العلاقات أو التوتر والمواجهة غير المباشرة مع عدد من الدول الإقليمية، حسب الحاج. وعليه، سعت أنقرة إلى تدوير الخلاف ثم تطوير العلاقات وصولاً إلى مرحلة من التعاون مع عدد من هذه الأطراف، عندما لاقت رغبتها قبولاً لدى الأطراف الأخرى، وتسارعت بشكل كبير جداً مع الدول المعنية، باستثناء دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي أعادت حربها على غزّة، علاقاتها مع أنقرة إلى الوراء كثيراً، فيما وصلت العلاقات التركية مع السعودية والإمارات ومصر، لا سيما مع زيارة السيسي مؤخراً إلى أنقرة، إلى حالات من التعاون والتنسيق والحوار المتقدم جداً على مختلف المستويات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.