شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
تربية النحل في إدلب... ضيق المراعي وتغيّر المناخ وراء تراجع الإنتاج

تربية النحل في إدلب... ضيق المراعي وتغيّر المناخ وراء تراجع الإنتاج

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الجمعة 13 سبتمبر 202402:05 م

ينقل النحال محمد علي الحمود، من سهل الروج بريف إدلب، خلايا النحل من منطقة لأخرى بعناية فائقة بحثاً عن مراعٍ جديدة لها مراعياً تجنّب المحاصيل الزراعية التي يستخدم أصحابها مبيدات حشرية يمكن أن تودي بحياة النحل بسبب رداءة جودتها واستخدامها بنسب غير معتدلة.

إنتاج النحل في إدلب

يقول الحمود، الذي فقد أعداداً كبيرة من نحله خلال الموسم الفائت لتناولها رحيق الأزهار رُشّت بالمبيدات الحشرية، لرصيف22، إنه يأمل في جني إنتاج جيد من العسل هذا العام لتعويض خسارته. لكن عقبات عدة تواجهه من بينها ضيق المساحات المزروعة في محافظة إدلب نتيجة الأعمال العسكرية، وتجمّع أعداد كبيرة من النحالين في المنطق، ما يقلل المراعي التي يتغذّى عليها النحل.

خلايا النحل… أسعارها وغذاؤها

يتراوح سعر خلية النحل الأرضية المصنوعة من الأخشاب، والتي تضم خمسة إطارات ليعيش داخلها النحل بين 70 إلى 100 دولار أمريكي، كما يوضح النحال السوري، الحمود، لافتاً إلى أنه يوجد عدد محدّد للنحل ضمن الخلية الواحدة، يراوح بين 5 آلاف و 60 ألف نحلة. 

يتكيّف النحل مع الأجواء المناخية التي يتكاثر فيها، وتساعده الأجواء المعتدلة التي تمتاز بها البيئة المحلية في إدلب على إنتاج جيد للنحل سواء المحلي أو المستورد والذي يميل للعيش في بيئة مائلة للبرودة تكيّفاً مع البيئة التي ينحدر منها. لكن عقبات عدة تصعّب تربيته في السنوات الأخيرة نستعرضها في هذا التقرير

يتكيّف النحل مع الأجواء المناخية التي يتكاثر فيها، وتساعده الأجواء المعتدلة التي تمتاز بها البيئة المحلية في إدلب على إنتاج جيد للنحل سواء المحلي أو المستورد والذي يميل للعيش في بيئة مائلة للبرودة تكيّفاً مع البيئة التي ينحدر منها.

يميز النحّالون في إدلب صنفان من النحل هما: الأشقر المستورد والأسود المحلي، وتتقارب كمية الإنتاج لكل صنف ولكنها تختلف تبعاً لاختلاف جودة المراعي والغذاء الذي يقدم لها، على حد قول الحمود. علماً أنه يراوح إنتاج الخلية بين 15 و 25 كيلوغراماً عسلاً، وفق ما يؤكده لرصيف22 عدد من النحالين بينما لا توجد تقديرات دقيقة حول إنتاج كل خلية على حدة. كما تقدّر الإنتاجية الكاملة للعسل في منطقة إدلب بنحو 1000 طن، وفق رئيس دائرة الوقاية والشؤون الزراعية التابعة لما يُعرف بـ"حكومة الإنقاذ".

وتشكل المحاصيل العطرية أحد أهم المراعي التي يتغذّى عليها النحل في منطقة إدلب ومنها الحبة السوداء (حبة البركة)، واليانسون، والكزبرة والجيجان، إضافةً لمحاصيل القطن والأشواك المنتشرة على السفوح الجبلية.

يتغذّى النحل على الرحيق الطبيعي بشكل أساسي، ويميز النحّالون قسمين منه، وهما نحل جاهز لإنتاج العسل وهو ما تجاوز عمره العام ويتغذّى على الرحيق فقط، والقسم الآخر عمره أقل من عام وتتم العناية به وتقدم له تغذية سكرية في فترة انقطاع الرحيق.

وتقدّر أعداد خلايا النحل في إدلب بنحو 54774 خليّة، وفق إحصائية لجمعية النحالين في إدلب. وتتعدد سلالاتها، وأبرزها حسب الإنتاج هي السلالات الأجنبية، وسلالات كارنكا وكرنيولي ولوكستيكا وبكفاست هي أكثر السلالات انتشاراً، وسعر الملكة من الجيل الأول فيها يتراوح بين الـ13 والـ15 دولاراً. أما أسعار السلالة البلدية، فهو بموسم التطور موسم الربيع، وسعر الخلية الأساسية كاملة يراوح بين 30 و35 دولاراً للزمر البلدية. أما الزمر الفنية من النحل البلدي إذا كانت عشر إطارات (أقراص العسل) يكون في حدود الـ100 دولار بدون الخلية، فقط إطارات حضنة ونحل.

والفرق بين الزمر البلدية والفنية هي أن البلدية تصنّع بمواصفات محددة متعارف عليها وهي يكون طولها 65 سم وعرضها 25 وارتفاعها 25. أما الزمر الفنية فيها خلية (لانغتسروث) ويتسع إلى 10 إطارات خشبية أبعادها من الداخل 45,78 سم * 36,45 سم * 23,98 سم، وتستعمل في تربية الحضنة.

أصناف النحل 

إنتاج النحل في إدلب

تتعدد أنواع النحل المنتشرة في محافظة إدلب، فمنها البلدي السوري وله عدة سلالات، تُعرف بحسب شكل بناء الأساس السمعي ضمن الخلية ومنها السيفاني والقمري والزلفاني، كما يقول المهندس الزراعي وخبير تربية النحل عبد الكريم غزال.
ويؤكد لرصيف22 أن للنحل الأجنبي المستورد أصنافاً أيضاً، ومن سلالته الكرنيولي واللوكستيكا، والبكفاست، والكارنيكا، إضافة إلى سلالات جديدة تدخل إلى المنطقة عبر الحدود مع تركيا لتجربتها من قبل النحالين ورؤية مدى ملائمتها مع مناخ المنطقة. 
وبحسب النوعية النحل تختلف تكلفة رعايته، ويعد النحل السوري البلدي أقلها تكلفة، وذلك لعدم وجود أمور تتجدد فيها كما في السلالات الأجنبية مثل تبديل الملكات، ومتابعة التنقل بين المراعي باختلاف الأحوال الجوية حيث يتكيف النحل السوري في العيش مع البيئة المحلية بينما تميل السلالات الأجنبية للأجواء الباردة. 

أما في السلالات الأجنبية بشكل عام فتحتاج متابعة أكثر من الأمراض ومن نقص المرعى فيجب على النحال تبديل الملكات بشكل دوري سنوي، وفق غزال

أمراض النحل 

يصاب النحل، وفقاً للخبير غزال، بأمراض عدة أشهرها "الفاروة" أو كما تُعرف في المصطلحات المحلية بـ"القراد"، وهناك طرق عدة لعلاجها بعضها عبر الرش والبعض الآخر عبر التبخير. 

إنتاج النحل في إدلب

يقول غزال إن النحل قد يصاب أيضاً في بداية موسم الربيع بـ"النوزيما" أو الإسهال حيث تتم معالجته ببعض الأدوية المطهّرة للأمعاء. كما قد يصيب النحل في بعض الأحيان مرض التعفن الأمريكي أو الأوربي بسبب أمور فيروسية أو بكتيرية علاجاتها قليلة ومكلفة في غالب الأحيان تنتهي الخلايا التي تصاب بها إلى الفناء.

وينصح غزال بأنه لتجنّب إصابة النحل بالأمراض، هناك عدة أمور يمكن إتباعها سيّما أن بعضها يتصّل بطبيعة المناخ وبعضها أمراض لا مفر من الإصابة بها. إلى ذلك، يقول المهندس الزراعي أن العناية الجيدة والمتابعة الجيدة للمنحل تقلل بنسبة كبيرة وجود خسارة على مستوى موت خلايا النحل لدى النحال، ما قد يسبب خسائر أكثر.

إنتاج العسل

يبدأ إنتاج الخلايا للعسل، بحسب غزال بعد 15 إلى 20 يوماً من بداية أي موسم من الزراعات العطرية والتي يكون أولها الحبة السوداء وتصادف مطلع شهر أيار/ مايو. وهو يوضح أن متوسّط إنتاج الخلية يتراوح من 15 إلى 20 كيلوغراماً، في حال توفّر مراعي وفيرة ونحل بصحة جيدة.

يتذمر مهند، وهو نحّال من بلدة بنش، من ارتفاع درجات الحرارة مع بداية موسم أزهار اليانسون الذي يحتاج لأجواء رطبة مائلة إلى الحارة لتساعد على تفتّح أزهاره لوقت أطول، ما أدى إلى تراجع عدد الأيام التي استفاد منها نحله في جمع الرحيق، وأثّرت الأجواء الماطرة بالمنطقة أثناء تفتح الأزهار إذ منعت النحل من مغادرة خلاياه وحرمته من التغذية

كما يشير إلى أن جودة العسل ترتبط بقدرة النحّال على تنقيل النحل ومتابعة وجود المراعي الطبيعية في المنطقة من بداية موسم الربيع حتى منتصف الخريف، بينما يرجع ارتفاع أو انخفاض الإنتاج لنجاح الزراعات العطرية التي يتغذّى عليها النحل.

يقول مهند، وهو نحّال من بلدة بنش في ريف إدلب، لرصيف22، إن الإنتاج يرتبط بفترة تغذية الخلايا حيث تلعب الأجواء المناخية الدور الرئيسي حيث تؤثر على المحاصيل مما ينعكس على رحيقها المنتج.
ويتذمر من ارتفاع درجات الحرارة مع بداية موسم أزهار اليانسون والذي يحتاج لأجواء رطبة مائلة إلى الحارة لتساعد على تفتّح أزهاره لوقت أطول، ما أسهم في تراجع عدد الأيام التي استفاد منها نحله في جمع الرحيق، كما أثّرت الأجواء الماطرة التي شهدتها المنطقة في أثناء تفتح الأزهار أيضاً إذ منعت النحل من مغادرة خلاياه وحرمته من التغذية.

لا سوق لتصريف العسل

رئيس دائرة الوقاية والشؤون الزراعية التابعة لـ"حكومة الإنقاذ" في إدلب، عبد اللطيف غزال، يقول لرصيف22 إن كمية الإنتاج السنوي من العسل تقدّر بنحو 1000 طن للنحل الذي يتغذى على الرحيق خلال المواسم الزراعية.

إنتاج النحل في إدلب

يتوزع هذا الإنتاج على 54774 خلية نحل عملت الإدارة على إحصائها بالتعاون مع جمعية النحالين والتي تتولّى الإشراف على المناحل وإنتاج العسل في المنطقة.
يشير عبد اللطيف إلى أنه لا توجد حالياً طرق لتصريف الإنتاج إلا السوق المحلية، ما أسهم في انخفاض أسعار العسل، علماً أنها تختلف تبعاً لجودته وعلى قدر ونوعية التغذية التي تقدم للنحل. ويباع كيلوغرام العسل بسعر يراوح بين 6 و 9 دولارات أمريكية وفق حركة السوق وجودة العسل، بينما تنخفض أسعار النحل مع نهاية العام واقتراب الشتاء لتراجع إنتاجه، في حين لا تُحدّد تسعيرة خاصة.

في المعتاد، لا يزيد سعر العسل الطبيعي للمستهلك المحلي عن 12 دولاراً في أغلب أنواع العسل. لكن السعر قد يصل إلى 20 دولاراً لبعض الأنواع التي تنتج في المراعي الخاصة مثل عسل السدر. أما في حالة البيع خارج البلاد، فيصل السعر إلى الضعف تقريباً. لكن عملية نقله للخارج ليست عملية يسيرة وتكلف كثيراً وعادة ما تكون عبر التهريب أو بنقله مع مسافرين يقومون بتسويقه لاحقاً في دول الخليج أو الاتحاد الأوروبي.

جمعية النحالين

إنتاج النحل في إدلب

من جهته، يوضح رئيس جمعية النحالين في المنطقة، ياسر عبد الله، لرصيف22، أن الجمعية تأسّست مطلع العام الجاري بهدف تنظيم شروط مهنية تحفظ حقوق العاملين في هذه المهنة، ولمواجهة مخاطر المبيدات الكيميائية التي تُستخدم للمحاصيل الزراعية وتسببت بخسائر كبيرة للنحالين نتيجة تردي أنواعها واستخدامها بشكل عشوائي وغير متوازن، ما أثّر على حياة النحل. 
تأسّست جمعية النحالين في إدلب لتنظيم شروط مهنية تحفظ حقوق العاملين في هذه المهنة، ومواجهة مخاطر المبيدات الكيميائية التي تُستخدم للمحاصيل الزراعية وتسببت بخسائر كبيرة للنحالين. تمنح الجمعية "بطاقة نحال" لكل العاملين في المجال، وتمكنهم البطاقة من عبور الحواجز الأمنية المنتشرة بالمنطقة لتسهيل نقل خلاياهم من مرعى لآخر
ويقول عبد الله إن الجمعية عقدت اجتماعات مكثفة ومطولة مع الاتحاد العام للفلاحين مع وزارة الزراعة ورئاسة "حكومة الإنقاذ"، وتوصّلت إلى إصدار قرار بمنع استيراد 12 نوعاً من الأدوية الضارة للنحل من قبل وزارة الزراعة، علماً أنه قرار ملزم لكن ما تزال تحدث انتهاكات له. كما صدرت توجيهات للعمل على رش المبيدات خلال فترة المساء بحيث يكون الضرر أقل على النحل.
ويضيف رئيس جمعية النحالين أن ضيق المراعي النحلية مع التغيرات التي أصابت المناخ خلال الموسمين الماضيين أثرا سلباً على تفتّح الأزهار في غير موعدها، وبالتالي حدث تراجع في غذاء النحل وكمية العسل المنتج. 
ويبلغ أعداد النحالين المسجلين لدى الجمعية نحو 1500 نحال، فيما يصل عدد خلايا النحل الفني (زمر نحلة لانغستروث) بما فيها السوري والأجنبي لنحو 46 ألف خلية، ويبلغ عدد خلايا النحل البلدي (الزمر) 8560 خلية.

وتمنح الجمعية "بطاقة نحال" لكل العاملين في هذا المجال والمسجلين لديها، تتيح البطاقة للنحال عبور الحواجز الأمنية المنتشرة بالمنطقة لتسهيل نقل خلاياه من مرعى لآخر، ويمنح حاملها صفة العضو في الجمعية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image