شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
من

من "سعد السعود" إلى "أم الغيث"... أجمل "سواليف الحصيدة" عند الفلاحين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والبيئة

الاثنين 17 أبريل 202302:23 م

يحتفل العالم بيوم الفلاح العالمي في 14 إبريل/ نيسان من كل عام، وقد اُختير هذا اليوم لأن الفلاحين في كل العالم يكونون قد حصدوا غلال تعبهم، فأكلوا وأطعموا الناس.

رصيف22 يحتفل معهم مستعرضاً معتقداتهم وطقوسهم وأغنياتهم وأدعيتهم وعلاقتهم بالطقس.   

عشتار وبعل 

من أواخر آب/أغسطس وصولاً إلى نيسان/مارس مع حلول فصل الربيع من كل عام، ارتبطت طقوس الزراعة  والحصاد في مناطق الريف السوري بطبيعة الطقس المتوقع منذ الحضارات القديمة، مقترنة بأعياد الخصوبة والآلهة القديمة كعشتار وبعل، بين الأرض- الرحم، والسماء-الذكر.
هذه المعارف التي تمت مراكمتها من خلال حركة النجوم والكواكب والتقاويم الخاصة بالفلاحة والبذار والحصاد. والتي تم "تجنيسها" عبر آلاف السنوات تواترت على شكل حكايات شعبية تناقلتها الأجيال في المنطقة، جامعةً بين الحكمة والطرافة اللتين قد نسمعهما من أجدادنا وجداتنا، والأغاني والأهازيج التي لا زالت تتردد على الألسنة مع اكتمال الدورة الزراعية.  

يحتفل العالم بيوم الفلاح العالمي في 14 إبريل/ نيسان من كل عام، وقد اُختير هذا اليوم لأن الفلاحين في كل العالم يكونون قد حصدوا غلال تعبهم، فأكلوا وأطعموا الناس. رصيف22 يحتفل معهم هذا العام 

سوريا البلد الزراعي منذ القدم، والتي يبلغ مجموع الأراضي القابلة للزراعة فيها ستة ملايين هكتار، يستثمر منها ما يقارب 5,7 مليون، منها 1,4 مليون هكتار مروية، أما النسبة الأكبر الباقية فبعلية تعتمد على مياه الأمطار.

الآبيات  

من هنا تأتي أهمية"الحساب السوري" الشرقي، الذي يعتمده الفلاحون في الزراعة والحراثة، علماً بأن لمواعيد السقاية لمحاصيلهم ومزروعاتهم مواعيد محددة بدقة تنتشر ريفياً لدى كبار السن أو "الكبارية" في اللغة الدارجة، معتمدين على إشارات ترتبط بحال الطقس، مما راكموه من معارف وأنماط على مدار سنوات خلال ممارستهم مهنة الزراعة.
ففي العشرين من كانون الثاني/ديسمبر تبدأ زراعة الشعير والعدس، وقبل هذا اليوم بأسبوعين يزرع القمح. ولكن ماذا لو أنحبس المطر؟
في  منطقة الساحل تُسمى نلك المعارف والخبرات التي اكتسبها أهله بـ"الآبيات"، كما يخبرنا أبو رائد الفلاح السبعيني، الذي يقول لرصيف22 إنها تبدأ في الثالث عشر من آب/أغسطس، وترتبط بمراقبة حالة الطقس من حرارة ورياح. وتستمر ستة أيام حتى العشرين من نفس الشهر. وبالنسبة لأبي رائد فهذه الخبرات أثبتت صحتها.
الآبيات هي ستة أيام تبدأ في الثالث عشر من آب/أغسطس، وتدلل حالة الطقس في كل يوم منها على حالة شهر في السنة بنفس الترتيب

ويُدلل كل يوم من الأيام الستة عن حالة الطقس عن حال كل شهر من الأشهر الستة القادمة. وهناك طقس يُمارس خلال تلك الأيام إذ يوضع قدر من الملح على حجر جاف خارج كل منزل ليلاً، وفي صباح اليوم التالي، إذا كان الملح مبللاً بالندى، فهذا يعني أن أيلول/سبتمبر سيكون ماطراً. وهكذا دواليك حتى العشرين من آب/أغسطس.   

لغة الريح والحيوانات 

أيضاً، يرتبط الاستدلال بالطقس بالحرارة وملاحظتها خلال الشهر نفسه، كما يؤكد لنا أبو رائد الذي يقول إن الحرارة العالية تعني أن الشتاء سيكون بارداً وماطراً. والمعتدلة تدل على شتاء معتدل البرودة. وهناك كذلك مراقبة سلوك الحيوانات فعندما تنتصب آذان الدواب أو ينفش الدجاج ريشه، أو عندما يلجأ الذباب إلى خارج المنزل، أو في حال مسارعة الطير إلى التقاط الدهن بمناقيرها ودهن ريشها به لئلا يتبلل، فهذه كلها دلالة على هطول المطر، بحسب الاعتقاد الشعبي.
أما ما يُدلل على ارتفاع الحرارة فهو زمّ النحل لأجنحته وتحريكها بسرعة داخل وخارج الخلية. وفي الشتاء فإن برق السماء من جهة البحر يعد دلالة مؤكدة على انبلاج الشمس وانحسار البرد.
أما بالنسبة للريح، فهناك من ضروبها وحركتها ما يستحبه أهل المنطقة وما يكرهونه ويعتبرونه فأل نحس. فالهواء الشرقي يرتبط عند أهل الساحل بالجفاف الذي يجبر سنابل القمح على الانحناء وينتج عنه فرط حباتها في موسم الحصاد، الأمر الذي يعقّد من مهمة الـ"حاصود". 
ويؤثر الهواء الشرقي على الأشجار المثمرة التي في طور النضوج فيوقع ثمارها ويكسر عودها اليابس. أما الهواء الغربي فهو لطيف نديّ يستبشر به الناس خيراً ويساعد على نمو النباتات والحشائش. والقبلي يساعد على هطول المطر. 

مربعانية الشتاء وخمسينيته 

تروي لنا أم باسل (73  عاماً) حكاية تُدلل على البعد الشعبي لحساب الطقس، فتُقسم فصل الشتاء إلى مربعانية وخمسينية، وهي تعني مجموع أيام الفصل القارص غالباً. ففي أواخر شهر شباط/ فبراير المُسمى شعبياً بـ"أبو علي" كانت إحدى العجائز ترعى أغنامها. وقد قارب الشهر المعروف بكثرة موت كبار السن فيه على الانتهاء، فقالت شامتةً: "راح شباط وإجا شباط وحطينا بطيزو المخباط". فسمعها آذار/ مارس المُكنى بـ"أبو محمد"، فقال مواسياً شباط: "خيي يا خيي ثلاثة منك وأربعة مني لنخلي طيز العجوز تغني"، لتموت هي وأغنامها جميعاً بسبب البرد الذي حل في تلك الأيام السبعة التي تسمى "المستقرضات"، أو الحسوم. 
عندما تنتصب آذان الدواب، أو يلجأ الذباب إلى خارج المنزل، أو تسارع الطيور إلى التقاط الدهن بمناقيرها ودهن ريشها به فهذه دلالات على هطول المطر، أما ما يُدلل على ارتفاع الحرارة فهو زمّ النحل لأجنحته وتحريكها بسرعة داخل وخارج الخلية

والمربعانية تعبير يُستخدم للحديث عن أول أربعين يوماً من فصل الشتاء وتبدأ من الحادي والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر وهو موعد الانقلاب الشتوي، حتى بداية شباط/ فبراير. أما الخمسينية فهي الأيام الباقية من الشتاء. وبدورها تُقسم إلى أربع مراحل كل منها تتألف من 12 يوماً ونصف. وذلك، لتصنيف مجموعة الظواهر والأحوال الجوية المتكررة كل عام وما يرافقها من موجات البرد والزمهرير القاسية، ولاتخاذ الإجراءات الممكنة لتفاديها. ويقابلها صيفاً مربعانية وخمسينية الصيف. 

في سعد الخبايا بتطلع الحيايا وبتتفتل الصبايا، وفي سعد السعود بتمشي المي في العود، ويبدأ فصل الربيع 

أول خمسينية الشتاء يزورنا "سعد دابح" الذي يتميز بجفاف الأرض ويباسها لشدة البرد وتغطيته بالجليد. ثم يزورنا "سعد بالع" أو "سعد بلع" وتُدل التسمية على أن الأرض من شدة جفافها وعطشها ستبتلع كل ما ترميه السماء ولن يتشكل طينها بسرعة. أما ثالث الزوار فهو "سعد الخبايا" الذي يقترن مع خروج "آفات الأرض" المختبئة في جوفها خلال الشتاء من العقارب والدود والأفاعي، وفيه يقال "في سعد الخبايا بتطلع الحيايا وتتفتل الصبايا". وآخر زوار الخمسينية هو "سعد السعود" عندما "تدب المية في العود" أي تنتعش النباتات والحشائش وتبدأ بالنمو، وسمي بذلك دلالة على انتشار السعادة والفرح بحلول فصل الربيع الذي يبدأ معه رسمياً بحسب "التقويم الزراعي" السائد منذ الحضارة السورية القديمة، والذي يبدأ به عيد الفرح النوروز عند الكرد، والعيد الرابع عند العلويين. 

"يا أمّ الغيث غيثينا" 

تأخر أو انحباس المطر، المعروف شعبياً بـ"المحْل"، يورث الفلاحين وعائلاتهم الهم والغم والقلق، نظراً لاعتمادهم في معيشتهم على الأرض وما تنتجه. وبالإضافة لصلاة الاستسقاء المعروفة لاستجلاب المطر عند المسلمين، نجد طقوساً موازية تمارس لنفس الغرض في عدة مناطق من سوريا عرفها أسلافنا وتناقلوها جيلاً بعد جيل.
أهم هذه الطقوس يُسمى بـ"أم الغيث" عند أهل الجزيرة التي تعتبر الخزان الأهم والسلة الغذائية لسوريا. فعند انقطاع المطر تستنفر القرية لأداء هذا الطقس الأنثوي بامتياز لتحمل إحدى الفتيات "أم الغيث" وهي على شكل سلة فوق رأسها ترافقها بعض الفتيات، بالإضافة إلى الأطفال، للطواف بين منازل القرية جميعها، مرددين بحركة راقصة مع قفز خفيف على الأرض الأنشودة الخاصة بأم الغيث وهي:

أم الغيث غيثينا      يلي بشيت راعينا
راعينا حمد أكرع    لو سنتين ما يزرع
أم الغيث يا ريّه    عبّي الحواية مية

ويكررون الأنشودة في جوقة. وهنا تستقبل ربّات البيوت الجوقة برشّ الماء وتمنحها قدراً من القمح والعدس، يجمع بعد انتهاء الطقس لصنع "السليقة" التي تقدم لأهل القرية كنوع من الصدقة والقربان للسماء لتجود على القرية وأهلها بنعمة المطر. ويبقى الصبيان والفتيات حتى ساعة متأخرة في العراء بانتظار هطوله. 
قالت العجوز شامتةً: "راح شباط وإجا شباط وحطينا بطيزو المخباط". فسمعها آذار فقال مواسياً شباط: "خيي يا خيي ثلاثة منك وأربعة مني لنخلي طيز العجوز تغني"، لتموت هي وأغنامها بسبب البرد الذي حل في تلك الأيام السبعة التي تسمى "المستقرضات"

يُمارس هذا الطقس أيضاً في منطقة الجنوب السوري كحوران ويحمل نفس الاسم، مع اختلاف في مسار وكلمات الأهزوجة الشعبية عند الطواف بين البيوت، فتقال هكذا:

أم الغيث غيثينا    بحياة شبابك تعطينا 

وفي قرى الساحل، تحديداً في محافظة طرطوس، يُعطى الأطفال منخلاً يطوفون به على البيوت، وينشدون: 

يا ربّنا يا ربّنا        نحنا الصغار شو ذنبنا
إذا الكبار اذنبوا        نحنا شو ذنبنا؟

ويعتبر الكثيرون من أهل المنطقة أن انقطاع المطر والغيث هو نوع من العقاب الإلهي بسبب كثرة ذنوب الناس حتى يعودوا إلى الصلاح، ولذلك يتوجه الصغار بأهزوجتهم إلى الله متسائلين عن سبب معاقبتهم بلا ذنب.  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

البيئة هي كل ما حولنا، وهي، للأسف، تتغير اليوم باستمرار، وفي كثير من الأحيان نحو الأسوأ، وهنا يأتي دورنا كصحافيين: لرفع الوعي بما يحدث في العالم من تغييرات بيئية ومناخية وبآثار تلك التغييرات علينا، وتبسيط المفاهيم البيئية كي يكون الجميع قادرين على فهمها ومعرفة ما يدور حولهم، وأيضاً للتأكيد على الدور الذي يمكن للجميع القيام به لتحسين الكثير من الأمور في حياتنا اليومية.

Website by WhiteBeard
Popup Image