شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
ليس لهن سوى

ليس لهن سوى "السوق السوداء" وتجار المخدرات… كيف تجهض النساء في فلسطين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مش ع الهامش

"لم أستطع إقناع طبيبتي بعدم جاهزيتي النفسيّة والجسدية للحمل. فكان عليّ أن أجد حلاً وحدي، سيّما بعد أن أخبرتني الطبيبة أنها لا تستطيع إعطائي حبوباً للإجهاض".

وحين لاحظت الطبيبة بأن سارة (اسم مستعار، 26 عاماً) من رام الله مصرّة على الإجهاض، قالت لها إنها قد تجدها في أماكن تغيب عن عين الرقابة مثل "كفر عقب" (وهي بلدة فلسطينية تقع بين القدس ورام الله، احتلتها إسرائيل عام 1976 كجزء من القدس الشرقية وجعلتها تحت سيادتها).

"أكدت لي الطبيبة أنها، حين أحصل على الحبوب، ستساعدني في تناولها. وحذّرتني من أن سعر الحبّة الواحدة يتجاوز 1000 شيكل (ما يعادل 267 دولاراً)"، تقول سارة لرصيف22، هي التي لم يكن أمامها سوى اللجوء إلى "السوق السوداء".

يجرّم القانون الفلسطيني في الضفّة الغربية المحتلة وقطاع غزّة الإجهاض. كذلك، قانون العقوبات الأردني المعمول به في الضفة الغربية، والانتدابي المُطبّق في قطاع غزة، بالإضافة إلى قانون الصحة العامة الفلسطيني.

جميع هذه القوانين "تحظر إجهاض أيّة امرأة حامل بأيّة طريقة كانت إلا إذا استوجبت الضرورة إنقاذ حياتها من الخطر بشهادة طبيبين اختصاصيين (أحدهما في الأقل اختصاصي نساء وولادة)، مع وجوب توفّر موافقة خطّية مسبقة من الحامل. وفي حالة عجزها عن ذلك تؤخذ الموافقة الخطية من زوجها أو ولي أمرها." حسب ما ورد في نص المادة 8 من قانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004.

وكلا القانونين في الضفّة الغربية وقطاع غزة، يحدد ذات العقوبة المشدّدة على "مرتكب الإجهاض"، بالسجن من 10 حتى 14 عاماً.

"كلّ ذلك يجري على الرغم من أن السلطة الفلسطينية قد صادقت على الانضمام إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، دون أن تبدي أيّ تحفظ على نصوصها. وبالتالي يعكس هذا التناقض فوضى القانون في الواقع الفلسطيني"، يقول المستشار القانوني عبد الله شرشرة لرصيف22.

فراغ قانوني يخلق "السوق السوداء"

تؤكد سارة أنها فشلت في الحصول على حبوب الإجهاض، "فأنا أسكن بعيداً عن منطقة كفر عقب. ولم أستطع تحديد الصيدليات التي تبيعها"، مضيفةً: "ترافق كل إجابة بالنفي على سؤالي حول إمكانية شرائي حبوب الإجهاض دون وصفة طبّية، نظرات الازدراء والاستغراب التي تحمل أحكاماً تزيد حالتي النفسية سوءاً".

تعاني منطقة كفر عقب من واقع معقّد جدًا نتيجة لغياب السلطة والأمن والقانون. فهي تقع داخل حدود بلدية القدس التي تُدار إسرائيلياً. لكنها داخل الجدار العازل الذي بدأ العمل فيه عام 2002.

وبالتالي، فهي لا تتلقى الخدمات المفترضة من البلدية، وفي نفس الوقت ليس للسلطة الفلسطينية أي صلاحيات فيها، ما أدّى إلى تحوّلها إلى منطقة عشوائية تفتقر لسلطة إنفاذ قانون، إلى جانب غياب أبسط الخدمات الإنسانية عنها.

يتحمّل النظام القانوني جزءاً من المسؤولية لأنه لم يتفهّم الاحتياجات الصحيّة للمواطنين، خاصة النساء، وبالغ في التشدد حيالها وحظرها

حوّل هذا الواقع كفر عقب إلى سوق سوداء للعديد من الأشياء التي يحظرها القانون. تجد النساء اللاتي يرغبن بالإجهاض أنفسهنّ مضطرات للجوء إلى سوق كفر عقب، ما يعرّضهنّ للاستغلال المادي والنفسيّ.

"يتحمّل النظام القانوني جزءاً من المسؤولية لأنه لم يتفهّم الاحتياجات الصحيّة للمواطنين، خاصة النساء، وبالغ في التشدد حيالها وحظرها. فأدى ذلك مثلاً إلى وجود عيادات غير مرخّصة لسنوات طويلة في الأراضي الفلسطينية، ولا تنحصر هذه المسألة في كفر عقب فقط"، يقول شرشرة.

ويرى أنه من الطبيعي أن يبحث الناس عن ثغرات هنا وهناك لتلبية احتياجاتهم. ولكون النقاش القانوني تجاه هذه القضايا قد أُغلق، أصبح من المنطقي من وجهة نظر المواطن ألا يطرح قضاياه على المسؤول، ويهرب باتجاه حلها تجاه الثغرات التي تتسبب بها إسرائيل في المناطق المصنفة "ج" مثلًا، (وهي المناطق التي تقع تحت سيطرة أمنية ومدنية إسرائيلية).

التعامل مع "السوق السوداء" يعني أن النساء والفتيات يتعرضن لمخاطر كبيرة، مثل الابتزاز أو الخداع أو الحصول على منتجات مزيفة أو غير آمنة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التعامل في هذا الفضاء غير الآمن وغير القانوني، قد يؤدي إلى زيادة شعورهن بالخوف من الفضيحة الاجتماعية.

تصف مريم (اسم مستعار، 32 عاماً) تجربتها لرصيف22: "كنت أعلم مسبقاً من إحدى صديقاتي عن إمكانية حصولي على حبوب الإجهاض من كفر عقب. لكن علي أن أجد من يؤمّن لي هذه الحبوب بشكل غير مباشر، أي وسيط بيني وبين من يبيع حبوب الإجهاض.

وتتابع: "وبعد تجرُّئي على سؤال إحدى زميلاتي، أخبرتني أنها تعرف شخصاً يتاجر بالمخدرات والسلاح، يستطيع مساعدتي في الحصول على الحبوب من إحدى الصيدليات. وسيكلفني ذلك مبلغاً كبيراً. لكني لم أتردّد".

في أحد الأيام، وبعد انتهاء دوامها، توجهت مريم مع زميلتها لبيع إسوارة من الذهب. ثم أعطت زميلتها المبلغ الذي حصّلته، 1200 شيكلاً (320 دولاراً)، تكلفة الحبّة الواحدة، على أن تأتيها بها في اليوم التالي، وهذا ما حصل.

"لم أفكر كثيراً بخطورة ما كنت أمرّ به. فقد كانت حاجتي للإجهاض أكبر من خوفي. كان من الممكن أن أتعرض للاحتيال أو التشهير. لكن من حسن حظّي أني نجوتُ من الحمل، ونجوتُ من إمكانيات السرقة والتشهير"، تقول مريم مضيفةً.

أطباء النساء والتوليد في فلسطين يخشَون التساهل في منح الوصفات الطبية للنساء من أجل الحصول على حبوب الإجهاض

الطبيبة النسائية نجوان (اسم مستعار)، تؤكّد لرصيف22 أن "أطباء النساء والتوليد في فلسطين يخشَون التساهل في منح الوصفات الطبية للنساء من أجل الحصول على حبوب الإجهاض".

وتشير إلى أنها تتعاطف معهن في مرات كثيرة، وترى أن الواقع القانوني يظلم النساء ويشوّه تجربة الأمومة التي قد يعشنها مرغمات.

لكنّها تخشى الملاحقة القانونية من الزوج أو أحد أفراد عائلة الفتاة التي تلجأ إليها للحصول على الوصفة الطبية، الأمر الذي قد حدث بالفعل لأطباء تعرفهم شخصياً.

غياب الحوار القانوني والاجتماعي حول الإجهاض

غياب الحوار القانوني حول الحقوق الإنجابيّة للنساء، يجعل من الصعب معالجة الثغرات في القانون أو تقديم الإصلاحات اللازمة. فتجد النساء أنفسهن في مواقف صعبة دون إطار قانوني يوفر لهن الحماية أو الحقوق.

"عدم وجود إطار قانوني محدّد، يُبقي حق النساء في اتخاذ قرار الإجهاض غير واضح، مما قد يؤدي إلى صعوبات في الحصول على خدمات إجهاض آمنة وقانونية"، تقول القانونية مرح غزال لرصيف22.

وتردف: "كما يسبب غياب النقاش القانوني حول الأمر عزلاً للنساء، وانتهاكاً لحقوقهنّ في الحصول على الرعاية الصحية المناسبة في موضوع بالغ الأهمية بالنسبة إليهن".

يؤكّد على ذلك عبد الله شرشرة، فيضيف: "نتعامل مع الإجهاض في فلسطين على أنه موضوع حُسم فيه النقاش باتجاه منعه وتجريمه، مع أن الواقع يؤكد غياب الإطار المؤسّسي الذي يقوم بإجراء حوار قانوني حول الإجهاض، وهو المجلس التشريعي الذي يفترض أن يكون حاضنة هذا النقاش، وهو مغيّب وغير فعّال بسبب الانقسام السياسي".

ترى الطبيبة أن الواقع القانوني يظلم النساء ويشوّه تجربة الأمومة التي قد يعشنها مرغمات. لكنّها تخشى الملاحقة القانونية من الزوج أو أحد أفراد عائلة الفتاة

"هكذا أصبح غياب الحوار ذاته، والأداة التشريعية المتمثلة في المجلس التشريعي، سبباً من أسباب عدم مواكبة فلسطين للنقاشات القانونية حول قضية الإجهاض"، يضيف شرشرة.

ويرى أنه "من المهم أن يتم إعادة تعديل قانون العقوبات الفلسطيني في كل من الضفة وقطاع غزة، وتعديل قانون الصحة العامة، لدعم حقوق المرأة الإنجابية، وإلزام الدولة قانونياً لتحسين وصول النساء لخدمات الصحة الإنجابية مثل توفير العيادات المتخصصة، وأدوية منع الحمل وتنظيم الأسرة، والخدمات الصحية الجنسية للمراهقين والمراهقات، وإعادة النظر بقوانين الإجهاض".

"يجب على النظام القانوني الفلسطيني، بحسب شرشرة، أن يحدّد موقفه من التأثيرات الدينية والاجتماعية على قضايا حقوق الإنسان التي التزم النظام القانوني تجاهها من خلال القانون الأساسي الذي يمثل الدستور، أو من خلال الاتفاقيات الدولية التي انضمّت إليها السلطة الفلسطينية، لا سيّما "سيداو"، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

"فمن خلال إعادة تشكيل الفلسفة القانونية، تصبح الإصلاحات الهيكلية في القانون مثل تفهّم الاعتبارات الصحيّة والاجتماعية للإجهاض أمراً يسيراً"، يختم قوله.

وحول الإصلاحات القانونية التي تتمنّاها سارة، وتعتقد أنها ضرورية كي لا تشعر بـ"العار والرعب من أجل حقّ"، يؤدي غيابه إلى "تقييد رغبتها وإجبارها على تحمل تبعات نفسية وجسدية"، على حدّ تعبيرها"، تقول: "يجب أن تتغير النظرة إلى الصحة الإنجابية كونها أمراً يخص كل المجتمع، ويقرر فيه الجميع، ما عدا المرأة نفسها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image