شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"أول دورة في الخيمة"... عن الحيض تحت نيران الحرب على غزة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الأحد 1 سبتمبر 202403:21 م


mesh 3al hamesh

بينما كانت زين، مستغرقةً في اللعب مع صديقتها في المخيم، لاحظت بضع بقع من الدماء تسيل بين فخذيها. تملّكها الخوف على الفور، فهرعت مسرعةً لتخبر والدتها.

اعتقدت زين عبد الله (14 عاماً)، وهي نازحة من مدينة خان يونس إلى مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، هرباً من القصف الصاروخي الإسرائيلي المتواصل، أن سبب الدم قد يكون تعرّضها لإصابة من دون أن تشعر، وفق ما تروي والدتها لرصيف22، لكن والدتها أدركت الأمر بسرعة، وفهمت أن ابنتها تعيش تجربتها الأولى مع الدورة الشهرية.

ما تواجهه الفتيات الغزّيات حديثات البلوغ في أولى تجاربهنّ مع الحيض في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية على غزّة، يفاقم معاناتهنّ. الحرب تتسبب في نزوحهنّ القسري وتغيير أماكن سكنهنّ ونمط حياتهنّ، ما يخلق ظروفاً جديدةً وصعبةً تؤثر سلباً على صحتهنّ النفسية والجسدية مع أول "بريود".

تروي والدة زين، أن الأمر لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق بالنسبة لها أو لابنتها، خاصةً أنها تمرّ بتجربة الحيض لأول مرة في الخيمة البلاستيكية التي تفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة.

تقول والدة زين: "لم تفهم ابنتي ما حدث لها، فسألتني عن سبب وجود الدم بين فخذيها، فأخبرتها بأنه لا داعي للقلق. شعرت بأن ابنتي كبرت فجأةً".

وتكمل والدة زين: "كنت أتمنى أن تكون تجربة زين الأولى مع الدورة الشهرية في منزلنا، وليس في مخيم نزوح".

تبدو تجربة الدورة الشهرية لزين الأكثر صعوبةً، وللحفاظ على خصوصيتها، وضعت الأم فاصلاً من القماش بينها وبين أشقائها عند النوم في الخيمة.

"نحن عائلة محافظة، ومجيء الدورة الشهرية يُعدّ في المناطق الشرقية التي انحدرنا منها، دليلاً على أن البنت كبرت وأصبحت مهيأةً للزواج، فتبدأ المحاذير والواجبات، ووجوب ارتداء الحجاب".

تواجه زين معاناةً إضافيةً عند الذهاب إلى الحمام خلال فترة الدورة الشهرية، إذ تخاف من تسرّب دم الدورة إلى ملابسها في أثناء سيرها في النهار، حيث يتعذر استخدام الفوط الصحية لعدم توافرها، فتستخدم قطع قماش باليةً، لذا تفضّل البقاء خلال النهار داخل الخيمة، وتحاول التقليل من عدد المرات التي تذهب فيها إلى الحمام قدر الإمكان خلال النهار، حتى لا تضطر إلى أن تسير لمسافة طويلة وسط الناس.

خاضت زين تجربة الحيض للمرة الأولى في الشهر الثاني من الحرب، ولا تزال نازحةً مع أسرتها حتى اليوم.

في تقرير لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، سُلِّط الضوء على التحديات التي تواجه النساء والفتيات في قطاع غزّة وسط النزوح واسع النطاق. التقرير يشير إلى أن أكثر من مليون امرأة وفتاة نزحن منذ بدء التصعيد في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2023، ويعشن في ملاجئ مكتظة. في هذه الملاجئ، يوجد مرحاض واحد لكل 100 نازح، ووحدة استحمام واحدة لكل 500 شخص أو أكثر، مما يجعل الحفاظ على النظافة الشخصية أمراً بالغ الصعوبة.

تقول والدة زين لرصيف22: "الظروف الإنسانية والبيئة المحيطة بي وبابنتي، ومختلف الفتيات والنساء الغزّيات صعبة للغاية. نحن كنساء نجد صعوبةً في التعايش مع فكرة الدورة الشهرية، برغم خبرتنا في التعامل معها، فكيف بزين التي تخوض تجربتها لأول مرة؟ أحاول باستمرار شرح ما يحدث لها وأنه أمر طبيعي تتعرض له الفتيات في سنّها".

وتضيف: "علّمتها كيفية العناية بجسدها خلال الدورة الشهرية، وأهمية تغيير الفوط الصحية بانتظام، لكن التحدّي الأكبر هو عدم توافر الفوط الصحية، كما أن البحث عن بدائل أمر مرهق".

تحت نيران القصف

وجدت نورسين خالد (14 عاماً)، نفسها أمام اختبار صعب وقاسٍ، عندما استيقظت من نومها، حيث كانت تنام متكوّرةً في زاوية صغيرة مخصصة لها أسفل بيت الدرج في أحد المباني السكنية التي نزحت إليها في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، برفقة جدّتها، بحسب ما تحكي إحدى قريباتها لرصيف22.

كانت تشعر بألم شديد وانقباضات في أسفل جسدها، ووجدت ملابسها مغطاةً بدماء لم تكن تعرف سببها، مما أثار خوفها.

تشير التقارير إلى أن هناك نحو 690 ألف امرأة وفتاة في سنّ الحيض في غزّة يواجهن صعوبةً بالغةً في الحصول على الإمدادات الضرورية الخاصة بالدورة الشهرية. بالإضافة إلى ذلك، يعانين من نقص في المياه، ومستلزمات النظافة، والمراحيض، والخصوصية. هذا الوضع تفاقم بسبب النزوح والعنف المستمرين، حيث تجد النساء والفتيات أنفسهنّ في أماكن مزدحمة تفتقر إلى الأساسيات للحفاظ على صحتهنّ وكرامتهنّ، مما يعرّضهنّ لخطر الإصابة بالتهابات الجهاز التناسلي والمسالك البولية فضلاً عن الاستغلال والانتهاكات بسبب نقص المواد الأساسية في الأسواق المحلية وارتفاع الأسعار.

اضطرت نورسين إلى إخفاء ملابسها الملطّخة بالدماء عن طريق دفنها في حفرة في التراب، لعدم توافر مياه لغسلها، دون أن يعلم أحد. اعتقدت أن الأمر سيستمر ليوم واحد وينتهي، لكنها لم تكن تعلم أنها ستواجه هذا الأمر لمدة 6 أو 7 أيام شهرياً.

تعيش النازحة نورسين مع جدّتها، والدة أبيها، بعد أن فقدت أغلب أفراد عائلتها جرّاء القصف الإسرائيلي على منزلهم. شعرت نورسين بالقلق الشديد في اليوم التالي لاستمرار حيضها.

لم يتبقَّ لنورسين، بعد وفاة والدتها، سوى جدّتها وخالتها، التي تسكن قريباً من مكان نزوحها وهذا ما يدفعها للمجيء بشكل يومي للاطمئنان على نورسين، لكن ذات يوم شعرت خالتها مريم وليد (47 عاماً)، بأن الفتاة ليست على ما يرام، فاضطرت نورسين إلى إخبارها بما حدث.

تقول الخالة مريم: "عندما أخبرتني ابنة شقيقتي بما حدث معها، شعرت بأنها في حالة من التوهان، تريد أحداً معها يخبرها ويرشدها إلى كيفية التصرف مع بداية الدورة الشهرية كونها لا تمتلك خبرةً أبداً. كانت تظن أن الأمر خطير، وأنها لا تأتي سوى للمتزوجات".

تضيف الخالة مريم: "قمت بشراء مواد صحية لها وأعطيتها مسكّناً للآلام ونصحتها بالاهتمام بنظافتها الشخصية".

تشعر خالة نورسين، بأنها أمام مسؤولية كبيرة تجاه ابنة شقيقتها، وتدرك أنها في مرحلة حساسة وتحتاج إلى من يقف بجانبها، لا سيما في ظل ظروف الحرب والنزوح القاسية جداً على الفتيات.

وتشير إلى بعض المعضلات التي تواجهها وعلى رأسها عدم توافر فوط صحية بشكل دائم، مما يضطرها إلى أن تذهب إلى بعض المراكز التي تهتمّ بصحة المرأة لتوفير فوط صحية لنورسين، لأنها لا تستطيع توفيرها بنفسها، مما يشكّل عبئاً كبيراً ويضعها تحت ضغط نفسي.

يُعدّ فقر الدورة الشهرية مشكلةً عالميةً تؤثر على ملايين النساء حول العالم، ويعني عدم قدرة النساء على الوصول إلى منتجات الحيض لأسباب متعددة، منها المالية والاجتماعية، لكنه يتفاقم في حالات الحرب والنزوح.

تشير التقارير إلى أن هناك نحو 690 ألف امرأة وفتاة في سنّ الحيض في غزّة يواجهن صعوبةً بالغةً في الحصول على الإمدادات الضرورية الخاصة بالدورة الشهرية. بالإضافة إلى ذلك، يعانين من نقص في المياه، ومستلزمات النظافة، والمراحيض، والخصوصية. هذا الوضع تفاقم بسبب النزوح والعنف المستمرين، حيث تجد النساء والفتيات أنفسهنّ في أماكن مزدحمة تفتقر إلى الأساسيات للحفاظ على صحتهنّ وكرامتهنّ، مما يعرّضهنّ لخطر الإصابة بالتهابات الجهاز التناسلي والمسالك البولية فضلاً عن الاستغلال والانتهاكات بسبب نقص المواد الأساسية في الأسواق المحلية وارتفاع الأسعار.

كما تشير التقارير إلى أن النساء والفتيات في غزّة يواجهن خطر الإصابة بالعدوى نتيجة عدم توافر منتجات الحيض والمياه النظيفة، بالإضافة إلى عدم القدرة على إدارة دورتهنّ الشهرية بخصوصية. وقد تم توزيع آلاف "حقائب الكرامة" من قبل صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، لتلبية بعض من هذه الاحتياجات، لكنها تبقى جزءاً ضئيلاً مقارنةً بالاحتياجات الهائلة الموجودة.

تكمل الخالة مريم، قائلةً إن نورسين تشعر بحرج كبير عند ذهابها إلى الحمام، وتطلب من صديقتها سوسن مرافقتها، لأن باب الحمام مغطّى بقطعة قماش. في بعض الأحيان، لا تتوافر مياه للاغتسال، فتضطر إلى البقاء فترة طويلة دون نظافة شخصية مما يعرّضها للالتهابات.

لا يقتصر النزوح وفقر الدورة الشهرية على معارك الفتيات الصامتة في أولى تجاربهنّ مع الحيض، فالقصف أيضاً له تداعياته الخطيرة عليهنّ، ما قد يعرّضهنّ للنزيف بسبب شدة الخوف والرعب.

تحكي هالة (اسم مستعار، 37 عاماً)، تجربة ابنتها الأولى مع الحيض تحت نيران القصف الإسرائيلي على منزلها في مدينة دير البلح وسط قطاع غزّة. تقول: "كنت أحضّر الفطور مع ابنتي، لينا (13 عاماً) صباحاً، وحدث قصف شديد بجوار منزلنا. شعرت بخوف كبير، وارتمت ابنتي في حضني ولاحظت أن جسدها يرتجف تماماً، ثم أخبرتني بأنها تنزف، فظننت أنها قد أصيبت جرّاء القصف".

بدأت لينا بالصراخ من شدة الألم والنزيف الذي أصابها، فاصطحبتها والدتها إلى مستشفى "شهداء الأقصى" وهي في حالة رعب. بعد الفحوصات، تبيّن أنها تحيض لأول مرة، لكنها تعرضت لنزيف شديد بسبب خوفها من القصف.

تقول والدة لينا: "لم تكن ابنتي تعلم أي شيء عن الدورة الشهرية، فقط كانت تلاحظ معاناتنا أنا وشقيقاتها لتأمين الفوط الصحية في بداية كل شهر خلال الحرب. كما أن حيض لينا غزير جداً، مما يضطرها إلى استخدام عبوة فوط صحية واحدة يومياً، وهذا يسبب إرهاقاً مادياً ومعنوياً لعائلتنا".

ونتيجةً لتدهور القطاع الصحي وقلة توافر الأدوية والعقاقير الطبية، تلجأ والدة لينا إلى الاستعاضة بالطب البديل، فتعدّ لها كأساً من عشبة الميرمية أو القرفة مع الماء لتخفيف الألم. تشير لينا إلى أن تجربتها الأولى مع الحيض في ظل الحرب كانت كابوساً، وتتمنى أحياناً، نتيجة حيضها في هذه الظروف القاسية، لو كانت قد وُلدت شاباً بدلاً من فتاة، لأن ذلك كان سيريحها من عبء الحيض في ظل ظروف مريرة تعاني فيها الويلات.

صدمة واكتئاب

توضح وفاء أبو حشيش، أخصائية صحة المرأة وتنظيم الأسرة، أن انتقال الفتاة من سنّ الطفولة إلى بدايات المراهقة في ظل ظروف معيشية وإنسانية صعبة بالنزوح، سواء في المخيمات أو مراكز وأماكن الإيواء، أدى إلى دخول بعضهنّ في حالة صدمة واكتئاب بدرجات متفاوتة.

"غالبية الفتيات يقضين وقتها طوال أيام الحيض الـ5 أو 7 أيام في خيمتها أو بين جدران فصول مدارس الإيواء، بعيداً عن المجتمع. يعشن فترةً حساسةً وحرجةً جداً مع ضغوط نفسية كبيرة، وبعضهنّ لم يتقبل فكرة الحيض أو النزوح، لا سيما بعد مضي أكثر من 10 أشهر على الحرب".

أبو حشيش أضافت أن فترة الحرب أحدثت نقلةً نوعيةً في حياة الفتيات البالغات لم يكنّ معتادات عليها من قبل، خاصةً في ما يتعلق بالحيض وقلة الرعاية الصحية والنظافة الشخصية، وظروف النزوح، والقصف المستمر. تجد الفتيات أنفسهنّ مضطرات إلى التعامل مع واقعهنّ المرير تبعاً للظروف المتاحة.

"غالبية الفتيات يفتقرن إلى المعلومات حول الحيض وفترة البلوغ، نظراً إلى قلّة الوعي لدى أمهاتهنّ بسبب الثقافة المجتمعية، وانشغال الأمهات بتفاصيل الحروب، مثل توفير الغذاء لأبنائهنّ، والبحث عن بدائل الطاقة، والطهي على الحطب، وتعبئة المياه، وحماية أبنائهنّ من القصف"، تقول أبو حشيش لرصيف22، وتضيف: "تجربة أول الحيض للفتيات في ظل النزوح والحرب تضعهنّ أمام تحديات كبيرة إذا لم تتم توعيتهنّ بشكل كافٍ. يمكن أن تتعرض الفتاة في هذا السن للتحرش أو الاعتداء الجنسي أو الاستغلال، خصوصاً في طوابير الحمامات في المخيمات وأماكن النزوح الأخرى، نتيجة التشاركية بين العائلات في نفس المكان وانعدام الخصوصية".

وتؤكد الأخصائية أن بعض أفراد المجتمع الغزّي لا يزالون ينظرون إلى فترة الحيض على أنها وصمة عار، ويضعون أمامها خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها، خاصةً في ظل ظروف الحرب والنزوح. تعيش الفتاة حديثة البلوغ تحت وطأة العادات والتقاليد، حيث تُمنع من ارتداء ملابس معيّنة مثل الجينز أو البلوزات ذات الأكمام القصيرة، وتُجبر على ارتداء الملابس ذات الأكمام الطويلة والحجاب. كذلك تُمنع من الاختلاط واللعب خارج الخيمة أو أماكن النزوح، أو الحديث مع من هم ليسوا ضمن أسرتها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image