في خضم الحرب التي تعصف بكل شيء، يتناثر الضوء والظلال كخيوط مهتزة على لوحة من الخراب والدمار. النهار يتلاشى في كآبة الليل، كأنه ينزلق خلف ستار من الرماد، محاولًا أن يتسلل بقليل من النور إلى عالم مليء بالجراح والعطش. كل سطوع من الضوء يتحول إلى لهيب ينكسر في ظلام الفقد، بينما كل ليل هو بئر عميقة تلتهم البقايا الممزقة من الأمل.
جمال النجوم فوق الخيام الممزقة
النجوم، ذلك اللمعان اليتيم في سماء مقفرة، يتناثر كشظايا متفرقة من قناديل عتيقة. لم يعد توهجها يحمل إشارات الأمل، بل يبدو كقطع زجاجية مكسورة، ينشر أضواء متأرجحة تعكس فوضى القلب المتعب. كل ابتسامة تتشكل بين الحين والآخر هي مجرد قناع زائف يخفي خلفه جرحًا عميقًا، أما كل دمعة تسقط فهي جوهرة مغمورة في نهر من الألم المتدفق.
الخيام الممزقة، التي تكدس فيها النازحون، تئن تحت وطأة الرياح العاتية والأمطار السامة. تتقلب كما يتقلب الوجود نفسه، تعكس مرآة لأرواح ممزقة تبحث عن مأوى في عالم لا يعرف الرحمة. كل خيمة هي جزيرة صغيرة من البؤس في محيط واسع من الفوضى، تعج بالصراخ الصامت والجوع الذي لا ينتهي.
في خضم الحرب التي تعصف بكل شيء، يتناثر الضوء والظلال كخيوط مهتزة على لوحة من الخراب والدمار. النهار يتلاشى في كآبة الليل، كأنه ينزلق خلف ستار من الرماد، محاولًا أن يتسلل بقليل من النور إلى عالم مليء بالجراح والعطش
الناس، الذين لا يزالون يحاولون التمسك بأطراف الأمل في خضم العواصف، يجلسون على أرض جافة، يرقصون على حبال الوهم. الجوع والعطش يشقان طريقهما عبر كل نظرة، ينحتان خطوطًا عميقة في وجوههم، بينما يئن الوجع في كل نفس يأخذونه. كل محاولة للنجاة تبدو كطريق مسدود، حيث تتسع الهوة تحت أقدامهم، وتزحف ظلال الألم في كل خطوة.
الصمت، ذلك السراب المؤلم الذي يتلاعب بالعقول، يملأ الفضاء بكلمات لم تُقَل، وتنبثق منه صرخات غير مسموعة تتردد في عوالم من الكآبة. بينما الضجيج، هو أصداء المتفجرات والصراخ العشوائي، يعبر عن تداخل أصوات معركة لا تنتهي، تصرخ بمرارة الجوع والعطش التي تخترق الأفق المثقل بالألم.
اللامعقول الغزّي
في هذا المشهد العبثي، الجمال يتقاطع مع البشاعة في تجسيد غير محدد. حيث تتداخل الألوان في فوضى عارمة، تصطدم وتتداخل، لتصبح اللوحة عملاً من اللامعقول. الأشكال تتشوه إلى درجة يصعب التعرف عليها، فتنتج صورة مقلوبة تعكس بقايا أمل متسرب عبر ثقوب الوجع.
كل محاولة لفهم هذه الحياة تتلاشى في خيوط من الفوضى. كل تفكير في مغزى الوجود يصبح عبثيًا، مثل محاولة الإمساك بسراب في صحراء من الخراب. الحقيقة تتداخل مع الخيال، حيث تتلاشى الحدود بين الواقع والخيال، وينغمس العقل في محاولة غير مجدية لتفسير الوجود الذي يسكنه الألم.
الوجع يتغلغل في كل زاوية، مثل شبح يطارد الأحلام الباهتة. في ظل الحرب، كل جزء من الحياة يبدو كمعادلة غير قابلة للحل، تتلاعب بالمشاعر والأحاسيس في دوامة لا تنتهي. الأمل يصبح وهمًا، بينما الألم يصبح الحقيقة المطلقة، ويجعل كل محاولة للفهم تتلاشى في بئر من اللامعقول.
في هذا المشهد العبثي، الجمال يتقاطع مع البشاعة في تجسيد غير محدد. حيث تتداخل الألوان في فوضى عارمة، لتصبح اللوحة عملاً من اللامعقول.
في خضم هذا العرض العبثي، ينكشف الوجود كمسألة مليئة بالتناقضات المستمرة، حيث يتداخل الجوع مع الأمل، والعطش مع الرغبة في النجاة. الحياة، في ظل الدمار والخراب، هي مشهد دائم من الفوضى التي تتجاوز كل محاولة للتفسير. كل جزء من هذا الوجود يبدو كمسرح من العبث، حيث يصبح المعنى شيئًا غير قابل للإدراك.
الوجود في ظل الحرب هو مسرح للعبثية المطلقة، حيث تتداخل الحقيقة مع الألم والخيال مع الوجع. الحياة هنا هي مشهد مروع من التناقضات التي تخلق لوحة متغيرة، تبرز فيها كل محاولة للفهم كعرض عبثي للقبض على سراب المعنى في عالم مليء بالدمار. كل حركة، كل صوت، وكل منظر يصبح جزءًا من قصة أكبر، تتداخل فيها التجارب والأحاسيس، لتصبح حياة مليئة بالوجع والألم، يتنقل فيها الأفراد بين خيوط الأمل والوهم في صراع لا ينتهي.
مشهد آخر من العبث
على تلك التلة العالية، حيث يتقاطع الأفق مع الظلال، يقف طفل صغير، عيناه تائهتان في عالم من الدخان والرماد. تحت قدميه، يتأرجح المخيم كبحر من الخيام الممزقة، كلوحة معقدة مرسومة بألوان من الدماء والطين. الرياح تهمس في أذنيه بأصوات قديمة، قصص عن بيوت انهارت، وعن طرق كانت يومًا تعج بالحياة، لكنها الآن تئن تحت وطأة الذكريات المنسية.
الطفل ينظر إلى السماء، بحثًا عن نجمة وحيدة لم تطفئها الحرب بعد، نجمة قد تكون خيطًا رفيعًا يصل به إلى الخلاص. لكنه لا يجد سوى غيوم ثقيلة محملة بأمطار من الدموع التي لم تسقط بعد. في قلبه الصغير، يتردد صدى السؤال الذي لم يجد له إجابة: لماذا أصبحت الدنيا جحيمًا؟ وكيف يمكن لطفل مثله أن يتلمس طريقه إلى النجاة في هذا العالم المحطم؟
الطفل ينظر إلى السماء، بحثًا عن نجمة وحيدة لم تطفئها الحرب بعد، نجمة قد تكون خيطًا رفيعًا يصل به إلى الخلاص. لكنه لا يجد سوى غيوم ثقيلة محملة بأمطار من الدموع التي لم تسقط بعد. في قلبه الصغير، يتردد صدى السؤال الذي لم يجد له إجابة: لماذا أصبحت الدنيا جحيمًا؟
تحت التلة، ينبثق ضجيج الحياة البائسة. أصوات الأمهات اللاتي يصرخن بحثًا عن أطفالهن، وصدى الجوع الذي يمزق أحشاء الجميع. المخيم ليس سوى سجن مفتوح، يحيط به أسوار من الخوف واليأس. كل خيمة هي قفص صغير، وكل قفص يحمل قصة من الوجع. الطفل يتساءل: هل يمكن للخلاص أن يأتي؟ وهل هناك نهاية لهذا الجحيم الذي لا نهاية له؟
الطفل، بحذائه المهترئ، يشعر ببرودة الأرض تحت قدميه، وكأنها تحاول أن تسحبه نحو الأسفل، نحو العدم. لكنه يقاوم، يريد أن يرتفع، أن يتجاوز هذه التلة، أن يهرب من هذا الواقع الذي يرفض أن يتركه. في عقله الصغير، يرسم صورًا عن عالم آخر، عالم بلا حرب، بلا صرخات، بلا خيام ممزقة. لكنه يعرف أن تلك الصور ليست سوى خيال عابر، حلم في قلب الكابوس.
في هذا المشهد العبثي، يصبح الطفل جزءًا من مسرح لا يرحم، حيث لا معنى للأمل، ولا منطق للألم. النجاة ليست إلا وهمًا يختفي كلما حاول الاقتراب منه. الحياة، بالنسبة لهذا الطفل، ليست سوى لعبة عبثية تُدار بيد غير مرئية، تتلاعب بمصيره كما تتلاعب الرياح بورقة شجر خريفية.
كل شيء من حوله، من الخيام إلى الظلال، يهمس له بالهرب، بالخلاص. لكن إلى أين يهرب؟ وكيف يمكنه أن يترك وراءه هذا المخيم، هذا السجن الذي أصبح بيته؟ الطفل لا يعرف سوى أنه يريد أن يترك كل شيء وراءه، أن يمشي بعيدًا، ربما إلى نهاية العالم، حيث يتوقف كل شيء، وحيث يمكن الروح أن تجد راحة لم تعرفها من قبل.
شعاع خافت
في تلك اللحظة، على قمة التلة، يتسلل شعاع خافت من الضوء عبر الغيوم الكثيفة، لكنه سرعان ما يختفي، كما لو أنه يخشى أن يضيء هذا العالم المظلم. الطفل يمد يده نحوه، لكنه يدرك بسرعة أنه لا يمكنه الإمساك بالنور. النور، مثل الأمل، دائمًا بعيد المنال، يلمع للحظة ثم يختفي في العدم.
في قلبه، يتزايد الوجع، كالنبضات التي لا تتوقف. يتمنى لو كان بإمكانه الطيران، لو كان بإمكانه أن يعلو فوق كل هذا، أن يهرب إلى مكان لا تصله أيدي الحرب ولا تسكنه الظلال. لكنه يعرف أن الطيران حلم مستحيل، كما هو الخلاص.
وأخيرًا، يجلس الطفل على حافة التلة، ينظر إلى المخيم الذي يبدو صغيرًا من هنا، وكأنه يختفي في الأفق. يغلق عينيه للحظة، يحاول أن يتخيل أنه في مكان آخر، في عالم أفضل. لكن الصرخات تأتيه من الأسفل، تعيده إلى الواقع، إلى هذا الجحيم الذي لا يستطيع الهروب منه.
الحياة، بالنسبة له، ليست سوى رحلة بلا نهاية في عالم مليء بالعبث. ورغم كل شيء، ما زال يحمل في قلبه الصغير شعلة صغيرة من الأمل، حتى لو كانت تضيء بصعوبة. في داخله، يعرف أنه يجب أن يستمر، أن يقف مرة أخرى، أن يحاول الهرب من هذه الجحيم، حتى لو كان ذلك يعني المشي في الظلام إلى الأبد.
يوسف القدرة... شاعر فلسطيني يقيم في قطاع غزة، خان يونس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.