على مرّ التاريخ، كانت الأمم والثقافات الهامشية والجانبية تحت نيران الصور النمطية والنماذج الشاملة للثقافة السائدة، وهي نماذج تضعها في طبق من الظلم والاتهامات الباطلة، وتنسبها إلى صفة غالباً ما تكون غير حقيقية وغير واقعية، حيث يحرم هذا الأمر المجتمع من معرفة السمات الحقيقية لتلك الأمة أو الثقافة الجانبية، وذلك يسبب التوتر والغضب والتنافر بين مختلف أجزاء ذلك المجتمع الكبير الملمّ بالثقافات.
ويمكن رؤية هذا الموضوع، في تعريف بعض من الأفلام والمسلسلات الإيرانية، التي تُظهر عرب إيران، "متعاونين مع النظام البعثي" في أثناء الحرب الإيرانية العراقية. وكصورة جديدة، يتعمد مخرج مسلسل "غربت (الغربة)"، أمير بوركيانيان، وضع الرجل العربي الإيراني، في طابور الرجال الذين يقدّمون زوجاتهم مقابل المال فحسب، وليس بسبب الإدمان والتمييز والبطالة والحرمان فحسب، ويصوّر المرأة العربية الإيرانية، بأنها راضية عن هذا الأمر، ولم تكن لديها مشكلة في تسليم نفسها عن طيب خاطر، وهذا خلافاً لسائر نساء المسلسل اللواتي يجبَرن على العمل في الجنس.
واجه هذا المسلسل انتقادات واسعةً وحادةً، كانت في غالبيتها ردود أفعال غاضبةً من قبل المواطن العربي الإيراني، حيث أتت جميعها كمطالبات بتوقيف العمل هذا، ونتيجةً لذلك، مُنع بث المسلسل على المنصات الدرامية والمواقع الإيرانية.
ردود فعل نارية
وقبل أن تعلن الرقابة على هذه المنصات توقیف مسلسل "الغربة"، أثار استمرار بثّه ردود فعل واسعةً في الأوساط العربية في إيران، ومن أبرز هذه الردود يمكن ذكر البيانات المنددة التي صدرت من مسؤولين وسياسيين وناشطين في محافظة خوزستان جنوبي غرب إيران، وكان بينهم عضو مجلس صيانة الدستور وممثل المرشد الأعلى الإيراني في خوزستان الشيخ محسن الحيدري، ومندوب مدينة السوس في البرلمان الإيراني محمد كعب عمير، ومندوب مدينة الأهواز في البرلمان سيد محسن موسوي زاده.
وحول هذا، كتب موسوي زاده، في صفحته على منصة إكس (X): "لقد تابعت بجدية تامة الأزمة التي سبّبها هذا المسلسل، حيث أُهين من خلاله الشعب العربي الإيراني، وردّاً على ذلك، أعلن رئيس ساترا (رقابة المنصات الدرامية) أن هذا المسلسل غير مرخص ويجب حذفه من المنصات".
يتعمد مخرج مسلسل "غربت (الغربة)"، أمير بوركيانيان، وضع الرجل العربي الإيراني، في طابور الرجال الذين يقدّمون زوجاتهم مقابل المال فحسب، ويصوّر المرأة العربية الإيرانية، بأنها راضية عن هذا الأمر
وعلى إثر هذه الاحتجاجات، أعلنت رقابة المنصات الدرمية (ساترا)، أن محتوى هذا المسلسل مرفوض من قبل هذه الرقابة، كما أن مسلسل "الغربة" ليست لديه رخصة النشر أساساً، وبناءً على ذلك، لم يتم إصدار ترخيص للإعلان عن المسلسل من قبل وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، ولهذا فعلى المنصات والمواقع حذف هذا العمل، وذلك بحكم من المدّعي العام لمدينة طهران. برغم هذا لم تُحذف الحلقات من المنصة الرئيسية لنشر هذا المسلسل "نماوا"، حيث اكتفت المنصة بعدم استمرار نشر الحلقات التالية، وتوقّف المسلسل عند الحلقة الثالثة.
ولكن كان للكاتب والشاعر الإيراني شهرام كراوندي، رأي آخر عن هذا الموضوع، حيث قال إنه تابع الحلقات الثلاثة المنتشرة لهذا المسلسل بعد إصرار أحد أصدقائه، ولم يجد فيه أي إهانة للعرب الإيرانيين، وحول هذا، كتب: "كل الأعزاء الذين يعرفونني، يعلمون كم أحب إيران وخوزستان وما هو مدى الحب والعاطفة التي أكنّها خاصةً لعرب إيران والثقافة واللغة والشعر والأدب العربي... مسلسل الغربة، هو مسلسل درامي ضعيف جداً كما توقعت، وهذا يعني أنك لست بحاجة إلى مشاهدة جميع حلقات المسلسل حتى تدرك في النهاية أنك أهدرت حياتك الثمينة بمشاهدة هذا المسلسل".
وتابع: "لكن في هذا المسلسل قام المخرج بجمع الناس من جميع أنحاء البلاد في بؤرة العفن هذه، حيث أتى بهم من شمال البلاد وجنوبها وشرقها وغربها، أي أنه ليس هناك إصرار أو نية على إهانة فئة معينة، ومهما كان هدف المخرج، فهو لم يكن تشويه وجه أي شخص أو ثقافة خاصة، فالجميع هنا في حيرة من أمرهم، من الرجال والنساء والصم والبكم والعميان، فكلهم مهانون في هذا المسلسل".
"أعتذر من عرب إيران الشرفاء"
بعد موجة الغضب هذه، التي أثارها المواطنون والمسؤلون والناشطون العرب على وسائل التواصل الاجتماعي في إیران، خرج كاتب ومخرج العمل أمير بوركيانيان، في فيديو مصوّر نشره على صفحاته الشخصية وصفحة المسلسل، ليقدّم اعتذاره إلى المواطنين العرب في إيران، حيث تعهد بتعديل قصة وسيناريو المسلسل، وعدم تكرار أخطاء مماثلة.
على غرار هذا المسلسل، هناك أعمال إيرانية عدة من أفلام ومسلسلات، حاول صنّاعها إهانة العرب أو إظهارهم بصورة بعيدة كل البعد عن الحقيقة، كمثال على هذا، يمكن ذكر فيلم "عروس النار"
وفي هذا الفيديو قال بروكيانيان: "إنني ابن خوزستان وأمضيت طفولتي في أزقة مدينة الأهواز، أعتذر شخصياً لإخواني المواطنين العرب الأعزاء عن سوء الفهم، وليس لدي أدنى شك في أن اعتذاري سيُقبل من قبل إخوتي، وللتوضيح إنني متهم بهذه الأمور المشبوهة والأحكام المنحازة، وأعدكم أنه لم يتم الإساءة إلى المواطنين العرب في هذا المسلسل... حتى أنني على استعداد لعرض العمل بأكمله لممثلي عرب إيران، وذلك لتتضح الصورة لديهم".
"الغربة" قصة العمل في الجنس والمخدرات
يحكي المسلسل قصة أشخاص استقروا في مخيم مع أسرهم، وذلك بعدما ضرب زلزال قوي بيوتهم وهدمها. من بين هؤلاء الأشخاص، رجل مجرم يُدعى فري، وهو مطلوب من قبل الشرطة، يستخدم بالقوة هذه الأسر في تهريب المخدرات، كما يجبر النساء على العمل في الجنس، وبعد أن تتعب النساء من هذا الأمر، يخططن للسرقة من لجنة الإغاثة، وذلك من أجل الهروب من أسر فري.
لكن ما هو مهين في هذه القصة، هو أن المخرج يظهر جميع السيدات مرغمات على هذا العمل، باستثناء امرأة واحدة، هي التي لها لهجة وملابس عربية، وهذه الصورة من السيدة العربية أثارت هذا الغضب الواسع في الأوساط العربية الإيرانية.
وعلى غرار هذا المسلسل، هناك أعمال إيرانية عدة من أفلام ومسلسلات، حاول صنّاعها إهانة العرب أو إظهارهم بصورة بعيدة كل البعد عن الحقيقة، كمثال على هذا، يمكن ذكر فيلم "عروس النار"، الذي حاول صنّاعه إظهار التناقض بين ثقافتين؛ القبلية التقليدية والحداثة الحضرية، لكنهم صوّروا الرجل العربي الإيراني، رجلاً همجياً لا يفهم المنطق، بحيث أنه لا يقبل الزواج من بنت غير بنت عمه، ولا يدعها تتزوج من أحد غيره، حتى إذا أُجبر على حرقها في ليلة زفافها، كما حدث في نهاية الفيلم.
وهناك أفلام ومسلسلات إيرانية أخرى، تروي قصة الحرب الإيرانية العراقية، وتصوّر بعض عرب إيران متعاونين مع النظام البعثي، هذا بالرغم من أنه توجد أعمال إيرانية كثيرة تُظهر المواطنين العرب، مناضلين ومدافعين عن الجمهورية الإسلامية، حيث يحاربون جيش صدام حسين، ويتصدّون له بحياتهم وبحياة أسرهم.
إن المخرج من هذه الإهانة الواضحة والقمع المزدوج للشعب العربي الإيراني النبيل، ليس الاعتذار عبر وسائل التواصل الاجتماعي وحسب، لأن هذه ليست المرة الأولى التي يُلصق فيها مخرجون مثل بوركيانيان، صوراً نمطيةً سلبيةً عن هؤلاء الناس، كما أنها بالتأكيد لن تكون المرة الأخيرة، حيث التأثير العنصري لمثل هذه الأعمال، سيقع على المشاهدين، وفي عمق أفكارهم ومعتقداتهم، ولن يتم محوها بسهولة، ويجب ألا يُنسى أن عمليات الإبادة الجماعية والفظائع في جميع أنحاء العالم، بدأت بمثل هذه الأفكار، إذ بتكرارها تحولت تدريجياً إلى موجة من عمليات القتل العنصري والمآسي الضخمة المعروفة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ اسبوعينمقال رائع فعلا وواقعي