شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"اللي عليها الدورة لا تجي للدوام"... مدارس العراق ليست صديقةً للنساء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الأحد 22 سبتمبر 202408:36 ص

مش ع الهامش

"اللي عليها الدورة لا تجي للدوام"؛ بهذه العبارة صاحت مديرة إحدى المدارس الثانوية في محافظة بابل وسط العراق، موبّخةً طالبات الصف الرابع الإعدادي. هذا ما ترويه لنا نادية (اسم مستعار، 52 عاماً)، وهي مدرّسة تعمل في المدرسة عينها، وقد طلبت عدم ذكر اسمها حفاظاً على خصوصيتها.

تروي نادية، لرصيف22، ما حصل ظهيرة أحد أيام الفصل الدراسي المنصرم، حين دخلت مديرة المدرسة إلى الحمام الخاص بالمدرّسات، ورأت فوطاً صحيةً مستعملةً خارج سلّة الحاويات التي كانت ممتلئةً تقريباً، وبعد أن سألت عاملة النظافة المسؤولة عن تنظيف حمامات ومرافق المدرسة عن وجود الفوط المتّسخة، أخبرتها بأنها سمحت لإحدى الطالبات باستخدام الحمام بعد أن استأذنت إحدى المدرّسات، لأن الطالبة كانت تمرّ بفترة الدورة الشهرية، ولم تستطع الدخول إلى حمام الطالبات لانقطاع المياه فيه منذ فترة.

"وبّخت المديرة عاملة النظافة، وقالت إنها ستذهب في جولة إلى الصفوف الدراسية حالاً لتوبّخ الطالبات وتحذّرهنّ من استخدام الحمام الخاص بالمدرّسات، وطلبت من المعاونة مرافقتها، وهذا ما حصل فعلاً"؛ تروي نادية، وتضيف: "صرخت المديرة في طالبات أحد الصفوف قائلةً 'اللي عليها الدورة وما تعرف النظافة لا تداوم'".

"وبّخت المديرة عاملة النظافة، وقالت إنها ستذهب في جولة إلى الصفوف الدراسية حالاً لتوبّخ الطالبات وتحذّرهنّ من استخدام الحمام الخاص بالمدرّسات، وطلبت من المعاونة مرافقتها، وهذا ما حصل فعلاً"؛ تروي نادية، وتضيف: "صرخت المديرة في طالبات أحد الصفوف قائلةً 'اللي عليها الدورة وما تعرف النظافة لا تداوم'"

في العراق، تعاني المدارس الحكومية من تدهور شديد في بنيتها التحتية، ومن أبرز وجوه هذا التدهور عدم توافر حمامات صالحة للاستخدام الآدمي، خصوصاً للفتيات المراهقات اللواتي يمررن بفترة الدورة الشهرية. تكون حمامات المدارس عادةً غير صالحة للاستخدام؛ بسبب تدهور حالتها أو انعدام الصيانة اللازمة وانقطاع المياه عنها، أو تكون الأرضيات والجدران ملوثةً، ولا توجد مرافق لغسل اليدين بعد الاستخدام، برغم الإنفاق الحكومي الكبير على قطاع التعليم في العراق، خلال العقود الأخيرة.

وفقاً للتقديرات المستندة إلى مخصصات التعليم في الموازنات العراقية من عام 2003 حتى عام 2021، بلغ إجمالي الإنفاق الحكومي على التعليم نحو 82 مليار دولار أمريكي. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الولايات المتحدة أنها أنفقت أكثر من مليار دولار على تطوير قطاع التعليم في العراق خلال الفترة نفسها، ومع ذلك، لم يعكس هذا الإنفاق تحسّناً ملموساً في البنية التحتية للمدارس.

"اضطررت في أوقات عدة إلى أن أبقى بالفوطة لساعات طويلة حتى أتجنب دخول الحمام، خصوصاً أنه لم يكن يحتوي على سلّة مهملات، وكان من غير الممكن أن أتخيل أنني أضع الفوطة الصحية في حقيبتي المدرسية".

المتحدث باسم وزارة التربية العراقية كريم السيد، يقول لرصيف22، إن الوزارة تعدّ ملف ترميم وصيانة حمامات المدارس الحكومية من أولوياتها القصوى. ويوضح أن أزمة البنية التحتية المدرسية تُعدّ من أبرز التحديات التي تواجهها الوزارة، خاصةً مع التزايد السكاني الكبير وتوقف بناء المؤسسات التربوية تقريباً منذ عام 2013، مما أدى إلى تفاقم المشكلة.

ويضيف السيد، أن الخطط الحكومية الحالية، إلى جانب البرنامج الوزاري، تتضمن العمل على مستويين رئيسيين: الأول هو بناء مدارس جاهزة، حيث يُتوقّع أن يتم تشغيل ألف مدرسة جديدة بحلول نهاية العام الحالي. أما التحدي الآخر فيتمثل في المدارس القديمة والكرفانية والطينية التي تفتقر إلى المرافق الصحية الضرورية، وقد بدأت الوزارة بالفعل بترميم 2،000 مدرسة ضمن البرنامج الحكومي، مع خطط مستقبلية لمواصلة الترميم حسب التخصيصات المالية المتاحة.

ويؤكد السيد، على أهمية التعاون مع المنظمات الدولية والمحلية، بجانب مساهمات المنظمات الخيرية، في تحسين أوضاع المدارس، خاصةً في المناطق الريفية. كما يشير إلى أن الوزارة تولي اهتماماً خاصاً لمدارس البنات في هذه المناطق، نظراً إلى أن نقص المرافق الصحية فيها يمثّل تحدياً كبيراً للفتيات.

حمّامات بلا خصوصية

تغيب الخصوصية أيضاً عن الكثير من حمامات المدارس؛ لأن أبوابها قديمة ومتهالكة، ناهيك عن أن بعض المدارس في المناطق الريفية النائية لا تحتوي على حمامات من الأساس للطلاب.

تقول ثريا (اسم مستعار، 19 عاماً) من البصرة جنوبي العراق، إن حمامات مدرستها الثانوية التي تخرجت منها العام الماضي، تفتقر إلى أبسط مقومات النظافة.

"اضطررت في أوقات عدة إلى أن أبقى بالفوطة لساعات طويلة حتى أتجنب دخول الحمام، خصوصاً أنه لم يكن يحتوي على سلّة مهملات، وكان من غير الممكن أن أتخيل أنني أضع الفوطة الصحية في حقيبتي المدرسية حتى وإن عزلتها بكيس خاص، خصوصاً أنني أحمل طعامي في الحقيبة"، تقول ثريا لرصيف22، وتضيف: "أتذكر أني كنت أضطر إلى أن أبقى بالفوطة ذاتها بعد أن أضع طبقتين من الفوط الصحية لامتصاص أعلى، خصوصاً أيام الامتحانات، إذ يتعذر عليّ الغياب، وكنت أشعر بالحرج من إخبار المدرّسات بحاجتي إلى استخدام الحمام الخاص بهنّ، لأنهنّ سيكتشفن الأمر إن وجدن الفوط الصحية المستخدمة خاصتي في حمامهنّ، وقد تحصل مشكلة بسبب ذلك، لذا كنت أتجنّب إخبارهنّ بالأمر".

ندى (اسم مستعار،21 عاماً)، طالبة في إحدى المدارس الثانوية الخاصة بالدراسة المسائية في النجف (مدارس للفئات الأكبر سنّاً)، تقول إنها اضطرت لسنوات عدة إلى أن تبقى بالفوطة الصحية طوال ساعات الدوام دون تغييرها، وإن لزم الأمر تضطر إلى تغييرها في حمام مدرستها، ولكن انقطاع المياه لساعات طويلة عن الحمام يجعل استخدامه شبه مستحيل، فتغيّر الفوطة دون أن تغسل يديها، وتستعيض عن ذلك بتعقيمهما بمطهر اليدين فقط.

"حمامات مدرستنا ليست سيئةً جداً، ولكن تنقطع فيها المياه بصفة مستمرة، ما يجعل استخدامها أمراً شبه مستحيل"، تقول ندى، التي تضطر إلى إدخال عدد من زجاجات المياه معها عند استخدامها الحمام بشكل اضطراري.

التعقيدات تزداد في الأرياف

تزداد المشكلة تعقيداً في القرى والأرياف، فبسبب قلة عدد المدارس هناك، يكون الدوام مختلطاً بين الجنسين، لذا يزداد خجل الفتيات أكثر من استخدام الحمامات المدرسية حتى ولو كان مخصصاً للفتيات، هذا ما تقوله إحدى الأمهات في حديثها إلى رصيف22.

"تخجل ابنتي كثيراً من الذهاب إلى المدرسة أيام الدورة الشهرية، وتغيب حتى في حال الامتحانات، وذلك لأن مدرستها بعيدة أولاً، إذ يتعيّن عليها قطع مسافة 4 كيلومترات تقريباً للذهاب إلى المدرسة، ولا نملك سيارةً لإيصالها، كما أن الطريق غير معبّد، لذا وبسبب المشي لمسافة طويلة تخجل من أن تتسرب بقع الدم إلى ملابسها ويراها الطلّاب، خصوصاً الذكور"؛ هذا ما ترويه ليلى (اسم مستعار، 37 عاماً) من قضاء المقدادية في محافظة ديالى شرقي العراق، وهي تروي معاناة ابنتها في المدرسة النائية التي تدرس فيها.

"تخجل ابنتي كثيراً من الذهاب إلى المدرسة أيام الدورة الشهرية، وتغيب حتى في حال الامتحانات، وذلك لأن مدرستها بعيدة أولاً، إذ يتعيّن عليها قطع مسافة 4 كيلومترات تقريباً للذهاب إلى المدرسة، ولا نملك سيارةً لإيصالها، كما أن الطريق غير معبّد، لذا وبسبب المشي لمسافة طويلة تخجل من أن تتسرب بقع الدم إلى ملابسها ويراها الطلّاب، خصوصاً الذكور"

تتحدث سهاد (اسم مستعار، 58 عاماً)، وهي مديرة متقاعدة في إحدى المدارس في أطراف العاصمة العراقية بغداد، إلى رصيف22، عن التحديات الكبيرة التي تواجهها الفتيات في المدارس الحكومية، حيث تفتقر هذه المدارس إلى دورات مياه تتوافق مع شروط النظافة والسلامة العامة. على النقيض من ذلك، توفر المدارس الخاصة بيئةً نظيفةً ومريحةً تشمل الصفوف الدراسية، والمرافق الصحية، والمسارح، وحتى حصص تعليم السباحة.

وتوضح سهاد، التي تروي تجربتها كمديرة على مدار أكثر من 15 عاماً، أن الفتيات غالباً ما يشعرن بالخجل عند مواجهتهنّ الدورة الشهرية في المدرسة، ما يجعلهنّ يترددن في إخبار المعلمة أو المديرة، وتالياً يتأخرن في تغيير الفوطة الصحية. حتى عندما تذهب الفتيات إلى المرافق الصحية، يواجهن نقصاً في المواد الضرورية للنظافة أو يجدن الأبواب مكسورةً.

"حال الحمامات في المدارس الحكومية متهالك، وهو أمر شائع جداً، ولم تجدِ خطاباتنا إلى الوزارة بتخصيص أموال للمدرسة حتى نتمكن من إعادة ترميم الحمامات نفعاً، إذ إن الإجراءات البيروقراطية خانقة"؛ تقول سهاد، وتضيف: "حاولنا في المدرسة أن نسمح للطالبات ممن هنّ في وقت دورتهنّ الشهرية باستخدام الحمام الخاص بالمدرّسات لأن الزخم عليه أقلّ ونحن كمدرّسات نقوم بتنظيفه بشكل دوري".

ووفقاً لسهاد، خلال فترة الدورة الشهرية، تجد العديد من الفتيات صعوبةً في الذهاب إلى المدرسة أصلاً، وإن هذا العزوف يؤثر سلباً على تحصيلهنّ العلمي، ويزيد نسبة التغيب.

"برغم تحسن طفيف في العلاقات بين الطالبات والإدارة مقارنةً بالعقود السابقة، حيث أصبح الجيل الحالي أكثر وعياً بحقوقه وأقل تحفظاً في الحديث عن مسائل حساسة مثل الدورة الشهرية، إلا أن هناك ضرورةً لوجود مرشدة تربوية في كل مدرسة لدعم الطالبات، خصوصاً في مدارس المناطق الريفية"، تقول سهاد، وتؤكد أيضاً على أهمية وجود صيدلية مدرسية تحتوي على مسكنات للألم مثل الباراسيتامول، ومواد طبية أساسية كالقطن والشاش. وترى سهاد أنه من المهم تشجيع المدرّسات للطالبات على عدم الخجل في فترة الدورة الشهرية، وأن يشعرن بالأمان عند طلب المساعدة من الإدارة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image