شهد مطار بيروت الدولي الكثير من الأحداث الأمنية التي مرّت عليه منذ تأسيسه في العام 1933، تحت اسم "مطار بيروت الإقليمي"، بإشراف سلطات الانتداب الفرنسي، قبل أن يتحوّل رسمياً عام 1945، إلى "مطار بيروت الدولي"، تزامناً مع إطلاق شركة "طيران لبنان" التي هي أيضاً تحوّلت عام 1946 إلى "طيران الشرق الأوسط"، وفق ما ورد في كتاب "بيروتنا" للعميد مختار عيتاني (طبعة 1997).
معظم هذه الأحداث كانت بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان، التي لا توفر حكومتها فرصةً إلا وتهدد بقصف مطاره والمرافق الحيوية فيه، وكانت حرب تموز/ يوليو عام 2006، أكبر شاهد على ذلك، حين دمّرت الطائرات الإسرائيلية في اليوم الأول من الحرب مدارج المطار وأخرجته من الخدمة.
وقد مرّ على مطار بيروت الدولي على مرّ السنوات، الكثير من الأحداث والاعتداءات، نحاول استعراضها وتوثيقها، في وقت يتصاعد فيه الحديث بين حين وآخر عن تصاعد الحرب في جنوب لبنان، واحتمال أن تتحوّل إلى حرب شاملة، بالرغم من التهدئة النسبية التي ظهرت في الأسبوع الماضي، وتحديداً بعد ردّ حزب الله على مقتل قائده العسكري فؤاد شكر، ورسائل التهدئة التي أطلقها حينها أمينه العام حسن نصر الله.
1968... الضربة الأولى
يبعد مطار بيروت رفيق الحريري الدولي بنحو 9 كم جنوب وسط العاصمة اللبنانية، وهو مرفق حيوي لاقتصاد البلد المأزوم، سيّما لقطاعي الأعمال والسياحة عبر ربط لبنان بالعالم الخارجي. يتكون المطار من محطة من أربعة طوابق تنتشر على قسمين، الشرق والغرب، وتتضمن 23 بوابة. يستقبل المطار قرابة 8 مليون راكب سنوياً، علماً أن تقديرات ترجح ارتفاع هذا العدد إلى نحو 20 مليون راكب بحلول 2030.
أما منطقة المغادرة في المطار، فتحتوي على صالتين حصريتين، صالة طيران الشرق الأوسط سيدار لونج وبيروت لونج. ويوفر المطار 4500 متر مربع من مساحة التجزئة المعفاة من الرسوم الجمركية لتلبية طلبات المتسوقين. في حين تشمل مرافق المطار الأخرى مصرف وأربعة أجهزة صراف آلي، وخدمات للمسافرين ذوي الاحتياجات الخاصة، وخدمات رعاية صحية، وخدمات بريدية، وخدمات إنترنت مجانية، وقسم للمفقودات.
ويقول الباحث نسيب شمس الدين، لرصيف22، إن "أكبر اعتداء على مطار بيروت كان عام 1968، وتسبب في أزمة سياسية كبيرة داخل لبنان، خاصةً بين الفرقاء المؤيدين للقضية الفلسطينية من جهة والمناهضين للوجود العسكري الفلسطيني من جهة أخرى. وفي أحداث أخرى تعرّض مرات عدة للإقفال، وفي فترات متباعدة، خاصةً في سنوات الحرب الأهلية (1975-1991)، فضلاً عن تحوّله عام 1982 إلى مقر للجيش الإسرائيلي الذي اجتاح بيروت في تلك الفترة. كما عانى من القصف الصاروخي من قبل الميليشيات المتعددة التي كانت منتشرةً في لبنان سواء من جهة بيروت الشرقية (كما كانت التسميات والتقسيمات الطائفية خلال الحرب)، حيث تمركزت الأحزاب اليمينية المسيحية، أو من بيروت الغربية، وطالت قذائف المسلحين محيطه وحرمه مرات عدة".
"أكبر اعتداء على مطار بيروت كان عام 1968، وتسبب في أزمة سياسية كبيرة داخل لبنان، خاصةً بين الفرقاء المؤيدين للقضية الفلسطينية من جهة والمناهضين للوجود العسكري الفلسطيني من جهة أخرى. وفي أحداث أخرى تعرّض مرات عدة للإقفال..."
لماذا كانت ضربة العام 1968 أشدّ ألماً على المطار الوحيد في لبنان؟ وفق ما جاء في مذكرات اللواء الراحل سامي الخطيب: "بعد 35 سنةً من تأسيسه، تعرّض المطار لأشرس ضربة جوية عسكرية إسرائيلية. كان ذلك في 28 كانون الأول/ ديسمبر 1968، وأسفرت عن تحطّم واحتراق ثلاث عشرة طائرةً مدنيةً". يقول الخطيب في مذكراته "عين على الحدث" (طبعة 2008)، عن مشاهدته العينية للحادثة حين كان ملازماً في الجيش اللبناني وكان إميل البستاني قائداً له: "وصلت مع زملائي من الضباط سيراً على الأقدام إلى المطار، وكان المشهد المخيف مخيّباً للآمال. حكومتنا لم تردّ على الضربة، وكان الأمر مذلّاً لنا، وقيادة الجيش لم تعلن حالة الاستنفار إلا بعد 3 أيام من الضربة، أي ليلة رأس السنة، وكان من المتوقع أن يكون ردّنا أقوى بعد تدمير أسطول كامل من الطيران المدني اللبناني، والذي تسبب في خسائر تقدَّر يومها بـ46 مليون دولار أمريكي".
يروي الخطيب أنّ "القصف الإسرائيلي جاء رداً على التحركات الفلسطينية في لبنان، وأبرزها حين قام الفلسطينيان محمود عيسى ومحمد سليمان اليماني، وهما من لاجئي لبنان، بمهاجمة طائرة عال الإسرائيلية التي كانت متوقفةً في مطار أثينا، وأسفرت العملية عن مقتل إسرائيلي وجرح آخر وتعطيل جزئي للطائرة. كان لتلك العملية وقع كبير داخل المجتمع الإسرائيلي، ودعا وزير النقل موشيه كرمل لضرورة الردّ بعنف على لبنان لأن المنفّذَين تدرّبا في لبنان وبرعاية من السلطات اللبنانية. وقبل يوم واحد من الضربة الجوية على لبنان، عقد المقدم جميل لحود في 27 كانون الأول/ ديسمبر 1968، اجتماعاً مع جميع ضباط المخابرات للتباحث في التهديات الإسرائيلية وتأمين الحماية الكاملة للمرافق الحيوية في لبنان ومن بينها المطار، ولكن فعلياً لم يحصل ذلك. وبعد ساعات قُصف المطار ودُمّرت الطائرات إلى جانب خسائر مادية أخرى وانتهى الأمر بخلاف سياسي داخلي، وقدّم لبنان شكوى إلى مجلس الأمن، ولم ينتج عن تلك الإجراءات سوى تعويض شركات التأمين بنصف المبلغ من الخسائر".
لجأ رئيس الجمهورية آنذاك شارل حلو، إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، طالباً منه التدخل للضغط على منظمة التحرير الفلسطينية بشخص رئيسها ياسر عرفات، لوقف التسلل الفلسطيني من سوريا والأردن إلى لبنان. ووفق مذكرات الخطيب: "تم إيفادي إلى مصر لمقابلة عبد الناصر وتأمين لقاء بيني وبين عرفات بعد أن يكون الرئيس المصري قد تباحث معه لمعرفة نواياه الإيجابية تجاه لبنان".
عمليات تفجير وخطف طائرات وانتقام
ربما لم يتعرّض مطار في العالم لما تعرّض له وعانى منه مطار لبنان الوحيد، الذي كان المحور الرئيسي للنقل الجوي في منطقة الشرق الأوسط (منذ خمسينيات وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي)، ولا أحد يعلم ما الذي ينتظره من أحداث في الأيام المقبلة وسط التوترات والتهديدات المتواصلة بين "حزب الله" وإسرائيل. لكن وفق الأحداث المؤرخة في الصحف وكتب الباحثين والمواقع المتخصصة، بعد حادثة عام 1968، عادت الحياة الطبيعية الناشطة إلى حركة المطار حتى منتصف عام 1975، حين بدأت نيران الحرب الأهلية تشتعل شيئاً فشيئاً، فأقفل لأسابيع عدة بين حزيران/ يونيو وآب/ أغسطس 1976، بسبب الحرب، لا سيّما أنه تعرّض لقصف مجهول في 27 حزيران/ يونيو 1976، أسفر عن تدمير طائرة ركاب من طراز "بوينغ 707" تابعة لشركة "طيران الشرق الأوسط"، وأدى الحادث إلى مقتل الكابتن زهير ميقاتي.
عاد الهدوء النسبي إلى المطار حتى عام 1981، حيث كانت مدرجاته تتوقف بين الفينة والأخرى عن استقبال الرحلات الخارجية، إلى أن حصل الاجتياح الإسرائيلي لبيروت أو ما عُرف بـ"عملية الصنوبر" عام 1982، حيث استهدفت القوات الإسرائيلية في 10 حزيران/ يونيو من ذلك العام المطار بقصف مركزه بعدما تقدّمت إلى منطقة خلدة (جنوبي العاصمة)، التي كانت مركزاً للمقاتلين الفلسطينيين وحلفائهم اللبنانيين، وانتهت العملية بتدمير 6 طائرات تابعة لطيران الشرق الأوسط من نوع "بوينغ 727"، وإقفاله لمدة 115 يوماً.
1983... العملية التي هزّت لبنان والعالم
اختلفت الأسباب لكن النتيجة واحدة؛ ففي عام 1968، كان الهجوم إسرائيلي على مطار لبنان لتصفية الحسابات مع الفصائل الفلسطينية، لكن صباح يوم 23 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1983، كان الهجوم انتقاماً من الحكومة الأمريكية الداعمة لإسرائيل. وبعد أشهر من الهجوم الانتحاري على السفارة الأمريكية في بيروت (18 نيسان/ أبريل 1983)، وكان المنفّذون مجموعةً من الفدائيين والمقاومة الإسلامية وفق تقرير عسكري أمريكي، وذلك حين دخلت شاحنة ضخمة مزوّدة بخمسة آلاف كيلوغرام من المتفجرات، وضربت مقر المارينز في مطار بيروت، ما أدى إلى مقتل 241 جندياً أمريكياً وبعض المدنيين اللبنانيين قرب المطار.
ربما لم يتعرّض مطار في العالم لما تعرّض له وعانى منه مطار لبنان الوحيد، الذي كان المحور الرئيسي للنقل الجوي في منطقة الشرق الأوسط (منذ خمسينيات وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي)، ولا أحد يعلم ما الذي ينتظره من أحداث في الأيام المقبلة وسط التوترات والتهديدات المتواصلة بين "حزب الله" وإسرائيل
الإعلام الغربي، وتحديداً الأمريكي، لا يزال يستذكر تلك الحادثة في كل مناسبة وحدث أمني وسياسي دون أن يأتي على ذكر الاعتداءات المتكررة التي طالت مطار بيروت من قبل الجيش الإسرائيلي. وكان آخر هجوم إسرائيلي على المطار قد حصل عام 2006، وتحديداً في 13 تموز/ يوليو، بعد يوم واحد من بدء الحرب بين حزب الله من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، والتي سُمّيت لاحقاً "حرب تموز". ففي الصباح الباكر من يوم الخميس 13 تموز/ يوليو 2006، شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي قصفاً جوياً استهدف ثلاثة مدرّجات ليخرج المطار من الخدمة حتى 17 آب/ أغسطس من العام ذاته، وكانت حجة رئيس الحكومة الإسرائيلي حينذاك، إيهود اولمرت، أن حزب الله وإيران يخبئان أسلحةً خطيرةً داخل المطار وهي الحجة نفسها والادعاء ذاته اللذان نشرتهما "تلغراف"، قبل أشهر، وعدّتهما حكومة بنيامين نتنياهو إخباراً أمنياً، ما تسبب في حالة بلبلة، ليظهر من بعدها أن التقرير الذي أعدّته "تلغراف" محرّفاً.
أحداث متفرقة فيها "الكثير من العنف والإثارة والدم"
شهد مطار بيروت أيضاً، بعض عمليات خطف الطائرات إليه من دول عدة، وكانت بعض الفصائل الفلسطينية ومعها أحزاب لبنانية تتبنى تلك العمليات، لكن أهمها كانت عملية خطف طائرة "تي دبليو إيه" الأمريكية، التي حصلت في 14 حزيران/ يونيو عام 1985، والتي كانت رحلتها الرقم 847 منطلقةً من القاهرة إلى سان دييغو الأمريكية، مروراً بأثينا، وروما، ثم بوسطن ولوس أنجلس في الولايات المتحدة، وعلى متنها 153 مسافراً، لكن مجموعةً من المسلحين غيّرت مسارها في العاصمة اليونانية واستولت عليها مرغمةً قائدها على التوجه إلى بيروت، ومن أرض مطار لبنان بدأت المفاوضات قبل أن يأمر الخاطفون الكابتن بالتوجه إلى الجزائر، وهناك أُطلق سراح 20 شخصاً ثم عادت إلى بيروت حيث قُتل ضابط بحري أمريكي ورُميت جثته على المدرج، والمفارقة أنه كان من بين المخطوفين المغنّي العالمي المعروف ديميس روسوس، والذي أُطلق سراحه مع أعضاء فرقته بتسوية قادها رئيس حركة أمل نبيه بري.
زمن الحرب الأهلية اللبنانية، نفّذت سيدة شابة لم تتجاوز الـ27 من عمرها، عمليةً داخل المطار والمستهدف كان مركزاً للجيش السوري فيه، حين دوّى انفجار كبير هزّ أرجاء المطار موقعاً عشرات الضحايا من ضمنهم صاحبة الحقيبة المفخخة، ومعها عدد من الضحايا بينهم عناصر في الجيشين اللبناني والسوري ومدنيون آخرون
مطالب الخاطفين كانت إطلاق سراح 17 سجيناً في الكويت، من أعضاء حزب الله اللبناني وحزب الدعوة الإسلامية العراقي، حُكم عليهم بسبب تنفيذهم هجمات على منشآت كويتية وأمريكية عام 1983، تسببت في مقتل ستة أشخاص. أما المطلب الثاني، فهو إطلاق سراح المئات من السجناء الشيعة في جنوب لبنان الذي احتلته إسرائيل آنذاك.
أيضاً، في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 1987، زمن الحرب الأهلية اللبنانية، نفّذت سيدة شابة لم تتجاوز الـ27 من عمرها، وهي أمّ لطفل حديث الولادة، عمليةً داخل المطار والمستهدف كان مركزاً للجيش السوري فيه، حين دوّى انفجار كبير هزّ أرجاء المطار موقعاً عشرات الضحايا من ضمنهم صاحبة الحقيبة المفخخة ثريا صهيون، ومعها عدد من الضحايا بينهم عناصر في الجيشين اللبناني والسوري ومدنيون آخرون. وبحسب مجلة "الشراع"، فإن ثريا حاولت (وفق شهادة الشهود الناجين)، الوصول إلى قاعة المسافرين بحجة تسليم الحقيبة لأحد المغادرين، إلا أن حارس الأمن منعها كونها غير مسافرة، وما أن وصلت إلى مدخل القاعة حتى انفجرت العبوة.
لم تتمكن مخابرات الجيش اللبناني من معرفة أو تحديد الجهة الحزبية التي أرسلتها لتنفيذ مهمتها، وأُقفل الملف ضد جهة مجهولة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 10 ساعاتجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أياممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 6 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.