شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
عن صعوبة التغيير في

عن صعوبة التغيير في "مجلس نبيه بري"... شباب "فعل مباشر" يواجهون/ن طواحين القوانين الوضعية بمقترحات جديدة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحريات العامة

الجمعة 30 أغسطس 202401:35 م

وأنا أُجري المقابلات لإعداد هذا التحقيق، مرّ شريط سريع أمامي يجمع كل النكبات ومواقف الخذلان الوطنيّ التي تعرّضت لها منذ 2019، وحتى اليوم.

في الصحافة، لا نكتب عن أنفسنا، لكن الألم الجماعي الذي عشناه ونحمله كشباب دفعني لأستهلّ المقال بهذه الطريقة.

ثمة نفَس متجدّد وواعد أظهره شباب وشابات متدرّبون/ات مع جمعية "فعل مباشر"، كان كفيلاً ببث روح الأمل من جديد لدى كثيرين من الشباب.

الزبائنية كبيرة، سطوة الأحزاب قاسية، الفساد مستشرٍ، لكنّ الأمل بالتغيير أكبر من كل ما سبق.

واجب لا بطولة

تبدأ القصة حين يستيقظ أي شاب في هذا الوطن، ويجد نفسه محاطاً بكل هذه الأزمات، فينوي العمل على تغييرها من موقعه، ويبحث عن السبل المشروعة والناجعة، ومن بينها البحث في ثغرات القوانين النافذة في البرلمان اللبناني التي يحمي بعضها مصالح رجال المنظومة، وينطلق.

هذا ما حصل مع 14 شاباً وشابّةً وجدوا/ن خيط البداية للعمل التغييري في معرفة أصل المشكلة، وكيفية حلّها.

بعد أن ضاقت بمحمد العمر، وهو محامٍ متدرّج من مدينة طرابلس وواحد من المجموعة سابقة الذكر، سبل الهجرة وسبل العيش هنا، وسط تدهور مختلف القطاعات، وجد أن الخيار الوحيد أمامه هو المساهمة في بناء الوطن من جديد.

تبدأ القصة حين يستيقظ أي شاب في هذا الوطن، ويجد نفسه محاطاً بكل هذه الأزمات، فينوي العمل على تغييرها من موقعه، ويبحث عن السبل المشروعة والناجعة، ومن بينها البحث في ثغرات القوانين النافذة في البرلمان اللبناني التي يحمي بعضها مصالح رجال المنظومة، وينطلق

يقول محمد لرصيف22: "بعد فشل الثورة والتحرّكات، وبعد أن صارت الهجرة لمن استطاع إليها سبيلاً فحسب، لم يتبقَّ أمامنا سوى هذا الخيار، وهو ليس بطولةً أو شهامةً، لكنه واجب لإنقاذ الأجيال المقبلة إذ لم يعد ما تبقّى من العمر لنا نحن".

جمعية "فعل مباشر"، أتاحت لمحمد وزملائه فرصة المشاركة في برنامج تدريبيّ، مدته 9 أيام نظرية و3 أسابيع تطبيقية، تحت شعار "مكافحة الفساد"، لتأهيل الشباب للمشاركة بشكل فعّال في الحياة السياسية.

يرى محمد أن الجمعية "احتوت شجاعة الشباب أمثالنا ودعمتنا".

بالنسبة له كشخص درس القانون، سبق أن سمع بالقانون المتعلق بالإثراء غير المشروع، وتصاريح الذمّة المالية في السنوات الأخيرة بطبيعة الحال، لكنه قبل البرنامج لم يكن ملمّاً بتفاصيله وبكيفية تسخيره لشأن المنفعة العامة، ولدقّ جدران خزّان المنظومة.

من رعايا إلى مواطنين

أما الطالب بهاء جنبين، من البقاع الغربي، فقد سمع عن القانون مرةً واحدةً عبر التلفاز في السابق، ويرى أنّ هذا التدريب عرّفه على "المواطنة الحقّة وكيف نكون مواطنين فاعلين". "اكتشفت ثغرات كثيرةً في مفهوم المواطنة ومكافحة الفساد لديّ"، يقول لرصيف22.

لم يكن بهاء الذي يعيش في منطقة ريفية حضور الدولة فيها يشبه الغياب، يعي كيف يحارب الفساد من داخل بيته.

أحد أعضاء الهيئة الإدارية في جمعية "فعل مباشر"، نزار أمين، يؤكد لرصيف22، على هذه النقطة، بل يضعها في صلب أهداف البرنامج التدريبي وهي "تحويل الشباب من رعايا إلى مواطنين، وتفعيل دور المواطن عبر المرتكزات الديمقراطية الثلاثة: المشاركة، سيادة القانون، والمحاسبة والمساءلة".

بالنسبة لأمين، الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد هي خريطة طريق لإصلاح لبنان، ومن ضمن الإصلاحات المقترحة في هذه الإستراتيجية مجموعة قوانين مطلوب من المشرّعين إقرارها، أحدها القانون المختص بتصاريح الذمة المالية، علماً أنّ القانون أُقرّ ويُعدّ نافذاً، لكن لم يحاسَب أحدٌ وفق أسسه بعد.

السؤال البديهي هنا هو: لماذا لم يحاسَبوا؟

"بعد فشل الثورة والتحرّكات، وبعد أن صارت الهجرة لمن استطاع إليها سبيلاً فحسب، لم يتبقَّ أمامنا سوى هذا الخيار، وهو ليس بطولةً أو شهامةً، لكنه واجب لإنقاذ الأجيال المقبلة إذ لم يعد ما تبقّى من العمر لنا نحن".

هيئة لحفظ الملفات؟

المتدرّبون التفتوا إلى هذا الأمر. القانون موجود لكن النتائج غير موجودة. أبرز اسم على لائحة الفساد والمفسدين في البلد، رياض سلامة: هل قدّم تصريحه؟ هل جرى التحقيق في ممتلكاته وأصلها؟ هل تمّت ملاحقته؟ أسئلة تطول، والإجابة واحدة: كلا.

"الشباب وجدوا ما عدّوها ‘ثغرةً’ في القانون"، يقول أمين ويضيف أن هيئة مكافحة الفساد أنشئت على أساس قانون مكافحة الفساد، وتمتّعت بصلاحيات واسعة، كما أنشئ قانون تصاريح الذمة لاحقاً، لكنّ المفارقة أنه منح الهيئة صلاحية حفظ الملفات فقط.

برأيه لا يجب أن تكتفي الهيئة بمسألة حفظ الملفات، بل يجب أن تمارس دورها الطبيعي في تدقيقها وفق الصلاحيات الممنوحة لها قبل أن تذهب إلى التحقيق والمحاسبة.

من جهته، يؤكّد بهاء أنه والمشتركين في البرنامج، اختاروا العمل على شقّ تصاريح الذمة المالية بعد التدقيق الكامل في تفاصيل قانون مكافحة الفساد.

بعد البحث النظري الكامل، والإلمام بجوانب القانون كافة، والحصول على المناصرة من قبل الجمعية، انطلقت المجموعة الشبابية نحو الاختصاصيين والاستشاريين في مجال القانون.

وجدوا في المادة الخامسة من القانون 189/2020، إمكانيةً لإضافة اقتراحات تفعّل دور هيئة مكافحة الفساد، وبعد الحصول على الاستشارات اللازمة صيغ الكتاب الذي سيرسَل إلى النواب.

المفارقة أن بعض النواب لم يجيبوا على هواتفهم، أو على طلب الحصول على المقابلة من الأساس: "أقفلوا الهاتف في وجوهنا، ومنهم من وعد ولم يفِ، فيما كان عدد النواب المتجاوبين اثنين فقط هما النائب الياس جرادي والنائب بولا يعقوبيان"، يقول بهاء، عادّاً أن رفض أي نائب لهكذا قانون إصلاحي لا يفسَّر سوى بأنه يضرّ بمصالحه.

محمد العمر تبدأ مشكلته مع بعض النواب من إصرارهم على فكرة وجود قانون وضعي كامل: "بعض الصعوبات كانت في إصرارهم على أن القوانين التي صدرت عنهم كاملة، ولا تحتمل أي عيب. هم ليسوا آلهةً، ورأينا إلى أين وصل البلد على أيديهم".

يضيف العمر: "كنا نحمل فكرةً لا يمكن معارضتها إلا من قبل الفاسدين الحقيقيين"، ويحكي كيف أنّ مروحة لقاءاتهم بالنواب برغم العقبات، شملت مختلف الأطياف والكتل النيابية من ممثلي الأحزاب التقليدية وصولاً إلى ما يُعرف بالقوى التغييرية.

اصطدموا بفكرة كانت لدى بعض النواب: "مَن هم هؤلاء الشباب الذين يدّعون القدرة على تغيير قوانين وضعناها نحن؟".

إن لم يكن اليوم... فغداً

صراع الأجيال هذا ترى النائب بولا يعقوبيان، أنه سينتهي يوماً بالغلبة للشباب، لأنهم نواة التغيير والمحرّك الأساسي له وسينتصرون، إن لم يكن اليوم فغداً.

يعقوبيان غير متفائلة لناحية وصول تعديل القانون إلى البرلمان وإقراره: "لا يمكن تحقيق إنجازات في مجلس نبيه بري، ووسط التركيبة القائمة والمافيا".

سواء وصل مقترح تعديل قانون تصاريح الذمة المالية إلى البرلمان وأُقرّ، أو لم يحصل ذلك، تبقى أهمية الخطوة في جذرها، من حيث تشجيع الشباب على العمل السياسي، والإيمان بقدراتهم، ودعمهم وعدم خذلانهم مجدداً

لكنها تؤكد أن ما هو أهم اليوم في مبادرة هؤلاء الشباب، أبعد من إقرار التعديل أو عدمه، إذ ترى أنّ الفعل التغييري التراكمي هو الحلّ، من خلال "الانخراط في العمل السياسي، بدايةً من معرفة الواقع ثمّ الولوج إلى أولويات الإصلاح التي تحملها نواة إصلاحية معارضة في وجه المنظومة".

تقول يعقوبيان للشباب اليائسين من البلد اليوم، الحالمين بفيزا نحو الخارج: "خذوا خيار الاغتراب لا بأس، إذا كان الحل الوحيد أمامكم، لكن تذكّروا جيداً من أجبركم على هذا القرار".

يعتقد العضو الإداري في جمعية "فعل مباشر"، نزار أمين، أنّ "الهدف من البرنامج التدريبي لم يكن الوصول إلى مقترح قانون، وإن كانت النتيجة جيدةً، لكن الهدف الأساسي كان زرع الحسّ النقدي لدى الشباب"، وهو ما ظهرت نتيجته في مسار العمل الذي سلكوه إثر التدريب.

أما محمد، المتفائل بوصول المقترح إلى البرلمان، فيقول: "حرّكنا ملفّاً كان يتم تخديره عمداً، وحتى لو لم نكن قادرين على إحداث تغيير سريع وكبير، يكفي أننا قمنا بعمل وطني".

طريقة التدريب التشاركية والأنشطة غير الجامدة كانت علامةً فارقةً لدى محمد، ليشعر بأنه على عكس من يستخفّون بقدرات الشباب ويحجّمونها، هناك من يؤمن بهم ويدعمهم، وأن المعاناة المشتركة للشباب من مختلف المناطق والطوائف والخلفيات في لبنان لا بد أن تجمعهم على قلب تغييريّ واحد.

العزيمة والإرادة لمتابعة المشروع، وملاحقة حق كل مواطن لبناني، هي شعارات بهاء جنبين، من خلال تعزيز روح القيادة والمواطنة اللتين جرى العمل على تنميتهما طوال فترة التدريب.

الشباب هم الرئة التي ما زال يتنفّس منها لبنان، وإذا كان لا بدّ من تغيير حقيقي في هذا البلد فالأمل فيهم وحدهم، وإن لم يكن كذلك فلماذا تسعى الأحزاب التقليدية جاهدةً إلى استقطابهم؟ تتساءل يعقوبيان.

منذ دخول نواب "القوى التغييرية" إلى البرلمان اللبناني بعد الانتخابات الأخيرة في 2022، وإثر انتفاضة 17 تشرين والأزمات كافة التي مرّ بها لبنان ولا يزال، تصاعد النّفس التغييري أو الداعي إليه أقلّه، وشهد مجلس النواب اللبناني أحداثاً كان من شبه المستحيل أن تحدث في السابق مثل تقديم مقترحات قوانين جديدة وفتح سجالات مع حرّاس الهيكل.

سواء وصل مقترح تعديل قانون تصاريح الذمة المالية إلى البرلمان وأُقرّ، أو لم يحصل ذلك، تبقى أهمية الخطوة في جذرها، من حيث تشجيع الشباب على العمل السياسي، والإيمان بقدراتهم، ودعمهم وعدم خذلانهم مجدداً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

شكل حياتنا اليومية سيتغيّر، وتفاصيل ما نعيشه كل يوم ستختلف، لو كنّا لا نساوم على قضايا الحريات. "ثقافة المساومة" هذه هي ما يساعد الحكام على حرماننا من حريات وحقوق كثيرة، ولذلك نرفضها، ونكرّس يومياً جهوداً للتعبير عن رفضنا لها، والدعوة إلى التكاتف لانتزاع ما لنا من قبضة المتسلّطين. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard