"تقليد وثني وركوع للآلهة ومنكرات كثيرة وثقافة شركية دخيلة إلى مناطق محررة بدماء السوريين"، بهذه الكلمات أعاد جهاديون في إدلب شمال غرب سوريا جدل الشائك الديني والثقافي بعد افتتاح منظمة "بنفسج" دورة الألعاب البارالمبية، المخصصة لرياضيين بدرجات إعاقة ذهنية وجسدية متفاوتة، متنافسين في 11 رياضة مختلفة ضمن فئات الأطفال، والنساء، والرجال.
الاحتفال الذي جرى على الملعب البلدي في إدلب الواقعة تحت قبضة هيئة تحرير الشام تضمّن مهرجانًا احتفاليًا تحت شعار "لنا أجنحة" تمّ فيه حمل شعلة وإضاءات وموسيقى صاخبة وهو ما اعتبره بعض الجهاديين الأصوليين مخالفة للثقافة والعادات وتشبهًا بالغرب، إذ قال الداعية "عبد الرزاق المهدي" إن "المهرجان ظهر فيه منكرات كثيرة كالشعلة الأولمبية الوثنية، وركوع للآلهة، واختلاط لدرجة الالتصاق بين الرجال والنساء، وموسيقى صاخبة، وإعلامي فاسق يلتقط صورة سيلفي مع الفتيات، والأسوأ أنهن كاشفات الوجوه"، مطالبًا هيئة تحرير الشام بتفعيل جهاز الحسبة فورًا.
أما الداعية السعودي "مصلح العلياني"، والذي انشق عن تحرير الشام في العام 2017، اعتبر أن الفعالية هي نقل لثقافة شركية (دخيلة) إلى مناطق محررة بدماء السوريين، كما أن وجود الموقد في الاحتفال وتمريره على الحاضرين، تشبّه برموز الأساطير والآلهة، و"الميثولوجيا الإغريقية". متوجهًا إلى تحرير الشام بالقول: "في حال تُركت المنظمات والمؤسسات التجارية والمولات على راحتها، فإنها سوف تجلب الدمار إلى البلد، وهو دمار العقيدة".
برغم المدافعين عن الفعالية التي حاولت محاكاة "أولمبياد باريس" في العاصمة الفرنسية التي جرت مؤخرًا، إلا الحملة الهجومية عليها آتت أكلها، ولا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما دفع حكومة "الإنقاذ" الجناح المدني لتحرير الشام والراغبة بإظهار مدى فعاليتها في الاستجابة للمسارعة بإصدار بيان عبر وزارة التنمية والشؤون الإنسانية، أشارت فيه إلى أن التجاوزات التي حصلت في الفعالية مخالفة للثقافة والعادات والتقاليد.
وقالت الوزارة: "تقدمت إلينا منظمة بنفسج بمشروع إقامة أنشطة رياضية لذوي الإعاقة، وأخذت الموافقة عليه أصولاً كفعالية رياضية، وأثناء تنفيذ المشروع، قامت بتنفيذ مهرجان احتفالي خارج تخصصها، يتطلب إجراءات خاصة وإحالة إلى الجهة المختصة في إدارة الشؤون السياسية، مما سبب وقوع العديد من التجاوزات في النشاط المذكور التي تخالف ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا".
ومن البيان أيضًا: "جراء ما حصل تم استدعاء المنظمة وإنذارها بسبب ما حصل منها من تجاوزات، وتوجيهها بتعليق جميع الأنشطة، وستعمل الوزارة على إعادة ضبط مثل هذه الفعاليات بما يضمن استمرار تسهيل عمل المنظمات وعدم تكرار حصول التجاوزات".
منظمة "بنفسج" كانت قد عرضت في احتفاليتها تميمة الألعاب البارالمبية، وهي "عصفور الدوري" الشهير في المنطقة السورية، مع قدم صناعية في إشارة لذوي الإعاقة. إضافة لعمل مسرحي بعنوان "لنا أجنحة"، استعرض معاناة السوريين نتيجة تعرضهم لجرائم مختلفة من العنف والقتل والاعتقال، أما أبطاله فهم ثلاثة ممثلين تعرّضوا لإصابات حربية بسبب أعمال قصف نفّذتها قوات النظام.
وردًا على استنكار الجهاديين وحكومة الإنقاذ، أوضحت "بنفسج"، أن هدف الفعالية كان تعزيز الروح الرياضية والتضامن مع فئة ذوي الهمم وإيصال معاناتهم لكل العالم دون أن يكون هناك نية لمحاكاة تقاليد أو رموز ثقافية غير مألوفة لمجتمع وبيئة السورية الأصيلة.
مؤكدة أن اختيار شعلة الأولمبياد كجزء من الفعالية كان يهدف لتعزيز الروح الرياضية والمنافسة وهو بروتوكول متعارف عليه دوليًا، دون أي قصد مباشر أو غير مباشر لتقليد ما يتعارض مع قيم المجتمع السوري وتعاليمه الدينية الراقية.
صراع "الصقور" المتشددين و"الحمائم" البراغماتيين
يبدو أن الأسلوب الهجومي العنيف الذي مارسه بعض الجهاديين وخصوصًا أولئك المنشقين عن تحرير الشام ذوي الحساسية الدينية العالية من النموذج السعودي القائم الآن في ما يسمى "مرحلة الرؤية الجديدة"، إضافة إلى جمهورهم العريض قد جوبه برد الجناح الموالي للهيئة وعلى رأسهم الإعلامي "أحمد موفق زيدان" أحد أهم مؤيدي مشروع تحرير الشام في سوريا، إذ تحولت القضية إلى مزاودات واتهامات بلغت حد اتهام زيدان من مناهضي الفعالية بتغذية إرث التشدد الداعشي المتربص بما أسماه "المحرر"، مستنكرًا الاعتراض على شعلة الألمبياد وكأننا في "عصر زرادشت وعباد النار" حسب وصفه، داعيًا في تغريدة له على منصة إكس، علماء المحرر ونخبه ألا يسمحوا لهؤلاء أن يرهنوا ملايين المحرر لفلسفتهم، والنظر بشكل أشمل وعدم الانسياق للترند وديكتاتورية الأتباع.
"تقليد وثني وركوع للآلهة ومنكرات كثيرة وثقافة شركية دخيلة إلى مناطق محررة بدماء السوريين"، بهذه الكلمات وصف جهاديون في إدلب افتتاح منظمة "بنفسج" دورة الألعاب البارالمبية، المخصصة لرياضيين بدرجات إعاقة ذهنية وجسدية متفاوتة، متنافسين في 11 رياضة ضمن فئات الأطفال، والنساء، والرجال
فيما اعترف عبد الرحيم عطون، الشرعي العام في تحرير الشام، بأن ما حصل خلال الفعالية منكر وغير مرضي عنه، إلا أن أصل الإنكار تعدى مما ينبغي إلا ما لا ينبغي، وأن حدوث الأخطاء والتجاوزات والمنكرات (في مجتمع يعدُّ بالملايين) أمرٌ محتَمَلٌ وواردٌ عمليًّا، ومعالجتها -حسب تعبيره- تكون بالحكمة لا بالإسقاط وتسجيل النقاط وتشويه صورة مشروع إسلامي سني. (في إشارة لمشروع تحرير الشام).
وبرّر عطون والذي يوصف بـ"مهندس تحولات تحرير الشام البراغماتية" حادثة الشعلة الأولمبية بالسؤال: "هل قضية الشعلة الأولمبية هي من قبيل البروتوكولات الرياضية المعروفة في عالم الرياضة اليوم، كما يراه كثيرون، أم هي إحياء لعباداتٍ وثنيةٍ شِرْكِيَّةٍ، وهو الأمر الذي لا يعرفه منظمو الفعالية أصلاً!".
من المعروف أن تحرير الشام كانت قد تبنت مذهب السلفية الجهادية للقاعدة وتنظيم داعش، الداعي إلى إقامة الخلافة الإسلامية من خلال الجهاد ضد الأنظمة العربية والغرب دون الإيمان بنظام الدولة القومية إلا أنها خلال السنوات الأخيرة ولا سيما بعد منتصف العام 2016 أي بعد قطع ارتباطها بالقاعدة، ارتدت قبعة المدنيّة الداخلية، محاولةً سلخ نفسها من الجهادية العالمية والتشدد الأيدلوجي والذي ما يزال يلازم تياراً لا يستهان به من المحاربين والمنظّرين القدامى الذين يطلق عليهم تيار "الصقور" المتشددين، وقد تم تهميش الكثير من هؤلاء مقابل تيار "الحمائم" البراغماتيين الباحثين دومُا عن مخارج شرعية خدمة لتقلبات التنظيم، وهؤلاء مقربون من زعيم الهيئة "الجولاني" ومكلّفون بالترويج لـ"سورنة" التنظيم ومع الاحتفاظ بالهالة الدينية التي تميّزه.
ورغم أن تحرير الشام استطاعت ابتلاع الإرث المتطرف الذي خالط تنظيمها من خلال البدء بعداء القاعدة واجتثاث فلول داعش، وحلّ التنظيمات الجهادية الأجنبية وملاحقة قاداتها، والتعاون الاستخبارتي مع الدول بغية الاعتراف الدولي بها وإزالتها من قائمة الإرهاب، إلا أن المعاين لمنهجية تحرير الشام يمكنه ملاحظة أن تحوّلها إلى الاعتدال ما هو إلا أداة انتهازية مصلحية آنية، فخطابها الخارجي للدول والمتمثّل بالتماهي مع السياسة الدولية مختلف عن الخطاب الداخلي المغالي والمساير بذات الوقت للتيار المتشدد المتشبث بالحوامل الفكرية التي قامت عليها هيئة تحرير الشام عندما كانت تحت مسمى جبهة النصرة، وذي العلاقة الغامضة مع الجولاني والورقة الرابحة له مستقبليًا.
الاحتفال الذي جرى على الملعب البلدي في إدلب الواقعة تحت قبضة هيئة تحرير الشام تضمّن مهرجانًا احتفاليًا تحت شعار "لنا أجنحة" تمّ فيه حمل شعلة وإضاءات وموسيقى صاخبة.
حسب حديثه لرصيف22 يرى عمار فرهود، الباحث في الشأن العسكري وجماعات ما دون الدولة، أن قيادة الهيئة توازن بين التيارين في الجماعة بإبقاء هامش التنافس بينهما موجود في كل السياقات (السياسة والعسكرة والإدارة والأمن والعلاقات العامة).
معللاً ذلك بأن "بقاء حالة التنافس ستعود على قيادة الهيئة بالنفع لأن كل طرف سيبذل أفضل ما عنده ليثبت بأنه الأجدر بالدعم والثقة، كما أن إبقاء حالة التنافس ستجبر كل طرف على الانشغال بالمنافس الأقرب له وهو الطرف الثاني وبذلك تبتعد أو تخرج قيادة الهيئة من دائرة كونها (منافساً لطرف ما) إلى كونها (جهة مرجّحة لطرف دون آخر)".
هندسة المجتمع المحلي
بحسب تقرير مركز "ستراتيجيكس" لتطوير الأبحاث والدراسات والاستراتيجيات، فإن المرجعية الفقهية والمذهبية في هيئة الجولاني التنظيمية تعد واحدة من استراتيجية تحرير الشام وأفكارها العقدية، إذ ابتعد الجولاني في رسمه لملامح المشهد الديني عن الشكل التقليدي للممارسات السلفية التكفيرية المعاصرة، سواء أكان ذلك على مستوى الخطاب أو التطبيق الفعلي على الأرض.
وظهر ذلك واضحًا داخل المساجد والهيئات التعليمية وغيرها، فضلًا عن دورات التثقيف الشـرعي للمجتمع المحلي، من خلال تبنّي تدريس المذاهب الفقهية التي تقف منها السلفية التكفيرية المعاصرة، مثل القاعدة وداعش، موقف الخصومة والاختلاف.
والأهم من ذلك التركيز على صياغة دعاية للاستهلاك المحلي تقوم على الدمج بين الخطاب الإسلامي والخطاب الثوري السوري المناهض لنظام الأسد بغية خلق قاعدة دعم شعبي من بين صفوف السكان المحليين، والتعامل مع القضايا المحلية، وإبعاد المقاتلين الأجانب عن مواقع القرار.
ويمكن تمييز ثيمات رئيسة متكررة اعتمدها خطاب الإقناع المحلي والشرعنة، وهي:
أن الهيئة تحمي المدنيين المحليين من هجوم وانتقام النظام، وأنها ضحّت بالأموال والأنفس لتحرير المنطقة وإقامة مشروع ثوري سنّي متكامل، وأنها هي الطرف المعارض الوحيد القادر على ضبط الأمن وتأمين احتياجات السكان، إضافة لكونها صاحبة الرؤية السياسية الأكثر واقعية ونضجًا من جهة، والأقل فساداً والأكثر التزامًا بالشريعة الإسلامية من جهة أخرى.
يرى عزام القصير، دكتور العلوم السياسية في جامعة لندن المتخصص بدراسة الحركات السلفية الجهادية، أنه لا بد من تفكيك الموضوع لفهمه بطريقة أقرب للواقع فعلى الرغم من أن قيام السلطات التابعة للهيئة بتقييد النشاطات المدنية والأهلية والطلابية قد يبدو أمرًا شرعيًا ومتعلقًا بالالتزام الأخلاقي والحفاظ على الهوية وغيرها من الشعارات إلا أن الموضوع في حقيقته سياسي ومرتبط بمحاولات الهيئة تمتين حكمها وسلطتها على القاطنين في مناطق سيطرتها.
ويقول لرصيف22: "يبدو أن الجدل الذي أثاره مؤيدو الجولاني حول الفعالية التي أقامتها منظمة بنفسج ما كان ليحصل لولا أن الجهة المنظمة مدنية وتعمل بطريقة مستقلة"، ويضيف: "فمع اتجاه الهيئة مؤخرًا نحو تثبيت نموذج حكم سلطوي ديكتاتوري بات شغلها الشاغل قصقصة أجنحة المجتمع المدني والتضييق على الناشطين والصحفيين والمراسلين المستقلين، وبذلك لا تحتاج الهيئة للتدخل بشكل مباشر عبر عناصر جهاز الأمن العام التابع لها، بل يكفي أن تطلق يد طبقة المنتفعين والمؤيدين للجولاني، في العالمين الواقعي والافتراضي".
اقتفاء أثر "طالبان" الأفغانية
لا يمكن إنكار أن تحرير الشام معجبة كثيرًا بتجربة حركة "طالبان" في أفغانستان، إذ لم يخفِ القيادي "عبد الرحيم عطون" الرجل الثاني بعد الجولاني ترحيبه بالتحولات التي حدثت في خطاب طالبان وسلوكها السياسي الجديد بعد قيادتها حكم أفغانستان، ففي محاضرة له قبل أعوام، بعنوان "الجهاد والمقاومة في العالم الإسلامي.. طالبان نموذجاً"، رأى أن الهيئة وجدت في نسخة طالبان الجديدة نموذجاً لما تريد أن ترسو إليه بعد التحولات المتعددة التي مرّت بها منذ تأسيسها قبل أكثر من عقد من الزمن، كما ركّز عطون على نقاط التشابه بين طالبان والهيئة، والتغيرات التي حدثت في الحركة كرغبتها في التواصل مع الدول، وتبنيها للجهاد المحلي داخل سوريا.
لا يمكن إنكار أن "تحرير الشام" معجبة بتجربة حركة "طالبان" في أفغانستان، إذ لم يخفِ القيادي "عبد الرحيم عطون" الرجل الثاني بعد الجولاني ترحيبه بالتحولات التي حدثت في خطاب طالبان وسلوكها السياسي الجديد بعد قيادتها حكم أفغانستان
ويلاحَظ أن طالبان قدمت نفسها في خطابها المحلي باعتبارها حركة وطنية قومية في المقام الأول، مستخدمة لغة مقاومة المحتل وإبعاد الغزاة. وبالمثل فعلت تحرير الشام إذ اعتمدت في تكتيكاتها الأولى هو اعتماد لغة الثورة، بحسب معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
فيما أشار مجلس الشؤون الدولية الروسية (مؤسسة بحثية رسمية) إلى أن هيئة تحرير الشام، مثل طالبان، ستتجنب إثارة غضب المجتمع الدولي بأي شكل من أشكال العدوان. بل على العكس، سيسعون للحصول على دعم الولايات المتحدة وتركيا من خلال اتخاذ إجراءات لقمع الجماعات المتطرفة والإرهابية الأخرى في إدلب. مع اختيار عدم استهداف دمشق الرسمية.
لا يتوقع الباحث فرهود، أن نموذج إدلب يتجه نحو الأفغنة على الرغم من الهوية المحافظة للمجتمع فالحالة الأفغانية لا تمتلك نقاط تقاطع مع الحالة السورية، بل على العكس باعتبار أن الهيئة وحكومتها تعملان على زيادة حالة الانفتاح على المجتمع والمنظومة الدولية دون أن يكون الانفتاح من الأعلى للأسفل (يفرض من الهيئة على المجتمع) وإنما العكس.
وبحسبه، فلهذا السبب سُمح أصلاً بهكذا فعالية، فالهيئة والحكومة مهتمتان جدًا بتحسين صورتهما الخارجية، ولكن مع وجود قاعدة ليست بالقليلة من التيار المحافظ وبقايا التيار الجهادي الذي هو القاعدة البشرية التي ترفد تحرير الشام منه صفوفها لم تشأ الهيئة الاصطدام به، بل جارته في الاعتراض وأوصلت رسالة له مفادها: (لن نتخلى عنكم وصوتكم مسموع ومعتبر).
تعارض في السياسات الداخلية
تقوم سياسة تحرير الشام على التنكيل بالمدنيين ومواجهة الحراك الشعبي الرافض لسياساتها القمعية والتحكم بموارد الحياة والمعيشة وإطلاق يد المتنفذين لديها اقتصاديًا وأمنيّاً، والاستفادة من عوائد المعابر، والأهم من ذلك سجون الهيئة سيئة الصيت والوجه الأسود لسلوكها، وهذه التجاوزات هي سبب توجّس الحاضنة المدنية من تحرير الشام، فأمام تلك الأهوال فاحت رائحة التطرف مجددًا عبر إطلاق يد "شرطة الآداب العامة" ذات الصلاحيات المطلقة والموازية لعمل جهاز الحسبة الملغى منذ سنوات.
ويعري ادعاءَ تحرير الشام بالابتعاد عن التشدد الديني هذا المشروعُ "مشروع شرطة الآداب" المتحكم بمفاصل الحياة العامة والرامي لإخضاع المجتمع من جهة واستمالة الأصوليين العصب الأيديولوجي الذي يشدّ بعض المرجعيات الدينية للهيئة والذي ما يزال يجد فيهم الجولاني مؤثرًا فاعلا على المقاتلين في تنظيمه والمجتمع المحلي المتدين عمومًا يضمن استمرار عمليات التجنيد والاستقطاب ومنح الشرعية الداخلية له.
على الرغم من التشدد والقمعية إلا أن "تحرير الشام" وأتباعها يسعون للاعتراف الدولي، إذ تشير الدراسات أن السلفية المتشددة في سورية بالعموم قد سقطت، وإن أتباعها فقدوا الثقة في هذا الفكر.
على الرغم من تلك الأدوار التي تلعبها تحرير الشام واتباعها استراتيجية البقاء وسعيها للاعتراف الدولي تتراجع السلفية المتشددة التي تحيط بها رغم محاولات خلعها، فحسب تقرير أصدره مركز دراسات الشرق الأوسط (ORSAM)، أن السلفية المتشددة في سورية بالعموم قد سقطت، وإن أتباعها فقدوا الثقة في هذا الفكر لخمسة أسباب: أولًا، الصدمة التي أصابت السوريين الذين ينتهجون هذه الفكر، من ممارسات تنظيم داعش العلنية في سورية والعراق ضد المدنيين. ثانيًا، السقوط العسكري وتفكك هذه التنظيمات المتشددة والصراعات فيما بينها. ثالثًا، الخلاف بين بعض المفكرين والمؤسسين المنتمين للفكر السلفي المتشدد في سورية من حيث المراجع الفكرية، وتخليهم عن هذا الاتجاه. وأخيرًا، اكتشاف زيف الشعارات التي استخدمتها التنظيمات السلفية المتشددة، وهذا ما جعل عدد السوريين الذين ظلّوا على مسافة من التنظيمات السلفية المتشددة محدودًا.
لكن مع تلك المسافة المحدودة تراهن "الهيئة في متابعة مشروعها عبر التجذر بالبيئة المحلية وخلق فئة مجتمعية لها مصلحة تضمن استمرار حكم قائدها الجولاني، والسعي نحو خطاب سلطوي وشعبوي تقليدي يستثمر شعارات الحفاظ على الهوية وحماية التقاليد ومحاربة الانفتاح والتغيير لتحديد المسموح والممنوع ولعب دور وصائي على المجتمع المحلي يمكّن من إبقائه بحالة انغلاق فكري وحضاري"، يختم عزام حديثه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه