عاشت الثلاثينية عفاف، وهو اسم مستعار، حياة زوجية هادئة ومستقرة لـ9 سنوات، ولم تتخيل أن مباريات كرة القدم ستؤدي إلى انفصالها عن زوجها بعد ارتباط طويل، نتيجة الاشتراك في لعبة إلكترونية على الهاتف المحمول.
تعرف زوج عفاف على تطبيق للرهانات على مباريات كرة القدم، تقوم اللعبة على توقع من سيفوز ومن سيخسر. ومرة تلو أخرى، بعد كسب قليل من الأموال كان مقابلها خسارة الكثير، إلى أن سيطرت رهانات الألعاب الإلكترونية على عقل الزوج وحياته لتحقيق مكاسب وهمية منتظرة، الأمر الذي تسبب في إهماله لأولاده وزوجته وعدم الإنفاق عليهم.
تحكي عفاف بأن الأمر وصل إلى أن أهلها هم من كانوا يقومون بتوفير النفقات المعيشية لها ولأطفالها وشراء الأكل والمستلزمات الأساسية للمعيشة، وسعت بشتى الطرق لمحاولة تغيير هذا الوضع الذي أثر على حياتها الأسرية وعلاقتها الزوجية، بعدما سيطر الإنترنت والسوشيال ميديا ومواقع القمار الإلكتروني على حياة زوجها لرصد حركة المراهنات التي يرغب في دخولها أولاً بأول.
وتوضح عفاف كيف تدخل الأهل أكثر من مرة في محاولة للصلح بينها وبين زوجها ومحاولة التحدث مع الزوج للرجوع لحياته الزوجية وترك المراهنات والقمار، ولكن كان دائم الرفض وبعد محاولات مضنية، تركوا لها حرية الاستمرار في العلاقة الزوجية من عدمه واختيار الطلاق.
الطلاق أو ترك الرهانات الإلكترونية
يروي المحامي بلال ناجي، المتخصص في شؤون الأسرة قصة "عفاف" على لسانه حفاظاً على سرية بيانات موكلته، إذ توجهت إليه من أجل رفع قضية خلع ضد زوجها الذي أهمل أسرته مادياً ومعنوياً، وكان شغله الشاغل هو رهانات الألعاب الإلكترونية أو بمعنى أدق القمار الإلكتروني كما يُعرف على مواقع التواصل الاجتماعي.
تعرف زوج عفاف على تطبيق للرهانات على مباريات كرة القدم، تقوم اللعبة على توقع من سيفوز ومن سيخسر. ومرة تلو أخرى، بعد كسب قليل من الأموال وخسارة الكثير، سيطرت رهانات الألعاب الإلكترونية على عقله
يقول ناجي لرصيف22 إنه اتخذ الإجراءات القانونية اللازمة بعدما عرف كافة التفاصيل من عفاف، وهي التفاصيل التي لا يحتاج إليها القاضي المصري في قضايا الخلع والتي يكتفي فيها بذكر أن الزوجة تبغض الحياة الزوجية ويوجد نفور في العلاقة، فتأخذ المحكمة بذلك وتصدر حكمها بالخلع بعد إقرار الزوجة بإبراء زوجها من جميع حقوقه.
ويضيف أنه في قضايا الخلع تذكر في عريضة الدعوى أن الزوجة تبغض المعيشة مع زوجها وتخشى أن تقيم حدود الله، ومستعدة لإبراء الزوج من الحقوق والتنازل عنها، فهذه الكلمات كافية في قانون الخلع وتقضي المحكمة بخلع الزوجة من زوجها، وهي دعوى أسرع في الحصول على حكمها من دعوى الطلاق للضرر، وهو ما يحدث في القضايا الخاصة بالقمار والمراهنات والديون، إذ في معظم الحالات يصعب على الزوجة إثبات كل ذلك وتريد إنهاء الحياة الزوجية بسرعة.
البرلمان المصري يطلب إغلاق هذه التطبيقات
بدأت ظاهرة المراهنات والقمار الإلكتروني في الانتشار خلال الفترة الماضية في مصر، والتي يمكن الوصول لها بكل سهولة من خلال الهاتف المحمول، الأمر الذي دفع أحد نواب البرلمان المصري بتقديم طلب إحاطة إلى وزير الاتصالات بشأن انتشار تطبيقات المراهنات والقمار الإلكتروني لتأثيرها السلبي على حياة المصريين.
وكان من ضمن المتأثرين سلباً بالمراهنات والقمار الإلكتروني هو الأسرة المصرية، إذ شهدت المحاكم العديد من قضايا الخلع أو الطلاق بسبب مراهنات الألعاب الإلكترونية.
التلاعب بنتائج الرهانات
يُعرف المهندس عمرو صبحي، خبير أمن المعلومات والتحول الرقمي، ألعاب المراهنات بأنها ألعاب إلكترونية تتيح للمستخدمين المراهنة بأموالهم على نتائج معينة، سواء كانت متعلقة باللعبة نفسها أو بأحداث خارجية مثل نتائج المباريات الرياضية.
أحد نواب البرلمان المصري تقدّم بطلب إحاطة إلى وزير الاتصالات بشأن انتشار تطبيقات المراهنات والقمار الإلكتروني لتأثيرها السلبي على حياة المصريين.
وأوضح صبحي لرصيف22 يأن "الهدف الأساسي من هذه الألعاب هو الربح المالي، حيث يحصل اللاعب على أموال حقيقية في حالة فوزه، إلا أن الحقيقة المرة هي أن معظم هؤلاء اللاعبين ينتهي بهم الأمر بخسارة أموالهم بدلاً من الربح، وفي كثير من الأحيان يتم التلاعب بالنتائج بشكل يجعل المستخدم يشعر بأنه قريب من الفوز، مما يدفعه للعب مرة أخرى وزيادة رهاناته".
وتابع أن هذه الألعاب الإلكترونية تتطلب من المستخدمين إدخال بياناتهم المالية مثل بطاقات الائتمان، مما يجعلهم عرضة لعمليات الاحتيال والسرقة الإلكترونية.
3 ملايين جنيه تنهي العلاقة الزوجية
لم تكن عفاف السيدة الوحيدة التي عانت من أزمة رهانات الألعاب الإلكترونية، إذ تتشابه قصتها مع قصة الأربعينية سميرة، وهو اسم مستعار أيضاً، التي تحمّلت غربة زوجها لأكثر من 15 أعوام كي يبني مستقبلهما هي وأولادهما. بعد عودته إلى الوطن بتحويشة عمره التي بلغت 3 ملايين جنيه تقريباً (ما يزيد عن 61 ألف دولار أمريكي)، وضعها في البنك ليعيش هو وأسرته على الأرباح التي بلغت 60 ألف جنيه شهرياً (ما يعادل 1,226.87 دولار أمريكي).
لم تتخيل الزوجة أن تنتهي قصة أسرتها السعيدة بعد عودة زوجها إلى كنفها هي وأولادها بسبب رهانات الألعاب الإلكترونية، فبعدما خسر رصيده بالكامل وكافة مدخراته أصبح معدماً لا يستطيع الإنفاق على عائلته، مع العلم أن لديه ابنتين وولداً يدرسون جميعهم في الجامعة.
وبسبب رهانات الألعاب الإلكترونية توجهت سميرة للمحامي فتحي غريب، المتخصص في قضايا الأسرة، والذي روى قصتها على لسانه حفاظاً على سرية بياناتها.
يقول غريب إن قضية الخلع كانت هي الحل الذي توصلت له سميرة لإنهاء علاقتها بزوجها. أوضح أنه لجأ إلى رفع دعوى خلع للزوجة لسهولتها وسرعة البت فيها، وكان دافعه في القضية أن الزوجة ترفض المعيشة مع زوجها لكثرة التعدي عليها، ولا يمكن ذكر رهانات الألعاب الإلكترونية التي أدمنها زوجها لصعوبة إثبات ذلك للقاضي، كما أنه في قضايا الخلع لا حاجة لذكر أسباب بعينها.
الطلاق للضرر بسبب القمار الإلكتروني
على عكس سميرة وعفاف، اعتزم المحامي رمضان شعبان، المتخصص في قضايا الشؤون الأسرية، أن يرفع لموكلته صباح، وهو أيضاً اسم مستعار، قضية طلاق للضرر ضد زوجها الذي أدمن القمار الإلكتروني، بعدما رفضت أن ترفع قضية خلع وتخسر حقوقها لزوجها الذي تسبب في خسارة اموالهم وشقى العمر حققوهم خلال 9 أعوام زواجهم من أجل مستقبل أولادهم الثلاثة ولدين 8 اعوام و6 أعوام وفتاة تبلغ عامين.
تحملت سميرة غربة زوجها لأكثر من 15 أعوام، وبعد عودته بتحويشة عمره التي بلغت 3 ملايين جنيه تقريباً (ما يزيد عن 61 ألف دولار أمريكي)، وضعها في البنك ليعيش هو وأسرته على الأرباح التي بلغت 60 ألف جنيه شهرياً، خسرها جميعها في القمار الإلكتروني، ما جعلها تطلب الطلاق
وصباح، دكتورة جامعية يمتلك طليقها مركزاً للتجميل وخسارة الوزن، وكانت حياتهما مستقرة وتسير كما خططوا لها إلى أن اتجه الزوج للقمار والمراهنات الإلكترونية لدرجة الإدمان، الأمر الذي تسبب بخسارة جميع أمواله وممتلكاته ومركز التخسيس، وكذلك بيع أدوات بالمركز للاستفادة من النقود في المراهنات الإلكترونية، إلى أن وصل به الحال لرغبته في بيع الشقة التي يعيشان فيها بسبب إدمانه للقمار الإلكتروني.
سعت صباح لإنهاء هذه الأزمة التي عانت منها أسرتها وكادت تنتهي برميهم في الشارع بالتوجه للمحامي لرفع قضية طلاق وليس خلع لإنهاء علاقتها الزوجية بعدما فشلت كل المحاولات لإصلاح زوجها وتدخل الأهل والأقارب لأكثر من 6 أشهر من أجل وقفه عن لعب القمار الإلكتروني وخسارة المزيد من الأموال.
وكان من ضمن الدعاوى التي صممت صباح على رفعها ضد زوجها قضايا نفقة ومتعة ومؤخر ودعوى الولاية التعليمية لأطفالها، وحصلت عليها، خاصة أن المحامي شعبان تمكن من إثبات الضرر من خلال الحصول على الحساب الشخصي الخاص بالزوج في الألعاب الإلكترونية، وإحضار شهود لإثبات مقامرة الزوج في هذه الألعاب، وما زالت القضية متداولة في المحكمة.
وعلى عكس صباح، رفضت الثلاثينية أميرة، وهو اسم مستعار أن تستمر في علاقتها الزوجية وتوجهت للمحامي من أجل رفع قضية خلع مباشرة للانفصال عن زوجها في أسرع وقت بعدما اتجه للقمار الإلكتروني ورهانات الألعاب الإلكترونية وإهماله لأسرته وزوجته وطفله حتى خسر كافة أمواله ولم يتمكن من الإنفاق عليهم بل وشراء العلاج الذي يحتاجه طفله.
يقول المحامي شعبان لرصيف22 إن زوج أميرة كان يعمل عملاً وحقق مكسباً جيداً من العمل أون لاين، وبسبب لعب القمار الإلكتروني الذي كبده خسائر مالية، ساءت الأحوال المادية معه، ولم يستطع الإنفاق على زوجته التي تركت المنزل وتكفلت أسرتها بها وبطفلها.
وطلبت الطلاق للضرر بسبب إدمان زوجها على القمار الإلكتروني وعدم الإنفاق على الأسرة، ويقول المحامي إن المراهنات والقمار الإلكتروني تسببا في العديد من القضايا الأسرية، ما يؤدي إلى انهيار الأسر ومزيد من قضايا الطلاق والخلع.
الإدمان هو الإدمان... وبحاجة إلى علاج
ويشير الدكتور سامي الجوهري، أستاذ الطب النفسي، إن إدمان القمار الإلكتروني يؤدي إلى حدوث تغييرات سلوكية غير عقلانية تنعكس بشكل سلبي على الحياة الأسرية.
ويقول لرصيف22 إن هذه التغييرات في سلوك الأفراد تشمل زيادة في التوتر والقلق وفقدان السيطرة على التصرفات، ويترتب على ذلك ضغوط نفسية واجتماعية تؤدي إلى تدمير العلاقات الأسرية بشكل سريع.
وأضاف أن العلاج يتضمن علاجاً نفسياً وسلوكياً للتعامل مع الإدمان، والعمل على إعادة بناء العلاقات الأسرية من خلال العلاج الأسري والتدريب على مهارات التعامل مع الضغوط والابتعاد عن مصادر الإدمان.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...