شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
قطط إسطنبول… سكان شاركوا الإمبراطوريةَ العثمانية التاريخَ

قطط إسطنبول… سكان شاركوا الإمبراطوريةَ العثمانية التاريخَ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

السبت 31 أغسطس 202412:51 م
Read in English:

The cats of Istanbul: Companions of the Ottoman Empire through history

عندما يتعلق الأمر بإسطنبول، عاصمة الإمبراطوريات العظيمة في التاريخ، بكل مبانيها والقصور التاريخية الرائعة فيها، تتبادر القطط أيضاً إلى الأذهان. فهذه المخلوقات اللطيفة والمرحة موجودة في مدينة إسطنبول منذ الإمبراطورية العثمانية كجزء من هوية المدينة.

هذه الحيوانات اللطيفة، التي غالباً ما تولد وتموت في الشوارع، موجودة في كل مكان تقريباً؛ فتارةً في شوارع وحدائق المدينة، وتارةً أخرى تكون داخل غرف البوتيكات والمحال وخلف نوافذ المنازل، وفي بعض الأحيان تجلس بصبر وتحدق في الأشخاص الذين يتناولون الطعام في المطعم، على أمل أن تشاركهم طعامهم، وفي أوقات أخرى تلقّي بنفسها بين أحضان الذين ينتظرون الحافلات، أو الجالسين على كراسي المنتزهات أو أصحاب المتاجر الجالسين أمام متاجرهم، وذلك لمجرد مداعبتها.

القطط في منتزه ماشكا

وتُعدّ القطط في اسطنبول، أكثر من مجرد حيوانات صغيرة، حيث لديها شخصيات مختلفة ويمكنها وضع قواعدها الخاصة، فالقطط في هذه المدينة، لديها علاقة مباشرة بأصالة مدينة إسطنبول وثقافتها وتعقيدها.

السلاطين والقطط

لفترة طويلة، كان يُعتقد أن تربية القطط بدأت في مصر القديمة، حيث كانت القطط تحظى بتبجيل وبمكانة مهمة للغاية، إلى درجة أنها دُفنت بجوار الفراعنة قبل نحو 3100 عام قبل الميلاد، ولكن رُفضت هذه النظرية بعدما تم العثور على أدلة جديدة، تفيد بأن تربية القطط البرّية الإفريقية بدأت في جنوب قبرص، وذلك من خلال العثور على قبر لقطة مدفونة بجوار صاحبها في جزيرة شيلوروكامبوس، يعود إلى الحصر الحجري، أي إلى نحو 7500-7200 سنة قبل الميلاد.

تطعيم القطط في فترة العثمانيين

وفي بلاد ما بين النهرين، إحدى الأراضي التي تطورت فيها الزراعة لأول مرة، ساهمت القطط بشكل كيبر، في عدم تكاثر الفئران، وبالنتيجة منع تلف المحاصيل الزراعبة هناك، إذ كان هذا الأمر، بمثابة الخطوة الأولى نحو صداقة بين القطط والبشر في الأناضول. والقطط التي تم الاحتفاظ بها كصائدات في الأناضول، تكيّفت مع الحياة الحضرية خلال الفترة العثمانية، وكان لها تأثير في ظهور ثقافة صداقة القطط في إسطنبول.

ومن ناحية أخرى، شاركت الدولة العثمانية بشكل كبير في تربية القطط في إسطنبول، التي كانت غالبية مبانيها مصنوعةً من الخشب في ذلك الوقت، ولهذا كانت هذه المدينة عرضةً لأن تصبح مدينةً للفئران، حيث كان من الممكن لهذه المباني أن توفر المأوى المناسب للفئران، وقد جعل هذا الأمر، وجود القطط في المدينة ضرورةً. كما كانت للحيوانات أهمية كبيرة في الثقافة العثمانية والإسلامية، حيث تمّت حماية الحيوانات الضالة وتشجيع الناس على إقامة علاقات ودية معها.

قطة في مسجد في إسطنبول

كان العثمانيون يعاملون الحيوانات الضالة بعناية، وكان يتم تقديم وجبات للقطط والكلاب في المطاب إلى جانب المحتاجين، كما تم الاتفاق مع الجزّارين على إطعام حيوانات الشوارع باللحوم، وفي المقابل كانت تُدفع لهم رواتب مخصصة. ولم يكتفِ العثمانيون بهذا القدر، حيث أنشأوا مؤسسات لعلاج وإمداد الحيوانات بالغذاء والماء، وكانت هذه المؤسسات تُعدّ أول مستشفيات للحيوانات. بجانب ذلك كان تدمير أعشاش الطيور يُعدّ خطيئةً، وتم الاهتمام بالطيور في الهندسة المعمارية، حيث صمم المهندسون في المباني سقايات مخصصةً للطيور، وفي العاصمة وغيرها من مدن هذه الإمبراطورية الضخمة، كان هناك أشخاص يدعون "المانجاشيون"، كانوا مسؤولين عن تغذية الحيوانات الضالّة.

القطط الملكية

كان السلاطين العثمانيون مفتونين بالقطط مثل الناس العاديين بل أكثر، حيث جاء في سيرة السلطان عبد الحميد الثاني، التي كتبتها ابنته عائشة، ذكر قط الملك "آقا أفندي" مرات عدة. وكتبت عائشة أن علاقة والدها بآقا أفندي، الذي كان قطاً أنجورياً أبيض، وطيدة للغاية، إلى درجة أنه عندما كان يلعب الدومينو مع ابنته، كانت القطة تجلس في حجره.

القط الإسطنبولي، تومبيلي

وحول هذا كتبت عائشة: "ليس فقط على ركبتيه فحسب، ولكن إذا أراد، فكان يمكن له الاستلقاء في منتصف لعبتنا، ولم يكن لأحد الحق في الاحتجاج". وقد ورد في العديد من المصادر أن آقا أفندي، كان مدللاً إلى درجة أنه لا يأكل إذا لم يقدَّم له طعامه بالشوكة.

ومن القصص الأخرى التي يروونها عن إسطنبول والقطط، هي قصة "مكتبة القطط" أو "مكتبة بايزيد"، إذ يقال إن عدد القطط التي تعيش في هذه المكتبة، قد زاد إلى درجة أن أكثر من مئة قطة كانت يعيش في كل طابق منها، وجميعها كانت مشهورةً مثل الكتب الموجودة هناك.

قطط إسطنبول الشهيرة

وحتى اليوم، تُعدّ إسطنبول موطن القطط الأفضل في العالم، حيث منتزه ماشكا الواقع في الجزء الأوروبي منها، وفي الجانب الآسيوي منتزه فنرباغجة، ويُعدّان من أشهر أماكن تواجد قطط الشوارع، وفي هذه الحدائق والشوارع المحيطة بها يمكنك رؤية القطط من الألوان والأعمار والسلالات كافة. يوجد في كل مكان وعاء ماء وخزان طعام لا يفرغان أبداً، ولا يوجد شيء أجمل من قطة صغيرة فضولية في إسطنبول.

القطط في منتزه ماشكا

ومن بين هذا العدد الهائل من القطط التي تعيش في إسطنبول، أصبحت بعضها شهيرةً، على سبيل المثال: قطة حي كاديكوي الشهيرة "تومبيلي"، التي اشتهرت من خلال صورة لها، ظهرت فيها جالسةً أمام لافتة محل كباب بطريقة عفوية، كما أنها حاضرة في مئات الصور الملتقطة من الحي. بعد وفاتها في عام 2016، تم صنع تمثال لها بطريقة جلوسها الشهيرة، ورُكّب هذا التمثال في المكان الذي كانت تجلس فيه دائماً.

لكن القطة الأكثر شهرةً في إسطنبول، هي بلا شك "جيلي"، التي تُعدّ حارسةً على مسجد "آيا صوفيا" منذ عام 2004. جيلي، التي لديها 100 ألف متابع على صفحتها في إنستغرام، موجودة في آلاف الصور الملتقطة من مختلف زوايا آيا صوفيا. وُلدت جيلي عام 2004، في المقصورة الأمنية لآيا صوفيا مع شقيقتها "كيزيم" وشقيقها "باتي"، وكانت تحمل اسم "جيري" (أي الرمادي)، لكنها مع مرور الوقت، تأثرت بنطق السيّاح الذين زاروا آيا صوفيا، وتغيير الاسم إلى جيلي. توفيت هذه القطة عام 2020.

القطط في الأدب التركي

وجدت القطة مكانها في الأدب التركي منذ العصر العثماني، حيث ظهرت مراراً وتكراراً في قصائد وقصص الكتّاب الأتراك البارزين، كما استخدم بعضهم توصيف مظهرها أو خصائصها السلوكية للمقارنة بين الشخصيات، والبعض الآخر وصف قطّاً بشكل مباشر، فمن بيامي صفا إلى أورخان ولي، ومن حسين رحمي قوربينار إلى تومريس أويار؛ جميعهم لديهم قصص وقصائد مهمة ومشهورة عن القطط. على سبيل المثال: كتب أورخان ولي، في وصف الاختلاف الطبقي في قصيدته "القصيدة المذيلة": "أنا وأنت لا نتفق!/ فطرقنا مختلفة/ أنت قطة قصر وأنا قطة أزقة...".

قطة جالسة على مجلات في إسطنبول

يحكي أوليا جلبي، في حكاياته عن القطط التي صادفها في رحلاته، في قصص مسلية للغاية، ويستخدم بيامي صفا الكلاب والقطط للمقارنة بين الشرقيين والغربيين في رواية "فاتح حربية". وكتب رحمي قوربينار هذه الوصية قبل وفاته: "اعتنوا بقطتي، ولا تدعوها تجوع"، ويقال إن قط قوربينار أصبح رمز جزيرة هيبلي في إسطنبول.

نُشرت العديد من الكتب التي تحتوي على الكثير من الصور لقطط إسطنبول، كما أُنتجت أفلام وثائقية وغير وثائقية عن قطط إسطنبول، وفي مجال أفلام الكرتون تم استلهام العديد من الشخصيات الكرتونية من هذه القطط، ومن أشهر هذه الشخصيات "شرف الدين" والمختصر بـ"شيرو"، وهو في الواقع اسم قطة رسام الكاريكاتير التركي الشهير بولنت أوستون.

القوانين والمتاعب

سكان إسطنبول يتشاركون مدينتهم مع أكثر من مليون قطة ضالّة. هذه الإحصائية خاصة بقطط الشوارع فحسب، وإذا ضُمّنت القطط المنزلية في هذه الإحصائية، فيمكن القول إن هناك نحو مليونَي قطة في إسطنبول، ونظراً إلى هذا العدد الهائل، انتقد العديد من الأطباء البيطريين الأتراك، الأشخاص على إطعامهم هذه القطط بشتى أنواع الأطعمة، حيث يعتقدون أن هذا النوع من التغذية يجعل الحيوانات تتركز في منطقة معينة مما يسهّل انتقال بعض الأمراض. كما أن ملامسة القطط السليمة لأشياء مثل أوعية الماء والأطعمة التي تتغذى عليها الحيوانات في مجموعات، يزيد من خطر إصابتها بالعدوى.


وحول القوانين، كان القانون التركي حتى عام 2021، يعرّف الحيوانات، سواء الضالّة أو المنزلية، بأنها "أشياء" وليست "كائنات حيّةً"، ولذلك تعرّض هذا التصنيف لانتقادات من قبل المدافعين عن حقوق الحيوانات لسنوات، لأنه كان يؤدي إلى أحكام خفيفة على الجرائم القاسية التي كانت تُرتكب في حق الحيوانات.

تمثال القط الإسطنبولي، تومبيلي

وكمثال على هذه الجرائم، في عام 2019، قتل مواطن ياباني خمس قطط ضالّة وأكلها في حي كوتشوك شكمجة في إسطنبول، وأثارت هذه الأخبار ردود فعل كثيرة في البلدين، وأثارت غضباً شعبياً في تركيا. وسرعان ما تم ترحيل هذا المواطن الياباني من تركيا بعد نشر الخبر. بعد هذه الحادثة والحوادث المشابهة، وبموجب مشروع القانون المعتمد عام 2021، تم الاعتراف بالحيوانات الأليفة والشاردة على أنها "مخلوقات حية" واعتُمد السجن من 6 أشهر إلى 4 سنوات في الجرائم المرتكبة ضد الحيوانات، حكماً قضائياً على مرتكبيها، كما ينص هذا القانون على تعقيم جميع الحيوانات الضالّة في تركيا.

مع كل الحب الذي يمكن رؤيته بين غالبية الناس في إسطنبول وحيوانات الشوارع، خاصةً القطط، تحاول البلديات بمساعدة القوانين في تركيا بين الحين والآخر السيطرة على عدد الحيوانات الضالّة، أو جمع الكلاب والقطط من شوارع إسطنبول، حيث أدّى هذا الأمر إلى العديد من الاحتجاجات، لكن ما أثار الجدل وحفيظة الناس في الأسابيع الأخيرة على شبكات التواصل الاجتماعي التركية، هو خبر تقنين جمع وقتل كلاب الشوارع في إسطنبول.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image