أشارت بفخر، وتركت الدمية من يدها، فسقطت على الكنبة، وقالت: "ماما عندها نفس الطقم ده".
أدرت رأسي ناحية التليفزيون. دُهشت، كان إعلاناً عن ملابس داخلية. سألت بتعجب: "مامتكِ بتلبس ده؟"
ما زال أصبعها مفروداً، أجابت: "أيوه، لكن بتاع ماما لونه سماوي، وفيه فوينكة هنا".
التفت نحوها؛ كانت كفها أسفل صدرها مباشرة. وضعت سيارتي جانباً، واقتربت منها مستفسرة: "بجد مامتكِ بتلبس كده؟".
هزت رأسها بنعم، وحملت دميتها لتبدّل ثيابها. واصلت أسئلتي؛ وانصرف ذهني عن اللعب: "إزاي بتلبس كده؟ عشان أنتم نصارى؟ بس أنا عمري ما شوفتها لابسة كده؟"
بدا عليها الغضب، قالت: "عشان مسيحيين يعني عريانين؟ بتلبسه لبابا يا فالحة، مش للجيران".
ألقت الدمية وثيابها، أدلت ساقيها استعداداً للرحيل، صحت: "يوستينا، استني، ليه مامتكِ بتتعرّى قدام باباكِ؟"
كشرت ملامح وجهها المستدير، قالت: "كل المتجوزين بيعملوا كده، حتى مامتكِ وباباكِ، إنتِ هبلة يا بنت؟!".
"إزاي بتلبس كده؟ عشان أنتم نصارى؟ بس أنا عمري ما شوفتها لابسة كده؟". بدا عليها الغضب، قالت: "عشان مسيحيين يعني عريانين؟ بتلبسه لبابا يا فالحة، مش للجيران"... مجاز
زادتني حيرة، استرجعت حياتي: لا يختلي أبي وأمي مطلقاً، لابد أن يوستينا تكذب كعادتها، سألتها بإلحاح: "كلهم؟". وقفت بجوار الكنبة؛ تضبط طوق شعرها: "أوووف... كلهم، أمال العيال بتيجي إزاي؟".
تذكرت يوماً سألت أختي فيه: "العيال بتيجي إزاي؟"
قالت ضاحكة: "من عند الدكتور".
واصلت: "ليه طنط ثريا معندهاش عيال؟"
"عشان معهاش فلوس، روحي العبي بقى".
ذهبت وأنا أفكر كيف أن زوجة البواب لديها خمسة أطفال وهي فقيرة. سمعت أمي تقول إنني جئت بالخطأ؛ فقد نسيت أن تأخذ الحبة... انتبهت لحركة يوستينا وهي تحمل ألعابها، طلبت منها أن تبقى لنتناول الغداء معاً، لكنها أصرّت على الذهاب. اعتذرت عن قولي إنهم نصارى عرايا. صافحتني وأكدت إن ليس هناك مشكلة، نحن أصدقاء وجيران.
خرجتْ. كانت جميلة وذكية. أبي لا يحب صداقتي بها. يقول إن عائلتها متبرّجة، يرى أنها ستفسدني، لا أدري كيف؟ فأنا أرتدي الحجاب ولا أقلدها. حديثها اليوم أربكني: هل تتعرّى أمي؟ ترتدي الخمار عند الخروج من المنزل، تربط شعرها بإسكارف في المنزل، لا نشاهد أفلاماً بها أحضان أو قبلات، شاهدتها عند يوستينا مرة، أوضحت لي إن كل الأفلام هكذا. بدأت التركيز في المشاهدة، نعم أبي يبدل القناة عند ظهور مشهد حميمي.
جلست بين أخواتي حتى غفوت، كنا نشاهد التليفزيون. جاء إعلان بصوت عالٍ، أيقظني؛ لم أفتح عينيّ، سمعت أختي تهمس: "هياخد الحباية الزرقاء زي بابا". ضحكت الأخرى، أنصت للإعلان ولم أفهم.
عندما قابلت يوستينا في المدرسة سألتها: "إزاي بتيجي العيال؟"
وضعت كفها على كتفي، دنت شفتيها من أذني: "بالبوس، يبوسها فتحمل".
‑ "يبوسها فين؟"
‑ "في كل حتة"
‑ "في كل حتة؟!"
بدا عليها الضجر مني: "أيوه"
كان سؤالي الأخير: "في كل مكان؟"
‑ "أيواه"
نادتها ماري صديقتها البدينة، تركتني وذهبت.
خرجت إلى الشرفة، كانت الشمس تلمع في السماء، وأمي تلتقط ملابس، بدت من ألوانها وصغر حجمها أنها ملابس داخلية. كورتها بين يديها، وابتسمت في وجهي ودخلتْ... مجاز
ظللت شاردة طول اليوم، لم أسمع كلمة واحدة من الدروس، كيف أتأكد من كلام يوستينا؟ عدت إلى المنزل. في المساء أخذتني أمي في حضنها ونمنا. وضعت كفي عليها؛ حتى أستيقظ إن قامت من جواري. كنت قلقة، شكوكي تخزني... هل تتعرّى أمي؟ تفعل ما تحذرني منه دائماً؟ وأبي كيف أن يصلي بهذا الخشوع وهو يقبل أمي في الأماكن المحرمة؟ أين يختبئان من الله؟
أغمضتُ عينيّ، تحركت أمي. انسحبتْ من يدي الممتدة عليها. أحكمت الغطاء فوقي ومضت. انتظرت قليلاً؛ خرجتُ خلفها. دخلت غرفة أبي. حاولتُ سماع حديثها؛ كانت آهات متقطعة: إنه يعذب أمي ولا يقبّلها. عدتُ لغرفتي. أخواتي نائمات... هل يعرفون السر؟
حاولت النوم لكني فشلت. غفوت قليلاً؛ وددت أن أسأل أمي لأعرف وأرتاح، لكنها ستسأل من أخبرني، وتمنعني من معرفة يوستينا. شعرت بالاختناق؛ خرجت إلى الشرفة، كانت الشمس تلمع في السماء، وأمي تلتقط ملابس، بدت من ألوانها وصغر حجمها أنها ملابس داخلية. كورتها بين يديها، وابتسمت في وجهي ودخلتْ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.