حرب
عبرتُ النّهر الذي ابتلعتَه السنة الماضية
اجتزتُ التقويم الهجري الذي لا يلتفت له أحد
تخطّيتُ صفّارات الإنذار وحظر التجوّل
لألحق بالقطار المعطّل
وأصل للضّفة الأخرى من الحرب.
تفاديتُ رصاص القنّاصة وتذمّر الجنود
بمظلّتك المطرية
سرتُ بمحاذاة قبلتنا الأخيرة
لأتجنّب شظايا القنابل العنقودية
تركتُ الحرب ورائي
تواصل عملها
وجئت لأقول لك
إني أحبّك.
اجتزتُ التقويم الهجري الذي لا يلتفت له أحد، تخطّيتُ صفّارات الإنذار وحظر التجوّل، تركتُ الحرب ورائي تواصل عملها، وجئت لأقول لك إني أحبّك... مجاز
ألم
تؤلمني الحرب التي تقف على رؤوس أصابعها
طوال الوقت
يؤلمني أكثر
مخاض جارتي الميّتة
قبلتك التي سقطت منك
وأنت تقطع الشّارع الفرعي للخسارة
حظّنا الذي تعثّر على سلّم الطابق الثالث
وانكسر
رغبتك العاجزة عن الحراك
وغيابك
غيابك الذي يؤلمني، في نخاعي الشوكي.
ذاكرة
أنا امرأة فاسدة
تعلّق قلبها في سقف الغرفة كل ليلة
ثم تتركه يتأرجح، كمصباح أصفر محترق
تلقي بفتات حلمتيها للعصافير كل صباح
وتبتسم
لطائر يحلّق عالياً
وهو يعضّ بنصف منقار
على سرها الكامل.
أنا امرأة معطّلة
تجلس في العتمة
وتحدّق في صوتها الذي نبت على أصابعك
بفخذيها اللذين تلقحهما كل رغبة بلسانك
برغبتها التي تجفّفها بمجفّف الشعر
كلّما تأخرت
بذاكرة تضعها في كيس كبير
وتدسها بكعب قدمها
تحت السرير
ثم تنتظرها لتختنق.
أنا امرأة فاسدة
تعلّق قلبها في سقف الغرفة كل ليلة
ثم تتركه يتأرجح، كمصباح أصفر محترق... مجاز
سمكة
كلّهم يبحثون عني
القدم المبتورة التي تحاول الفرار
طقم الأسنان الذي يعضّ على جثّة
الهواء الرّطب الذي يجفّ بملابسي الملقاة على ضفّة نهر
النهر الذي ابتلعته أنت وأخرجته أنا من فمي
الأسماك الصغيرة الملوّنة النّافقة من جيوبي الأنفية
ضوء النيون نصف المحترق
الشجرة التي تشبه فكرتنا التي علّقناها على باب الجنّة
قبلتك التي وقعت في منتصفها ذبابة ولم تكملها
الذّبابة التي دهستها دبّابة في ساعة متأخّرة
ليلة البارحة
الضّفادع التي تلتقط أفكاري المتطايرة بخفّة
كلّهم يقتفون أثر غيابي
وأنا
مثل سمكة ملساء
أنزلق تحت جسدك
كلّهم يريدون التّلصص علينا
ونحن نضع قُبلَنا في حوض الأسماك الصّغير
ونحن نعبّئ لهاثنا المحموم
في بالونات الهيليوم
ونطلقها في السّقف
ونحن ندسّ تأوّهاتنا بين الأقراص المدمجة
كي لا يلاحظها أحد
وأنت تبلع بحّتي وتخبّئني بين فخذيك
عارية
حتى لا يظهر طرف فستاني إن دخل علينا أحد.
كلّهم يقتفون أثر غيابك
وأنا
مثل سمكة ملساء، أنزلق تحت جسدك... مجاز
قبلة
لو أنّك قبّلتني قبل خروجك
لما عبرت كل هذه الطائرات فوق رؤوسنا
لو أنك لم تترك "فيروز" على الشرفة
لما استدلّت تلك القذيفة على بيتنا
لو أنك تركت رغبتك على الطاولة
ذلك المساء
لما ركبت الحرب خاصرتي النيئة.
أبي
يرصدون بكاميرا مخصّصة للتصوير عن بُعد
فتاة تغمس أيامها بمضاد للحموضة
تدفع قلبها المكسور على كرسي متحرّك
تبحث عن دليل تعليمات يرشدها للعيش من دونك
تكتب على واجهة حياتها -خلل في الصنع- ولا إشعار لذلك
تلصق على علبة مسكنات جملة "أيها الألم كن طيباً معي"، وتشير بسهم إلى مكانها
تضع خوفها بجانب مكبرات الصوت علّك تسمعه وتعود
تجمع أسباباً متوسطة الحجم والطول ليكون غيابك منطقياً
تحتفظ بلحظاتك الأخيرة في زجاجات مياهٍ معدنية
تفكك طرق احتفاظها بك قطعة قطعة، لترى لماذا تعطلت كلها فجأة!
تفتح ذاكرتها وتمسك بيد ضحكتك وتعود معها إلى البيت
وتتساءل كيف يمكن لغيابك أن يكون محبوكاً إلى هذا الحد!
يصورون ريبورتاج سيعرض غداً في "غرائب حول العالم"
عن فتاة تعيش وحيدة من دونك يا أبي!
أمي
بعد موتكِ بثلاثة أيام
متُّ
ضغطت جثتي داخل كيس سحب الهواء
وتركتها على الرّف
بعد سبعة أيام، كتبوا في تقرير الطب الشرعي:
أخرجنا من جثة فتاة:
محاولات عديدة تعاني من كسور بالغة في أنحاء متفرّقة من الجسد
صباحات متوعّكة بسطوع ظلام دامس خلف الرأس
اشتياقاً ضخماً متكوّراً في المعدة
صرخات استغاثة لضحكات كثيرة محشورة في القنوات الدمعية
كدمات زرقاء واضحة على قلب مجروش بين الأسنان
نظرات مشوّشة مصوبة نحو العالم
صرخة منقطعة الأنفاس عالقة في الحنجرة
وأياماً كثيرة غير مستخدمة بين قبضتي اليد
لا أثر لتعذيب متعمّد أو انتحار
ومن الواضح أنها عانت بشدة من أعراض جانبية للموت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...