شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
رواية

رواية "الرعب" لأيمن العتوم… توثيق لمعاناة غزّة أم محاولة تجارية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والحقيقة

الثلاثاء 27 أغسطس 202406:53 م

تشكل القضايا الساخنة والمشتعلة سياسياً واجتماعياً، بما فيها الحروب المسلحة والثورات والقضايا الفكرية الحادة المطروحة، مادةً مهمةً للمقالات الصحافية والمواد الإخبارية، وأحياناً للأدب أيضاً الذي يجد مادته الطازجة من الأحداث الدائرة، خاصةً إن كان من النوع الذي يدور في حلبة تصوير الواقع، الذي تضاف إليه نكهة "التاريخي" بعد مضي فترة من الزمن.

لهذا الأمر أهمية كبيرة، إذ يقوم بتوثيق المشاعر والحالة النفسية للبشر في أثناء حدث ما، وهو ما يتم تجاوزه عادةً. لكنه أيضاً يجعل المادة الأدبية في خطر دخول سياق الرائج، وتالياً الوقوف على حافة الكتابة الموسمية التجارية.

قد أتاح التطور الإلكتروني لوسائل التواصل إمكانات باهرةً في متابعة الأحداث المشتعلة وتغطيتها وتوثيقها باللحظة، إذ يقوم بهذه المهمة غالباً عبر الفيديوهات والمقاطع التي تنتشر في أقسى الظروف كالحروب المشتعلة، وهناك مقاطع يتم تصويرها تحت القصف وفي أثناء المعارك.

وهذا ما نراه اليوم في الحرب على غزّة المستمرة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وحتى الآن، برغم كل التضييق من القائمين في إدارة وسائل التواصل؛ فقد وصل صوت الشعب الفلسطيني الذي يباد وحصد تعاطفاً شعبياً على مستوى العالم، وها نحن نرى المظاهرات المؤيدة لغزّة في أكثر من مدينة أوروبية أو أمريكية برغم الهيمنة الإسرائيلية العالمية على الإعلام الغربي.

يقول العتوم حول اختيار العنوان: "إن كلمة الرعب وردت في القرآن الكريم أربع مرات؛ مرتين لليهود ومرتين للعرب الكفّار، وفي الواقع فإن حرب غزّة تقذف الرعب في قلوب اليهود مرةً وقلوب العرب مرةً أخرى"

فالحرب الدائرة في قطاع غزّة لم تترك مجالاً للشك أمام أي إنسان طبيعي في أنها ليست سوى حرب إبادة حقيقية توازي الهولوكوست وتتجاوزها في أدواتها وبشاعتها.

في الاتجاه نفسه، صدرت كتب عديدة سابقاً، توثّق العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزّة على مدار سنوات طويلة، مرةً تلو أخرى، ولعلّ أول كتاب توثيقيّ لما جرى في غزة كان من الدكتور المصري أحمد شوقي الفنجري الذي قام بكتابة مشاهداته في فترة وجوده في غزّة وعمله في مستشفياتها، ثم كتاب "عيون من غزّة" للدكتورين إيريك فوسا ومادس جيلبرت من الدانمارك والذي أحدث ضجةً كبيرةً لتغطيته عدوان 2008 على غزّة، وبشكل وثائقي وعبر الصور في أثناء التواجد في المشافي وسرد ما رآه الطبيبان من مآسٍ، وتدمير للبنية التحتية والمرافق العامة والمستشفيات. والمهم هنا أنه كُتب بقلمين أوروبيين وليس بقلم عربي يستجدي التعاطف، كما كثير من مثل هذه الأعمال. وتضاف إلى ذلك أعمال أدبية كثيرة، كرواية "الشوك والقرنفل" ليحيى السنوار. 

وقد صدر قبل أيام عمل روائي بعنوان "الرعب/حكاية الحرب في غزّة"، للروائي الأردني أيمن العتوم، وتم طرحه في معرض إسطنبول للكتاب عن دار الغوثاني للدراسات القرآنية. 

إلا أن الرواية الأخيرة للعتوم أثارت عاصفة من الجدل خرجت أساساً من قطاع غزة، والسبب هو "الاستعانة بالخيال الروائي لوصف حرب إبادة تتفوق على الخيال في شراستها"، و"لأن الكتابة عن المجزرة ممن لم يعايشها تعتبر ترفاً فكرياً" كما يقول بعض المهاجمين، لكن هل هذه هي الأسباب الوحيدة؟  

غلاف رواية "الرعب: حكاية الحرب في غزة" لأيمن العتوم

يتناول أيمن العتوم (مواليد جرش 1972)، وهو صاحب خمسة دواوين شعرية و22 روايةً، مجريات الحرب في غزّة وذلك حسب ما ذكر في تغطية إعلامية على هامش معرض الكتاب وإطلاق الرواية، "بهدف حفظ السردية التاريخية وحق أهل غزّة في نضالهم وحربهم ضد الاحتلال الغاشم".

يشدّ العنوان القارئ الذي يتوقع حجم ما يعيشه الفلسطيني تحت عدوان مستمر غير معروف الأمد. وفي إجابة الكاتب عن سؤال حول اختيار العنوان، يقول: "إن كلمة الرعب وردت في القرآن الكريم أربع مرات؛ مرتين لليهود ومرتين للعرب الكفّار، وفي الواقع فإن حرب غزّة تقذف الرعب في قلوب اليهود مرةً وقلوب العرب مرةً أخرى". 

كتب أيمن العتوم، الغزير الإنتاج بشكل لافت، ديوانه "نبوءات الجائعين" في السجن، وقد تم سجنه إثر كتابته عن أحداث جامعة اليرموك، إذ استمد من أحداث حقيقية مادته الأدبية وغطّى في روايات عدة له أحداثاً واقعيةً يتناول تفاصيلها المؤثرة، مما زاد شعبيته بين قرّائه. ويقول إن فترة سجنه هي التي جعلت شاعريته تتدفق، فكلما ازداد حرمان الجسد ازداد فيض الروح!

تناول العتوم في روايته الأخيرة "الرعب"، وضع المرأة الغزّية الجبارة التي تحاول شقّ طرق وأساليب للحياة ضمن المتاح وسط هذه المجزرة المستمرة، والحقيقة أن كل الغزّيين باتوا أبطالاً في صمودهم، وضحايا في مأساتهم اليومية، حتى الأطفال منهم. إنه الصراع مع الموت بيد عزلاء. 

يقول في إجابته عن سؤال من أين استقى المعلومات التي بنى عليها الرواية؟ إنها عن طريق شهود عيان عانوا وطحنتهم الحرب وقد اختار أبطاله بقدر يجعلهم قادرين على متابعة سرد الأحداث فاختار "فرج أبو الغوف" الذي يعمل ممرضاً في أحد المستشفيات، والصحافية سلام لتقوم بتغطية الأماكن الملتهبة بالأحداث. وبهذا فقد تابع أسلوب الإصدارات السابقة بشكل أدبي. 

لكن الأجوبة السابقة لم تشفع له من تهم "البراغماتية" و"الوصولية" و"التسلق على آلام أهل غزة لبيع مزيد من الكتب"، لا سيما وأن الكثير من المعترضين يرون أن خلط الخيال بالواقع يقلل من مصداقية الحدث في التاريخ، وأنه لا يصب لصالح سردية الضحية، كذلك ظهر هناك اعتراض كبير على "تأريخ" المجزرة قبل نهايتها كما أشار بعض المعلقين، وعلى الاستعجال في استلهام الألم وهو لم يزل حاضراً لا ماضياُ. 

معظم الاعتراضات على الرواية خرجت من داخل قطاع غزة، مع تهم بالوصولية والتسلّق على آلام الغزيين والكتابة عن المجزرة قبل أن تنتهي

وقد جوبه الكاتب الذي ينتمي لعائلة من قيادات الإخوان المسلمين في الأردن بموجة انتقاد تحيل نية الرواية إلى "الترويج لحركة حماس"، والإصرار على ثنائية البطل الضحية، التي يرفضها فلسطينيون من داخل القطاع وخارجه.

ترك العتوم نهاية الرواية مفتوحةً على أمل قادم عبر أجيال جديدة ستأتي. فالرواية هي عن الأمل بعد الألم. فبعد الشدة دائماً يأتي الانفراج كما بعد الليل يأتي النهار حسب قوله في لقاء صحافي، ولعل المعالجة المألوفة على هذا المنوال المذكور بسبب استمرار الحدث وعدم القدرة على التكهن بوضع نهاية أدبية لحدث مستمر حتى اللحظة، وعدم وجود رؤية لما سيأتي.

تُرجمت روايات العتوم إلى التركية والإنكليزية والعبرية، فهل تقدّم رواية "الرعب" إضافةً جديدةً للقارئ الغربي في حال ترجمتها لتوضيح الحق الفلسطيني الذي تمت تعميته والتعتيم عليه كل هذا الزمن؟ أم أنها لن تضيف إلى ما تناقله أبناء غزة وأهاليهم في أماكن أخرى خارج القطاع من تفاصيل معاناتهم اليومية؟ فقد خرجت على المواقع التواصل الاجتماعي تعليقات ومنشورات كثيرة غاضبة من أهل غزة، في رفض للـ"الكتابة عن الإبادة قبل أن تنتهي". بينما وصفتها منشورات أخرى بـ"السبق التجاري" و"محاولة التكسب من دم الغزيين"، معترضة كثيرة من هذه التعليقات على الكتابة عن الحرب على يد من لم يختبرها.

وقال آخرون إنه "من واحب ومنطق الاحترام للضحايا يجب أن تُعطى الفرصة لمن عاش الإبادة ليرويها"، وإن "كتابة تلك التجارب عبر شخوص لم يعيشوها ولو بشكل غير مباشر يفقدها قوتها وواقعيتها".

المدافعون عن العتوم اعترضوا على الهجوم على كاتبهم، معتبرين أن "كل من يستطيع أن يقدم شيئاً لأهل غزة فليقدمه"، مستشهدين بتاريخ الكاتب الشخصي والأدبي "المنحاز للمقاومة". بينما وصف بعض المدافعين عن العتوم كلَّ من هاجم الرواية بـ"العميل".

أعلن العتوم أن جزءاً من ريع الكتاب سيتم التبرّع به لأهل غزّة، ولكن هل يكفي هذا لتسويق كتاب استقى مادته من معاناة أهل غزّة؟ يعيدنا هذا للسؤال حول الإصدارات التي تستفيد من القضايا الساخنة لتحقيق شعبية ومتابعة واسعة من الجمهور، فتدخل في إطار التسويق للرائج، ويذكرنا ذلك بالروايات التي صدرت في أثناء موجة انتشار الكورونا قبل اتّضاح طبيعة الوباء أو استمراريته. النظر من هذا الجانب، إلى رواية تتناول قضية حق وقضية شعب يباد تلوح بانتقال الأدب من الكفاح الحقيقي إلى الأدب الذي يقوم بركوب موجة الحدث، وهذا قد يجعل الثقة تهتزّ حول الدافع الحقيقي، فمن ينسى الصورة الفائزة بجائزة عالمية عن النسر الذي ينتظر موت طفل إفريقي ليلتهمه؟

لم تشفع للمصوّر مهاراته في التقاط اللحظة أمام تذمّر المشاهدين من قسوتها، وما تقود إليه من إحساس باللامبالاة تجاه المعاناة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image