باربد، موسيقي إيراني كبير، عاش في عصر آخر إمبراطورية إيرانية قبل الإسلام، العصر الساساني، وقد رُويت العديد من القصص والأساطير حول موسيقاه، وتأثيره على الموسيقى والأدب الفارسيين. ومن أشهر القصص والروايات التي تُروى عنه، قصة باربد والحصان شبديز المفضّل لدى الملك الساساني كسرى خسرو برويز.
تروي هذه القصة، حكاية كسرى، الذي أحب حصانه شبديز كثيراً إلى درجة إعلانه أنه سيتم إعدام كل من يعلن خبر وفاته، وعلى هذا الأساس بعدما مات هذا الحصان، تجنّب جميع أعضاء الحكومة إخبار الملك بالأمر، وذلك لما كان فيه من مخاطرة على حياتهم. من هذا المنطلق غنّى باربد، أغنيةً حزينةً لحل هذه القضية العويصة. وعند سماع الأغنية، قال خسرو: "مات شبديز"، فرد باربد: "نعم مات شبديز، وحضرتكم أعلنتم خبر وفاته"، وهكذا نجا باربد والبقية من خطر الموت.
وفي كتاب "خسرو وشيرين"، للشاعر الإيراني الشهير نظامي الكنجوي (بالفارسیة: گَنجوی)، ورد أن كسرى خسرو برويز، رأى في منامه جدّه خسرو أنوشيرفان، فبشّره بوجود مُنجّم وفنان في بلاطه يُدعى باربد، يمكن لفنّه أن يُحلّي طعم السم. ولكن من هو باربد؟ وفي أي جوّ نمت موسيقاه وفنّه؟
باربد... أقدم اسم في الموسيقى الإيرانية
باربَد أو باربُد، كان شاعراً وموسيقياً ومنجّماً وعازف عود ومؤلف أغانٍ إيرانياً، خدم في بلاط الملك كسرى، واشتهر بالاختراعات الموسيقية المختلفة، إلا أن بعض هذه القصص مشكوك فيها، حيث أنها قديمة ومرّت عليها قرون عدة، ولكن هذا الأمر لا ينفي أن باربد، يُعدّ من أشهر الأشخاص في تاريخ الموسيقى الإيرانية، كما يُعدّ أبرز موسيقار في عصره.
عاش باربد في عصر آخر إمبراطورية إيرانية قبل الإسلام، العصر الساساني، وقد رُويت العديد من القصص والأساطير حول موسيقاه، وتأثيره على الموسيقى والأدب الفارسيين
وقد ورد ذكر باربد مرات عدة في الأدب الفارسي، لا سيما في "الشاهنامة" للشاعر الإيراني أبي القاسم الفردوسي، حيث يظهر محتوى هذه المراجع المهمة وتكرارها لقصص باربد، تأثيره الفريد على الموسيقى والثقافة في عصره، حتى أن بعض المصادر تقدّمه على أنه مؤسس الموسيقى الإيرانية. وبرغم أنه لا يُعرف سوى القليل عن حياته، إلا أن الأصالة التاريخية لباربد مقبولة بشكل عام.
وُلد هذا الموسيقار، في مدينة جهرُم جنوب إيران، وقضى معظم حياته المهنية في بلاط كسرى خسرو برويز، لكن هناك روايات تاريخيةً متضاربةً حول مسقط رأس باربد، حيث يرد في المصادر القديمة أن مدينة مرو في شمال شرق إيران، هي مسقط رأسه، بينما تحدد المصادر الأحدث مدينة جهرم، كمكان لولادته.
الموسيقى... تُعزف منذ آلاف السنين في إيران
يعود تاريخ الموسيقى في إيران إلى العصور القديمة، وتُعدّ إيران مسقط رأس الآلات الموسيقية المعقّدة الأولى، حيث يعود تاريخ بعضها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد. تمتلك كل منطقة في إيران عدداً كبيراً من الآلات الموسيقية المحلية مثل آلات النفخ والجلد والآلات الوترية، وتُستخدم آلات مثل التار والسيتار والعود والقانون والكمان والناي والدف وآلات أخرى في الموسيقى الوطنية الإيرانية.
أهمية الموسيقى في الفكر الإيراني كبيرة، إلى درجة أن معظم العلماء والفلاسفة الإيرانيين خصصوا موضوعاً للموسيقى في كتبهم وأطروحاتهم، وهنا يمكن أن نذكر منهم أبا نصر الفارابي، وابن سينا، وصفي الدين الأرموي، وقطب الدين الشيرازي، وعبد القادر المراغي. وعن تأثير هؤلاء الفلاسفة، كتب ابن خلكان في كتابه "وفيات الأعيان"، عن الفارابي، عادّاً إياه أعظم فلاسفة المسلمين ولا يمكن لأحد أن يصل إلى درجته ومرتبته العلمية الفلسفية.
ومن أعمال الفارابي الفريدة في الموسيقى، يمكن الإشارة إلى كتاب "الموسيقى الكبير"، وهو كتاب أصبح أساساً للعديد من الأفكار حول الموسيقى في الحضارة الإيرانية. إلمام أبي نصر بالموسيقى وإتقانه إياها عملياً ومهارته الفريدة في هذا المجال، تسببت في خلق العديد من الأساطير التي جعلت موسيقاه العظيمة تُعرف كواحدة من الأعمال النادرة والفريدة للحضارة الإسلامية في الموسيقى.
كما أن اهتمام الفارابي بفن الموسيقى العملية، دفعه إلى الخوض في تفاصيل قضايا الفن النظرية وتوضيحها في تحديد أساسيات الموسيقى ومبادئها. اهتمام فارابي هذا، يظهر مكانة الموسيقى في عيون المثقفين الإيرانيين، خلال تلك البرهة.
الموسيقيون أعلى من الأمراء
السلالات التي حكمت إيران قبل الساسانيين، والتي يوجد لها تاريخ موثّق، هي: البشداديون والكيانيون والماديون والأخمينيون والسلوقيون والبارثيون، حيث لم يوجد أي دليل موثّق على مكانة الموسيقى، في السلالات الثلاث الأولى، ولكن يبدو أن الموسيقيين كانوا يتمتعون بمكانة عالية في زمن الماديين.
وخلال العصر الأخميني، كانت الموسيقى تُدرج في ثلاثة فئات هي: الاحتفالية والعسكرية والدينية، ولكن الوثائق المكتوبة حول هذا الموضوع محدودة. بعد ذلك وخلال الفترة السلوقية، انتشرت الثقافة والمعرفة الموسيقية اليونانيتان في إيران، وربط هذا الأمر الموسيقى الإيرانية القديمة بالموسيقى اليونانية. وتطوّر هذا الارتباط خلال الفترة البارثية.
ما نعرفه عن موسيقى إيران، خلال عصور ما قبل الإسلام، يعود بشكل رئيسي إلى العصر الساساني، وبشكل أدقّ، إلى الأغاني المنسوبة إلى باربد، التي كانت تُعزف وتُغنّى يومياً في بلاط كسرى، إذ كان لكل برنامج موسيقي، نظام وترتيب خاص لأداء الأغاني.
كان باربد هو الموسيقي المفضّل لكسرى، ملك إيران، منذ تنصيبه في البلاط، وهناك العديد من القصص عن ودّية العلاقة بين الاثنين، إذ يقال إن علاقته بالملك كانت من النوع الذي دفع أعضاء البلاط الآخرين، إلى طلب توسطه في الخلافات بينهم وبين الملك
خلال العصر الساساني الذي استمر 428 سنةً، حكم ما يقارب أربعين ملكاً، وكانت أدوار أربعة من الملوك أكثر أهميةً من غيرهم في تطور الموسيقى، لا سيما أن في عهد هؤلاء الأربعة حدثت تغيرات كبيرة في وضع البلاد، والموسيقى والموسيقيين ليسوا بمنأى عن هذا الأمر. ولذلك يعدّ البعض أن عصر كسرى خسرو برويز هو العصر الذهبي للموسيقى الإيرانية القديمة، على الرغم من أن الكثيرين يعتقدون أن مكانة الموسيقيين في هذه الفترة لم تكن عاليةً كما في عصر بهرام جور (بالفارسية: گْور)، لكن ما هو مهم لنا، أن باربد اشتهر في عهد كسرى.
باربد وكسرى
كان في بلاط كسرى موسيقيان مشهوران، أحدهما باربد والآخر سَركَش. في البداية، كان سركش هو موسيقار البلاط، ومن أجل الحفاظ على منصبه هذا، أبعد باربد الذي كان شاباً عن عيون الملك، وحول هذا الموضوع، يروي الشاعر أبو القاسم الفردوسي، والثعالبي وهو شاعر ومؤرخ إيراني ناطق بالعربية، قصةً مفادها أن باربد أراد أن يزيح سركش عن منصبه، لكن سركش كان يمنعه من القيام بذلك.
لهذا، ارتدى باربد رداءً أخضر واختبأ في الحديقة الملكية، وعندما دخل كسرى خسرو برويز الحديقة، عزف باربد ثلاث أغنيات على عوده، فتأثر كسرى فور سماعه صوت عوده، وعيّنه كبير العازفين والموسيقيين بدل سركش. كان باربد هو الموسيقي المفضّل لكسرى خسرو برويز، منذ تنصيبه في البلاط، وهناك العديد من القصص عن ودّية العلاقة بين الاثنين، إذ يقال إن علاقته بالملك كانت من النوع الذي دفع أعضاء البلاط الآخرين، إلى طلب توسطه في الخلافات بينهم وبين الملك.
هناك روايات متضاربة حول السنوات الأخيرة من حياة باربد، وبحسب الفردوسي، فقد انتقل باربد من جهرم إلى تيسفون، بعدما قطع أصابعه وأحرق عوده، حزناً على اغتيال كسرى على يد شيرويه ابن الملك كسرى الثاني، كما أن هناك قصةً أخرى، تقول إن سركش الذي بقي في البلاط بعد عزله من منصبه، قام بتسميم باربد، هذا في حال تصديق زعم بعض المؤرخين، بأن باربد هو من سمم سركش. لكن الملك عفا عنه بواسطة "نكتة" أعجبته.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم