شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
العرس في

العرس في "قلعة دمشق"... والطبل في باقي أنحاء سوريا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والحريات العامة

الاثنين 26 أغسطس 202411:00 ص

انتهت مظاهر الحرب ولازالت تداعياتها ترعبنا؛ فالممارسات القتالية والأسلحة وقذائف الهاون وغيرها تلاشت إلا من عدوان إسرائيلي يستبيح المُباح، وينكّل بما تبقى من هيبة فضفاضة بعد أن وهن الجسد وخار.

ينطبق هذا على الأقل على العاصمة والمحافظات البعيدة عن الجهة الشمالية التي تصلنا أخبارها بالقطّارة، في حال كنا نرغب أن نتابع (فاللي فينا مكفينا) وصلنا لمرحلة الأساسيات، فاستحوذت على تفكيرنا ربطة الخبز وجرّة الغاز التي تلفظ شهقاتها الأخيرة، وتقاوم مثلنا تماماً، وما عدنا نملك نعمة الفضول، فبات كل حدث دون ذلك، خارج شؤوننا.

قد يخرج أحدهم علينا ويؤكّد بالأدلة والإحصائيات بأننا أعثر حالاً عمّا كنا عليه في عزّ الحرب وأصواتها. نصدّقه حتماً، فاللهاث وراء رغيف الخبز يُثقل الكاهل المُنهك أساساً، وبورصة الأسعار المتسارعة بخطّها البياني المتصاعد تُطفئ جذوة الحياة في دواخلنا. وقد يجزم آخر بأن السلخ لا يضير الشاة بعد ذبحها، لكن ماذا عن باقي الحملان المرتجفة خوفاً كلّما أشهر اللحام سكينه ولمع نصلها أمامهم؟ هل خوفهم بدعة وضلالة لا تستدعي حلّ؟

دعكم من الحلّ فهو سراب كنا نصدّق وجوده فيما مضى. ماذا عن الإجراءات الإسعافية لروحٍ تنزف قلقاً، رغم تسليمها بالقضاء والقدر والنصيب والحظّ وحتى توقعات الأبراج اليومية، إلا أن "طاسة" الرعبة لا تزال من روتينها اليومي؟

غبّتْ دمشق بالأمس القريب من "طاسة" الرعبة، حين انسلّ الرعب بعد منتصف ليل الجمعة لقلوب النائمين، فظننا أن الإسرائيلي قد فطنَ لهدفٍ إيراني جديد، أو طرفٍ لحزب الله أراد أن يبتره هنا أو هناك، وهذا موسم التخفيضات والاغتيالات بالجملة والمفرّق

طاسة الرعبة

غبّتْ دمشق بالأمس القريب من "طاسة" الرعبة، حين انسلّ الرعب بعد منتصف ليل الجمعة لقلوب النائمين، فهرعوا كعادتهم يتتبعون صفحات التواصل الاجتماعي علّهم يتحسّسون لأصوات الفزع دلالة، بينما آثر آخرون، وكنت منهم، الخلود مجدّداً إلى النوم، فهذه نهاية الأسبوع، لابدّ وأن الإسرائيلي قد فطنَ لهدفٍ إيراني جديد، أو طرفٍ لحزب الله أراد أن يبتره هنا أو هناك، وهذا موسم التخفيضات والاغتيالات بالجملة والمفرّق.

إلا أننا، ولا أدري لماذا، حين أُعلمنا بأنها ألعاب نارية ابتهاجاً لأحدهم وقد قرّر أن يدخل القفص الذهبي (وهذا شأنه الغبي الخاص) انتفضنا غضباً، وبدا كما لو أننا نتذكر ثقافة المواقف العنجهية، وكيف لنا أن نوثِق زرّ الاحتجاج في عروة الاستنكار. أتكلّم باللغة الجمعية هنا وقد افتقدناها في هذا السياق لفترةٍ ليست بالوجيزة. لطالما جمعتنا "واو الجماعة" بقراراتِ رفع أسعار الوقود، والدواء، وأجور المشافي، وضريبة الرفاهية المتماهية بضنك العيش، أما وقد تعرّضنا لهجوم من أي طرف، نطلق النكات ونتهكم على حالنا ومآلنا.

تضمّن عرس رجل الأعمال البارز، فرقاً استعراضية وأزياء رومانية لحرّاس قلعة يستقبلون الضيوف الفاتحين

المشهد ذاته كنا قد عشناه صبيحة يوم الجمعة لعام 2017، حين استيقظت دمشق وقلبها يدقّه الخوف ويتلمّظ بهدوء نسبي ليوم عطلتها، لنستوعب بأنها دريئة للفن آنذاك، فالمخرجة المهنية رشا شربتجي، أرادت المصداقية لمشهدٍ يختتم عملها الفني "شوق"، والتي أوضحت فيما بعد بأن البطلة؛ أي شوق الشابة المصابة بالزهايمر هي دمشق! نعم ربما على دمشق أن تُصاب بالزهايمر مراراً لعلّها تغفر لأبنائها الفنانين والمثقفين، المسؤولين والاقتصاديين، الضالّين والصامدين والمغرّر بهم. أذكر جيداً كيف دقّت بابنا مجموعة من الجنود مدجّجي السلاح، اقتحموه وفتشوا عن المخربين في يوم انتخابي مشمس: كان ابن الجيران (الله يسامحه) على السطح الملاصق لسطحنا، يعبث بألعاب نارية، ولا أدري ما الذي خطر في باله يومها، لكن الأكيد أنها أصوات تجذب رائحة الخوف.

بلد بأكمله صار معروضاً على رفّ التجارة، تباع أجزاء منه وتُؤجّر أجزاء، تُنهب أجزاء وتُدفن أجزاء، ونحن، بأكملنا أيضاً، رجالاً ونساء، أشجاراً وأرصفة وبيوتاً، لا نمثّل أكثر من تلك المانيكانات التي توضع في المحلات التجارية، نرتدي ما يرميه علينا صاحب المتجر، ونحمل تلك الابتسامة البلاستيكية البلهاء

أعراس النخبة 

تضمّن عرس رجل الأعمال البارز، فرقاً استعراضية وأزياء رومانية لحرّاس قلعة يستقبلون الضيوف الفاتحين، ما استدعى استنكار البعض ممن يرون أن "بلدنا صارت بلد"، فيما رأى رجال أعمال آخرون بأن هذا البذخ يرفد خزينة للدولة بمال سيخصّص لترميم القلعة. لم تكن ردّة الفعل استنكارية كون الجاني هذه المرة يفرح مستهتراً بمشاعر مهترئة لأناس خبروا الحرب بكل ألوانها وحسب، وأطلق المفرقعات من أسوار قلعة دمشق المتوغلة بالقدم، والمدرجة على لائحة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، والتي صمدت أسوارها في وجه تيمورلنك وقاومت وحشيته، بل كانت ذكريات مؤلمة فحسب.

لا أرى بأساً باستعمال الأملاك العامة، الأثرية منها والسياحية، لخدمات خاصة، فالعريس "يتمتع" بالجنسية السورية ومن حقّه أن يستأجر الملكية العامة ليحيي فرحاً ومحبة، ينفق من طوائل الأموال ليرضي بهجة "ليلة العمر"، ولو أن الرأي العام يربط بين أصحاب تلك الأموال ونفوذ يطلق أياديهم للتجاوزات، وفي هذا المقام، لستُ بصدد التطرّق للحقد الطبقي الذي بات جليّاً في هذه البقعة الجغرافية المفصولة بإحكام ببرزخٍ تتّسع هوّته بالتقادم. كما يحقّ لشربتجي أو أي مبدع آخر أن يستخدم الرصيف والشارع والزقاق، وحتى المتحف، لغرض فني إبداعي، إلا أن التخريب والأذية هي مربط الفرس هنا، ومفصل أساس لا يمكن إغفاله، ومع ذلك تمّ تنويمه، بل هناك من تستّر أو استهتر بواجب المواطنة وحقوقها وكأن الأمر سيان.

وفي حين اعتذرت شربتجي من الدمشقيين لإخافتهم، وأكّدت بأنها حصلت على الموافقات بشكل نظامي، أعلنت مديرية الآثار والمتاحف إثر حادثة "عرس القلعة"، بأن أصحاب العرس استدعوا للتحقيق من قبل وزارة الداخلية بشأن المفرقعات، وبأن مديرية الآثار ستفرض عقوبة تتمثل بالغرامات المالية على المخالفين، إلا أنهم، أي أصحاب العرس، أكّدوا أن لا علم لهم بالأمر، حيث أن أحد المدعوين للحفل الأسطوري قام بهذا التصرّف الفردي، فأطلق ألعاباً نارية تكفي لصنع قنابل حقيقية!

حسناً، لعلّنا محظوظين بهذا التصرف الأرعن الفردي الذي فتح لنا بوابة المعرفة حول الأعراس والمناسبات الخاصة التي تقام في صروح تاريخية كخان أسعد باشا، ومنهم من أكّد على عرس آخر أقيم في معبد بعل التدمري، مُنعت شخصياً من التقاط صورة فوتوغرافية في إحداها وهو قصر العظم، لأبقى طوال طريق العودة للبيت أحاول أن أبرّر السبب، لعلّ ضوء الفلاش يؤذي التماثيل والأقمشة التي ترتديها، أو لعلّه يؤذي رداءة الفضيحة؟

لا أدري حقاً: هل يجب أن نغضب لانتهاك تاريخنا وأوابده، أم لانتهاك مستقبل أطفالنا ومعالمه الغامضة؟ هل نصفّق لعريس امتلك في ثروة تؤهّله استئجار "قلعة دمشق" كاملة بعصورها، أم ندبك على وقع الطبول في باقي أرجاء سوريا؟ لكن ما أنا أكيدة منه أن بلداً بأكمله صار معروضاً على رفّ التجارة، تباع أجزاء منه وتُؤجّر أجزاء، تُنهب أجزاء وتُدفن أجزاء، ونحن، بأكملنا أيضاً، رجالاً ونساء، أشجاراً وأرصفة وبيوتاً، لا نمثّل أكثر من تلك المانيكانات التي توضع في المحلات التجارية، نرتدي ما يرميه علينا صاحب المتجر، ونحمل تلك الابتسامة البلاستيكية البلهاء، فرحين بموتنا المقبل.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

لا ليل يطول، ولا خريف

بعد ربيعٍ عربي كان يزهو بفورات الأمل ونشوة الاحتجاج، ها هي نوستالجيا الحريّة تملأ قلوب كلّ واحد/ ةٍ منّا حدّ الاختناق.

نوستالجيا أفرغها الشلّل القسريّ الذي أقعدنا صامتين أمام الفساد العميم والجهل المتفشي. إذ أضحت الساحات أشبه بكرنفالاتٍ شعبية، والحقيقة رفاهيةً نسيناها في رحلتنا المضنية بحثاً عن النجاة.

هنا في رصيف22، نؤمن بالكفاح من أجل حياةٍ أفضل لشعوب منطقتنا العربية. ما زلنا نؤمن بالربيع العربي، وربيع العالم أجمع.

Website by WhiteBeard